يتميز مفهوم التنافسية
بالحداثة ولا يخضع لنظرية اقتصادية عامة، وأول ظهور له كان خلال الفترة 1981-1987 التي عرفت
عجزا كبيرا في الميزان التجاري للولايات المتحدة الأمريكية (خاصة في تبادلاتها مع
اليابان) وزيادة حجم الديون الخارجية، وظهر الاهتمام مجدداً بمفهوم التنافسية مع بداية التسعينات
كنتاج للنظام الاقتصادي العالمي الجديد وبروز ظاهرة العولمة، وكذا التوجه العام لتطبيق اقتصاديات
السوق.
ويتداخل
مفهوم التنافسية مع عدة مفاهيم أخرى، من بينها النمو والتنمية الاقتصادية وازدهار
الدول وهذا ما يصعب من تحديد تعريف دقيق ومضبوط للتنافسية، إضافة إلى عامل مهم ألا
وهو ديناميكية التغير المستمر لمفهوم التنافسية، ففي بداية السبعينات كانت ترتبط
بالتجارة الخارجية ثم ارتبطت بالسياسة الصناعية خلال سنوات الثمانينات، أما في
سنوات التسعينات فارتبطت بالسياسة التكنولوجية للدول، وحاليا تنافسية الدول تعني
مدى قدرتها على رفع مستويات معيشة مواطنيها.
أختلف
معظم الاقتصاديين والهيئات الاقتصادية الدولية على تحديد مفهوم محدد ودقيق للتنافسية
، فينطلق بعضهم من مفهوم ضيق ويختصرها في تنافسية السعر والتجارة، ويستعمل البعض
الآخر مفهوم واسع يكاد يشمل جميع مناحي النشاط الاقتصادي، وهذا ما يظهر جليا في
التعداد الكبير للمؤشرات المستعملة لقياس القدرة التنافسية.
وقد
وقع تحول في المفاهيم، فمن مفهوم الميزة النسبية وتتمثل في قدرات الدولة من موارد
طبيعية واليد العاملة الرخيصة، المناخ والموقع الجغرافي التي تسمح لها بإنتاج رخيص
وتنافسي، إلى مفهوم الميزة التنافسية وتتمثل في اعتماد الدولة على التكنولوجيا
والعنصر الفكري في الإنتاج، نوعية الإنتاج وفهم احتياجات ورغبات المستهلك، مما جعل
العناصر المكونة للميزة النسبية تصبح غير فاعلة وغير مهمة في تحديد التنافسية.
يوجد
العديد من المقاربات المعتمدة لتعريف التنافسية، تشترك كلها في كون التنافسية يتم
الحديث عليها دوماً على المستوى الدولي، أحد هذه المقاربات تقسم التعاريف إلى ثلاث
مجموعات :
المجموعة الأولى وتتضمن كل التعاريف التي تأخذ
في عين الاعتبار حالة التجارة الخارجية للدول فقط.
المجموعة الثانية وتتضمن كل التعاريف التي تأخذ
في عين الاعتبار حالة التجارة الخارجية وكذا مستويات المعيشة للأفراد.
المجموعة الثالثة وتتضمن كل التعاريف التي تأخذ
في عين الاعتبار مستويات المعيشة للأفراد فقط.
والانتقاد
الموجه لهذه المقاربة كونها لا تتعرض إلى تعاريف التنافسية على مستوى المؤسسات أو
قطاع النشاطات، لذا سوف نعتمد المقاربة التي تميز بين تعاريف التنافسية حسب اختلاف
محل الحديث فيما إذا كان عن شركة أو قطاع نشاط أو دول.
يتمحور تعريف
التنافسية للشركات حول قدرتها على تلبية رغبات المستهلكين المختلفة، وذلك بتوفير سلع وخدمات ذات
نوعية جيدة تستطيع من خلالها النفاذ إلى الأسواق الدولية، فالتعريف البريطاني
للتنافسية ينص على أنها : "القدرة على إنتاج السلع والخدمات بالنوعية الجيدة
والسعر المناسب وفي الوقت المناسب وهذا يعني تلبية حاجات المستهلكين بشكل أكثر
كفاءة من المنشات الأخرى"[1].
وهناك تعريف آخر :
" تعني القدرة
على تزويد المستهلك بمنتجات وخدمات بشكل أكثر كفاءة وفعالية من المنافسين الآخرين
في السوق الدولية، مما يعني نجاحاً مستمراً لهذه المؤسسة على الصعيد العالمي في ظل
غياب الدعم والحماية من قبل الحكومة، ويتم ذلك من خلال رفع إنتاجية عوامل الإنتاج
الموظفة في العملية الإنتاجية (العمل ورأس المال والتكنولوجيا)"[2].
تعني
التنافسية لقطاع ما قدرة المؤسسات المنتمية لنفس القطاع الصناعي في دولة ما على
تحقيق نجاح مستمر في الأسواق الدولية دون الاعتماد على الدعم والحماية الحكومية،
وهذا ما يؤدي إلى تميز تلك الدولة في هذه الصناعة، ويجب تحديد القطاع بدقة فمثلاً
قطاع صناعة الموصلات لا يمكن خلطه مع قطاع الإلكترونيات، لأن مجالات وظروف الإنتاج
تختلف.
أهتم
الكتاب والاقتصاديين وكذا المنظمات والهيئات الدولية بتعريف التنافسية على مستوى
الدول أكثر من تعريف التنافسية على مستوى المؤسسات وقطاع النشاط، لذلك نجد أن هناك
العديد من التعاريف وتختلف حسب الزاوية التي ترى منها التنافسية وسنتطرق لأهم هذه
التعاريف.
يعرف
التنافسية على أنها "قدرة الدولة على إنتاج سلع وخدمات تنافس في الأسواق
العالمية وفي نفس الوقت تحقق مستويات معيشة مطردة في الأجل الطويل"[3].
عرف
المجلس الأوربي في اجتماعه ببرشلونة سنة 2000 تنافسية الأمة على
أنها "القدرة على التحسين الدائم لمستوى المعيشة لمواطنيها وتوفير مستوى
تشغيل عالي وتماسك اجتماعي وهي تغطي مجال واسع وتخص كل السياسة الاقتصادية"[4].
تعرف منظمة التعاون
الاقتصادي والتنمية (OCDE) [5]
التنافسية
على أنها : "المدى الذي من خلاله تنتج الدولة وفي ظل شروط السوق الحرة
والعادلة، منتجات وخدمات تنافس في الأسواق العالمية، وفي نفس الوقت يتم تحقيق زيادة
الدخل الحقيقي لأفرادها في الأجل الطويل".[6]
وتعرف (OCDE) كذلك التنافسية الدولية بأنها : "القدرة
على إنتاج السلع و الخدمات التي تواجه اختبار المزاحمة الخارجية في الوقت الذي
تحافظ فيه على توسيع الدخل المحلي الحقيقي"، كما يمكن تعريف التنافسية
الدولية بأنها قدرة البلد على زيادة حصصها في الأسواق المحلية والدولية.
ويرى معهد التنافسية
الدولية على أنها قدرة البلد على :
(1) أن ينتج أكثر وأكفأ نسبيآ ،و يقصد بالكفاءة :
§ تكلفة
أقل : من خلال تحسينات في ألإنتاجية و استعمال الموارد بما فيها التقنية والتنظيم.
§ ارتفاع
الجودة : وفقا لأفضل معلومات السوق و تقنيات الإنتاج.
§ الملائمة
: و هي الصلة مع الحاجات العالمية، وليس فقط المحلية، في المكان والزمان ونظم لتوريد، بالاستناد إلى معلومات حديثة عن
السوق و مرونة كافية في الإنتاج و التخزين و الإدارة.
(2) أن يبيع
أكثر من السلع المصنعة و التحول نحو السلع عالية التصنيع والتقنية وبالتالي ذات
قيمة مضافة عالية في السوقيين الخارجي والمحلي، و بالتالي يتحصل على عوائد أكبر
متمثلة في دخل قومي أعلى للفرد، وذي نمو مطرد، وهو أحد عناصر التنمية البشرية.
(3) أن
يستقطب الاستثمارات الأجنبية المباشرة بما يوفره البلد من بيئة مناسبة و بما ترفعه
الاستثمارات الأجنبية من المزايا التنافسية التي تضاف إلى المزايا النسبية.
وقد توصل فريق المعهد إلى التعريف الموجز التالي
: "تتعلق التنافسية الوطنية بالأداء الحالي و الكامن للأنشطة الاقتصادية
المرتبطة بالتنافس مع الدول الأخرى". ووضع لهذا التعريف مجالا يتناول الأنشطة التصديرية ومنافسة الواردات والاستثمار
الأجنبي المباشر.
يرى Aldington[7] بأن تعريف
التنافسية لأمة ما هو قدرتها على توليد الموارد اللازمة لمواجهة الحاجات الوطنية،
وهذا التعريف مكافئ لتعريف تبناه and Lodge Scott[8] وهو "إن
التنافسية لبلد ما هي قدرته على خلق وإنتاج و توزيع المنتجات أو الخدمات في
التجارة الدولية بينما يكسب عوائد متزايدة لموارده".
و
إذا كان أحد تعاريف التنافسية أنها "قدرة البلد على توليد نسبي لمزيد من
الثروة بالقياس إلى منافسيه في الأسواق العالمية"، فان التنافسية العالمية
للمنتج والعمليات ذات الصفة العالمية هي القدرة على إيجاد منتجات قابلة للتسويق، جديدة
وعالية الجودة، و سرعة إيصال المنتج إلى السوق، و بسعر معقول، بحيث أن المشتري يرغب بشرائها في أي
مكان في العالم.
تتمركز
بعض التعاريف أساسا على ميزان المدفوعات، وأخرى تطبق عدة مئات من المؤشرات
الموضوعية والذاتية لتقييم ما إذا كان البلد يولد نسبيا من الثروة في الأسواق
الدولية أكثر مما يولده منافسوه و القدرة على الحفاظ على حصص الأسواق، في الوقت
ذاته القدرة على توفير مداخيل مستديمة أعلى وعلى تحسين المعايير الاجتماعية والبيئية.
تشترك
اغلب التعاريف المستعرضة آنفا في نقاط مشتركة تتمثل في قدرة المؤسسات على النفاذ
إلى الأسواق الخارجية بمنتجات عالية الجودة وبأقل التكاليف، وأن يظهر أثر ذلك في
تحسن الناتج الداخلي الخام والذي بدوره يزيد في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين،
لذلك فإننا نحاول إعطاء تعريف للتنافسية يتلخص في "التنافسية هي قدرة
الحكومات على توفير ظروف ملائمة تستطيع من خلالها المؤسسات العاملة في إقليمها النفاذ
بمنتجاتها إلى الأسواق الخارجية، بغية زيادة نمو معدل الناتج الداخلي الخام".
لكن النقد الأكثر
جوهرية كان نقد Oral &
Chabchoubو Lall (1997)الذي أنصب
على تقييم تقرير التنافسية الكونية الذي يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، و
انتقادات Lall
(2001) عن ابتعاد هذه المؤشرات
المركبة عن تعريـف و قياس واضح
لمفهوم التنافسية بحيث أن كل
شيء تقريبا يؤثر في التنافسية ومنه
تم تمييع مفهومهـا ومحدداتها ؛ وقد درس فريق مشروع التنافسية في المعهد العربي
للتخطيط هذه الانتقادات وأستخلص عدة جوانب
جوهرية، و لتفادي هذا التعميم فإن المعهد حاول خلال عمله في إعداد تقرير عن
تنافسية الاقتصاديات العربية تبنى مفهوما واضحا للتنافسية يركز أساسا على الأسواق الخارجية والاستثمارية و
الاستثمار الأجنبي المباشر كميادين أساسية لتطوير التنافسية العربية.
تميز العديد من
الكتابات بين عدة أنواع من التنافسية هي:
تنافسية التكلفة أو السعر : فالبلد ذو التكاليف
الأرخص يتمكن من تصدير السلع إلى الأسواق الخارجية بصورة أفضل ويدخل هنا أثر سعر
الصرف.
التنافسية غير السعرية : باعتبار أن حدود
التنافسية معرفة بالعديد من العوامل غير
التقنية و غير السعرية، فإن بعض الكتاب يتكلمون عن المكونات غير السعرية في
التنافسية .
التنافسية النوعية: و تشمل بالإضافة إلى
النوعية و الملائمة عنصر الإبداع التكنولوجي، فالبلد ذو المنتجات المبتكرة وذات
النوعية الجيدة، و الأكثر ملائمة للمستهلك و حيث المؤسسات المصدرة ذات السمعة
الحسنة في السوق، يتمكن من تصدير سلعة حتى ولو كانت أعلى سعر من سلع منافسة.
التنافسية التقنية : حيث تتنافس المشروعات من
خلال النوعية في صناعات عالية التقنية.
ويميز تقرير التنافسية الكونية للمنتدى
الاقتصادي العالمي WEF 2000 التنافسية الظرفية أو الجارية
ودليلها CCI،
و تركز على مناخ الأعمال وعمليات المؤسسات وإستراتجياته، وتحتوي على عناصر مثل : التزويد،
التكلفة، النوعية، والحصة من السوق الخ...، وبين التنافسية المستدامة و دليلها GCI، وتركز على الإبداع التكنولوجي ورأس المال البشري والفكري، وتحتوي
على عناصر مثل التعليم ورأس المال البشري و الإنتاجية، مؤسسات البحث و التطوير،
الطاقة الإبداعية، الوضع المؤسسي، وقوى السوق.
تدفع الأبعاد الأساسية
في التنافسية إلى الاهتمام بجوانب عديدة منها :
1)
مستوى التحليل :
اعتبارا من مستوى المشروع أو المنتج إلى مستوى القطاع ثم مستوى البلد وحتى على
مستوى الإقليم.
2)
الشمول : هي تحقيق
الأهداف بأقل التكاليف، والفعالية و الاختيار الصحيح للغايات.
3)
النسبية : حيث أن
التنافسية في جوهرها تعني مقارنة نسبية بين الاقتصاديات سواء كانت بلدانا أو
مؤسسات أو أقسام في المؤسسة الواحدة، أو بين فترتين زمنيتين وهو ما يثير مسألة
فقدان التنافسية والديناميكية، كما يفسر اهتمام تقرير WEF بجانب نمو التنافسية مقابل التنافسية الجارية في عدديه الأخيرين.
أو تعني المقارنة النسبية بالقياس إلى وضعية افتراضية مستهدفة وتكون معرفة جيداً.
وتنعكس هذه القضايا
على المؤشرات المنتقاة أو المتغيرات وعلى
تركيب أدلة التنافسية.
[1] وديع محمد عدنان،"محددات القدرة
التنافسية للأقطار العربية في الأسواق الدولية، بحوث ومناقشات"، تونس 19/21
جوان 2001.
[3] نوير
طارق (World economic forum)، "دور الحكومة الداعم للتنافسية: حالة مصر"، المعهد العربي
للتخطيط بالكويت،2002، ص5.
[4] Debonneuil michele et Fontagné lionel,"Compétitivité",conseil d’analyse
économique, Paris,2003, p13.
[5] OCDE : Organisation de Coopération et Développement Economique
[7] وديع محمد عدنان،"القدرة التنافسية
وقياسها"، المعهد العربي للتخطيط ، الكويت، العدد الرابع والعشرون، ديسمبر
2003، السنة الثانية، ص5.