المبحث
الخامس
26. المسؤولية المدنية عن الخطأ في الإبلاغ طبقا للقواعد
العامة:
إذ
صدر حكم بالإدانة ضد العميل المبلغ ضده عن واقعه غسل الأموال المبلغ عنها عن طريق
المؤسسات المالية، فإن هذا يحول دون الحكم بأي تعويض مدني ضد هذه المؤسسات،
لإنتفاء الخطأ من جانبها، لما هو مقرر من أن الحكم بالإدانة الجنائية يتضمن معنى ثبوت الواقعة المبلغ عنها، فضلا عن خضوعها لأحكام قانون العقوبات، فالتبليغ عنها إما أن يكون إستعمالا لحق أو تنفيذا لواجب يأمر به القانون[1][181].
لإنتفاء الخطأ من جانبها، لما هو مقرر من أن الحكم بالإدانة الجنائية يتضمن معنى ثبوت الواقعة المبلغ عنها، فضلا عن خضوعها لأحكام قانون العقوبات، فالتبليغ عنها إما أن يكون إستعمالا لحق أو تنفيذا لواجب يأمر به القانون[1][181].
وعند
الحكم ببراءة العميل من هذه التهمة، لعدم حصول الواقعة أصلا أو عدم ثبوت إسنادها
إليه، فإنه إذا إنتفى لدى المؤسسات المالية كل خطأ في الإبلاغ، إنعدمت مسؤوليتها
المدنية، متى كان الإبلاغ قائما على شبهة مستنتجة من أحوال وظروف معلومة تلقي على
العميل مظنة إشتباهه في غسل أموال ، فعندئذ تعد المؤسسات المالية معذورة فيما
أبلغت به، حيث لم يتوافر لديها رعونة أو عدم ترو.
أما
عند صدور الإبلاغ عن تسرع وعدم إحتياط فإن هذا وإن كان لا يكفي لقيام المسؤولية
الجنائية عن جريمة البلاغ الكاذب، فإنه لا يمنع من قيام المسؤولية المدنية، لتوافر
الخطأ الموجب لتعويض الضرر، طبقا للمادة 1382 من القانون المدني الفرنسي، والمادة
163 من القانون المدني المصري.
فقد
قضت محكمة النقض الفرنسية، بأن للمجني عليه في جريمة البلاغ الكاذب المطالبة
بالتعويض، رغم براءة المبلغ متى ثبت ارتكابه لخطأ[2][182]. ويكفي في ذلك أن يكون
مقدم البلاغ قد تصرف مع طيش أو تهور.
كما
قضت محكمة النقض المصرية بأن عدم توافر سوء القصد، وإن كان يمنع من قيام المسؤولية
الجنائية، فإن هذا لا يمنع من قيام المسؤولية المدنية، فيصبح القضاء بالتعويض، إذا
ثبت أن الفاعل قد أقدم على التبليغ باتهام برئ عن تسرع وعدم ترو[5][185].
وبأنه
إذا بنيت براءة المبلغ على إنتفاء أي ركن من أركان البلاغ الكاذب، فينبغي بحث مدى
توافر الخطأ المدني المستوجب للتعوض من عدمه في واقعة التبليغ ذاته، فالتبليغ خطأ
مدني يستوجب التعويض إذا كان صادرا عن تسرع في الإتهام أو بقصد التعريض بالمبلغ
عنه والإساءة اليه وإلأى سمعته أو صدوره عن رعونة وعدم تبصر[6][186].
وبأن
التبليغ عن الوقائع الجنائية حق لكل إنسان، بل هو واجب مفروض عليه، فا تصح معاقبته
وإقتضاء التعويض عنه، إلا إذا كان قد تعمد الكذب فيه، أما اقتضاء التعويض من المبلغ
من القضاء ببراءته من هذه الجريمة، فلا يكون لمجرد كذب بلاغة، ولحوق الضرر بالمبلغ
ضده بل يجب أيضا أن يكون قد أقدم على التبليغ عن رغونة وعدم ترو دون أن يكون لذلك
مبرر[7][187].
27.
خطأ البنوك في الإبلاغ يعتبر من الخطأ المهني الجسيم:
خطأ
البنوك في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، يعتبر خطأ مهنيا Faute
Professionelle
وهو الخطأ الذي يقع من صاحب المهنة في ممارسته لمهنته، كما هو الحال في الخطأ الذي
ينسب الى البنك في أعماله البنكية مع العملاء.
وهذا
الخطأ المهني يعتبر في جميع الأحوال خطأ جسيما (faute lourde) وهو الخطأ الذي يكون إهمالا او عدم إختياط لم يرده الفاعل، أو
اندفاعا لم يتدبره، لأن الخطأ الذي يكون بسيطا في حق الشخص العادي، يصبح خطأ جسيما
في حق الشخص صاحب المهنة، لأنه في ممارسته لمهنته، قد إعتاد يقضة معينة، فالمهنة
تعد مركزا للخدمة الإجتماعية (Une poste de service soial) ومن ثم تفترض واجبات خاصة في حق من يقوم بها[8][188].
والخطا
الجسيم بهذا المعنى، يختلف عن الخطأ غير المغتفر، الذي لا يتوافر
في جانب الفاعل إلا حيث يريد حركته أو سكنته التي تترتب عليها ضررا دون قصد منه إلى تحقيق نتيجتها وإلا كان خطأ عمديا.
في جانب الفاعل إلا حيث يريد حركته أو سكنته التي تترتب عليها ضررا دون قصد منه إلى تحقيق نتيجتها وإلا كان خطأ عمديا.
28.
إعفاء البنوك من المسؤولية المدنية عن الخطأ في الإبلاغ طبقا لقوانين مكافحة غسل
الأموال:
لقد
كان لخشية البنوك من المسؤولية المدنية عن تعويض الضرر الذي يلحق بالعميل معنويا،
بالإساءة الى سمعته، وماديا بتجميد حسابه، بسبب الخطأ في الإبلاغ عن العمليات المالية
المشبوهة، تأثير سلبي في كشف عمليات غسل الأموال عن طريق البنوك.
ففي
الولايات المتحدة الأمريكية، لم تبلغ البنوك إلا عن نسبة (5%) من حالات الإشتباه
في غسل الأموال، و(95%) من هذه الحالات لم يتم الإبلاغ عنها، خشية المسؤولية
المدنية عن الخطأ في الإبلاغ أو تجميد الحساب[9][189]. ووجوب تعويض
الضرر الذي لحق بالعميل نتيجة هذا الإجراء، عند عدم ثبوت هذه الشبهة.
وتفاديا
لذلك، أوصت مجموعة (FATF) الخاصة بوضع السياسات لمكافحة غسل الأموال، بأن تحمي المؤسسات
المالية ضد أي مسؤولية جنائية أو مدنية عن إفشاء المعلومات .... ما دام رجال هذه
المؤسسات يعملون بحسن نية (التوصية 16).
وتنفيذا
لهذه التوصية، وتشجيعا للبنوك وللمؤسسات المالية بصفة عامة، على الإبلاغ عن
العمليات المالية المشبوهة، وتحقيقا للتعاون الجدي مع جهود مكافحة غسل الأموال،
نصت بعض القوانين على إعفائها من المسؤولية المدنية.
وقد
كان أول من نص على ذلك، القانون البريطاني المتعلق بمكافحة الاتجار في المخدرات
الصادر سنة 1986، فقد أعفى المؤسسات المالية من أية مسؤولية قبل من يقوم بالإبلاغ
عن العمليات المالية المشبوهة وفقا لأحكام هذا القانون، كما نص على ذلك ايضا
القانون الألماني.
وقد
نصت المادة التاسعة من قانون البنوك السويسري طبقا لآخر تعديلاته في إبريل 1998م
على عدم مسؤولية البنوك، لا جنائيا ولا مدنيا، عن قيامها بالإبلاغ عن عميل مشتبه
فيه، متى كان هذا الإبلاغ يستند الى أسباب ومبررات معقولة.
وبالمثل
نصت المادة العاشرة من قانون مكافحة غسل الأموال المصري، على أنه "....
وتنتفي المسؤولية المدنية متى كان الإعتقاد بقيام هذا الإشتباه مبنيا على أسباب
معقولة".
29.
تقدير هذا الإتجاه:
إذا
كانت بعض التشريعات قد منحت البنوك والمؤسسات المالية نوعا من الحصانة بإعفائها من
المسؤولية المدنية، عن الخطأ في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة فإن ذلك
يثير تساؤلا عن تعويض الضرر الذي لحق بالعميل عند عدم ثبوت شبهة غسل الأموال التي
تم الإبلاغ عنها؟
يجيب
البعض[10][190] على ذلك، بتأييد هذا
الإتجاه التشريعي، مفضلا مصلحة البنوك في تمتعها بالحصانة الجنائية والمدنية، على
مصلحة العملاء في تعويض الأضرار التي لحقتهم بسبب الإبلاغ عن شبهة لم يوجد ما
يبررها.
وفي
تقديري أن هذا الإتجاه التشريعي والفقهي له خطورته، ذلك أن هذه الحصانة
المدنية للمؤسسات المالية في هذا الصدد، يؤدي الى إهدار حق العميل، في تعويض الضرر
الذي لحق به، سواء أكان ضررا معنويا يتمثل في الإساءة الى سمعته، أم ضررا ماديا
يتمثل في تجميد حسابه أو تجنيبه.
ولا
يبرر ذلك تشجيع البنوك والمؤسسات المالية على التعاون الجدي مع جهود مكافحة غسل
الأموال، ذلك انه يجب مراعاة جانب العملاء الذين لحقهم ضرر بسبب البلاغ الذي ثبت
عدم صحته، مع حسن نية البنك الذي استهدف تحقيق المصلحة العامة وذلك عن طريق تحمل
الدولة لتعويض هذا الضرر، وهو ما أخذ به القانون الفرنسي.
30.
تحمل الدولة لتعويض الضرر الذي لحق بالعميل طبقا للقانون الفرنسي:
منح
القانون الفرنسي المؤسسات المالية حصانة مدنية عن الخطأ في الإبلاغ عن العمليات
المالية المشبوهة، مع تحمل الدولة لتعويض الضرر الذي لحق بالعملاء بسبب هذا الخطأ.
فقد
نصت الفقرة الثانية من المادة الثامنة من القانون الفرنسي رقم (90/614) الصادر في
12 يوليه 1990م، والمعدل بالقانون رقم 98 – 546 الصادر في 2 يوليه 1998م على
انه: "لا تقام أي دعوى مسؤولية مدنية، ولا يمكن أن يوقع جزاء مهني ضد
المؤسسة المالية أو مديريها أو مأموريها الذين كانوا حسني النية في تقديم البلاغ
المنصوص عليه في المادة الثالثة، على أن تتحمل الدولة تعويض الضرر المترتب مباشرة
على هذا البلاغ[11][191].
وهذا
إتجاه محمود من قبل المشرع الفرنسي[12][192]، يجب أن تأخذ به
التشريعات الأخرى، ضمانا لكفالة تعويض الأفراد عن الأضرار التي لحقت بهم، عن أفعال
استهدفت حماية المصلحة العامة.
فضلا
عن أنه قد يصعب نسبة وجود خطأ ما إلى المؤسسات المالية أو إلى القائمين عليها، في
تقديم البلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، كما إذا توافرت قرائن تبرر وجود شبهة
غسل الأموال، يجب الإبلاغ عنها.
وعند
وجود هذا الخطأ، فإنه يدخل غالبا ضمن الخطأ الذي يساهم فيه جميع أعضاء المجموعة
المنظمين للنشاط، وإستحالة نسبة هذا الخطأ الى شخص محدد منهم، فإن الخطأ في
التنظيم الذي جعل الحادث ممكنا، ينسب إليهم جميعا، وهذا يكفي لإعمال مسؤوليتهم
التضامنية عما لحق بالمضرور، كأشخاص أساءوا تنظيم النشاط الذي إشتركوا جميعا في
تنفيذه[13][193].
ويبدو
أن المشرع الفرنسي أراد أن يستبعد الصعوبات التي تصاحب وجود هذا الخطأ في الإبلاغ،
وما تثيرة المسؤولية التضامنية من مشكلات، وما تؤدي اليه من احجام المؤسسات
المالية من الإقدام على الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، عند عدم التيقن من
ثبوتها، الأمر الذي يضر بالمصلحة العامة، لعدم الإبلاغ الا عن القليل منها.
لذا
رأى المشرع الفرنسي، تحمل الدولة تعويض الضرر المترتب على الإبلاغ عن العمليات
المالية المشبوهة التي ثبت عدم صحتها، تشجيعا للمؤسسات المالية على التعاون الجدي
مع السلطات العامة في مكافحة غسل الأموال، وضمانا لتعويض الأضرار التي لحقت
بالأفراد بسبب الإبلاغ الذي ثبت عدم صحته.
ويتفق
هذا الإتجاه التشريعي، مع ما تأخذ به التشريعات من تسهيل حصول المضرور من الجريمة
على كافة حقوقه، حتى تستقر الأوضاع الناشئة عن الجريمة، في أسرع وقت وبأيسر
الإجراءات[14][194].
31.
أساس تحمل الدولة للتعويض:
لا
يقوم تحمل الدولة لتعويض الضرر المترتب على الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة،
على اساس من تحمل التبعة، لأن نظرية تحمل التبعة وإن عدت أصلح النظريات التي قيلت
لتأسيس مسؤولية الدولة أو المتبوع، فمن ينتفع بنشاط غيره، عليه أن يتحمل
تبعه ما ينجم عن ذلك النشاط من ضرر يصيب الغير والهيئة الإجتماعية ممثلة في الدولة[15][195].
إلا
أنه لا يمكن قبول هذه النظرية لتحمل الدولة لهذا التعويض، لأن الدولة لا تسأل عن
كل فعل ضار صدر من أحد موظفيها، ما لم يكن ذلك الفعل داخلا ضمن النشاط المكلف به
ذلك الموظف، فضلا عن أن المؤسسات المالية لا تتبع جميعها الدولة، كشركات الصرافة
والبنوك التجارية التي لا تخضع لسلطة الدولة إلا رقابيا فقط.
وبصدد
البنوك على وجه الخصوص، فإنه يفرق بين البنك العام والخاص، من حيث ملكية رأس المال
وتكوين الجهاز الإداري ونظم سيره[16][196].
ولا
يعد موظفا عاما تسأل الدولة عن أخطائه، مديروا وموظفوا المشروعات المالية
والمؤسسات المالية والتجارية التي تعتمد على الإدخار العام، حيث لا تخرج عن كونها
هيئات خاصة تخضع للقانون الخاص كما لا تعد أموالها أموالا عامة[17][197].
كما
لا تقوم مسؤولية الدولة عن هذا التعويض، على أساس قواعد المسؤولية الإدارية، حيث
يصعب إثبات خطأ الإدارة في الإبلاغ، فضلا عن أن المسؤولية الإدارية تقوم على أساس
المخاطر وتحمل التبعات، وهي لا تنشأ إلا في حالات نادرة وإستثنائية، وتستلزم نصا
خاصا في أغلب الحالات[18][198].
وعلى
ذلك، فإن أساس مسؤولية الدولة عن تعويض الضرر المترتب على الإبلاغ عن العمليات
المالية المشبوهة، هو مسؤوليتها الإجتماعية[19][199]، بإعتبارها نوع من
الإنصاف والتكافل الإجتماعي، يستهدف المساعدة الإنسانية والإجتماعية، وتنطوي على
تقديم الخير والإحسان الى ضحايا الأفعال غير المشروعة.
والمسؤولية
الإجتماعية للدولة، هي أساس تحملها لتعويض اضرار المجني عليهم في الجرائم بصفة
عامة، عند عدم توافر مسؤوليتها القانونية[20][200].
وهو
ذات الأساس الذي يقوم عليه صندوق تعويض ضحايا الإرهاب والجرائم الأخرى، في فرنسا:
"la fonds de garantie des victims des actes de
terrorisme et d' autres infractions".
والذي تم إنشاؤه بالقانون الصادر في 9 سبتمبر
1986، والمعدل بقانون 30 ديسمبر 1986 حيث يعد التعويض مساعدة تقدمها الدولة،
تعبيرا عن واجب التضامن (Secours)، والذي
يعود بجذوره إلى إجتماعية المخاطر (Socialisation des resiques) [21][201].
32.
تحمل الدولة لتعويض الضرر الذي لحق بالعميل في الفقه الإسلامي:
يستند
التعويض إلى قاعدة "الضرر يزال"[22][202]، وأصلها ما روى عن إبن
عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا ضرر ولا
ضرار) [23][203]. ويقوم التعويض
في الفقه الإسلامي على فكرة التعدي، وهي تشمل قصد إرتكاب
الفعل الضار أو عدم التبصر والإهمال، وإساءة إستعمال الحق، بالإضافة إلى الخروج عن
حدود الحق، وبذلك تقترب فكرة التعدي التي أخذ بها الفقه الإسلامي، من فكرة الخطأ
التي جعلها القانون المقارن اساسا للمسؤولية المدنية[24][204].
وعند الحكم ببراءة العميل من تهمة غسل الأموال، أو عدم
ثبوت صحة البلاغ المقدم ضده، يجب تعويضه عن الضرر الذي لحق به بسبب هذا البلاغ،
حيث يعد هذا جبرا للمتهم البرئ.
وهذا التعويض يقع على عاتق المؤسسات المالية التي قامت
بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، لأنها المتسبب المباشر للضرر.
ولكن إذا كان المتسبب المباشر للضرر منفذا لأمر من هو
أكبر منه، تحمل الآمر عبء هذا التعويض، لأنه وإن كان عن إجتهاد منه، فأخطاء بدعوى
حماية المجتمع، ورعاية مصالحه، فإن بيت مال المسلمين يضمن هذا التعويض[25][205].
وهو
ما يصدق على المؤسسات المالية التي قامت بالإبلاغ بحسن نية، حيث إستهدفت حماية
المجتمع من أضرار غسل الأموال المحرمة، بناء على قرائن توافرت لديها، تنفيذا لأمر
أولي الأمر يوجب الإبلاغ، ثم ثبت عدم صحة البلاغ، حيث يجب أن يتحمل بيت مال
المسلمين تعويض الضرر المترتب على هذا الإبلاغ.
ولهذا
نظير في خطأ القاضي في حكمه، والشاهد في شهادته، حيث إختلف الفقهاء على ثلاثة
أقوال فيمن يتحمل الدية، هل هو القاضي أو الشاهد، أو العاقلة، أو بيت المال؟
القول
الثالث: أنه تجب الدية في بيت المال، وبه قال الحنفية[26][206]، والقول الثاني عند
الشافعية[27][207]، والرواية الثانية عن
الإمام أحمد بن حنبل، وهو المذهب[28][208]، لأن القاضي نائب عن
الله تعالى في أحكامه[29][209].
الخاتمة
وتشتمل
على أهم النتائج والتوصيات المستخلصة من البحث
33.
أهم النتائج:
1.
أن
عمليات غسل الأموال غير المشروعة تحدث الآن تقريبا في جميع دول العالم، وخصوصا
الدول التي تمر بعمليات إصلاح إقتصادي، كما أن ثمة علاقة وطيدة بين عمليات غسل
الأموال والفساد.
2.
أن
عمليات غسل الأموال أصبحت ظاهرة عالمية، حيث تساعد المنظمات الإجرامية على إختراق
وإفساد الهياكل الإقتصادية والمؤسسات المالية والتجارية المشروعة في المجتمع، مما
يؤدي إلى إهتزاز بنيانه المالي.
3.
أن
جريمة غسل الأموال، لما لها من آثار إقتصادية، تعد من قبيل الجرائم الإقتصادية
بمعناها الواسع، الذي يشمل الجرائم الموجهة ضد الذمة المالية والتي ترتكب أثناء
مباشرة النشاط الإقتصادي أو لها علاقة بالنشاط الإقتصادي.
4.
أن
القانون المقارن يتفق مع الفقه الإسلامي في تجريم غسل الأموال، حيث يعد غسل
الأموال جريمة تعزيرية في الفقه الإسلامي، لما فيه من غش وخداع وحيل وإضرار
بالمصالح العامة.
5.
أن
للبنوك وللمؤسسات المالية بصفة عامة، أهميتها في الإبلاغ عن العمليات المالية
المشبوهة، حيث يصعب إجراؤها خارجها، فضلا عن أن البنوك تعد هي المستهدف الرئيسي في
عمليات غسل الأموال، لدورها الكبير في تقديم مختلف الخدمات المصرفية.
6.
أن
البنوك الإلكترونية تمثل تحديا كبيرا في كشف عمليات غسل الأموال، لما تؤدي اليه من
صعوبة التحقق من الهوية الحقيقية لغاسلي الأموال، ولذا أصدرت العديد من دول العالم
قانونا يعالج موضوع التوقيع الإلكتروني، وإن ظلت المشكلة قائمة لإمكان إختراق
التوقيع الإلكتروني.
7.
أن
التزام البنوك والمؤسسات المالية بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، يعد
قاعدة قانونية جنائية في أغلب التشريعات، وهو أمر يتفق مع الفقه الإسلامي، لأن
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يكون فرض عين إذا توافرت شروطا أو ظروفا خاصة في
مسلم بعينه، إذا كان يرجى منه القبول لأي سبب من الأسباب تجعل كلمته مسموعة، وكذلك
إذا توقع ان نهيه عن المنكر هو الطريق لرد المظالم، ولولي الأمر أن يفرض العقوبة
التعزيرية المناسبة من حبس وغرامة ونحوهما عند مخالفة هذا الواجب منعا لتفشي
المنطرات في المجتمع.
8.
أنه
يكفي توافر قرينة أو قرائن على وجود شبهة غسل الأموال، لوجوب الإبلاغ عنها للسلطات
المختصة، لأن الإبلاغ لا يترتب عليه آثار قانونية معينة، وإنما هو مجرد إحاطة
السلطات المختصة بوقوع عملية يشتبه في أنها تستهدف غسل أموال، وهذا امر محل إتفاق
بين القانون المقارن والفقه الإسلامي.
9.
لا
تسأل البنوك والمؤسسات المالية، بسبب الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، عن
جريمة إفشاء السر المصرفي، إستنادا إلى أداء واجب الإبلاغ، ولأن السرية المصرفية
يجب ألا تكون عائقا أمام قيام المؤسسات المالية بواجبها في الإبلاغ، وهذا أمر محل
اتفاق بين القانون المقارن والفقه الإسلامي.
10. لا تسأل البنوك والمؤسسات المالية بسبب الإبلاغ عن
العمليات المالية المشبوهة، عن جريمة البلاغ الكاذب، عند عدم ثبوت صحة البلاغ، متى
كانت حسنة النية، بإستهدافها حماية المصلحة العامة، وليس الإضرار بالعميل المبلغ
ضده، وهذا امر محل إتفاق بين القانون المقارن والفقه الإسلامي.
11. أن العديد من التشريعات تقرر حصانة مدنية للبنوك
والمؤسسات المالية، عن الخطأ في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، مما يؤدي
إلى إهدار حق العملاء في تعويض الأضرار المادية والمعنوية التي لحقتهم بسبب
الإبلاغ.
12. أن القانون الفرنسي منح البنوك والمؤسسات المالية حصانة
مدنية، مع تحمل الدولة لتعويض الضرر الذي لحق بالعملاء بسبب البلاغ الذي ثبت عدم
صحته، بناء على مسؤولية الدولة الإجتماعية، وهو ما يتقبله الفقه الإسلامي، بناء
على أن المبلغ يؤدي واجبه لصالح العدالة، لذا وجب أن يتحمل بيت المالي أداء ما يجب
عنه ضمانا لخطئه.
34.
أهم التوصيات:
1.
يجب
أن تتسم بالمرونة القواعد التي تنظم التوقيع الإلكتروني، حتى تتمكن من مواجهة
التقدم العلمي المذهل في هذا المجال، وبالتالي إماكن الوقوفعلى من يوقم بالعمليات
المالية المشبوهة عن طريق البنوك الإلكترونية.
2.
يجب
أن تحذو التشريعات حذو القانون الفرنسي، في تحمل الدولة لتعويض الضرر الذي لحق
بالعملاء بسبب البلاغ الذي ثبت عدم صحته، فهذا يمثل ضمانة لهم في إستيفاء التعويض،
وتشجيعا للمؤسسات المالية على التعاون الجدي مع جهود مكافحة غسل الأموال، دون
الخوف من المسؤولية المدنية
[1][181] الدكتور
روؤف عبيد: المشكلات العملية الهامة في الإجراءات الجنائية، دار الفكر العربي،
1980م، الجزء الأول ص 796.
[2][182] Cass crim 9 – 2 – 1932 Recueil Daloz habdomadire
1932. P 204. 6-3-1946 Juris classeur periodique ed generale 1946.11.3072 note
J.F.L.C
[3][183] Cass 2er civi 6-2-1959 Bulletin chambers civiles 11.
No 131.7-12-1960 Bulletin civiles 11.No 511 24-3-1971 Bulletin chambers civiles
11.No 133.
راجع الدكتور محمد السعيد رشدي:
الخطأ غير المغتفر، سوء السلوك الفاحش والمقصود، مطبوعات جامعة الكويت 1416هـ
1995م ص 45 و ص 84 هامش 2.
[9][189]
السيد يعقوب حبيب: ظاهرة غسيل الأموال وأثرها على الإقتصاد الوطني، حلقة
نقاشية عقدتها كلية الحقوق، جامعة الكويت في 10/5/1998، منشورة بمجلة الحقوق،
السنة الثانية والعشرون، العدد الثالث، جمادي الآخرة ، 1419هـ سبتمبر 1998 م ص 329 -330.
[10][190] نعيم
شحادة: ظاهرة غسيل الأموال وأثرها على الإقتصاد الوطني، الحلقة النقاشية
السابق الإشارة إليها، ص 330.
[11][191] A ucune action en responsabilite civile en peut
etre intentee, ni aucune sanction professionnelle prononcee contre un organisme
financier, ses dirigeants ou ses preposes qui ont fait de bonne foi la
declaration mentionnee a l'article 3. En cas de Prejudice resultant
directement d'une telle declaration, I' Etat repond du dommage subi".
[13][193] راجع في
الموضوع: الدكتور محمد شكري سرور: مشكلة تعويض الضرر الذي يسببه شخص
غير محدد من بين مجموعة محددة من الأشخاص، دار الفكر العربية 1983 رقم 30 ص 48.
[14][194] CF: anne d' HAUTEVILLE: un nouveau élan est donne a
la politique publique d' aide aux victimes de la deliquance, Revue de science
criminelle et de droit penal compare 1999 p 647.
[15][195] الدكتور
عادل أحمد الطائي: المسؤولية المدنية للدولة عن أخطاء موظفيها، دار الثقافة للنشر
والتوزيع، عمان – الأردن 1999، ص 185.
[17][197] الدكتور
أحمد طه محمد خلف الله: الموظف العام في قانون العقوبات، رسالة دكتوراه،
كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1991
م ص 418 وما بعدها.
[18][198] راجع
الدكتور سليمان الطماي: قضاء التعويض وطرق الطعن في الأحكام، دار الفكر العربي
1986 ص 115 وما بعدها، الدكتور طلال عامر المهتار: مسؤولية الموظفين ومسؤولية
الدولة في القانون المقارن 1402 هـ 1982 م ص 247 وما بعدها.
[20][200] راجع في
الموضوع: الدكتور يعقوب حياتي: تعويض الدولة للمجني عليهم في جرائم
الأشخاص، دراسة مقارنة في علم المجني عليه، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة
الإسكندرية، 1977 ص 201 وما بعدها، الدكتور أبو الوفاء محمد أبو الوفا، حقوق
المجني عليه وطرق كفالتها له، دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي،
رسالة دكتوراه، كلية الشريعة والقانون بالقاهرة، جامعة الأرهز 1414 هـ 1994 رقم
250 ص 244-246؛ الدكتور أحمد محمد عبد اللطيف الفقي: الحماية الجنائية لحقوق
ضحايا الجريمة، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين شمس 1421 هـ 2001 م ص 477-487.
[21][201] J.F.RENUCCL: Lindemnisation des victims d'
actes de terrorisme, Dalloz, 1987 chronques p 197- 204.
[23][203] مسند
الإمام أحمد بن حنبل، دار المعارف بمصر 1951 ج 4 ص 310 ن سنن أبن ماجة ج 2،
كتاب الأحكام، باب من بني في حقه ما يضر بجاره ، حديث رقم 2341، ص 784، وقال في
إسناده جابر الجعفي وهو متهم، والنص له، ورواه من طريق آخر، وقال إسناده ثقات إلا
أنه منقطع.
[24][204] الدكتور
هلال فرغلي هلال: النظام الإسلامي في تعويض المضرور من الجريمة، المركز العربي
للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض 1410هـ 1990 م ص 64.
[25][205] الدكتور
محمد رأفت سعيد: تعويض المتهم، ندوة المتهم وحقوقه في الشريعة الإسلامية،
المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، الرياض 1406هـ 1986 م الجزء الثالث ص 337.