لحياة
الزوجية هيا تآلف بين روحين وتجانس بين قلبين جمع الله بينهما بميثاق
غليظ، فكان كل منهما على أتم الاستعداد ليضحي بالغالي والثمين في سبيل
الآخر.
وهكذا
تمضي سفينة الحياة الزوجية بهدوء وسكينة قاطعة بحار الحياة بأمان، لكن
هناك أمواج عاتية أحيانًا تظهر فجأة، فتحول حياة ركاب السكينة إلى تعاسة
ونكد، وتغتال الطمأنينة والسكينة، فكان لابد لركاب السفينة من الأزواج أن
يتجهزوا بشتى الوسائل التي تحول دون تعرض حياتهم الزوجية للخطر.
ومن
أهم هذه الوسائل (الصبر)، فيا له من معنى رقيق تعشقه آذان الأزواج وتهفو
إليه قلوبهم، وما أجمل تلك البيوت التي تظللها سحائب من الصبر فتقيها من
أشعة المشكلات الطاحنة، والأزمات المدمرة، وحتى الأخطاء البسيطة العابرة.
أمنية وردية:
وحديثنا
عن الصبر حاجة ملحة، حيث إن الكثير من الأزواج يدخلون إلى عالم الزوجية
الجديد محملين بأحلام وردية وأمنيات بنفسجية، ويظنون أن الحياة التي عاشوها
قبل الزواج شيئًا والحياة بعده شيئًا آخر.
فيظنون
أنهم بالزواج سيدخلون إلى جنة مغمورة بكل ألوان السعادة لا صخب فيها ولا
آلام، وسيتخلصون من كل إزعاج، وسيهنئون دومًا براحة البال، وما أن يواجه
بعض الأزواج أولى لحظات الألم أو حتى يقفوا على أعتاب مشكلة من المشكلات
إلا ونراهم يتراجعون ويعتقدون أن ما تخيلوه عن حياتهم الزوجية كان أضغاث
أحلام، ولربما أدى ذلك إلى هدم العلاقة ودمار عش الزوجية الجديد.
ولذا
ينبغي أن يعلم الأزواج جيدًا أن الحياة الزوجية مليئة بالتحديات
والمشكلات، وهكذا سنة الحياة، لكن مدى وعينا بذلك وإدراكنا له هو الذي يضمن
لنا أن نحول هذه التحديات إلى فرص تزيد من دفء الحياة الزوجية، وهو الذي
يضمن كذلك أن نحول المحن إلى منح تدعم حياتنا إلى الأفضل.
وأهم
ما ينبغي إدراكه هو ضرورة الصبر في الحياة الزوجية، فالحياة الزوجية
تحتاج لإنسان صبور حتى يتمكن من خوض التجربة بنجاح أما الذي يفتقدون إلى
الصبر فاحتمال إخفاقهم مع أول مشكلة أو تحدي كبير جدًّا.
طموحك الشخصي:
وحتى
يتمكن كل شريك حياة من الصبر على الطرف الآخر خصوصًا وعلى الحياة الزوجية
عمومًا، ينبغي أن يضع سقفًا مناسبًا لتوقعاته حيال الطرف الآخر، فالحد من
طموحات الزوج تجاه زوجته ـ مثلًا ـ يمنح الزوج قدرة على استيعاب بعض ما
يصدر عنها فيكون حينها أقدر على الصبر.
أما
أن يظن الزوج أن زوجته هي ملكة في جمالها، وقمة في ذكائها وعقلها، وفريدة
في حكمتها .. إلخ، فلاشك أنه سيصدم حينما يصدر منها عكس ذلك، ومن ثم يكون
صبره أقل، والعكس صحيح بالنسبة للزوجة مع زوجها.
إن
فن الحياة هو قدرة شريك الحياة على إرساء الأمن والسلام في محيط أسرته
وفي أركان بيته، وهذا لن يتأتى إلا بقدرة شريكي الحياة على الصبر وضبط
النفس.
الخلاصة:
مما
سبق يتضح لنا أهمية الصبر في الحياة الزوجية، ويمكنا أن نلخص كل ما سبق
في موقف لأبي عثمان النيسابوري، فقد (قيل لأبي عثمان النيسابوري: ما أرجى
عملك عندك؟ قال: كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج فآبى .. فجاءتني امرأة
فقالت: يا أبا عثمان إني قد هويتك .. وأنا أسألك بالله أن تتزوجني ..
فأحضرت أباها .. وكان فقيرًا، فزوجني وفرح بذلك.
فلما
دخلت إليّ، رأيتها عوراء عرجاء مشوهة، وكانت لمحبتها ليّ تمنعني من
الخروج، فأقعد حفظًا لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئًا، وإني على جمر
الغضا من بغضها، فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتى ماتت .. ! فما من عملي هو
أرجى عندي من حفظي قلبها!
وقد وصف ابن القيم صبر أبي عثمان النيسابوري بقوله: إن هذا من عمل الرجال!
أفلا
ترغب أخي الزوج / أختي الزوجة، في أن يكون لك من أجر الصابرين نصيب، ذلك
الأجر الذي وعد الله تعالى عليه الوعد الحسن في أكثر من سبعين آية؟!)
[حوار مع صديقي الزوج، محمد رشيد العويد، ص (33 - 37)، بتصرف].
دراسة علمية: آثار الغضب وافتقاد الصبر:
إن
الحياة الزوجية المشحونة بالغضب والمفتقدة للصبر، حياة على شفا الانهيار،
إذا شحنات الغضب لا يستطيع أن يقاومها إلى طاقة الصبر الجبارة، فإذا ما
افتقد الزوجان تلك الطاقة، فالانفجار واقع في الأغلب الأعم، ولذا كان النبي
صلى الله عليه وسلم من أحرص الناس على الصبر واجتناب الغضب في كل الأحوال
والظروف.
ولننظر
ما يمكن أن يفعله الغضب وافتقاد الصبر في حياتنا فقد (وجد عدد من الأطباء
البريطانيين علاقة قوية بين الغضب المزمن والحاد وأمراض القلب والسرطان
والجلطات والإحباط وحتى الإصابة بالزكام بشكل متكرر! وكانت مؤسسة العناية
بالصحة العقلية قد أطلقت مسحًا يظهر خطر هذه الظاهرة داعية إلى مواجهة
خطرها لأنها تؤذي حياة الكثيرين.
وقال
المدير التنفيذي في المؤسسة الدكتور (أندرو ماكالوك): إنه من الغريب أن
يترك الناس وحيدين عندما يتعلق الأمر بشعور قوي مثل الغضب في مجتمع
يستطيعون فيه أن يحصلوا على مساعدة عند المعاناة من الإحباط والقلق والذعر
والخوف واضطرابات الأكل وغيرها من المشاكل النفسية، إن هذا الغضب إذا
استمر فسوف يهدم حياة الفرد، وأقر الباحثون بأن معالجة مشكلة الغضب ليست
بالأمر السهل لكن منافعها كبيرة جدًّا!
وأكدت
هذه الدراسة أن الغضب أصبح مشكلة كبرى تشمل ربع المجتمع وتسبب الكثير من
الإحباط، ولذلك أطلقوا نداء موحدًا يؤكدون من خلاله على ضرورة ألا يغضب
الإنسان كوسيلة لعلاج معظم مشاكل المجتمع وبخاصة الشباب.
ونقول
يا أحبتي! إن علماء الغرب يرددون كلام النبي الأعظم بعدما ثبت لهم أن الحل
يكمن في هذه العبارة (لا تغضب) [رواه البخاري] وأقول بالله عليكم هل صاحب
هذا النداء الرائع (لا تغضب) هو رجل انفعالي أم رجل رحيم بأمته يريد الخير
لهم؟
انظروا
معي كيف يعود الغرب شيئًا فشيئًا إلى تعاليم الإسلام، ماذا يعني ذلك؟ إنه
يعني شيئًا واحدًا ألا وهو أن الإنسان عندما يبحث ويفكر ويكتشف الحقائق
العلمية ويخوض التجارب لابد أن يصل إلى نفس الحقائق التي جاء بها هذا النبي
الأعظم صلوات ربي وسلامه عليه! وسؤالي هل ازداد حبكم لنبي الرحمة صلى
الله عليه وسلم بعدما اطلعتم على هذا البحث؟
إن
الحقائق التي جاء بها رسولنا تمثل الفطرة التي فطر الله الناس عليها،
وهذا أكبر دليل مادي على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم صادق في دعوته إلى
الله، وصدق الله عندما وصفه بصفة لم يصف بها غيره من المخلوقات، يقول
تعالى: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ
مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة: 128 -
129].
الغضب الإيجابي!
جاء
في دراسة أجراها بنك المعلومات (كاهوت) على شبكة الإنترنت أن فقدان
الأعصاب يكلّف الاقتصاد البريطاني 16 مليار جنيه إسترليني في العام، وتقول
الدراسة: إن من يفقدون أعصابهم يحطمون أكثر ما يحطمون الأدوات الفخارية
والكئوس، وتقول الدراسة: إن الرجال يفقدون أعصابهم أكثر من النساء، وقال
20% من عينة بلغت 700 شخص أجريت عليهم الدراسة: إن الازدحام في الشوارع
يدفعهم إلى الغضب، ولكن أكثر من النصف قالوا: إن الانتظار على الهاتف
يدفعهم إلى الغضب، وإن ربع الأشخاص الذين أجريت عليهم الدراسة يعرفون كيف
يعبرون عن غضبهم بطريقة إيجابية.
وتقول
(دونا دوسون) المتخصصة في علم النفس: إن الغضب شيء معقد جدًّا، وسببه في
أكثر الأحيان هو الخوف من الخسارة، أو الخوف من الإصابة، أو حتى الخوف من
خيبة الأمل، إنهم يعلموننا أن الغضب عاطفة سلبية، ولكنه في الواقع عاطفة
إيجابية ومفيدة، ولكن الأمر يعتمد على الطريقة التي نعبّر بها عنه، فمن
الأفضل بطبيعة الحال أن نعبّر عن العواطف وألا نكبتها في أجسامنا وعقولنا،
ولكن يجب أن نحرص على أن نعبر عن الغضب بطريقة إيجابية وأن نحولها إلى فعل
يغير المواقف، إن الغضب الذي لا نعبر يؤدي إلى إفراز هرمونات تضعف نظام
المناعة بتدمير خلايا المناعة الرئيسية.
كيف عالج النبي غضب الأعرابي؟
وهنا
نتذكر كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغضب إلا في حالة واحدة وهي
أن تُنتهك حرمة من حرمات الله، أي أن غضب النبي صلى الله عليه وسلم كان
موجهًا في اتجاه محدد وهو الحفاظ على الحدود والحرمات، وهذا يضمن سلامة
المجتمع وأمنه، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتميز بأسلوب تعليمي
فيستغل المواقف التي يغضب فيها الإنسان العادي ليعطينا العبرة والموعظة.
وربما
نذكر قصة ذلك الأعرابي الذي جاء غاضبًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وكلمه بلهجة شديدة بل وجذبه إليه وصرخ في وجهه قائلًا: يا محمد أعطني مما
أعطاك الله ... فغضب أصحاب النبي غضبًا شديدًا وهمّوا بقتل الأعرابي، ولكن
النبي الرحيم قال لهم: خلّوا بيني وبينه ... [متفق عليه].
لقد
عرف المرض وعرف العلاج، الأعرابي يغضب والصحابة يغضبون ولكن النبي صلى
الله عليه وسلم بكل هدوء وصبر يعالج الموقف ويعطينا درسًا في علاج الغضب،
ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الأعرابي أن يأخذ ما يشاء من بيت
المال، وعند هذه اللحظة يدرك الأعرابي كرم محمد صلى الله عليه وسلم وأنه
ليس رجلًا عاديًّا بل هو نبي مرسل.
وأخيرًا:
وقال
أبو عليّ الدّقّاق: (فاز الصّابرون بعزّ الدّارين؛ لأنّهم نالوا من الله
معيّته فإنّ الله مع الصّابرين) [مدارج السالكين، ابن القيم، (2/166)].
المصادر:
· حوار مع صديقي الزوج، محمد رشيد العويد.
· مدارج السالكين، ابن القيم.