المبحث
الرابع
عدم المسؤولية عن جريمة إفشاء السر المصرفي :
21-
عدم الأخذ بالسرية المطلقة للحسابات المصرفية:
تحرص
التشريعات التي تأخذ بنظام سرية الحسابات المصرفية بالنص على وجوب كشف هذه السرية،
وبيان نشاط عملاء البنوك، متى كان الأمر متعلقا بحماية مصلحة عامة أو مصلحة
الإقتصاد القومي[1][140].
ذلك
أن السرية المطلقة للحسابات المصرفية، قد تحول في بعض الأحيان دون الكشف عن حقائق
تؤدي الى تحقيق العدالة في المجتمع، كما هو الشأن في حالة الكسب غير المشروع،
فمصلحة المجتمع تكون في كشف الفساد، وليس في التستر بالسر المصرفي لإخفاء الجرائم،
لان درء المفاسد اولى من جلب المصالح[2][141].
وعلى
ذلك، فإن البنوك تلتزم بأن تكشف للغير عن وقائع تعتبر
مما يدخل في سر المهنة أو تتعلق بالسرية المصرفية، إذا كان ثمة نص يلزمها بذلك[3][142].
مما يدخل في سر المهنة أو تتعلق بالسرية المصرفية، إذا كان ثمة نص يلزمها بذلك[3][142].
ومن
هنا، كان حرص تشريعات مكافحة غسل الأموال، على أن تتضمن نصا إلزام المؤسسات
المالية بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، وعدم إعتبار ذلك إفشاء للسرية
المصرفية، الذي يشكل جريمة جنائية، تنفيذا لما جاء في التوصية 16 من التوصيات
الأربعين الخاصة بوضع السياسات لمكافحة غسل الأموال لمجموعة FATF،
حيث نصت على أنه "يجب تشجيع التعاون بين جهات تنفيذ القوانين واللوائح من جهة
والمؤسسات المالية مصرفية وغير مصرفية من جهة أخرى، وبهذا التعاون تحمي المؤسسات
المالية ضد أي مسؤولية جنائية أو مدنية عن إفشاء المعلومات الى رجال تنفيذ
القوانين واللوائح والمأذونين في ذلك قانونا، ما دام رجال هذه المؤسسات يعملون
بحسن نية، كما يجب أل يعوق مبدأ السرية تنفيذ التوصيات.
فإتساع
نطاق السرية المصرفية، في ظل غياب قانون خاص لمكافحة غسل الأموال، كان من
وعلى
ذلك، فإن السرية المصرفية يجب ألا تكون عائقا امام قيام البنوك وغيرها من المؤسسات
المالية، بواجبها في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة. "إذ يجب أن
تستمر في إحترام الحق في السرية المصرفية، ولكن لا يمكننا السماح بإعطاء حصانة
للمجرمين"[5][144].
وسبيل
ذلك، هو تحقيق التوازن بين موجبات فرضها، حماية للحرية الشخصية للأفراد، عند
قيامهم بمباشرة أنشطتهم الإقتصادية المشروعة، وبين عدم إطلاقها تحقيقا لضمان عدم
إستخدام المؤسسات المالية في تسهيل إرتكاب غسل الأموال وغيرها من الجرائم الأخرى.
وتحقيقا
لهذا التوازن، فإن الرقابة في معظم الدول على سرية الحسابات، تستهدف حماية المصالح
العامة.
فلم
يعد من السهل الآن الإحتجاج بالحق في الخصوصية في الأحوال التي يجب فيها رعاية
مصلحة راجحة، مثل تحقيق العدالة او تقصي الجريمة، ذلك أنه من القيود التي ترد على
حق الأفراد في خصوصية معلوماتهم، المصلحة العامة، ومن ضوابط تغليب المصلحة العامة
على المصلحة الخاصة في ذلك، وجود نص قانوني يحدد المقصود بالمصلحة العامة التي
يراد حمايتها على حساب حقوق الأفراد وحرياتهم، خضوع الدولة لرقابة القضاء في
ممارستها لهذا الحق[6][145].
ولذلك،
فقد طالبت الولايات المتحدة الأمريكية، سويسرا وغيرها من الدول التي تأخذ بالسرية
المطلقة مثل جزر البهاما، وبنما وأرجواي، النمسا، لوكسمبورج، موناكو، بإتخاذ
إجراءات تحد من نطاق السرية المطلقة، والتي تعد غطاء قانونيا لعمليات غسل الأموال،
وقد إستجابت هذه الدول ووقعت إتفاقية الحيطة والحذر عام 1977م.
وخلافا
لما تقدم، أعلن رئيس جمعية المصارف اللبنانية، أن السرية المصرفية لا يجوز رفعها
أو إفشاؤها مهما كانت الأسباب حتى لو طلب القضاء ذلك، بالنسبة لأحد الحسابات
المصرفية، حتى ولو كان هذا الحساب مشكوكا فيه أو دخلته أموالا مشبوهة[7][146].
مما
يعني أن قانون سرية الحسابات المصرفية اللبناني لا يسمح بالخروج على السرية
المصرفية، حتى في حالات غسل الأموال، لأن البنك غير ملزم أصلا بالتحري عن العمليات
المالية المشبوهة لعملائه أو بالإبلاغ عنها[8][147].
ولا
يتفق هذا الرأي مع قانون سرية الحسابات المصرفية اللبناني بتاريخ 3 سبتمبر 1956
فقد جعل الإلتزام بحفظ السر المصرفي ينهار امام مقتضيات المصلحة العامة التي توجب
البوح بالسر حفاظا على المصلحة الإجتماعية، أو مصلحة السلطة العامة التي تنبثق
عنها لامصالح الإجتماعية، لذا يجب على البنوك أن تطلغ الغير ولا سيما الدوائر
الرسمية والمحاكم، على مضمون بعض المعاملات، دون أن يعتبر ذلك إخلالا بمبدأ
الكتمان[9][148].
22-
عدم المسؤولية عن جريمة إفشاء السر المصرفي استنادا غلى اداء الواجب:
لما
كان قانون غسل الأموال، في الدول المختلفة، قد ألزم البنك، والمؤسسات المالية بصفة
عامة بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، فإنها عند قيامها بالإبلاغ، تتمتع
بسبب إباحة السر المصرفي، إستنادا إلى أداء الواجب[10][149]. تطبيقا للقواعد
العامة، حتى ولو لم تثبت الوقائع التي تم الإبلاغ عنها، أو صدر في شأنها قرار بأن
لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو حكم بالبراءة.
فالقواعد
العامة وإن كانت تخاطب الموظفين العموميين، إلا أن مجال تطبيقها يمتد لكي يشمل كل
حالة يفبرض فيها القانون التزاما معينا، لأنه يجوز القياس ي مواد الإباحة، لتحقيقه
مصلحة المتهم، وعدم تعارضه مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات على خلاف الحال في
مواد التجريم والعقاب.
ومع
ذلك، فقد رأت بعض قوانين غسل الأموال، ألا تكتفي بالقواعد العامة، وإنما نصت على
ذلك صراحة، تشجيعا للبنوك وغيرها من المؤسسات المالية على التعاون الجدي مع جهود
مكافحة غسل الأموال، وتحقيقا لإطمئنان القائمين بالإبلاغ بحسن نية.
من
ذلك، القانون البريطاني المتعلق بجرائم الإتجار في المخدرات الصادر سنة 1986م
والذي أوجب على المؤسسات المالية الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، فقد نص
على أن هذا الإبلاغ لا يتعارض مع مقتضيات السرية المصرفية والمالية، ولا يرتب أية
مسؤولية قبل من يقوم به، وفقا لأحكام هذا القانون.
كما
يعفي القانون الألماني، المبلغ عن العمليات المالية المشبوهة – في جميع الأحوال –
من أية مسؤولية قانونية، قد تترتب – بحسب الأصل – من جراء إبلاغ السلطات المختصة
بالعمليات المالية المشبوهة.
وطبقا
للمادتين الثانية والثامنة من القانون الفرنسي رقم 90 – 614 والمعدل بالقانون رقم
98-546 لا يجوز ملاحقة مديري المؤسسات المالية أو الأشخاص الطبيعيين أو
الإعتباريين، الملزمين بالإبلاغ، عما يقدمونه من بلاغات، بوصفهم مرتكبين لجريمة
إفشاء الأسرار، متى كانوا حسني النية وقت تقديم البلاغ".
فقد
نصت الفقرة الثانية من المادة الثانية من القانون المذكور، في الجزء الأول
منها على أنه "عندما يكون الإبلاغ بحسن نية، هؤلاء الأشخاص يستفيدون من المادة (8) [11][150] من القانون المذكور[12][151].
منها على أنه "عندما يكون الإبلاغ بحسن نية، هؤلاء الأشخاص يستفيدون من المادة (8) [11][150] من القانون المذكور[12][151].
كما
نصت الفقرة الأولى من المادة الثامنة على أنه: "من أجل المبالغ أو العمليات
التي تكون موضوع البلاغ المذكور في المادة الثالثة، أي أتهام يقوم على أساس
القانون رقم 92-1336 الصادر في 16 ديسمبر 1992م (المادتان 226-132 و 226-14 من
قانون العقوبات) [13][152] لا يمكن أن يوجه ضد
مديري ومأموري المؤسسة المالية الذين يكونون حسني النية وقت تقديم البلاغ[14][153].
أما
قانون البنوك السويسري طبقا لآخر تعديلاته في إبريل 1998م، فقد نصت المادة التاسعة
منه على: عدم مسؤولية البنوك جنائيا ومدنيا عن قيامها بالإبلاغ عن عميل مشتبه به،
متى كان الإبلاغ يستند إلى أسباب ومبررات معقولة".
كما
نصت المادة العاشرة من قانون مكافحة غسل الأموال المصري على أنه: "تنتفي
المسؤولية الجنائية بالنسبة الى كل من قام – بحسن نية – بواجب الإخطار عن أي من
العمليات المشتبه فيها الخاضعة لأحكام هذا القانون، أو بتقديم معلومات أو بيانات
عنها بالمخالفة للقواعد المفروضه لضمان سريتها، وتنتفي المسؤولية المدنية متى كان
الإعتقاد بقيام هذا الإشتباه مبنيا على أسباب مقعولة". وقبل صدور قانون
مكافحة غسل الأموال القطري، أصدر مصرف قطري المركزي تعميما "يعفي الموظفين
الذين يبلغون عن حالات غسيل الاموال من أية مسؤولية تنشأ عن الإبلاغ، سواء تم
تأكيد أو نفي الإشتباه المبلغ عنه، طالما أن التبليغ كان عن حسن نية[15][154].
وهذا
ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون مكافحة غسل الأموال القطري، بقولها في تطبيق
احكام هذا القانون، لا تسري الأحكام المتعلقة بحظر إفشاء سرية المعاملات المصرفية
على رؤساء واعضاء مجالس إدارات المؤسسات المالية والعاملين بها، ما لم يثبت أن
إفشاء السرية كان بقصد الإضرار بصاحب المعاملة".
وحسن
النية الذي إستلزمته التشريعات المختلفة، لإستفادة المبلغ عن العمليات المالية
المشبوهة من سبب الإباحة، المتمثل في اداء الواجب، يتمثل في أستهداف المبلغ تحقيق
الغاية التي من أجلها اوجب القانون الإبلاغ، وهو معاونة السلطات العامة في كشف
جرائم غسل الأموال، والتي تتسم بالخفاء ولا يستطيع رجال السلطة العامة الوقوف
عليها بسهولة.
وهذا
امر يتفق مع القواعد العامة في الحقوق، لأن جميعها حقوقا غائية، أي يقررها القانون
لإستهداف غايات معينة، ولا يعرف القانون حقوقا مجردة من الغاية، أي يستطيع أصحابها
إستعمالها دون أن يسألوا عن الهدف الذي يريدونه بها. [16][155]
23-
عدم المسؤولية الجنائية عن إفشاء السر المصرفي في الفقه الإسلامي:
نهي
الإسلام عن كشف الأسرار، حفظا لكرامة الإنسان وإحترام أسراره، إلا إذا ابدى صفحته
واضر بغيره، وهذا يعد التزاما اخلاقيا وإيمانيا، لأن الإيمان والأخلاق، تعد الرقيب
الداخلي الذي يمنع ويعصم من الذلل والإنحدار [17][156].
فعن
سالم عن أبية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم يظلمه
ولا يسلمه، من كان في حاجة أخية كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربه، فرج
الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة"[18][157].
يقول
الإمام أبن حزم موضحا حكم الستر في الحديث بقوله: "فنظرنا في الحديث المذكور،
فوجدناه ندبا لا حتما وفضيلة لا فرضا"، فكان الظاهر منه أن للإنسان أن يستر
على المسلم يراه على حد بهذا الخبر ما لم يسأل عن تلك الشهادة نفسها، فإن سئل عنها
ففرض عليه إقامتها وأن لا يكتمها، فإن كتمها حينئذ فهو عاص لله تعالى"[19][158].
وبالقياس
على الشهادة، إذا كان الإبلاغ عن الجريمة واجبا من قبل ولي الأمر، تحقيقا للمصلحة
العامة وعدم نشر الفساد، فعندئذ يكون الستر محرما، والإبلاغ واجبا، ولا مسؤولية
على المبلغ عن إفشاء السر تنفيذا لهذا الواجب.
وهو
ما قال به الإمام النووي، من أن كل من رؤي في معصية، وهو بعد متلبس بها، يجب
المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر ذلك، ولا يحل تأخيرها، فإن عجز لزمه
رفعها إلى ولي الأمر، إذا لم يترتب على ذلك مفسدة، وهذا يعد من النصيحة الواجبة
وليس من الغيبة[20][159].
أكثر
من ذلك، نستطيع القول بأن الفقه الإسلامي، يأخذ بالسرية المصرفية المحدودة، إذ يحد
من إطلاقها حماية للمصلحة العامة، بالرقابة على الصيارف من أجل التحقق من التزامهم
بأحكام الشريعة الإسلامية في عملهم، فقد جاء في معالم القربة في أحكام الحسبة، في
بيان الأعمال التي يشرف عليها المحتسب: ومنها الحسبة على المصارف.... على المتحتسب
ان يتفقد سوقهم ويتجسس عليهم، فإن عثر بمن رابى – أو فعل في الصرف ما لا يجوز في
الشريعة – عزره وإقامه من السوق[21][160].
2-
عدم
المسؤولية عن جريمة البلاغ الكاذب:
-
حسن
نية المبلغ يعدم قيام جريمة البلاغ الكاذب:
24.
في القانون المقارن:
لا
تسأل البنوك والمؤسسات المالية، ولا القائمين عليها، عن جريمة البلاغ الكاذب، إذا
انتهى البلاغ عن العمليات المالية المشبوهة إلى عدم ثبوته أو عدم صحته، متى كان
البلاغ قد تم بحسن نية، حيث تستلزم التشريعات لقيام جريمة البلاغ الكاذب، سوء
القصد أو النية[22][161].
وتوافر
سوء القصد لدى المبلغ، إذا كان يعلم بكذب الواقعة المبلغ عنها، ونوى الإضرار
بالمبلغ ضده[23][162].
وإن
كان العلم بكذب البلاغ يتضمن عادة نية الإضرار بالمبلغ ضده لذا فإن تطلب نية
الإضرار – حيث لا يتصور تخلف الضرر – هو تحصيل حاصل.
مما
يعني أن العلم بكذب الواقعة يغني عن توافر نية الإضرار، بإعتبار أنها إحدى لوازم
العلم بكذب الواقعة، بينما لا تغني نية الإضرار عن العلم بكذب الواقعة، فقد تتوافر
هذه النية، ولا تقوم جريمة البلاغ الكاذب، لعدم توافر العلم بكذب الواقعة[24][163].
وهذا
ما أخذت به محكمة النقض الفرنسية، فقد إستقرت على أن سوء النية يكمن في معرفة
الشاكي (المبلغ) بكذب الفعل المبلغ عنه.
"La mauvais foi reside dans "la
connaissance par le plaignant (le dencciateur) de la faussete du fait
denonce"[25][164].
وكذلك محكمة التمييز الاردنية، فقد قضت بأن المجمع عليه
فقهاء وقضاء، أن الركن الأساسي في جريمة الإفتراء هو تعمد الكذب في التبليغ، وهذا
يقتضي أن يكون المبلغ عالما يقينيا لا يداخله أي شك في أن الواقعة التي أبلغ بها
كاذبة، وأن المبلغ ضده برئ منها، كما أنه يلزم لصحة الحكم بكذب لصحة الحكم بكذب
البلاغ ان يثبت للمحكمة بطريق الجزم، توافر هذا العلم اليقيني، وأن تستظهر ذلك في
حكمها بدليل ينتجه عقلا[26][165].
كما
قضت بأنه من الثابت من نص المادة (210) من قانون العقوبات، أن عناصر المسؤولية عن
جريمة الإفتراء تكون متوافرة متى ثبت علم المفترى ببراءة من قدمت ضده الشكوى أو
الإخبار بإرتكاب جريمة، أو إذا أختلق ضده أدلة مادية تدل على وقوع الجرم[27][166].
وخلافا
لذلك، إشترطت محكمة النقض المصرية للعقاب على جريمة البلاغ الكاذب توافر عنصرين
هما: العلم بكذب الواقعة المبلغ عنها، وقصد الإضرار بالمبلغ ضده.
فقد
قضت بأنه من المقرر أن الركن الأساسي في جريمة البلاغ الكاذب هو تعمد الكذب في
التبليغ، وهذا يقتضي أن يكون المبلغ عالما يقينيا لا يداخله أي شك في أن الواقعة
التي أبلغ بها كاذبة وأن المبلغ ضده بريء منها، كما يشترط لتوافر القصد
الجنائي في تلك الجريمة، أن يكون الجاني قد أدم على
تقديم البلاغ منتويا السوء والإضرار بمن أبلغ في حقه، مما يتعين معه أن يعني الحكم القاضي بالإدانة في هذه الجريمة ببيان هذا القصد بعنصرية[28][167].
تقديم البلاغ منتويا السوء والإضرار بمن أبلغ في حقه، مما يتعين معه أن يعني الحكم القاضي بالإدانة في هذه الجريمة ببيان هذا القصد بعنصرية[28][167].
وبأنه من المقرر أنه يشترط لتحقق جريمة البلاغ الكاذب
توافر ركنين: هما ثبوت كذب الوقائع المبلغ عنها، وأن يكون الجاني عالما
بكذبها ومنتويا السوء والإضرار بالمجني عليه، وأن يكون الأمر المخبر به مما يستوجب
عقوبة فاعله ولو لم تقم دعوى بما أخبر به[30][169].
وتطبيقا
لقضاء محكمة النقض الفرنسية ومحكمة التمييز الأردنية، لا تقوم مسؤولية البنك
وموظفية القائمين بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، عن جريمة البلاغ الكاذب،
عند ثبوت عدم صحة واقعة غسل الأموال المبلغ عنها، متى كانوا حسني النية،
بإستهدافهم من البلاغ تحقيق الغرض الذي من أجله أوجب المشرع على البنوك الإبلاغ
عنها، وهو معاونة السلطات العامة في الكشف عن جرائم غسل الأموال.
كما
يستفيدون من الإباحة إذا كات الواقعة صحيحة، ولو كانوا سييء النية حيث لم يقصدوا
بالإبلاغ سوى التشهير بالمبلغ ضده، لأن هذا هو الذي يتفق مع الغاية التي إستهدفها
المشرع، وهو التشجيع على الإبلاغ عن جرائم غسل الأموال، بغية تحقيق معاونة السلطات
العامة في كشف هذه الجرائم، والوصول إلى مرتكبيها، وهو ما لا يتحقق إذا انيطت
الإباحة بالشرطين معا، صحة الواقعة وحسن النية، إذ مؤدي ذلك ألا تقوم البنوك على
الإبلاغ إلا عندما يكون تحت يدها الدليل على صحة الواقعة فتضار بذلك المصلحة
العامة.
ويبرر
الإباحة في الحالة الأولى ( حسن النية عند ثبوت عدم صحة الواقعة) إخلاص البنك
المبلغ للمصلحة العامة، وإن كان لم يوفق في خدمتها بينما يبررها في الحالة الثانية
( سوء النية عند صحة الواقعة) أن البنك قد أسدى الى المجتمع خدمة، وحقق له مصلحة
ترجح على حق العميل في الشرف والإعتبار.
هذا
ويفترض الإعتقاد بصحة الواقعة المبلغ عنها، لأنه لا يتصور ان يتحقق الغرض
الإجتماعي من وراء البلاغ إذا كان المبلغ يعتقد كذب الواقعة، مما يعني أنه كان
غرضه التشهير بالمجني عليه[32][171].
الأمر
الذي يعني أنه يعني أنه يقع على عاتق المبلغ ضده بالإشتباه في قيامه بعملية غسل
أموال، عبء إثبات سوء نية القائمين على الإبلاغ بالبنك، بإستهدافهم التشهير به ،
بعلمهم سلفا بكذب هذه الواقعة، حتى يتوافر في حقهم المسؤولية عن جريمة البلاغ
الكاذب.
وليس
من عناصر حسن نية المبلغ التثبت والتحري، لذا يتوافر حسن النية ولو كان البلاغ
يستند إلى خفة وطيش، لما يقتضيه الإبلاغ عن الجرائم من سرعة، حتى تتخذ الإجراءات
في شأنها في الوقت الملائم، إذ من شأن الإلزام بالتحري ان يعرقل ذلك، ولو أن
القاضي قد لا يسلم بإدعاء المتهم إعتقاده صحة الواقعة إذا تبين له طيشه الظاهر[33][172].
تطبيقا
لذلك، فإن البنك والقائمين عليه، لا يسألون جنائيا – وإن سئلو مدنيا – إذا كان
البلاغ عن العمليات المالية المشبوهة قد صدر عن طيش وتسرع، لأنهم يعدون مع ذلك
حسنو النية، وإن توافر في حقهم خطأ التسرع في الإبلاغ، وهو يستوجب المسؤلية
المدنية[34][173].
فقد
قضت محكمة النقض المصرية بأن مجرد تقصير المتهم في إقامة الدليل على صحة البلاغ
وتسرعه فيه، لا يؤدي في العقل والمنطق إلى ثبوت علم المتهم بكذب البلاغ، ولا يدل
على أنه قصد به الكيد للمبلغ ضده او الإضرار به[35][174].
وبأنه
إذا انتفى القصد، فإن مسؤولية الجاني لا تقوم عن جريمة البلاغ الكاذب، ولو إتسم
سلوكه بالخطأ، كأن كان نتيجة تهور أو تسرع على أن عدم قيام المسؤولية الجناية في
حالة توافر الخطأ، لا يمنع من قيام المسؤولية المدنية[36][175].
25.
في الفقه الإسلامي:
ما
تقدم بيانه في القانون المقارن، يأخذ به الفقه الإسلامي، إذ لا تقوم جريمة البلاغ
الكاذب إلا بالإدعاء طواعية بإتهام كاذب بقصد التشهير بالمدعى عليه[37][176].
فإذا
ثبت ان المدعي أقام الدعوى كيدا وإضرارا بالمدعى عليه، عوقب جزائيا صيانة للأبرياء
عن تسلط الأشرار والمعتدين[38][177].
خلافا
لأصبغ من المالكية، حيث قال يؤدب، سواء أقصد أذيته أم لم يقصد[39][178]. كما أن من قام بشكية
حق ينبغي أن يؤدب، وأقل الحبس ليندفع بذلك أهل الباطل[40][179].
وكذلك
البلاغ الذي يكون صاحبه كاذبا فيه، وقاصدا أذى المبلغ ضده فإنه يعاقب تعزيرا لكذب
المبلغ، ولما لحق بالمبلغ ضده من أذى[41][180].
[1][140] CF: BONNEAU: communication pieces et
secret bancaire. Op. cit p 96 et s, Dominique THOUVENIN: revelation d'une
infraction a caracter secret, juris classeur penal, Art 226-13 et 226 – 14,
fascicule 20, N 1, 11.
الدكتور يعقوب يوسف صرخوه:
سر المهنة المصرفية في القانون الكويتي، دراسة مقارنة 1989 رقم 63 وما بعده ص 155
وما بعدها، الدكتور سيد حسن عبد الخالق، النطرية العامة لجريمة إفشاء الأسرار في
التشريع الجنائي المقارن، رسالة دكتوراه كلية الحقوق، جامعة عين شمس 1987م ص 561
الدكتور عبد المولي النظام القانوني للحسابات السرية المرجع السابق ص 264.
[3][142] الدكتور على جمال الدين
عوض: المرجع السابق، رقم 1099 ص 1094 الدكتور سليمان بوذياب، عبد الله إلياس
البيطار: قانون الأعمال دراسة نظرية وتطبيقات عملية، دار العلم للملايين
بيروت 1988، ص 205.
[4][143] الدكتور جلال وفاء
محمدين: دور البنوك في مكافحة غسيل الأموال، دار الجامعة الجديدة للنشر
والتوزيع، الإسكندرية 2001، ص 105.
[5][144] "we must continue to respect the right to banking
privacy, but we cannot tolerate that it offers immunity to criminals and their
money".
Pino ARLACCHI: under secretary
general, executive dirctor, united nations office for Drug control and crime
prevention, introduction to the penal discussion "Attacking the profits of
crime: Drugs, Money and Laundering" (New York – 10 June 1998).
[6][145] راجع الدكتور محمد عبد المحسن
المقاطع: حماية الحياة الخاصة للافراد وضماناتها في مواجهة الحاسوب الآلي،
مطبوعات جامعة الكويت 1992 ص 166 – 177.
[9][148] راجع: إلياس نصيف: الكامل في
قانون التجارة، عمليات المصارف الجزء الثالث، منشورات بحر المتوسط، بيروت، باريس،
منشورات عويدات، بيروت باريس، الطبعة الأولى 1983 ص 319 وما بعدها.
[10][149] T HOUVENIN Op cit No 21 Francois GRUA:
Responsabilite civile, Responsabilite d' ordre general, juris classeur, Banque,
credit Bourse fascicule 152 No 79.
الدكتور سليمان عبد المنعم:
مسؤولية المصرف الجنائية عن الأموال غير النظيفة، ظاهرة غسيل الأموال، دار الجامعة
الجديدة للنشر، الأسكندرية 1999 ص 26 – 27، الدكتور محمود كبيش: الحماية
الجنائية لسرية الحسابات البنكية في القانون المصري، مجلة القانون والإقتصاد،
العدد التاسع والستون 1999م رقم 14 ص 69 الدكتور مصطفى: المرجع السابق رقم 406 ص
434 – 435.
[11][150] تتعلق المادة الثامنة من هذا
القانون، في فقرتها الأولى بعدم المسؤولية الجنائية، وفي فقرتها الثانية بعدم
المسؤولية المدنية، أنظر لاحقا رقم 28 وما بعده.
"Lorsqu, elles ont fait de
bonne foi, une telle declaration, ces personnes beneficiens de l'article 8 de
la present loi".
De
l' atteinte au secret professionel
"Pour
les sommes ou les operations ayant fail l'objet de la declaration mentionnee a
l article 3, aucune poursuite fondee sur (L. No 92 – 1336 du 16 dec, contre les
dirigeants et les preposes de l organisme financier qui, de bonne foi,
ont effectue cette declaration".
[15][154] البرنامج
التدريبي التعريفي حول ظاهرة غسيل الأموال وسبل مكافحتها وخطورتها وآثارها السلبية
على اقتصاديات الدول والإنعكاسات المتأتية نتيجة ذلك على البنوك والمؤسسات العامة
والمجتمع، الذي عقده بنك قطر الوطني بالتعاون مع معهد البحرين للدراسات المصرفية،
في يوم الأحد 26 من ربيع الآخر1423 هـ يوليو 2002م غير منشور.
[16][155] الدكتور
محمود نجيب حسني، القذف والسب في حق الموظف العام والمكلف بخدمة عامة في قانون
العقوبات الإتحادي لدولة الإمارات العربية المتحدة، مجلة الأمن والقانون، كلية
شرطة دبي، السنة الأولى، العدد الثاني ، يوليو 1993 رقم 10 ص 11.
، بيروت ج 4 ص 114.
[22][161] راجع على
سبيل المثال م 226 – 10 من القانون العقوبات الفرنسي، م 305 من قانون العقوبات
المصري، م 403 من قانون العقوبات اللبناني، م 210 من قانون العقوبات الأردني، م
147 من قانون العقوبات القطري.
[23][162] راجع
الدكتور عبد المهيمن بكر سالم: القصد الجنائي في القانون المصري والمقارن،
رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1959م رقم 183 ص 305-306 الدكتور
عبد الرحمن محمد إبراهيم خلف : الحماية الجنائية للحق في الشرف والإعتبار، دراسة
تحليلية تأصيلية، رسالة دكتوراه كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1992 م رقم 134 ص 168 – 169،
الدكتور عبد المنعم محمد إبراهيم رضوان: موضع الضرر في البنيان القانوني
للجريمة، دراسة تحليلية تأصيلية، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة 1994م
رقم 212 ص 349.
[24][163] Paul Malibert: Denonciation
calomnieuse, juris classeur penal, Art 226 – 10 a 226 – 12, no 82.
الدكتور محمود محمود مصطفى: شرح
قانون العقوبات، القسم الخاص رقم 371 ص 422.
[25][164] Cass crim 30-1-1979. Bulletin des arrest de la cour
de cassation. Chambre criminelle. No 41, 13-3-1984, Bulletin Bo
105, Juris – classeur periodique (la semaine juridique) edition general 1984.
IV. P . 161.
[26][165] تمييز
جزاء رقم 331/98 بتاريخ 27/6/1998، المجلة القضائية، المعهد القضائي الأردني،
عمان، الأردن، السنة الثانية المجلد الثاني، صفر 1419 هـ يونيو 1998 العدد السادس
ص 703.
[27][166] تمييز
جزاء رقم 346/99 بتاريخ 1/8/199 م، المجلة القضائية، السنة الثلاثة، ربيع ثان،
1420هـ أغسطس 1999م، العدد الثاني ص 815.
[31][170] الدكتور
محمود نجيب حسني: شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، دار النهضة العربية
1998م رقم 912 ص 860 الدكتور عمر السعيد رمضان: شرح قانون العقوبات، القسم الخاص،
دار النهضة العربية، 1986 رقم 375 ص 391.
[38][177] معين
الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام: للطرابلسي، مكتبة مصطفى البابي الحلبي
1393هـ 1973م ص 178 تبصرة الحكام ج 2 ص 152 مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، للحطاب
وبهامشة التاج والأكليل لمختصر خليل: للمواق دار الفكر اللبناني للطباعة
والنشر 1991 ص 98.
[39][178] الشرح
الكبير: للدردير ، مكتبة عيسى البابي الحلبي ج 4 ص 346، قوانين الأحكام
الشرعية، لأبن جزي الغرناطي، دار العلم للملايين بيروت 1974 ص 362.
[41][180] الدكتور
عبد العزيز عامر: التعزير في الشريعة الإسلامية، دار الفكر العربي،
1396هـ 1976 م
رقم 218 ص 258.