التحليل الاقتصادي الجزئي و الكلي :
علم الاقتصاد Economics هو "العلم الاجتماعي الذي يهتم بكيفية استخدام المجتمع لموارده المحدودة لإشباع حاجاته الغير محدودة".
وينقسم التحليل الاقتصادي إلى فرعان رئيسيان هما : التحليل الاقتصادي الجزئي الذي قمنا بدراسته في مادة مبادئ الاقتصاد الجزئي(101)، والتحليل الاقتصادي الكلي الذي سيكون محل دراستنا في هذه المادة. الاقتصاد الجزئي Micro-economics يتعامل مع الوحدات الفردية في الاقتصاد، وهي عادة الفرد أو الأسرة Household و المنشأة Firm، حيث يركز على سلوك المستهلك و بالكيفية التي توزع بها الأسرة دخلها بالإنفاق على مختلف السلع و الخدمات. كما يهتم الاقتصاد الجزئي بتحديد مستوى الإنتاج الذي يمكن المنشأة من تعظيم أرباحها.
وعلى النقيض من ذلك نجد الاقتصاد الكلي يتناول دراسة المواضيع الاقتصادية ذات الحجم الكبير، فيتعامل مع الاقتصاد القومي في مجموعه متجاهلاً الوحدات الفردية، وكثير من المشاكل التي تواجهها. وبالتركيز على الاقتصاد القومي في مجمله، فإن الاقتصاد الكلي يهتم بالناتج الكلي للاقتصاد و المستوى العام للأسعار وليس بالناتج ومستوى الأسعار في كل منشأة على حدة.
وهناك فرق أيضاً بين الاقتصاد الجزئي والكلي من حيث المنهجية، فالاقتصاد الجزئي يفترض بشكل عام أن الناتج الكلي والمستوى العام للأسعار محددان ومن ثم فهو يحاول شرح كيفية تحديد الناتج والأسعار للسلع كل على حدة.
هذا ويفترض التحليل الكلي استقرار توزيع الناتج والأسعار النسبية، ويعامل الناتج الكلي والمستوى العام للأسعار كمتغيرين محاولاً شرح كيفية تحديدهما. وقد يصعب عملياً إدراك هذا الاختلاف بينهما حيث أن التغير في المتغيرات الجزئية قد يؤثر بقوة على المتغيرات الكلية والعكس بالعكس. فارتفاع سعر سلعة كالنفط مثلاً يؤثر بدون شك على النشاط الاقتصادي العالمي أو على الأقل النشاط الاقتصادي لدولة معينة، وعليه فإن المشكلة الجزئية تؤثر على الاقتصاد الكلي.
أهمية النظرية الاقتصادية الكلية
لم يحتل التحليل الكلي مكانته الحالية في النظرية الاقتصادية إلا منذ زمن قريب وفي منتصف هذا القرن بفضل الاقتصادي البريطاني "جون مينـرد كينز" J.M.Keynes (1883-1946)، لكن هذا لا يعني عدم وجود التفكير الكلي في المشكلات الاقتصادية قبل ذلك.
اهتم التجاريون في القرن السابع عشر بتحقيق مصلحة الدولة وليس مصلحة الفرد أو الطبقات كل على حدة في داخل الدولة، كما نادوا بالتدخل الاقتصادي للدولة وعدم ثقتهم في قدرة النشاط الاقتصادي الفردي على تحقيق مصلحة الدولة بمفرده.
وفي عام 1758م جاء "فرانسوا كيناي" مؤسس أول مدرسة اقتصادية (مدرسة الطبيعيين) وصاحب أول مؤلف اقتصادي يتناول دراسة الظواهر الاقتصادية الكلية في المجتمع (الجدول الاقتصادي Economic Table ) مؤكداً للعلاقات التبادلية بين القطاعات كوحدة مترابطة الأجزاء. قدم بعد ذلك الاقتصادي الفرنسي "جان باتست ساي" أفكاراً متعلقة بالتحليل الكلي، والتي عرفت بقانون ساي Say's Low (النظرية التقليدية).
أما عن "كارل ماركس" مؤسس الاشتراكية العلمية فكان صاحب أول محاولة لتناول مشكلات النظام الاقتصادي ككل، ولرسم صورة متكاملة عن الحياة الاقتصادية والعلاقات الكلية التي تشتمل عليها هذه الحياة (النظرية الاشتراكية العلمية). كانت نقطة الأساس والتحول نحو التحليل الاقتصادي الكلي المعروف لدينا في الوقت الحاضر هي عند نشر "كينز" لمؤلفه (النظرية العامة في التوظف والفائدة والنقود). ويعتبر موضوع الاقتصاد الكلي مهماً وممتعاً في نفس الوقت، إذ تخصص الصحف اليومية والمجلات والدوريات صفحات منها لطرح
ومناقشة موضوعات الاقتصاد الكلي كتلك المتعلقة بالرفاهية الاقتصادية ومستوى الدخل والتوظف والبطالة وغيرها، وكذلك تعمل برامج الإذاعة والتلفاز. والسبب في ذلك أهمية موضوع الاقتصاد الكلي الذي يتناول مسائل تهم جميع أفراد المجتمع. وعلى ضوء الدراسات الاقتصادية تتحدد قدرة الأفراد على الاستهلاك و مدى استطاعتهم على تحسين أوضاعهم المعيشية، كما يتعرفون على تأثير ارتفاع مستوى الناتج القومي على الوضع الاقتصادي والأسعار والأجور، وأمور أخرى كثيرة. و بالتركيز على الاقتصاد
القومي في مجموعه ، فإنه يمكننا تلخيص الموضوعات التي يهتم بها الاقتصاد الكلي (محل دراستنا) في النقاط التالية :
1- دراسة وتحليل المتغيرات الاقتصادية الكلية كالناتج الكلي في الدولة ، الدخل القومي والعمالة، المستوى العام
للأسعار والمستوى العام للأجور.
2- يتناول الطلب الكلي في المجتمع والمتمثل في الإنفاق الكلي، ويتناول العرض الكلي والمتمثل في الناتج الكلي من السلع والخدمات، وبالتالي كيفية تحديد الدخل التوازني.
3- تحليل ودراسة المشكلات المتعلقة بالتضخم والبطالة ومحاولة تقديم الحلول الخاصة بها، كما يدرس المشاكل المتعلقة بالنمو الاقتصادي وميزان المدفوعات.
4- دراسة دور الدولة في النشاط الاقتصادي عن طريق السياسات النقدية والمالية والمتعلقة بتحقيق الاستقرار الاقتص
النظرية الاقتصادية و السياسة الاقتصادية :
النظرية الاقتصادية Economic Theory هي مجموعة النظريات الخاصة بشرح سلوك الظواهر الاقتصادية المختلفة. وتعرف بأنها "هي التي تضع القواعد و المبادئ الاقتصادية والتي تكون بمثابة مرشد في اتخاذ القرارات في ظل مجموعة من الظروف". فهناك الكثير من الظواهر الاقتصادية التي يمكن أن نشاهدها والتي تجعلنا نتساءل عنها وعن العلاقة التي نجدها بين شيئين أو أكثر فيها. وترتبط تلك الظواهر مع بعضها بعلاقات متشابكة ينبغي اكتشافها والتعرف على حركتها وكيفية التأثير فيها، ويكون ذلك من خلال النظرية. والنظرية الاقتصادية تتكون كأي نظرية علمية من:-
أولاً- مجموعة من التعاريف Definitions التي توضح المقصود من التعبيرات والمفاهيم المختلفة المستخدمة.
ثانياً- مجموعة من الفروض الشرطية Assumptions والتي تحدد الظروف التي لابد من توافرها حتى تنطبق النظرية.
ثالثاً- واحد أو أكثر من الفروض الاحتمالية Hypotheses عن كيفية سلوك بعض الظواهر. ولكي تكتمل النظرية فلابد من اختبار هذه الفروض لمعرفة فيما إذا كان هناك من المشاهدات ما يؤيد الفروض لكي يتم قبول النظرية، و إن لم يكن ترفض النظرية.
أما السياسة الاقتصادية فهي Economic Policy "اتخاذ قرارات معينة في ظل ظروف معينة". ولو أنه من المستحسن أن تتبع سياستنا الاقتصادية النظرية الاقتصادية،إلا أنه كثيراً ما تعدل السياسة الاقتصادية بواسطة السياسات الاجتماعية أو الحربية أو الظروف و الأحداث السياسية. فقد ترى النظرية الاقتصادية وجوب الأخذ بمبدأ الحرية التجارية و إلغاء القيود على المبادلات الدولية، و لكن نظراً لضغوط سياسية معينة تتبع الحكومة سياسة اقتصادية من شأنها زيادة القيود المفروضة على التجارة الخارجية.
ما هي أهداف السياسة الاقتصادية؟
يذكر الاقتصاديون غالباً أن هناك أربعة أهداف أساسية للسياسة الاقتصادية، تتمثل في التالي:-
1- العمالة الكاملة. 2- استقرار الأسعار.
3- النمو الاقتصادي. 4- التوازن الخارجي
الطلب الكلي و العرض الكلي:-
الطلب الكلي Aggregate Demand هو"إجمالي الإنفاق المخطط لكافة المشترين في اقتصاد معين". أما العرض الكلي Aggregate Supply فهو "مجموعة السلع و الخدمات التي ينتجها المجتمع خلال فترة زمنية معينة". ويتحقق التوازن Equilibrium في الاقتصاد بتساوي الطلب الكلي مع العرض الكلي. فإذا ما حدث وزاد الطلب عن العرض عند مستوى التوظف الكامل أدى ذلك إلى حدوث تضخم Inflation. أما إذا حدث قصور في الطلب عن عرض التوظف الكامل فسيؤدي ذلك إلى ظهور ما يعرف بالركود Depression.
وإذا كنا نقول بان التوازن يعني تعادل القوى المتضادة في فترة زمنية معينة، فإن عدم تساوي الطلب الكلي مع العرض الكلي أو بعبارة أخرى حدوث عدم تعادل للقوى المتضادة يعرف بالاختلال.
التدفق والرصيد:- من المفاهيم التي قد يكتنفها بعض الغموض عند التفرقة بينها. فالتدفق (التيار) Flow عبارة عن " التغير خلال فترة زمنية معينة"، فهو كمية لا يمكن قياسها إلا خلال فترة زمنية معينة، أي أنه متغير ذو بعد زمني. أما الرصيد Stock هو "كمية ثابتة في لحظة معينة".
فلو قلنا بأن إنتاجنا من القمح هذا العام هو 3 آلاف طن، فهذا يعني أن ناتجنا من القمح عبارة عن تدفق. ولكن عندما نقول بأن مخزوننا من القمح في نهاية العام الماضي كان 3 آلاف طن، فهذا رصيد. وعلى ذلك فإن الدخل، الإنفاق، الاستهلاك وغير ذلك هي متغيرات تنتمي إلى فئة التدفقات أو التيارات، أما الثروة ورأس المال ومستوى التوظف فهي عبارة عن أرصدة يمكن تحديدها في لحظة معينة.
الدخل والثروة : الدخل Income هو "تدفق نقدي يخلق قوة شرائية لدى الفرد"، أما الثروة Wealth فهي "رصيد الفرد في لحظة معينة". والعلاقة بينهما واضحة، حيث تعمل الثروة على تدفق الدخل، كما أن تراكم الدخول بعد خصم الاستهلاك يؤدي لتكوين وزيادة الثروة.
المحقق والمتوقع والرصيد: المتحقق Ex-post سواء من الاستهلاك أو الادخار أو غيره هو ما تم تحقيقه فعلاً في الاقتصاد القومي "لذا يطلق عليه أحياناً "الفعلي". والمتوقع Expectant هو "ما يتوقع تحقيقه لاحقاً"، أما المخطط Planned فهو "ما ينوي أو يزمع تحقيقه". فالاستثمار المخطط مثلاً عبارة عن قيمة الاستثمارات التي يرغب رجال الأعمال في تقديمها، أما الاستثمار المتحقق فيتمثل في قيمة الاستثمارات الفعلية التي يقدمها رجال الأعمال، وتكون الاستثمارات المتوقعة هي ما يتوقع أن يقدمة رجال الأعمال مستقبلاًَ.
النماذج الاقتصادية: يستخدم الاقتصاد الرياضي الأساليب الرياضية المختلفة لتحليل النظريات الاقتصادية، وعليه لا يعد فرعاً مستقلاً من فروع علم الاقتصاد، إنما هو مدخلاً للتحليل الاقتصادي يتمكن الاقتصادي من خلاله استخدام الأدوات الرياضية في صياغة المشاكل الاقتصادية في شكل معادلات جبرية أو متباينات أو رسوم هندسية وتحليلها، ومن ثم توفير الحلول لتلك المشاكل عن طريق استخدام الأفكار الرياضية. وقد بدأ التطور الأكثر وضوحاً في الاقتصاد الرياضي منذ 1930م، أو بالأصح مع التطورات لتي حدثت في الحاسبات الإلكترونية إبان الحرب العالمية الثانية، وما صاحبها من استخدام أوسع للتقنيات الرياضية وتطورات تالية في الاقتصاد الرياضي متفرعة إلى المذهب التجريبي Experimentation (الاقتصاد القياسيEconometrics )، وبناء النماذج الرياضية في جميع فروع التحليل الاقتصادي.
النموذج الاقتصادي Economic Model هو "مجموعة من العلاقات الاقتصادية التي توضع عادة بصيغ رياضية ( معادلة أو مجموعة من المعادلات) تشرح سلوكية أو ميكانيكية هذه العلاقات التي تبين عمل اقتصاد أو قطاع معين". إن النموذج الاقتصادي ما هو إلا صورة مبسطة توضح طبيعة النشاط الاقتصادي لوحدة معينة أوقطاع معين، صناعة، أو دولة معينةخلال فترة زمنية معينة ، على شكل رموز وقيم عددية.
هذا ويعرف النموذج الاقتصادي أيضاً بأنه عبارة عن " تمثيل أو تصوير مبسط لنسق اقتصادي معين أو مشكلة اقتصادية معينة في قالب رياضي يشمل عدداً من العلاقات الدالية التي تمثل أو تصور سلوك النسق أو طبيعة المشلكة والترابط بين أجزائها".
هناك أنواع عديدة من النماذج تختلف باختلاف طبيعة التقسيم، فهناك النماذج الوصفية والنماذج المعيارية، أو النماذج الساكنة والنماذج المقارنة، أو النماذج الكلية والنماذج الجزئية، أو النماذج المغلقة والنماذج المفتوحة وغير ذلك. كما وتختلف النماذج الاقتصادية وفقاً لطبيعة بناء وتوصيف النموذج إلى نماذج رياضية Mathematical Models ونماذج قياسيةEconometric Models . والنموذج الاقتصادي هو عبارة عن إطار نظري لا يشترط أن يكون نموذجاً رياضياً، ولكن إذا حدث وكان كذلك فإنه عندها يعطى ترجمة للعلاقات النظرية بين عدد من المتغيرات في صورة معادلات أو متباينات. أي سوف يتكون النموذج من معادلات تصف هيكل النموذج وتربط المتغيرات بعضها ببعض. ويتمثل بناء النموذج Model Building أو ما يعرف بتوصيف النموذج في كيفية التعبير عن النظرية الاقتصادية أو صياغة العلاقات الاقتصادية محل الدراسة بأسلوب رياضي، أي في صورة معادلة أو مجموعة من المعادلات أو المتباينات.