بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمــة:
يعد تعبير غسل الأموال، ترجمة للتعبير الإنجليزي money laundering، والتعبير الفرنسي Blanchiment de capitaux، وهو تعبير مجازي، وليس تعبيرا قانونيا، إذ التعبير
القانوني له، هو "وسائل مكافحة ومحاربة الأموال غير المشروعة".
ويعني غسل الأموال، كل نشاط يقوم به الشخص مستهدفا إضفاء
الصفة الشرعية على الأموال المتحصلة بطريقة غير مشروعة، لتطهير تلك الأموال من دنس
عدم المشروعية، وذلك من خلال إستثمارها في أغراض مشروعة[1].
وقد عرفت الفقرة الأولى من المادة (324-1) من قانون
العقوبات الفرنسي[2]،
"غسل الأموال بأنه " كل فعل يتمثل في تقديم المساعدة – بأي وسيلة كانت –
في إضفاء المشروعية الكاذبة فيما يتعلق بمصدر أموال أو دخل لفاعل جناية أو جنحة،
حققت له ربحا مباشرا أو غير مباشرن ويشكل غسيلا للمال ايضا كل مساعدة لعملية إيداع
أو إخفاء أو تحويل لمال تحصيل بشكل مباشر أو غير مباشر من جناية أو جنحة"[3].
كما عرفته المادة الأولى (ب) من قانون مكافحة غسل
الأموال المصري، رقم (80) الصادر في 22 مايو 2002 م بأنه "كل سلوك ينطوي على
إكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو إستبدالها أو
إيداعها أو ضمانها أو إستثمارها أو نقلها أو تحويلها أو التلاعب في قيمتها إذا
كانت متحصلة من جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة (2) من هذا القانون مع
العلم بذلك، متى كان القصد من هذا السلوك إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره أو
مكانه أو صاحبه أو صاحب الحق فيه أو تغيير حقيقته أو الحيلوله دون إكتشاف ذلك أو
عرقلة التوصل إلى شخص من إرتكب الجريمة المتحصل منها.
وقد نصت المادة الثانية من قانون مكافحة غسل الاموال
القطري رقم (28) الصادر في 3 رجب 1423 هـ 10 سبتمبر /2002م على أنه "يعد
مرتكبا لجريمة غسل الأموال:
1. كل من إكتسب أو حاز أو تصرف أو أدار او إستبدل أو أودع
أو أضاف أو إستثمر أو نقل أو حول مالا متحصلا من جرائم المدرات والمؤثرات العقلية
أو جرائم الإبتزاز والسلب أو جرائم تزوير وتزييف وتقليد أوراق النقد والمسكوكات أو
جرائم الإتجار غير المشروع في الإسلحة والذخائر والمتفجرات او جرائم متعلقة بحماية
البيئة أو جرائم الإتجار في النساء أو الأطفال، متى كان القصد من ذلك إخفاء المصدر
الحقيقي للمال وإظهار أن مصدره مشروع.
2. العامل في المؤسسة المالية الذي يقوم بتسليم مبالغ نقدية
أو أوراق مالية أو تحويلها أو إدخالها في معاملات مالية أو مصرفية، وكان على علم
أو توافر لديه ما يحمله على الإعتقاد أنها متحصلة من إحدى الجرائم المنصوص عليها
في البند السابق.
ويلاحظ أنه في السابق،
كان أصحاب الأموال غير المشروعة يلجأون إلى كتابتها بأسماء أقاربهم لإبعادها عن يد
القانون، ولكن التشريعات الحديثة جعلت من الممكن ملاحقة ثروات هؤلاء الأقارب
للتأكد من مصادرها، وبالتالي كان الحل المطروح أمام أصحاب هذه الأموال، هو إدخالها
في أنشطة مشروعة.
وتشير التقارير
الدولية المتخصصة إلى أن عمليات غسل الأموال غير المشروعة تحدث الآن تقريبا في
جميع دول العالم، وخصوصا تلك الدول التي تمر بعمليات إصلاح إقتصادي، للتحول إلى ما
يعرف بإقتصاد السوق، أو التي تفتح أبوابها أمام الإستثمارات الأجنبية، دون اي
ضوابط أو قيود ، تحول دون تسرب محترفي غسل الأموال الى أراضيها.
كما أن ثمة علاقة
وطيدة بين عمليات غسل الأموال والفساد، والذي يعني سوء إستخدام المنصب العام
لتحقيق غايات شخصية، حيث يتدرج الفساد من الرشوة إلى غسل الأموال، ويزداد ذلك في
الدول النامية، لإفتقارها وجود منظمات غير حكومية، والتي تعد من أهم عوامل كشف
الآثار الدولية النامية، لإفتقارها وجد منظمات غير حكومية، والتي تعد من أهم عوامل
كشف الآثار السلبية للفساد، على خلاف الحال في الدول المتقدمة[4].
كما تشير التقارير إلى
أن حجم الأموال المغسولة على نطاق العالم، يقدر بحوالي (750) مليار دولار سنويا،
أي ما يعادل (5%) من إجمالي الناتج المجلي الإجمالي العالمي، وما يعادل (8%) من
إجمالي حجم التجارة العالمية.
وتحتل الولايات
المتحدة الأمريكية رأس قائمة دول العالم في مجال غسل الأموال، حيث يصل حجم الأموال
المغسولة فيها وحدها إلى ما يزيد عن (200) مليار دولار.
وهناك قوائم دولية
تحدد أبرز وأخطر مراكز غسل الاموال في
العالم، وأهمها: إسرائيل، الفلبين، هونج كونج، الصين، الهند، أندونيسيا، بالإضافة
إلى عدد كبير من الدول الصغيرة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث ينتشر الفساد
وتجارة المخدرات، وتنعدم تقريبا كل أشكال الرقابة والقيود واللوائح التي يمكن أن
تعرقل عمليات غسل الأموال.
2. غسل الأموال أصبح أهم صور الجرائم المنظمة:
الجرائم المنظمة، هي الجرائم لا يرتكبها فاعل وحيد،
وتصيب بالضرر الكبير أكثر من دولة نتيجة لتجاوز حدودها، وإستخدام القوة المادية
والوسائل غير المشروعة، ونهب الأموال، والإبتزاز والخطف والتزييف والتزوير،
والإتجار غير المشروع بالأسلحة والمخدرات والصفقات غير المشروعة، وغسل الأموال،
وهي بذلك تتوافر بشأنها أوجه التماثل مع الجرائم الإرهابية، مما دفع مؤتمر الأمم
المتحدة التاسع في مجال منع الجريمة والعدالة الجنائية إلى الربط فيما بينهما
والدعوة إلى مكافحتهما، والتوصية بأن تدرج في جدول اعمال المؤتمر العاشر، تحت
عنوان "الربط بين الجريمة المنظمة غير الوطنية وجرائم الإرهاب. [5].
فعملية غسل الأموال أصبحت ظاهرة عالمية، حيث تساعد
المنظمات الإجرامية على إختراق وإفساد الهياكل الإقتصادية، والمؤسسات التجارية
والمالية المشروعة للمجتمع، مما تؤدي إلى إهتزاز بنيانه المالي.
3. إضرار عمليات
غسل الأموال:
تؤدي عمليات غسل الأموال إلى تشجيع إرتكاب الجرائم بصفة
عامة، وبخاصة تلك الجرائم الخطرة المدرة للأموال.
ولا يخفي وجود إرتباط بين الدخول المحققة في الإقتصاد
الخفي وأنشطة الإرهاب المحلي والعالمي وتشجيع العنف ودعم القائمين بالعمليات
الإرهابية ماديا، وإرتباط ذلك بعمليات غسل الأموال[6].
كما أن غسل الأموال يدخل ضمن مقومات الاقتصاد الخفي،
بإعتباره مجموعة من الأنشطة التي تحقق دخلا لا يتم تسجيله رسميا ضمن حسابات الناتج
القومي، أما لتعمد إخفائه تهربا من الإلتزامات القانونية المرتبطة بالكشف عن هذه
الأنشطة، وإما بسبب أن هذه الأشطة المولدة لدخل بحكم طبيعتها، تعد مخالفة للقوانين
السائدة في البلاد[7].
وتتمثل خطورة الإقتصاد الخفي، في أنه في حالة توظيف
الأموال غير المشروعة في مجالات الإستثمارات المتعددة، وإن كان يؤدي إلى رفع
معدلات النمو الإقتصادي وخلق فرص عمل جديدة، إلا أن الباعث الدافع لتوظيف أو إستثمار هذه الأموال غير إقتصادي، بقدر ما هو
متعلق بإخفاء حقيقة مصدرها أو الإحتماء من المطاردة القانونية لها[8].
كما أن المؤسسات المالية التي تمارس فيها عمليات غسل
الأموال، تتأثر سمعتها المالية ومركزها الإقتصادي، الأمر الذي يؤدي انصرف العملاء
عنها.
هذا فضلا عن أن من شأن هذه الجريمة زعزعة الثقة بهذه
المؤسسات وعدم إستقرارها، حيث إن هذه الأموال عادة ما يتم نقلها منها بعد فترة إلى
مكان آخر، لذا تعمل على بقائها أطول فترة ممكنة من الوقت لإستثمارها، ومع ذلك
تفاجأ بإنتقال الاموال الى مكان آخر، ولذا فهي لا تتعامل مع مستثمر حقيقي[9].
ونظرا لهذه الآثار الإقتصادية، فإن جريمة غسل الأموال،
تعد من قبيل الجرائم الإقتصادية بمعناها الواسع[10].
الذي يشمل الجرائم الموجهة ضد الذمة المالية والتي ترتكب أثناء مباشرة النشاط
الإقتصادي أو لها علاقة بالنشاط الإقتصادي، ومنها الجرائم التي تسبب ضررا للإقتصاد
الوطني مثل النقود أو السرقات أو الإختلاسات في المنشآت الإقتصادية.
وفضلا عن الآثار الإقتصادية لعمليات غسل الأموال، فإن
لها آثارا إجتماعية، تتمثل في الإخلال بالعدالة في توزيع الدخول في المجتمع، حيث
يحظى بعض العاملين في عمليات غسل الأموال، مثل السماسرة والوسطاء وتجار الأراضي
والعقارات، بإرتفاع كبير في مستويات دخولهم، في الوقت الذي يضار فيه أصحاب الدخول
الثابتة، مما يؤدي إلى صعود بعض الفئات من أصحاب الدخول غير المشروعة إلى أعلى
درجات السلم الإجتماعي، بسبب زيادة الدخل والثروة، في الوقت الذي يتضاءل المركز
النسبي للفئات المتوسطة والفقيرة في الدخل[11].
4. خطة
البحث:
يشتمل البحث على خمسة مباحث وخاتمة:
-
المبحث الأول : تجريم عمليات غسل
الأموال.
-
المبحث الثاني : التزام البنوك بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة.
-
المبحث الثالث : جزاء الإخلاء
بواجب الإبلاغ ووسائل مساعدة البنوك في القيام به.
-
المبحث الرابع : عدم المسؤولية
الجنائية بسبب الإبلاغ.
-
المبحث الخامس : المسؤولية المدنية عن الخطأ في الإبلاغ بين القواعد العامة
وقوانين مكافحة غسل الأموال.
المبحث الأول
تجريم عمليات غسل الأموال
5. تجريم عمليات غسل الأموال في
الإتفاقيات الدولية:
تعتبر عمليات غسل الأموال من المشكلات المستحدثة التي
أهتمت بها الإتفاقيات الدولية[12].
منها إتفاقية بالرم، التي تم التوقيع عليها في 21 ديسمبر 1988 من عدة دول هي: الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، انجلترا،
المانيا، كندا، فرنسا، السويد، هولندا، بلجيكا، لكسمبورج، سويسرا، كما وقعت عليها
منظمة السوق الأوروبية المشتركة، حيث هدفت هذه الإتفاقية إلى رغبة الدول الموقعة
في الحفاظ على سمعة المؤسسات البنكية من ممارسات مرتبطة بالمجرمين، وقد تضمنت
الإتفاقية مجموعة من المبادئ تهدف جميعها إلى إبعاد البنوك عن أية أنشطة ذات طبيعة
إجرامية[13].
وفي عام 1988م، عقد في فيينا مؤتمر الأمم المتحدة خلال
شهري نوفمبر وديسمبر لمكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية،
وعلى أثره وضعت لجنة بازل في نهاية ذلك العام، مبادئ عامة تم إتفاق الدول الأعضاء عليها، وهذه المبادئ هي[14].
1. التعرف بطريقة صحيحة على هوية كل الأشخاص الذي يتعاملون
بالتجارة مع البنك.
2. قيام البنك بعمله بما يتفق مع المعايير الأخلاقية.
3. التعاون مع السلطات القائمة على تطبيق القانون، مثل
الشرطة، في حدود القوانين النافذة.
4. تدريب الموظفين في جميع المجالات المتعلقة بمحاربة
التجارة غير المشروعة في المخدرات.
كما تم توقيع إتفاقية إستراسبورج، من قبل الدول الأعضاء
في المجلس الأوروبي في 87 نوفمبر 1990م، وتتعلق هذه الإتفاقية بمكافحة غسل
الأموال.
وبمقتضى هذه الإتفاقية، تلزم الدول الموقعة بتجريم
الأفعال التي تنطوي على تبديل أو تحويل أو إخفاء الأموال الناشئة عن الجريمة أو
التعتيم عليها، كما تلزم هذه الدول بتجريم إكتساب هذه الأموال أو حيازتها أو
إستعمالها أو المساهمة أو الإشتراك في أي من هذه الافعال.
كما أن هناك توصيات لفريق عمل الإجراءات المالية بصدد
غسل الأموال المنبثق عن إجتماع قادة الدول الصناعية الكبرى (G7)،
وهي الولايات المتحدة الأمريكية، انجلترا، كندا اليابان، إيطاليا، فرنسا، المانيا،
والمنعقد في باريس 1989م، وهي مجموعة حكومية خاصة بوضع السياسات لمكافحة غسل
الأموال، وبخاصة تلك المستمدة من الإتجار غير المشروع في المخدرات، وقد أقرت هذه
المجموعة (FATF) في عامها الاول 1990م، أربعين توصية، يجب على
أعضائها مراعاتها عند تطبيق التدابير الوطنية في مكافحة غسل الأموال، سواء أكان
ذلك على النطاق الوطني، أم في المجال الدولي، وسأذكر بعض هذه التوصيات التي تتعلق
بالبحث في موضعها.
وبالمثل أوصى المؤتمر التاسع للأمم المتحدة في مجال منع
الجريمة سنة 1995م الدول الأعضاء، مواصلة التعاون فيما بين قطاعاتها الوطنية
المعنية بمعنى الجريمة والعدالة الجنائية، بإتخاذ الإجراءات الفعالة لمكافحة
الجرائم المنظمة غير الوطنية وجرائم الإرهاب والعنف في المناطق الحضرية، والإتجار
غير المشروع في المخدرات، والأسلحة والأتجار الدولي في القصر، وتهريب الأجانب،
والجرائم الإقتصادية والبيئية، وغسل الأموال، وتزييف العملات، وإرساء نظام متبادل
لتسليم المجرمين، مع مراعاة حقوق المتهمين ومصالح القضايا[15].
كما عقد مؤتمر المخدرات وغسيل الأموال، في الولايات المتحدة
الأمريكية، خلا الفترة من 20 – 22 فبراير 1997م، بمدينة ميامي الأمريكية وقد ركز
المؤتمر على الوسائل الفعالة لمحاربة غسل الأموال وظهرت في هذا الصدد ثلاث طرق:
1. سياسة إعراف عميلك، والتي تقضي بأن على المؤسسات المالية
أن تدقق في عملائها والتحقق عما إذا كان أي منهم يحصل على أموال طائلة لا تتناسب
مع وظيفته أو التجارة التي يقوم بها.
2. سياسة أو مبدأ الإخطار عن العمليات المشبوهة suspicious activities فكل عملية أو نشاط مشبوه يكتشف نتيجة إتباع المبدأ
السابق يجب الإبلاغ عنه should be reported، ورصد هذه النشاطات، وإبلاغ
السلطات القضائية المختصة للتحقق فيها.
3. التعاون الوثيق بين الدول، سواء من خالال معاهدات جماعية
أو ثنائية، وإصدار تشريعات تساعد وتحفز على الكشف عن هذه الجرائم[16].
كما أوصت مجموعة السبع – والتي أصبحت الآن مجموعة
الثمانية[17]
في إجتماعها الأخير في شهر مايو 1998م بإتخاذ إجراء الكارت الأصفر، في مواجهة
الدول التي يؤخذ عليها التورط أو المشاركة في تسهيل عمليات غسل الأموال.
وقد أصدر مجلس الأمن في سنة 2001م، توصية برقم 1373
تتضمن أن تراقب المؤسسات المالية في الدول المختلفة العمليات التي يشتبه في أنها
تجري لتمويل الإرهاب وذلك بهدف تجفيف منابعه.
وأخيرا، أكد بيان ختام اجتماعات مؤتمر رؤساء اجهزة
مكافحة المخدرات في الدول العربية، والذي انعقد في تونس، وانتهى يوم 13 يوليه 2002
م إلى تعزيز تبادل المعلومات بين اجهزتهم والقطاعين المصرفي والتجاري فيما يتعلق
بغسل الأموال المتأتية من الإتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية، من
أجل زيادة التعاون في التحقيق في هذه الجرائم والنجاح في الملاحقة القانونية
لمرتكبيها.
كما أوصى البيان الصادر عن الأمانة العامة لمجلس وزراء
الداخلية العرب، التي عقد المؤتمر في إطار انشطتها بالموافقة على مشروع القانون
العربي النموذجي الإسترشادي لمكافحة غسل الاموال، والذي يستهدف تعزيز سبل وإجراءات
مكافحة غسل الأموال المتأتية من أعمال غير مشروعة غير مشروعة، وخاصة من الإتجار
غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية[18].
6. تجريم عمليات
غسل الأموال في القانون المقارن:
إستجابت العديد من الدول، لتوصيات المؤتمرات الدولية،
فأصدرت تشريعات تجريم عمليات غسل الأموال، فأصدرت انجلترا قانون جرائم الإتجار في
المخدرات سنة 1986 م، وذلك قبل عقد إتفاقية فيينا سنة 1988، نظرا لتضررها من تجارة
المخدرات[19].
وفي الولايات المتحدة صدر عام 1986، قانونا لمكافحة غسل
الأموال، ثم إدراجهما ضمن الباب الثامن عشر من المجموعة التي تشتمل على القوانين
الجنائية الإتحادية، والقانون الأول، تضنه الفصل رقم 1956 ويتعلق "بغسل
الأموال القذرة بإستخدام العمليات المالية"
والقانون الثاني، تضمنه الفصل رقم 1957، ويخص "غسل الأموال القذرة
بواسطة المؤسسات المالية".
وفي عام 1994م، صدر القانون الذي عرف بـ Money Laundering Suppression وهو قانون محاربة غسل الأموال، وبموجبه اصبحت جميع
المؤسسا، سواء البنوك او غيرها مجبرة على إخبار Fincen[20]. عن أية حركة مشبوهة للاموال، وعمل تقارير تتناول حركة المبالغ الكبيرة
وتنظيم البيانات[21].
وفي اليابان،
دأبت وزارة المالية منذ أكتوبر 1990م، على توجيه الإرشادات للبنوك، إلى
ضرورة التأكد من هوية أي شخص يفتح حسابا جديدا أو يحول مبالغ كبيرة، كما سنت عدة
قوانين جديدة من شهر يوليو 1992م ، بخصوص غسل الأموال، بموجبها تم إلزام البنوك
والمؤسسات المالية، بتزويد وزارة المالية عبر القنوات المختصة بالمعلومات المتعلقة
بالحركات المشتبه بها تحت إشراف المسؤولين، كما تم تجريم عمليات غسل الأموال
المتأتية من تجارة المخدرات، ووضع إجراءات تهدف إلى تطوير التعاون القضائي بين
الدول[22].
كما واجه المشرع الإيطالي ظاهرة غسل الأموال بنصوص
جنائية، تمثلت في إعتبار هذا السلوك ظرفا مشددا لبعض الجرائم وفي احيان أخرى، في
العقاب على غسل الاموال الناشئة عن جرائم معينة، أو في العقاب على غسل الأموال
الناشئة عن اية جريمة، وذلك طبقا للمادة 416 مكررا من قانون العقوبات، والتي تم
تعديلها بقانون مكافحة المافيا رقم 82-646.
والقانون رقم (55)
الصادر في 19 مارس 1990م، والذي تم تكملته الصادر في 3 مايو 1991م، حيث
تضمن مجموعة من القواعد التي يتعين أن تلتزم بها المؤسسات المالية، وذلك للوقاية من
حدوث غسل الأموال إبتداء عن طريقها، وفرض جزاءات جنائية عند مخالفتها، وفي عام
1993 م وصع قانون العقوبات الإيطالي من نطاق جرائم غسل الأموال ليشمل "كل
الأنشطة الجنائية الدولية"[23].
وفي لوكسمبورج، صدر قانون تجريم غسل الأموال الناتجة عن
الإتجار في المخدرات، في 7 يوليه 1989، ثم أضيف إليه قانون 17 مار س 1992، والذي
نص على العديد من الظروف المشجددة لهذه الجريمة، وطبقا لقانون 11 أغسطس 1998، نص
قانون العقوبات على جريمة غسل الاموال الناتجة من أية جناية أو جنحة (م 324)[24].
وفي سويسرا، جرم المشرع غل الأموال الناشئة عن أية جريمة
مهما كانت طبيعتها، طبقا للمادتين (305)
مكررا، (305) مكررا (م) من قانون العقوبات، والتي أضيفتا بالقانون الصادر
في 23 مارس 1990م، والتين دخلتا حيز النفاذ منذ أول أغسطس 1990م.
وفي أول أغسطس 1990، أصدرت سويسرا قانونا يلزم البنوك
وموظفيها بتوخي الحيطة والحذر اللازمين عند فتح حساب للعميل ومعرفة أسمه وموطنه.
وقد نص المشرع الألماني على تجريم غسل الأموال، بالمادة
(261) من قانون العقوبات، التي أضيفت بالقانون الصادر في 15 يوليه 1992م، والذي
أطلق عليه أسم "قانون مكافحة الإتجار غير المشروع في المخدرات وغيرها من صور
الجريمة المنظمة"، والمعدل بقانون غسل الأموال الصادر في 25 أكتوبر
1993م" ، وقانون مكافحة الجرائم الصادرة في 28 أكتوبر سنة 1994م. [25].
أما المشرع الفرنسي، فقد جرم غسل الأموال الناتجة عن
الإتجار في المخدرات (المادة 222- 38 من قانون العقوبات، المعدلة بالقانون الصادر
في 13 مايو 1996).
كما جرم غسل الأموال الناتجة عن إحدى الجرائم الجمركية
(م 415 من قانون الجمارك)، أو الناتجة عن أعمال الدعارة أو القودة (م 225 – 6 من
قانون العقوبات).
وقد أدخل المشرع الفرنسي التجريم العامل لغسل الأموال في
قانون العقوبات الفرنسي، بالقانون رقم 96 – 392 الصادر في 13 مايو 1996، وأطلق
عليه قانون مكافحة غسل الأموال في المخدرات والتعاون الدولي في مجال ضبط ومصادرة
متحصلات الجريمة"[26].
ومن قبل، صدر القانون رقم 90 – 614، في 12 يوليه 1990،
والمعدل بالقانون رقم 98-546 الصادر في 2 يوليه 1998، "والذي يتعلق بمساهمة
المؤسسات المالية في المكافحة ضد غسل الأموال الناتجة عن الإتجار في
المخدرات"[27].
وبالمثل، صدر في كل من بلجيكا، ورومانيا، وإسبانيا،
وسلوفانيا، قانون لمكافحة غسل الأموال[28].
وفي لبنان، صدر قانون مكافحة تبييض الأموال، رقم 318
بتاريخ 20 إبريل 2001م، وفي الكويت، صدر القانون رقم 35 لسنة 2002، بشأن مكافحة
عمليات غسل الأموال، ونشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 26 مارس 2002م، وكان قد تم
إعداد هذا القانون طبقا لكافة المعايير والتوصيات الدولية الخاصة بمكافحة عمليات
غسل الأموال.
وكان البنك المركزي الكويتي قد تصدى لظاهرة غسل الأموال
منذ عام 1991م، حيث انتهت الدراسات التي قام بها إلى إصدار تعليمات في هذا الخصوص
خلال عام 1993 م إلى كافة الوحدات الخاضعة لرقابته، كما تم تحديث هذه التعليمات
خلال عامي 1997-1998م[29].
وقد عدل المشرع المصري عن خطته في عدم إفراد غسل الأموال
بنصوص خاصة للتجريم، إكتفاء بالنصوص العامة التي تنال بالعقاب صورا عديدة من غسل
الأموال، فأصدر القانون رقم 80 لسنة 2002 في 12 مايو 2002م لمكافحة غسل الأموال،
فأصدر القانون رقم 80 لسنة 2002 في 12 مايو 2002م لمكافحة غسل الأموال، لرفع إسم
مصر من قائمة الدول غير المتعاونة في محاربة غسل الأموال، بعد أن أدرجت عام 1998م
في هذه القائمة، بسبب عدم وجود قانون خاص لديها يحارب هذه الجريمة، ولمواجهة النقص
التشريعي لمحاربة غسل الأموال[30].
وفي قطر، صدر القانون رقم 28 لسنة 2002ن في 3 رجب 1423هـ
، 10 سبتمبر 2002م، لمكافحة غسل الأموال، والذي نص على العمل به بعد ستين يوما من
تاريخ نشره بالجريدة الرسمية (م 21).
وثمة دول في سبيل إصدار قانون لمكافحة غسل الأموال، كما
هو الحال في المملكة العربية السعودية، حيث أكد وزير المالية والإقتصاد الوطني
السعودي أن هناك جهودا لصياغة نظام متكامل لمكافحة غسل الأموال، بالإستناد على
توصيات الاربعين الصادرة عن لجنة العمل المالي الدولي لمحاربة غسل الأموال، سيتم
رفعه إلى مجلس الوزراء لاحقا"[31].
وثمة دول أخرى لم تصدر ولم تعد بعد قانونا لمكافحة غسل
الأموال، كالأردن التي لم تبرز لديها هذه الظاهرة، لوجود رقابة فعالة ومحكمة من
قبل أجهزة البنك المركزي، غير أنه لما كان هذا لا يمنع من إمكانية حدوث هذه
الجريمة وتسلل أموال ملوثة لمصارفها، فإنه يجب إصدار قوانين خاصة لمحاربة عمليات
غسل الأموال[32].
وقد إستجاب المشرع الأردني لجزء يسير من هذا الطلب، حيث
نص في قانون البنوك الجديد رقم 28 لسنة 2000م، على ضرورة إعلام البنك المركزي في
حالة وجود أية شكوى أو مخاوف من عملية غسل أموال، أو عملية تتعلق بأية جريمة أخرى،
ويتولى البنك المركزي حال علمه، سواء عن طريق البنك أو غيره، إصدار أمر بوقف
العملية وإعلام الجهات الرسمية أو القضائية، وإعفاء البنك المركزي من إفشاء السر
المصرفي[33].
ومع ذلك، فإن مادتين في قانون البنوك، لا تكفي لمعالجة
غسل الأموال، خاصة مع عدم تجريم هذا الفعل. [34].
7. غسل الأموال
ينصب على المال المحرم لغيره شرعا:
أسباب التملك المشروعة، المعاوضات المالية والأمهار،
والخلع والميراث والهبات والصدقات والوصايا والوقوف والغنيمة والإستلاء على المباح
والأحياء، وتملك اللقطة بشرطه، وديه القتيل والغرة، والغاصب إذا فعل بالمغصوب شيئا
أزال به اسمه وعظم منافعه، ملكه إذا خلط المثلي بمثلي، بحيث لا يتميز ملكه[35]. وما عدا ذلك من أسباب التملك، يكون محرما
والمحرم ما حرم فعله[36].
وقيل ما منع من فعله ويذم شرعا فاعله[37].
ويسمى الحرام ايضا معصية وذنبا وقبيحا ومزجورا عنه
ومتوعدا عليه من الشرع[38]. وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن كل كسب للمال
بطريق غير مشروع، بقوله سبحانه: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا
بها الى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون"[39].
والمعنى: لا
يأكل بعضكم مال بعض بغير حق ، ويدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق،
وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه، كمهر البغي وحلوان
الكاهن وأثمان الخمور والخنازير وغير ذلك[40].
وقوله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا
أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلو انفسكم إن الله
كان بكم رحيما"[41].
والمعنى: لا
تهلكوا أنفسكم بإرتكاب الآثام، بأكل أموال الناس بالباطل، وهو كل ما يخالف الشرع،
وغيره من المعاصي التي تستحقون بها العقاب، ومن رحمته سبحانه بعباده، نهيهم عن أكل
الحرام وإهلاك الأنفس. [42].
والمال الحرام، هو كل مال حرم الشارع على المسلم حيازته
وتملكه، ولا يدخل في ملك المسلم يسيرا كان أو كثيرا[43].
وهو إما مال محرم لذاته، وهو ما كان حراما في أصله
ووصفه، أي ما حرمه الشرع بسبب قائم في عين المحرم، ولا ينفك عنه بحال من الأحوال،
لما إشتمل عليه من ضرر أو خبث أو قذاره[44].
وإما مال محرم لغيره، هو كل مال حرمه الشرع لوصفه دون
أصله، حيث جاءت حرمته من أمر خارجي منفك عن ذاته، وهو السبب الطارئ الذي أثر في
وصفه ولم يؤثر في أصله وماهيته، فهو في ذاته حلال، وإنما أصبح حراما لإكتساب ملكه
أو حيازته بطريق غير مشروع، وهو ما يطلق عليه بعض الفقهاء "المال المحرم
بسببه".
فقد جاء في الذخيرة[45]: قاعدة: كل محرم إما لأجل وصفه كالخمر او سببه
كالبر المغصوب، وكل ما حرم بوصفه فلا يحل إلا بسببه كالميته مع الضرورة، وكل ما حل
بوصفه فلا يحرم إلا بسببه".
كما أطلق عليه بعض آخر من الفقهاء "المال الحرام
لكسبه"، فقد قال إبن تيمية "إن الحرام نوعان: حرام لوصفة كالميته والدم
ولحم الخنزير، فهذا إذا اختلط بالماء والمائع وغيره من الأطعمة، وغير طعمه أو لونه
أو ريحه، حرمه، وإن لم يغير ففيه نزاع، ليس هذا موضعه، والثاني: الحرام لكسبه،
كالمأخوذ غصبا أو بعقد فاسد"[46].
ويلاحظ أن عملية غسل الأموال تنصب على المال المحرم
لغيره، فهو في ذاته مال حلال، وإنما حرم لإكتسابه بطريق محرم، كالربا والرشوه
والقمار والإحتكار والغصب والسرقة وثمن الخمر ونحو ذلك ويريد صاحبه بعملية غسله
تغيير صفته حتى يكون مالا حلالا.
أما المال المحرم لذاته، فلا يرد عليه عملية غسل
الأموال، لأنه ليس مالا محترما مقوما، كالخمر والميتة ونحو ذلك. إذ المال ا لمتقوم، هو المال المباح الإنتفاع
به شرعا[47].
ولذا يقضي غسل هذا المال، التصرف فيه أولا، على خلاف
أحكام الشرع الذي يحظر التصرف في هذا المال غير المتقوم – ببيع ونحوه، وعندئذ يكون
ثمنه مال محرم بسبب غيره، وهو إكتسابه
بطريق غير مشروع.
8. غسل المال
الحرام لا يغير من صفته:
لا تغير عملية غسل المال من صفته، بإعتباره مال حرام،
أخذ بطريق لا يقره الشرع ولا يقبله القانون، لأن عملية الغسل، لا تعدو أن تكون
حيلة آثمة تتمثل في تغيير صورة المال مع بقاء حقيقته.
والحيلة نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي يتحول به فاعله
من حال إلى حال، ثم غلب عليها بالعرف إستعالها في الطرق الخفية التي يتوصل بها
الرجل إلى حصول غرضه، بحيث لا ينفطن له إلا بنوع من الذكاء والفطنة[48].
وبهذا يشتمل التحيل على مقدمتين: إحداهما قلب أحكام الأفعال بعضها إلى بعض في
ظاهر الأمر، والأخرى جعل الأفعال المقصود بها في الشرع معان، وسائل إلى قلب تلك
الأحكام[49].
وكما حرم الإسلام كل ما يفضي إلى المحرمات من وسائل
ظاهرة، حرم التحايل على إرتكابها بالوسائل الخفية، والحيل التي تقوم على المكر
والخداع.
ولذلك، كان للوسائل أحكام المقاصد، فالوسيلة غلى أفضل
المقاصد هي أفضل الوسائل، وإلى أقبح المقاصد هي أرذل الوسائل، وغلى ما هو متوسط
متوسطه[50].
وكلما سقط إعتبار القصد سقط إعتبار الوسيلة[51]،
لأن المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، ولهذا كانت طرقها
وأسبابها تابعة لها معتبره بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في المنع منها، بحسب
إفضائها إلى غاياتها وإرتباطها بها، كما
أن وسائل الطاعات والقربات في الإذن فيها بحسب إفضائها إلى غاياتها، فوسيلة
المقصود تابعة للمقصود وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد
الوسائل[52].
وتطبيقا للقاعدة الشرعية: "الأمور بمقاصدها" فإن الشيء الواحد
يتصف بالحل والحرمة بإعتبار ما قصد له[53].
ولما كان غسل الأموال، لا يعدو أن يكون وسيلة لمقصد سيء،
وهو إصباغ وصف المال الحلال على المال الحرام، فإنه يجب إعتبار هذا القصد، لتكييف
تصرف غسل المال، ولا يكفي أن تكون الوسيلة مشروعة في ذاتها، ولذلك يظل المال
الحرام موصوفا بذلك، حتى وإن إحتال مالكه لتغيير هذا الوصف بغسله، لما هو مقرر من
بطلان كل حيله يحتال بها المتوسل إلى المحرم، فإنه لا يتغير حكمه بتغيير هيئته
وتبديل أسمه[54]،
ومن أنه لا عبرة بتغيير الأسم إذا بقي المسمى، ولا يتغيير الصورة إذا بقيت الحقيقة[55].
ويعلل إبن القيم هذا الحكم بقوله: " ولو أوجب تبديل
الأسماء والصور تبدل الأحكام والحقائق، ولفسدت الديانات وبدلت الشرائع وإضمحل
الإسلام"[56].
ومما يؤكد هذا الحكم الشرعي، أن حكم الحاكم لا يحل حراما
ولا يحرم حلالا، وهذا أمر متفق عليه بين الفقهاء في الأموال والأبدان إجماعا، وفي غيرها
أيضا، خلافا لأبي حنيفة في عقد النكاح وحله، فقد قالوا بأن حكم القاضي للمقضي له
بالمال الذي في يدي المقضي عليه من العقار او العروض والديون، لا يبيح له أخذه
فيما بينه وبين الله تعالى، وأن حكمه في الظاهر كهو في الباطن، فإنه لا يحل له
أخذه، إذا كان عالما بأن القاضي قضى له بالباطل على هذا الخلاف[57].
كما إذا شهد شاهد زور لإنسان بمال فحكم به الحاكم، لم يحل للمحكوم له ذلك المال[58].
والدليل على ذلك، ما روى عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أ، يكون ألحن بحجته من بعض،
فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قطعت له من حق اخية شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له
قطع من النار[59].
يقول الإمام أبن حزم[60]: "إذا كان حكمه عليه الصلاة والسلام وقضاؤه
لا يحل ما كان حراما، فكيف القول في قضاء أحد بعده، ونعوذ بالله تعالى من
الخذلان".
كما يقول الإمام السندي، نقلا عن الشيخ تقي الدين
السبكي، أن قوله – صلى الله عليه وسلم: "فمن قضيت له من حق أخية بشيء .....
"قضية شرطية، لا يستدعي وجودها، بل معناها بيان أن ذلك جائز، ولم يثبت لنا قط
أنه – صلى الله عليه وسلم – حكم بحكم ثم بان خلافه، لا بسبب تبين حجة ولا يغيرها،
وقد صان الله تعالى أحكام نبيه عن ذلك، مع أنه لو وقع لم يكن فيه محذور[61].
هذا ولا يجوز قياس المال الذي يخضع لعمليات غسل، على بعض
الأعيان إذا تغيرت من حال إلى حال، حيث يختلف فيها الحكم الشرعي، كالخمر إذا تخللت
أصبحت جائزة الإستعمال لتحولها خلا[62]. ووجه عدم صحة القياس، أن الأعيان يكون تغيرها
جذريا أي تغيرا ماديا يتعلق بجوهر المادة ووصفها، لأن بتحول السائل المسكر إلى خل،
يكون قد تحول جوهره بالكامل إلى مادة جديدة، ولم يعد يسمى خمرا[63]،
وهذا لا يتحقق في المال الذي تم غسله، لأن المال جوهره واحد، لا يطرأ عليه أي تبديل
أو تغيير، إذ الحرمة فيه منفكة عن ذاته،
لا تختص بحقيقته جوهره، لذا لا يكون المال الحرام بعد غسله مالا حلالا[64].
لما كان ذلك، فإن المال الحرام، سواء خضع لعمليات الغسل
أو لا، يجب صرفه في المصالح العامة للأمة الإسلامية، متى لم يعرف صاحب الحق فيه،
وإلا وجب رده إلى صاحبه.
9. غسل المال
الحرام يعد جريمة تعزيرية:
إذا كان الكسب نتيجة عمل غير مشروع، كالجرم والغضب
ونحوهما، فهذا العمل بداية مصدر التزام وضمان، بسبب الإثراء غير المشروع[65].
وفضلا عن الضمان، فإن الشخص إذا لجأ إلى الغش والخداع
والحيل، على نحو يضر بالغير كان مستحقا لعقوبة تعزيرية، لأن التعزير يكون في كل
معصية لا حد فيها ولا كفارة. فإذا ترك
إنسان ما يجب عليه أن يفعله أو إرتكب ما هو محرم عليه، فإنه يكون بذلك قد إقترف
معصية تستوجب التعزير، إذا لم تكن هناك عقوبة مقدرة[66].
ولما كان غسل الأموال محرم شرعا، لما فيه من غش وخداع
وحيل، وإضرار بالمصالح العامة، فإن منن يقترف هذا السلوك يعاقب بالعقوبة التعزيرية
الرادعة.
المبحث الثاني
التزام البنوك بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة
10. التعريف
بالإبلاغ:
الإبلاغ: هو الإيصال، وكذلك التبليغ، والإسم منه البلاغ،
مأخوذ من بلغ الشيء يبلغ بلوغا، وبلاغا وصل وإنتهى، وأبلغه هو إبلاغا، وبلغه
تبليغا، وتبلغ بالشيء وصل غلى مراده[67].
ويطلق شراح القانون، البلاغ على الإجراء الذي يصدر من
شخص لا هو بمرتكب الجريمة، ولا هو بالمجني عليه فيها، ويتضمن إحاطة السلطة المختصة
علما بوقوع جريمة من الجرائم التي لا يتوقف فيها مباشرة النيابة العامة لإجراءات
اقتضاء حق الدولة في العقاب على شكوى أو طلب[68].
والبلاغ بهذا المعنى يتفق مع الشكوى، في أن كلا منهما
إخطار في شأن جريمة إرتكبت، يقدم إلى مأمور الضبط القضائي أو إلى النيابة العامة،
فلم يتطلب القانون شروطا معينة من حيث الشكل فيهما[69].
بينما يختلفان في أن البلاغ إخطار بالجريمة يقدمه أي شخص
دون توافر صفة خاصة فيه، أما الشكوى فإخطار بالجريمة يقدمه المجني عليه.
ولا يستهدف المبلغ ببلاغة ترتيب اثار قانونية معينة، لذا
فهو لا يعدون أن يكون إعلانا أو إخبارا أو إفصاحا عن علم، وهو حق شخصي عام مخول
للكافة، فيقبل من المواطن والأجنبي، ومن البالغ والقاصر، كما لا يشترط في المبلغ
أن يكون متمتعا بقواه العقلية.
ولا يختلف معنى البلاغ في الفقه الإسلامي عنه في القانون
الوضعي، إذ أن جوهره هو الإخبار وهو الإتيان بالخبر والخبر هو ما أتاك من نبأ عمن
تستخبر[70].
والخبر منه ما هو رواية محضة، ومنه ما هو شهادة محضة،
والمشترك بين الإخبار والشهادة.
وقد وضح الإمام إبن الشاط، الفرق بين الشهادة والرواية
بقوله[71]: "... إن الخبر إما أن يقصد به أن يترتب
عليه فصل قضاء وإبرام حكم وإمضاء أو لا، فإن قصد به ذلك، فهو الشهادة، وإن لم يقصد
به ذلك، فإما أن يقصد به ترتب دليل حكم شرعي أو لا، فإن قصد به ذلك فهو الرواية،
وإلا فهو سائر انواع الخبر، ولا حاجة بنا إلى بيان تفاصيلها، لأن المقصود إنما هو
بيان ما يجوز في إصطلاح الفقهاء والأصوليين وإعتباراتهم، ودليل صحة إعتبار القيد
المذكور، أن المخبر بأن لزيد قبل عمرو دينارا غير قاصد بذلك الخبر أن يترتب عليه
فصل قضاء، لا يسمى في عرف الفقهاء والأصوليين شاهدا على جهة الحقيقة، بل يسمى
مخبرا، وكذلك المخبر عن الأمور الواقعة التي يستفاد منها تعريف دليل حكم شرعي، لا يسمى
عندهم على جهة الحقيقة روايا، وإن سمي كما في الأقاصيص ونحوها، فهو مجاز من جهة
أنهم لا يشترطون فيه من صفات الرواة ما يشترطون في رواة تعريف أدلة الأحكام".
يتضح من هذا النص، أن المبلغ عن جريمة ما، لا يعد شاهدا
حيث لا يقصد من وراء بلاغه فصل قضاء وإبرام حكم وإمضائه، وإنما يريد إخبار السلطات
العامة بها، كي تتحقق منها وتتخذ ما تراه مناسبا بشأنها.
هذا فضلا عن أنه يشترط في الشاهد – بصدد بعض الجرائم –
شروطا معينة من ذكورة وعدالة وعدد ....، وهو ما لا يشترط في المبلغ، إذ يقبل
البلاغ من الواحد والمرأة والعبد[72].
11. الإبلاغ
عن الجريمة بين الحق والواجب في القانون
المقارن:
الإبلاغ عن الجريمة إما أن يكون رخصة أي حقا، وهذا هو
الأصل العام، فهو رخصة لكل من علم من الأفراد بوقوع جريمة، فيجوز تقديمه إلى أحد
مأموري الضبط القضائي[73]،
وقد يكون الإبلاغ واجبا على الأفراد في بعض الجرائم[74].
ويكون الإخلال بهذا الواجب جنحة معاقبا عليها، وذلك في
الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الداخل والخارج[75].
كما يكون الإبلاغ واجبا في بعض التشريعات على من علم
بوقوع جناية أو بوجود مشروع لإرتكاب جناية، مما يجوز إتخاذ إجراءات جنائية بشأنها
دون شكوى المجني عليه[76].
كما يلتزم الموظف العمومي أو المكلف بخدمة عامة،
بالإبلاغ بوقوع أية جريمة أتيح له ان يعلم بها أثناء تأدية عمله أو بسببها[77].
وتختلف التشريعات في نوع الجزاء الذي يوقع على الموظف
الذي يخل بهذا الواجب فبعضها يقرر له جزاء جنائيا[78]،
وبعضها لم يقرر له جزاء جنائي، إكتفاء بالجزاء التأديبي[79].
وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية، من أن إمتناع
الموظف أو المكلف بخدمة عامة عن أداء واجب التبليغ عن جريمة، يعتبر إخلالا خطيرا
بواجبات الوظيفة[80].
12. الإبلاغ عن
الجريمة واجب على كل مسلم قادر في الفقه الإسلامي:
الإبلاغ عن الجرائم يدخل في النهي عن المنكر، لذا فهو
واجب على كل مسلم قادر على القيام به إلا إذا رجح جانب الستر على مسلم غير معروف
بالفجور، إرتكب حدا من الحدود الخالصة لله تعالى[81]،
ويقول الله تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر"[82].
فالناس لا تتم مصلحتهم لا في الدنيا ولا في الآخرة، إلا
بالإجماع والتعاون والتناصر فالتعاون على جلب منافعهم، والتناصر لدفع مضارهم[83].
ولما كانت الجرائم تضر بالمجتمع وبإستقراره، فإنه يجب أن
يشترك أفراده في مكافحتها، وذلك بالإبلاغ عنها، وتوجيه الدعوى الجنائية لإحكام
الرقابة من كل جانب[84]. إذ لو تركنا الجناة يفعلون ما يشتهون، لانتشرت
الىثام في الجماعة، وشاعت المنكرات في الأمة، ونحن مسؤولون عن طهارة المجتمع
وصلاحه وإستقامته[85].
13. تدعيم
دور المؤسسات المالية في مجال الكشف عن جرائم غسل الأموال، في الإتفاقيات الدولية
والقانون المقارن:
إتجهت الإتفاقيات الدولية نحو تدعيم دور المؤسسات
المالية في مجال الكشف عن جرائم غسل الأموال، بوجوب إبلاغها عن العمليات المالية
التي تزيد قيمتها عن مبلغ معين، أو تثور شبهات حول صلتها بأنشطة غسل الاموال، سواء
أكانت هذه المؤسسات المالية مصرفية أم غير مصرفية.
فقد جاء في التوصية 15 من التوصيات الأربعين لمجموعة (FATF) الخاصة بوضع السياسات لمكافحة غسل الأموال،
"إذا إشتبهت المؤسسات المالية في أن أموالا ناتجة من نشاط إجرامي، يجب عليها
أن تبلغ عنها فورا السلطات المختصة وعن شكوكها فيها".
كما بحثت لجنة الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات في
إجتماعها في الفترة من 14 – 23 مارس 1995م في النمسا، التدابير الكفيلة بتعزيز
التعاون الدولي في مجال مكافحة إساءة إستخدام المخدرات، ومن ضمنها موضوع غسل
الأموال، وكان قرارها في هذا الموضوع، ضرورة الإبلاغ عن الصفقات المشبوهة أو
الغريبة إلى وحدة مركزية للتحليل المالي، يتم إنشاؤها في كل دولة على حدة، مع
تطوير الإتصالات الفعالة فيما بين أجهزة تنفيذ القوانين من أجل سهولة تحريات انشطة
غسل الأموال، وإحالة من يقوم بها إلى
القضاء، وأهمية تشجيع الدول الأعضاء على الإبلاغ عن الصفقات[86].
وقد التزمت التشريعات بهذا القرا، ونصت عليه صراحة، فيما
عدا قانون البنوك السويسري، طبقا لآخر تعيدلاته سنة 1993م حيث جعل للبنوك الحق في
الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة.
بيد أنه يلاحظ أنه وإن لم يصل الأمر بالإبلاغ إلى حد
الوجوب في القانون السويسري، فإن البنوك عندما تقدر عدم الإبلاغ التطوعي، يجب
عليها عدم تقديم أية مساعدة للعميل وعدم التعامل معه وغلق حساباته. [87].
بينما أخذت باقي التشريعات بوجوب إبلاغ المؤسسات المالية
عن العمليات المالية المشبوهة.
فقد أوجب قانون العقوبات الألماني (م 621) على المؤسسات
المالية المصرفية وغير المصرفية، وكذلك الأشخاص الطبيعيين والمعنويين العاملين
بالمهن المالية، كرجال الأعمال والصيارفة وغيرهم، إبلاغ السلطات المختصة بالعمليات
المالية المشبوهة[88].
ويعد هذا خروجا من المشرع الألماني على المبدأ الذي يسير
عليه، من عدم الإلتزام بالإبلاغ عن الجرائم، بإستثناء ما نصت عليه المادة 138 من
قانون العقوبات، والتي تعاقب على الإمتناع عن الإبلاغ عن جرائم محددة.
كما أوجب قانون مكافحة الإتجار في المخدرات البريطاني
الصادر سنة 1986 م على البنوك وغيرها من المؤسسات المالية المخاطبة بأحكامه،
الإلتزام بالإبلاغ عن أية عمليات مالية مشبوهة، الأمر الذي يجب معه على العاملين
بالمؤسسات المالية، إبلاغ مسؤول مكافحة غسل الأموال، بالبنك او بالمؤسسة، عن اية
عمليات مالية تحيط بها شبهات، تدفع إلى الإعتقاد بعدم مشروعيتها، وذلك من خلال
إستيفاء النموذج المعد لذلك، ويتولى هذا المسؤول بدوره – إخطار "الوحدة
الوطنية لإستخبارات المخدرات "National
Drug intelligence Unit"، بهذه البلاغات بعد فحصها وإبداء الرأي بشأنها[89].
وقد أوجب القانون الإيطالي الصادر في 3 مايو 1991م
والمتعلق بمنع إستخدام المؤسسات المالية في غسل الأموال، على المؤسسات المالية
والوسطاء الماليين الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يوجب قانون سرية
الحسابات المصرفية الصادر سنة 1992م، على المؤسسات المالية الخاضعة لأحكامه، وتشمل
البنوك، وشركات السمسرة والإدخار والتأمين، ومكاتب المحاسبة والمراجعة التي تحصل
على مدفوعات نقدية من العملاء، وتجار السيارات، وسماسرة البورصة، ومجال الوجبات
السريعة، وغيرها من المنشآت التي تحصل على مدفوعات نقدية من العملاء، إخطار إدارة
الدخول المحلية (IRS) [90]
بالتقارير الخاصة بالمعاملات النقدية (CRT) [91]
والتي تزيد قيمتها على عشرة آلاف دولار، والعمليات المالية التي تنطوي على أي دخول
أو خروج لعملات أجنبية، على أن تقدم هذه التقارير في موعد أقصاه خمسة عشر يوما، من
تاريخ كل معاملة تزيد قيمتها عن عشرة آلاف دولار، يقوم بها شخص واحد، في اليوم
الواحد، ويتعين أن يتضمن التقرير المقدم أسم البنك أو المؤسسة المالية، وإسم
العميل بالكامل، ومحل إقامته، ورقم التأمينات الإجتماعية الخاص به، وإسم الشركة أو
المنشأة التي يمتكلها أو يتعامل بإسمها[92].
وتقوم إدارة خدمة الدخول المحلية بتحليل البيانات
السابقة، للتعرف على نوع المعاملات ومطابقة البيانات الموجودة في التقارير مع
البيانات الموجودة لدى المباحث الفيدرالية.
وبعد ذلك، تتولى الإدارة إرسال البيانات والمعلومات
الواردة إليها من المؤسسات المالية إلى إدارة مكافحة المخدرات، كي تقوم بالمراجعة
والتقييم، كما أوجب قانون محاربة غسل الأموال الأمريكي سنة 1994 على المؤسسات
المالية، إخبار (FICEN) عن العمليات المالية المشبوهة[93].
وطبقا للقانون الفرنسي رقم 90-614 الصادر في 12 يوليه
1990، والمعدل بالقانون رقم 98-546 الصادر في 2 يوليه 1998م المتعلق بمساهمة
المؤسسات المالية في المكافحة ضد غسل الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات، تلتزم
المؤسسات المالية والبنكية، والخزانة العامة والإدارات المالية التابعة لمؤسسة
البريد، وصناديق الإيداع والحفظ، وشركات البورصة والصيارفة وشركات السمسرة في مجال
الأوراق المالية، بإبلاغ النيابة العامة عن العمليات المنصبة على مبالغ مصدرها
تجارة المخدرات أو أنشطة المنظمات الإجرامية (م1، 2/1 من القانون) وقد أضاف
القانون رقم 96-392 الصادر في 13 مايو 1996مم "سماسرة التأمين وإعادة مبالغ
التأمين "Courtiers d' assurance et de re-
assuraces"
ولا يقتصر الإلتزام بالإبلاغ، على الأشخاص الذين يمارسون
مهنة منظمة من قبل القانون مثل مراقبي الحسابات والمحامين والمستشارين القانونيين
وسماسرة العقارات والموثقين.... الخ.
وإنما يشمل أيضا الأشخاص الذين يمارسون مهنا أخرى مثل
أصحاب محال المجوهرات والأشياء القديمة، ومن يتعاملون في شراء العقارات وبيعها
وتقديم المشورة بشأنها، وكذلك من تمكنه مهنته من التعرف على مصدر الأموال التي
يجري عليها تصرفا او يقدم مشورة بخصوصها، ومن هؤلاء: المصفون القضائيون والموثقون
والمحاسبون القانونيون[94]. كما يشمل أيضا المحامين إذا كان الأمر خارج
واجب السرية الذي يفرضه القانون كفالة لحق الدفاع.
ويلاحظ أن الإلتزام بالإبلاغ عن العمليات المالية
المشبوهة في القانون الفرنسي، قاصر على حالات غسل الأموال الناتجة عن تجارة
المخدرات المنصوص عليها في المادة (272) من قانون الصحة العامة والتي تعاقب على
جرائم جلب المواد المخدرة وإنتاجها وصناعتها وتصديرها، كما تعاقب كذلك على الشروع
في إرتكاب أي من هذه الجرائم، أو ناتجه عن إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادة
415 من قانون الجمارك – كما سأذكرها بعد قليل، أو عن نشاط إحدى المنظمات
الإجرامية، فضلا عن الإلتزام بالإبلاغ عن أية تحويلات مالية تزيد قميتها عن خمسين
ألف فرنك فرنسي.
ولا يمتد الإلتزام بالإبلاغ إلى المجال العام الذي
تضمنته الجريمة العامة لغسل الأموال المنصوص عليها في المادة (324-1) من القانون
العقوبات الفرنسي[95]
وهذا يعد عيبا في التشريع، نظرا لأهمية الإبلاغ – كما سيأتي لاحقا[96]
- في كشف عمليات غسل الأموال الناتجة عن أي نشاط إجرامي.
وبمجرد حدوث الإبلاغ، تقوم النيابة العامة بإخطار إدارة
معينة تابعة لوزارة الإقتصاد والمالية، والتي يطلق عليها (TRACFIN) [97]،
وتتكون من مجموعة من موظفي الدولة المؤهلين في هذا المجال والتي تم إنشاؤها
بالقانون الصادر في 9 مايو 1990م، وتتلخص مهمة هذه الإدارة في جمع كافة المعلومات
المفيدة بصدد الواقعة المطروحة وتقديمها للنيابة العامة، لتحديد أصل المبالغ
وطبيعة العمليات التي تضمنها الإخطار المقدم للنيابة العامة، وحينما يتوافر قدر
كاف من المعلومات لإثبات حدوث وقائع تكشف عن جرائم الإتجار في المخدرات أو عن
انشطة المنظمات الإجرامية، وهذه المعلومات تقدم للنيابة العامة، وكذلك لإدارة
الجمارك، لغتخاذ الإجراءات اللازمة، لتطبيق نص المادة (415) من قانون الجمارك،
المعدلة بالقانون الصادر في 23 ديسمبر 1998م، والتي تعاقب بالحبس الذي يتراوح بين
سنتين وعشر سنوات، وبمصادرة المبالغ محل الجريمة أو مبالغ تعادلها، وبالغرامة التي
تتراوح قيمتها بين ما يعادل المبالغ التي وقعت عليها، سواء أكانت هذه الجريمة تامة
أم في مرحلة الشروع، وخمسة أضعاف هذه القيمة، كل من يمارس أو يشرع في ممارسة عملية
مصرفية بين فرنسا والخارج، سواء عن طريق الجلب أو التصدير أو التحويل أو المقاصة،
إذا كان محلها أصولا يعلم أنها متحصلة بطريق مباشر أو غير مباشر من جريمة منصوص
عليها في قانون الجمارك أو عن طريق إحدى الجرائم التي تقع بالمخالفة للنصوص الخاصة
بالمواد او بالنباتات المخدرة.
وقد يترتب على هذا الإبلاغ، وقف العملية المالية المزمع
إجراؤها لمدة لا تتجاوز 12 ساعة، بناء على قرار من (TRACFIN)
كما أن الأموال المشتبه فيها والتي تم الإبلاغ عنها، قد يتم حجزها مؤقتا بناء على
قرار من رئيس المحكمة الإبتدائية بباريس، أو قاضي التحقيق عند الإقتضاء، بغية
إتاحة فرصة لموظفي (TARACFIN) للتحري بشأن ظروف وملابسات العملية ومدى مطابقة
الشبهات المثارة للواقع (م 6 من القانون رقم 9-614 الصادر في 12 يوليه 1990،
والمضافة بالقانون رقم 93-122 الصادر في 29 يناير 1993م.
وطبقا للمادة (8) من قانون مكافحة غسل الأموال المصري،
تلتزم المؤسسات المالية بإخطار وحدة مكافحة غسل الأموال، وهي وحدة مستقلة ذات طابع
خاص، تنشأ بالبنك المركزي.
وقد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 164 لسنة 2002م بإنشاء
وحدة مكافحة غسل الأموال بالبنك المركزي المصري، تتولى مباشرة الإختصاصات الواردة
بقانون مكافحة غسل الأموال.
وقد حددت المادة الأولى (حـ) من هذا القانون، المؤسسات
المالية بأنها:
1. البنوك العاملة في مصر وفروعها في الخارج وفروع البنوك
الأجنبية العاملة في مصر.
2. شركات الصرافة والجهات الأخرى المرخص لها بالتعامل في
النقد الأجنبي.
3. الجهات التي تباشر نشاط تحويل الأموال.
4. الجهات العاملة في مجال الأوراق المالية.
5. الجهات العاملة في مجال تلقي الأموال.
6. صندوق توفير البريد.
7. الجهات التي تمارس نشاط التمويل العقاري وجهات التوريق
العقاري.
8. الجهات التي تمارس نشاط التأجير التمويلي.
9. الجهات العاملة في نشاط التخصمي.
10. الجهات التي تمارس أي نوع من أنشطة التامين وصناديق
التأمين الخاصة وأعمال السمسرة في مجال التأمين.
أما فانون مكافحة غسل الأموال القطري، فقد نصت المادة
التاسعة منه على أنه "تحدد الجهة المختصة واجبات المؤسسات المالية في مجال
مكافحة غسل الأموال وتتابع تنفيذها".
فقد نصت المادة الثالثة من هذا القانون على أنه
"يعد مرتكبا لجريمة مرتبطة بجريمة غسل الأموال، كل من توافرت لديه بحكم عمله
معلومات تتعلق بجريمة غسل الأموال المنصوص عليها في المادة السابقة، ولم يتخذ
الإجراءات المقررة قانونا بشأنها".
وقد بينت الفقرة الثالثة من المادة الأولى من هذا
القانون، المقصود بالمؤسسات المالية بأنها "كل شركة أو منشأة يرخص لها
بمزاولة أعمال مصرفية أو مالية أو غيرها، كالبنوك أو محال الصرافة أو شركات
الإستثمار أو التمويل أو شركات التأمين أو الشركات أو المهنيين الذين يقومون
بخدمات مالية أو سماسرة الأسهم والأوراق المالية أو أي فرد أو جهات أخرى مماثلة.
كما بينت الفقرة الثانية من المادة الأولى، المقصود
بالجهة المختصة، بأنها "الوزارة أو الجهاز الحكومي أو الهيئة العامة أو
المؤسسة العامة أو مصرف قطري المركزي بحسب الأحوال".
14. أهمية دور
البنوك في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة:
للمؤسسات المالية دور كبير لا يمكن تجاهله بصدد مساعدة
السلطات المختصة في كشف جرائم غسل الأموال.
ذلك أن العمليات المالية قلما تتم خارج المؤسسات
المالية، فضلا عن أن البنوك تعد المستهدف الرئيسي في عمليات غسل الأموال، لدورها
الكبير في تقديم مختلف الخدمات المصرفية،
لذا كان من الطبيعي أن توجه انشطة غاسلي الاموال القذرة إليها، على أمل
إجراء سلسلة من العمليات المصرفية، حتى تتمتع هذه الأموال بصفة الشرعية.
بل إن أهمية البنوك في آلية غسل الأموال، تفوق أهمية
أسواق المال الدولية، ذلك أن نسبة ما يغسل من أموال من خلال أسواق المال الدولية
لا تتعدى نحو (25%) من إجمالي حجم الأموال المغسولة، رغم تمتعها بسرية المعاملات،
وهو مبدأ تلتزم به جميع البورصات العالمية[98].
ويأتي التزام البنوك وغيرها من المؤسسات المالية
بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة ليحل مشكلة كانت تواجهها حال قيامها
بالإبلاغ طواعية – قبل صدور قانون مكافحة غسل
الأموال – إذ لو قامت بالإبلاغ تسأل عن جريمة إفشاء السر المصرفي الخاص
بالعميل، وعند تقاعسها عن هذا الإبلاغ، قد تسأل عن حجب معلومات عن السلطات المختصة
وعرقلة التحقيق والتعاون مع غاسلي الأموال[99].
المبحث الثالث
جزاء الإخلال بواجب الإبلاغ ووسائل مساعدة البنوك في القيام به
15. مسؤولية
البنوك عن الإخلال بالإلتزام بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة:
الإلزام صيغة تتضمن أمرا بالخروج من الحالة السلبية تجاه
موقف معين أو بعدم إتخاذ تلك الحالة، أي القيام بنشاط إيجابي معين. [100].
ولذا يجب أن تقوم البنوك وغيرها من المؤسسات المالية
بعمل إيجابي يتمثل في الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، وإلا كان موقفها
السلبي بالإمتناع عن الإبلاغ مشكلا لجريمة مقرر لها عقوبة جنائية[101].
خلافا لبعض التشريعات التي لم تجعل مخالفة هذا الواجب
جريمة جنائية، وإنما إعتبرها مخالفة إدارية وأخضعها لمجموعة من الجزاءات التي نص
عليها القانون الإداري، كما هو الشأن في قانون سرية الحسابات الأمريكي، مخالفا
بذلك خطة المشرع الإنجليزي التي اعتبر من مخالفة جريمة جنائية[102].
وقد كان المشرع الفرنسي ينص ي القانون رقم 90-614 الصادر
في 2 يوليو 1990 على إعتبار الإخلال بالإلتزام بالإبلاغ عن العمليات المالية
المشبوهة، والتي قد تخفي وراءها غسلا للمال، جريمة مقرر لها عقوبة جنائية (م 23)،
غير أنه بموجب القانون رقم 98-546 الصادر في 2 يوليه 1998 قام بالنص على إلغاء
العقوبات الجنائية إكتفاء بالمساءلة التأديبية عن هذا الإخلال (م 17) تمشيا مع
خطته في الحد من العقوبات الجنائية وبهذا اصبح المشرع الفرنسي يكتفي بالمسؤولية
التأديبية عوضا عن المسؤولية الجنائية.
وتتفق العقوبة الجنائية المقررة قانونا لمخالفة الإلتزام
بالإبلاغ، مع المبدأ السائد من أن التجريم القانوني يستلزم جزاء قانونيا، تتدخل
السلطة بالقوة لضمان وقوعه، ولذا كان التجريم مرتبطا بالعقاب إرتباطا لا فكاك
له، كما أن درجة العقاب هي التي تعكس درجة
التجريم حيث لا تستوي موازين كل ما يلحقه التجريم في نظر القانون[103].
وتسري على جريمة إمتناع البنك وغيره من المؤسسات المالية
– عن الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهه ما يسري على جرائم الإمتناع بصفة عامة،
والتي تتخذ مظهرا سلبيا، بالإحجام عن القيام بأداء واجب قانوني، حيث يسود الإتجاه
نحو توسيع دائرة الجرائم المادية التي تقوم بدون خطأ، لتشمل جرائم الإمتناع، ومن
ذلك الإمتناع عن الإبلاغ عن الجريمة، والإمتناع عن الحيلوله دون وقع جريمة ضد
الأشخاص والإمتناع عن تقديم العون إلى شخص في خطر والإمتناع عن الإدلاء بالشهادة
لصالح شخص برئ حيث تجمع بين هذه الحالات فكرة واحدة، هي كسر قاعدة اللامبالاة وفرض
التزام بالتصرف وفقا للقاعدة التي ينص عليها التجريم[104].
لما كان ذلك، فإن البنك بمجرد إمتناعه عن الإبلاغ عن
العمليات المالية المشبوهة، يعد فاعلا لجريمة ومستحقا للعقوبة المقررة لها، دون
لزوم توافر خطأ في جانبه، متى كان في إستطاعته القيام بهذا الواجب.
وذلك بإعتبار البنك أحد الأشخاص المعنوية، التي تتجه
التشريعات الجنائية الحديثة نحو تقرير مسؤوليتها الجنائية، لان لها إرادة معتبرة،
يعبر عنها الأشخاص الطبيعيون الذين يمثلون إرادته، وهذا يصلح أساسا لإعتبارها شخصا
في نظر القانون الجنائي، وأهلا للمسؤولية الجنائية وتوقيع العقوبات المالية عليها
والتدابير الإحترازية، ولا سيما في جرائم الإمتناع[105].
ومن الأهمية بمكان أن اذكر، أن العقوبة التي توقع على
البنك الذي إمتنع عن الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، لا تمنع من توقيع
العقوبة على موظف البنك الذي يدخل في اختصاصه واجب الإبلاغ أو الأمر بتنفيذه.
ويعد هذا تطبيقا للقواعد العامة التي تقرر أن العقوبة
التي توقع على الشخص المعنوي في حالة إنعقاد شروطها، لا تمنع من العقوبة على
الأشخاص الطبيعيين الذين يمثلون إرادته، بصفتهم فاعلين أو شركاء، وفقا لظروف
ووقائع كل جريمة على حده، عندما تتوافر في حقهم الشروط اللازم توافرها للمساءلة عن
الخطأ الذاتي، ولا يعتبر ذلك من قبيل تعدد العقوبات عن الجريمة الواحدة، لأن الشخص
الطبيعي إذ يسأل بصفته ممثلا لإرادة الشخص المعنوي، ينظر إليه وكأنه الشخص المعنوي
ذاته، وأنه يتفحص شخصتيه ويمثل إرادته، وأما مساءلته عن خطئه عند تحقق شروطه،
فإنما يكون طبقا للقواعد العامة في القانون الجنائي[106].
وهذا ما نصت عليه صراحة الفقرة الأخيرة من المادة
(121-2) من قانون العقوبات الفرنسي، التي أقرت المسؤولية الجنائية للأشخاص
المعنوية في الحالات التي نص عليها القانون أو اللائحة، فقد نصت على أنه "لا
تؤدي المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية إلى إستبعاد مسؤولية الأشخاص الطبيعيين
الفاعلين او الشركاء لنفس الأفعال[107].
كما نصت المادة 16 من قانون مكافحة غسل الأموال المصري،
على أنه "في الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة بواسطة شخص إعتباري يعاقب
المسؤول عن الإدارة الفعلية للشخص الإعتباري المخالف بذات العقوبات المقررة عن
الإفعال التي ترتكب بالمخالفة لأحكام هذا القانون إذا ثبت علمه بها، وكانت الجريمة
قد وقعت بسبب إخلاله بواجبات وظيفية.
ويكون الشخص الإعتباري مسؤولا بالتضامن عن الوفاء بما
يحكم به من عقوبات مالية وتعويضات، إذا كانت الجريمة التي وقعت بالمخالفة لأحكام
هذا القانون قد إرتكبت من أحد العاملين به باسمه ولصالحه".
وبهذا النص، إعترف المشرع المصري بالمسؤولية الجنائية
للشخص المعنوي، الذي إرتكب جريمة غسل الأموال بالتضامن مع المسؤول عن الإدارة
الفعلية، وإن لم يصل إلى حد الإعتراف بذلك
بصدد جريمة الإمتناع عن الإبلاغ، ومع ذلك، فإني أرى أن المادة (15) من قانون
مكافحة غسل الأموال، والتي نصت على أنه "يعاقب بالحبس وبالغرامة التي لا تقل
عن خمسة آلاف جنيه، ولا تجاوز عشرين ألف جنيه او بإحدى هاتين العقوبتين، كل من
يخالف ايا من أحكام المواد (8، 9، 11) من هذا القانون، تطبق على البنوك وغيرها من
المؤسسات المالية التي امتنعت عن الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، ذ لك ان هذا النص اشار إلى أن موجبات تطبيقه،
مخالفة أحكام المادة 8 من نفس القانون، والتي نصت على أنه "تلتزم المؤسسات
المالية بإخطار الوحدة عن العمليات المالية التي يشتبه في أنها تتضمن غسل
أموال...." وحيث جاء النص عاما ومطلقا، فإنه يطبق على الشخص الطبيعي والمعنوي
الذي يخالف أحكام المادة 8 من القانون، ويدخل في ذلك المؤسسات المالية.
كما نصت المادة 14 من قانون مكافحة غسل الأموال القطري
على أنه "إذا ارتكبت الجرائم المنصوص عليها في المواد 2، 3، 4 من هذا القانون[108]
بواسطة شخص إعتبارين ودون المساس بمسؤولية الشخص الطبيعي، يعاقب الشخص الإعتباري
بغرامة لا تقل عن قيمة الوسائط والعائدات والمتحصلات من الجريمة، ويجوز الحكم
بالغاء رخصة الشخص الإعتباري أو وقف نشاطها لمدة لا تجاوز سنة.
ولهذا نظير، في مسؤولية البنك مسؤولية جنائية في بعض
الاحوال، كما لو خالف قوانين النقد أو الإفلاس[109]،[110].
وهذه المسؤولية الجنائية، لا تحول دون وجوب أن يستعمل البنك
المركزي سلطته في توقيع جزاءات على البنك المخالف لواجب الإبلاغ عن العمليات
المالية المشبوهة، والتي قد تصل في بعض الحالات الخطيرة الى حد شطبه وإخراجه من
سوق العمل المصرفي، وقد يعترض على ذلك، بأن اخطاء بعض الموظفين لا تبرر الإطاحة
الكاملة بالبنك المتورط في عمليات غسل الأموال أو يهمل في الإبلاغ عنها، ووجوب
الإكتفاء بمعاقبة الموظفين، غير أنه يرد على ذلك، بأن إدارة البنك غالبا ما تكون
على علم بما يحدث، وأن أستمرار إدارة البنك في أعمالها ستؤدي إلى الإطاحة بالبنك
أن عاجلا أو آجلا كما حدث في بنك الإعتماد والتجارة في مصر[111].
16- الحكم
الشرعي لإلزام البنوك بالإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة:
النهي عن المنكر وأجب على كل مسلم قادر، وهو فرض على
الكفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، غير أنه يصير فرض عين على القادر
الذي لم يقم به غيره، والقدرة هو السلطان والولاية، فذوو السلطان أقدر من غيرهم،
وعليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم، فإن مناط الوجوب هو القدرة، فيجب على كل إنسان
بحسب قدرته[112]،
لقوله تعالى: "فاتقوا الله ما إستطعتم"[113].
وقد جاء في الجامع لأحكام القرآن للقرطبي[114]:
"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعين متى رجى القبول او رجى رد الظالم ولو
بعنف، مالم يخف الآمر ضررا يلحقه في خاصته او فتنه يدخلها على المسلمين، إما بشق
عصا، وإما بضرر يلحق طائفة من الناس، فإذا خيف هذا فعليكم أنفسكم" محكم واجب
ان يوقف عنده، ولا يشترط في الناهي أن يكون عدلا كما تقدم، وعلى هذا جماعة أهل
العلم فإذا خيف هذا "فعليكم أنفسكم" محكم واجب ان يوقف عنده، ولا يشترط
في الناهي أن يكون عدلا كما تقدم، وعلى هذا جماعة أهل العلم فإعلمه".
يتضح مما تقدم، أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
يكون فرض عين إذا توافرت شروطا أو ظروفا خاصة في مسلم بعينه، إذا كان يرجى منه
القبول لأي سبب من الأسباب التي تجعل كلمته مسموعة، كالعلم والتقوى، وكذلك إذا
توقع أ، نهيه عن المنكر هو الطريق لرد المظالم.
ولما كانت البنوك وغيرها من المؤسسات المالية، هي التي
تتوافر لديها القدرة على كشف عمليات غسل الأموال، فإن إبلاغها السلطات العامة عن
وجود عملية مالية مشبوهة، يكون واجبا عليها.
أضف الى ذلك، أن المصارف الإسلامية حكومية او خاصة، لا
تتوقف مسؤوليتها عند تحقيق أقصى عائد ممكن لأصحابه، لكن عليها مسؤولية دينية نحو
مجتمعها، فهي مكلفة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقويم ما أعوج من شؤون
النشاط الإقتصادي وفي تطهير المعاملات المصرفية من كل مفاسد تشوبها[115].
وإذا كان إبلاغ البنوك عن العمليات المالية المشبوهة
واجبا عينيا في حق البنك الذي علم بها، فإن لولي الأمر أن يفرض العقوبة التعزيرية
المناسبة من حبس وغرامة ونحو ذلك عند مخالفة هذا الواجب، منعا لتفشي المذكرات في
المجتمع، بالسكون عنها او بقائها وإستمرارها او تكرارها وتجددها.
وتطبق على البنوك من هذه العقوبات، ما يتفق مع شخصيتها
المعنوية التي يتقبلها الفقه الإسلامي، كحقيقة إجتماعية قائمة بذاتها ومستقلة عن
العناصر المكونة لها، على أن قبوله للشخصية المعنوية إنما يكون على سبيل المجاز،
بإعتبارها وصف شرعي تترتب عليه أحكام الشريعة الإسلامية[116].
معنى الشبهة الواجب الإبلاغ عند توافرها:
17. في القانون:
لا يشترط كي تتوافر شبهة غسل الأموال، والتي تلتزم
المؤسسات المالية بالإبلاغ عنها، أن يتوافر دليل ينصب على واقعه غسل الأموال،
ويكشف بطريق قطعي أن الشخص أراد من وراء العملية المالية غسل الأموال القذرة،
وإنما يكفي توافر قرينة على ذلك، وهي إستنتاج لواقعة مجهولة من واقعة معلومة، حيث
يكون هذا الإستنتاج ضروريا بحكم اللوزوم العقلي.
وما ذلك، إلا لأن الإبلاغ لا يترتب عليه آثار قانونية
معينة، وإنما مجرد إحاطة السلطة المختصة بوقوع أمر يشتبه في أنه يكون جريمة بخلاف
العقوبة فإنه لا بد من الدليل للحكم بها، حيث يتوقف إقرار سلطة الدولة في العقاب
على ثبوت وقوع الجريمة ونسبتها الى المتهم، بإعتبار ان ذلك وحده هو الذي يؤدي إلى
كشف الحقيقة بصدد الجريمة المرتكبة.
ومثال القرائن
المصاحبة للتفكير في موضوع غسل الأموال، والتي تتوافر الشبهة بقيامها، هبوط ثروة
طائلة مفاجئة على شخص معروف بالفقر منذ زمن طويل، أو ظهور عميل جديد تأتيه أموالا
طائلة من الخارج دون أن يكون له نشاط معروف، أو ورود تحويلات مرة واحدة تم توزيعها
بواسطة المستفيد منها بين أفراد عديدين، بتحويلات داخلية، دون أن يكون سبب التحويل
ظاهرا او مهنة المستفيد معروفة، لذا يجب على مدير البنك او المؤسسة المالية أن
يسأل المشتبه فيه عن مصدر أمواله، حتى يمكنه المحافظة عليها في أمان من أية شكوك،
فالشكوك وحدها لا تكفي لتكوين الإشتباه، حتى لا يكون سيفا مسلطا على رقاب الناس،
كما هو الحال في ضخامة المبالغ المحولة من وإلى الخارج[117].
كما يجوز للبنوك والمؤسسات المالية – بصفة عامة – أن
تستند في توافر الشبهة الموجبة للإبلاغ، إلى الأخبار Les Novelles: وهي
المعلومات التي تتعلق بحادث معين، وترتكز أو تبدو مرتكزة على الواقع المادي، فلا
تدخل فيها التنبؤات والتخمينات[118].
وتطبيقا لذلك، غذا أخبر شخص ما – ولو كان غير معلوم-
البنك، بأن عملية مالية سيتم إجراءها عن طريقه بهدف غسل أموال قذرة، وتحقق البنك أو
غلب على ظنه صدق هذا الخبر، وجب عليه الإبلاغ للجهات المختصة بينما لا يجوز له أن
يستند في توافر الشبهة الى الشائعات. وهي
التي تعتبر نوعا من الأخبار الكاذبة التي يتناقلها الناس، دون التحقق من صحتها،
ودون أن ترتكز على مصدر موثوق به يؤكد صحتها، وإن كانت تتضمن احيانا شيئا من
الحقيقة، فإنه يغلب عليها أنها مختلة، لأن برهانها يكون باهتا يشوبه الغموض وعدم
الوضوح[119].
تطبيقا لذلك، فإن الشائعات التي تلوكها الألسنة،
والمجردة عن اي قرينة يغلب على الظن معها أن العملية المالية يشتبه في أنها تتضمن
غسل أموال، لا تكفي لوجود شبهة موجبة للإبلاغ، كمن يكون معروفا بين الناس بممارسة
لنشاط غير مشروع، ولم يتوافر لدى البنك ما يغلب على الظن معه صدق ذلك، فعندئذ لا
يجوز للبنك أن يفترض شبهة غسل الأموال، في كل عملية مالية يجريها هذا الشخص، بناء
على هذه الشائعات، حماية لمصالح الناس من النيل منها، بناء على أقوال مرسلة.
ولما كانت هناك عقوبة توقع على موظف البنك الذي يمتنع عن
الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة بعد الوقوف عليها – كما تقدم[120]
- فإن البعض[121]
يرى أن وجود هذه العقوبة والخوف من تطبيقها، سيؤدي عملا إلى ان يبادر كل موظف إلى
الإبلاغ، حتى ولو كانت الشبهة غير موجودة أو غير جدية، ويقترح تفاديا لذلك، عدم
العقاب الجنائي على مخالفة الإلتزام بالإبلاغ، إكتفاء بالجزاءات الإدارية
والتأديبية، داخل المؤسسات المالية.
وهذا الإقتراح غير جدير بالتأييد، ذلك أن حرص التشريعات
على تقرير عقوبة جنائية على مخالفة الإلتزام بالإبلاغ له ما يبرره، لما للعقوبة
الجنائية من تأثير أشد في الزجر والردع من غيرها من الجزاءات الإدارية والتأديبية.
ولا يصلح مبررا للتسرع في الإبلاغ، الخوف من المسؤولية
الجنائية المترتبة على مخالفة الإلتزام به، ذلك أن العقوبة لا توقع على الموظف إلا
بعد إثبات علمه بوجه قطعي أو ظني بوجود شبهة غسل اموال، ويستطيع أن يثبت عدم علمه
بذلك بكافة طرق الإثبات.
وهذا ما نصت عليه صراحة المادة التاسعة من القانون
الفرنسي رقم 90-614 الصادر في 12 يوليه 1990 (والمعدل بالقانون رقم 98-546 الصادر
في 2 يوليه 1998[122])
مطبقا لهذا النص، عندما يتم تنفيذ العملية المالية طبقا للشروط المنصوص عليها في
المادة السادسة من نفس القانون، دون تواطؤ على التدليس مع مالك المال أو الشخص
الذي أجرى العملية المالية، تعفى المؤسسة المالية أو ممثليهم، وهذا الإعفاء من
المسؤولية الجنائية، لا يقتصر على تطبيق المواد 222-34 حتى 222-39 من قانون
العقوبات والتي تتعلق بجرائم الإتجار في المخدرات، أو المادة 415 من قانون
الجمارك، وإنما يمتد ليشمل المادتين 321-1، 321-2 من قانون العقوبات، واللتان
تتعلقان بجريمة إخفاء الأشياء المسروقة.
18. في الفقه الإسلامي:
يكفي لوجوب الإبلاغ عن العمليات المالية المشبوهة، توافر
القرائن والأمارات على قيامها، فقد ذكر إبن الإخوة، أن للإمام أن ينصب موظفا
كالمحتسب مثلا، ويعطي هذا الموظف صلاحية وبخصوص المحظورات فهو أن يمنع الناس من
مواقف الريب ومظنات التهم[123].
ولا يكفي لذلك الظنون، والأوهام البين خطؤها، لأنه لا
عبرة بالظن البين خطؤه[124].
بينما تكفي الظنون التي يغلب صدقها، وهي التي بلغت قدرا من القوة، تغلب جانب صدقها
على جانب كذبها.
يوضح ذلك الإمام العز بن عبد السلام، في فصل بعنوان: في
بيان جلب المصالح ودرء المفاسد على الظنون، بقوله: لما كان الغالب صدق الظنون بنيت
عليها مصالح الدنيا والآخرة، لأن كذبها نادر، ولا يجوز تعطيل مصالح صدقها الغالب،
خوفا من وقوع مفاسد كذبها النادر، ولا شك أن مصالح الدنيا والآخرة مبنية على
الظنون كما ذكرناه، ولا يجوز العمل بكل ظن والظنون المعتبر أقسام.
أحدها: ظن في أدنى الرتب، الثاني ظن في أعلاها، والثالث
ظنون متوسطات[125].
19. وسائل
مساعدة البنوك في الوقوف على العمليات المالية المشبوهة:
لوقوف البنوك وغيرها من المؤسسات المالية على العمليات
المالية المشبوهة، يجب مراعاة الآتي:
1- إتباع سياسة مبدأ إعرف عميلك: والتي تعتبر الأساس لجميع إجراءات مكافحة غسل
الأموال، وذلك من خلال اليقظة والإنتباه لأي تغيير يطرأ على نمط تعامل العملاء مع
البنك، وتسجيل معلومات كافية وواضحة عن العميل لدى إفتتاحه لحسابه، وكذلك على
المنتفعين لدى قيامهم بأي عملية تحويل أو إيداع.
وتحقيقا لشعار إعرف عميلك، يجب عدم فتح حسابات بأسماء
وهمية أو أسماء مجهولة، حيث يتعين فتح الحسابات بناء على وثائق رسمية تحدد هوية
العميل، وكذلك عند إيجار الخزائن الحديدية، وأية خدمة أخرى تقدمها البنوك الى
عملائها.
ويعد هذا تطبيقا للتوصية العاشرة من التوصيات الأربعين
لمجموعة (FATF) الخاصة بوضع السياسات لمكافحة غسل الأموال، حيث
تحظر على المؤسسات المالية الإحتفاظ بحسابات مجهولة أو بأسماء وهمية، مع وجوب
التحقق من شخصية العملاء عند إقامة علاقات تجارية أو عمليات مالية، وعلى وجه
الخصوص عند فتح حسابات أو إجراء تأجير خزائن او عند إيداع مبالغ نقدية كبيرة.
وهذا ما تأخذ به التشريعات، حتى قانون البنوك السويسري
الصادر في عام 1991م، الغى السماح بإستخدام حساب نموذج (Account Form B) الذي يغفل إسم العميل، وأعطى مهلة لأصحاب الحسابات
السرية التي تستخدم هذا النموذج، والتي يقدر عددها بنحو (30) ألف حساب للكشف عن
شخصياتهم، قبل نهاية شهر سبتمبر 1992م، وإلا اضطرت السلطات السويسرية إلى إغلاق
حساباتهم، بينما أبقى السماح بإستخدام نموذج الحسابات الرقمية، شريطة أن يكون
النموذج معروفا لشخصيتين قياديتين بالبنك[126].
والحساب السري كغيره من الحسابات المصرفية يلتزم البنك
بقيده في دفاتره، إلا أن شخصية فاتح الحساب تختفي خلف الكتمان المصرفي، فلا يثبت
إسمه أو آية علامة تدل عليه بدفاتر البنك في الظاهر، وإنما يتم القيد بدفاتر البنك
برقم أو برمز تحت إسم مستعار، وهذا ما يميزه عن غيره من الحسابات.
ويتم تشغيل الحساب السري بطريقة سرية يتفق فيها البنك مع
صاحب الحساب عند فتحه. والذي دفع القانون
السويسري إلى ذلك، هو ما ظهر من عيوب للحسابات السرية، تتمثل في أنها تلعب الدور
الرئيسي في عمليات غسل الأموال، أو إخفاء الأموال المتحصلة من الجريمة أيا كانت
منظمة أو غير منظمة، إذ يلجأ المجرمون عادة إلى إيداع الأموال المتحصلة من جرائم
في الحسابات السرية طمعا في الحماية التي يكفلها لهم السحاب السري، مما تعد ملاذا
آمنا للإقتصاد الخفي[127].
ويعد هذا تنفيذا لإتفاقية الحيطة والحذر عام 1977 م
والتي وقعت عليها سويسرا، والتي تمنع الموقعين عليها من القيام بأي عمل مصرفي دون
معرفة هوية الطرف الآخر، سواء بقبول النقد أو إيداع أوراق أو حوالات [128].
كما تضمن القانون الفرنسي رقم 90-614 الصادر في 12 يوليه
1990م (المعدل بالقانون رقم 98-564 ا لصادر في 2 يوليه 1998، في شأن مساهمة
المؤسسات المالية في الكفاح ضد غسل الأموال الناتجة عن تجارة المخدرات) هذا
الإلتزام، فقد نصت المادة 14 من هذا القانون على أنه "تلتزم المؤسسات المالية
قبل أن تقوم بفتح حساب لديها لأحد المتعاقدين، أن تتأكد من شخصيته، وذلك بإستلزام
تقديم وثيقة مكتوبة، ويقوم هذا الإلتزام كذلك بالنسبة للمتعاقدين العرضيين، إذا
تعلق الأمر بعمليات تبلغ قدرا ماليا يعينه القانون[129].
ومع ذلك يلاحظ، أن البنوك وإن كانت تولي إهتماما بشأن
الأشخاص الطبيعيين من حيث الوقوف على أسمائهم ومعرفة حقيقتهم، فإن إهتمامها ليس
بذات القدر بالنسبة للأشخاص المعنوية، وتحديدا بالنسبة للشركات والمؤسسات
والجمعيات، مع أن الشركات الوهمية تعد أحد أهم الوسائل المستخدمة في غسل الأموال،
لذا فمن الخطورة بمكان أن تكتفي البنوك بوثائق غير كافية لفتح حسابات لشركات
أجنبية، دون وطلب وثائق رسمية كافية تفصح عن حقيقتها[130].
2- يجب أن لا تبخل البنوك في الإتفاق على الكشف عن أصل
العمليات المالية المشبوهة، حفظا لسمعتها وسمعة عملائها، ومنعا لإحتمال تورطها في
هذه العمليات بحسن نية، ولذا نجد أن بعض البنوك في الولايات المتحدة الأمريكية
كانت تنفق (6%) من ميزانيتها، تحقيقا لهذا الغرض، خشية المسؤولية وحفظا لسمعتها.
3- يجب أن يقف الموظفون في البنوك على ثقافة مكافحة غسل
الأموال، والإلمام بأحدث القواعد والانظمة التي تحكم أنشطة غسل الأموال، وهذا لا
يتأتى إلا بتطوير السياسات والبرامج التدريبية لديها، لإحطة الموظفين بشكل مستمر
بآخر المستجدات في عمليات غسل الأموال، إضافة إلى توافر جهاز متخصص داخل البنك
المركزي، تكون إحدى مهامه التحقق من التزام البنوك بالإجراءات الموضوعة في شأن
مكافحة غسل الأموال.
وهذا ما نصت عليه التوصية 198 من التوصيات الأربعين
لمجموعة (FATF)، حيث نصت على أنه يجب على المؤسسات المالية إعداد
برامج وإجراءات مناسبة ضد غسل الأموال، وكفالة تدريب موظفي البنوك والمؤسسات
المالية في هذا المجال.
4- يجب بذل كعناية فائقة وكافية لدى إجراء أي صفقة كبيرة
ذات نمط غير عادي، أو لا يتوافر لها أهداف إقتصادية، بفحص خلفية هذه الصفقة وتحقيق
أهدافها، والبعد عن تسهيل إجراءاتها بحسن نية، بسبب الثقة الزائدة في العميل، أو
الجهل بإجراءات مثل هذه الصفقات.
5- يجب أن يوضع في الهيكل الإداري للبنوك، جهاز متخصص بتلقي
تقارير الموظفين العاملين، التي تعبر عن شكوكهم تجاه بعض العمليات المالية، التي
تمر عبر الفروع المختلفة لنشاط البنك، كما يجب أن يقوم هذا الجهاز بفحص هذه الشكوك
وخضوعها لرقابة شديدة قبل التسرع في الإبلاغ عنها.
6- يجب أن تمتنع البنوك عن إجراء العملية المالية المشبوهة
لصالح العميل، إلا بعد إبلاغ السلطات المختصة، والتي يكون لها إعلام البنك عما إذا
كان يمكن إجراء العملية، ولو حامت حولها الشبهة، مع إبلاغ السلطات المختصة، وذلك
إذا كان من شأن الغمتناع عن التنفيذ إعاقة تقعب المشتبه في أمرهم.
7- يجب على موظفي البنوك المحافظة على سرية المعلومات
المتوافرة عن غسل الأموال، والإجراءات
المترتبة عليها، وعدم إطلاع أي شخص خارج البنك عليها ولاهمية هذا الواجب، فإن بعض
التشريعات تقرر عقوبة جنائية على مخالفته (م15) من قانون مكافحة غسل الأموال
المصري، حيث حدد لها عقوبة الحبس والغرامة ولا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز
عشرين ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين (م4) من قانون مكافحة غسل الأموال القطري،
حيث حدد لها عقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنة وبالغرامة التي لا تزيد على ثلاثة آلاف
ريال.
غير أن هذه العقوبة لا توقع إلا عند إفشاء المعلومات
بقصد الإضرار بالتحقيق في جريمة غسل الأموال، وهذا ما نصت عليه صراحة الفقرة
الثانية من المادة الرابعة من قانون مكافحة غسل الأموال القطري.
20- التحويل عبر
البنوك الإلكترونية وعدم تطبيق مبدأ إعرف عميلك:
تعني فكرة البنوك الإلكترونية (electronique banking) قيام العملاء بإدارة حساباتهم وإنجاز أعمالهم
المتصلة بالبنك عن رطريق المنزل أو المكتب أو أي مكان آخر في الوقت الذي يريده
العميل[131].
ويعبر عنه بعبارة "بالخدمة المالية في كل وقت ومن أي مكان"[132].
وتمثل البنوك الإلكترونية أحد أكثر أشكال انظمة إغراء
لغاسلي الأموال بسبب إستحالة تعقبها، لعدم وجود مستندات ورقية، والقدرة الفائقة
على الحركة، من خلال شبكة الإنترنت، دون الحاجة الى وسيط ثالثا كالبنوك[133]،
ولذا فقد أحدثت البنوك الإلكترونية تغيير جذريا في المراحل التقليدية لغسل
الأموال.
فالمرحلة الأولى في عملية غسل الأموال، وهي
الإيداع: والتي تتم بإيداع الأموال غير
المشروعة في البنوك، أو شراء سلع غالية الثمن وإعادة بيعها بموجب شيكات أو أوامر
دفع أو حوالات بنكية، ويتم تغيير هذه المرحلة عبر البنوك الإلكترونية، بإيداع هذه
الأموال في البنوك بإستخدام البطاقات الذكية أو اجهزة كمبيوتر شخصية، مع إستخدام
أنظمة حماية وتشفير قوية لضمان سرية المعلومات الإلكترونية.
أما المرحلة الثانية، وهي التوظيف: حيث يقوم الشخص بسلسلة من عمليات التحويل او
نقل الأموال بقصد إبعادها عن مصادرها غير المشروعة، عن طريق تحويل الاموال من خلال
سلسلة حسابات لدى العديد من البنوك على نطاق العالم، ويتم تغيير هذه المرحلة عبر
البنوك الإلكترونية، بتنفيذ التوظيف من خلال جهاز كمبيوتر شخصي وبدون أية مستندات
ورقية.
والمرحلة الثالثة، وهي الدمج: ويعني دمج الأموال غير المشروعة في النظام
الإقتصادي الشرعي، ويتم ذلك بالتجارة في العقارات أو قروض الشركات او أرباح
الكازينو، وبإستخدام البنوك الإلكترونية يمكن شراء العقارات او الإستثمار بإستخدام
جهاز كمبيوتر وبدون الحاجة إلى تدخل وسيط، كالبنك.
وهكذا يتضح أن الخدمات الإلكترونية تتعرض لتحديات كبيرة،
تتمثل في صعوبة التحقق من الهوية الحقيقية لمن تقدم له، الأمر الذي يشجع على
إرتكاب الجرائم عن طريقها، ولا سيما غسل الأموال.
وتفاديا لذلك، ينادي البعض[134]
بوجوب النص على قواعد تجريم غسل الأموال في قانون التجارة الإلكترونية.
والواقع أن الحل لا يكمن في النص على ذلك في قانون
التجارة الإلكترونية، فقانون مكافحة غسل الأمول يكفي لمكافحتها، وإنما كيف السبيل
إلى ذلك مع صعوبة التحقق من هوية المستفيدين من الخدمات الإلكترونية؟
لا شك في أن السبيل إلى ذلك، هو التوقيع الإلكتروني (electronic signature) بإعتباره مجموعة من البيانات مدرجة بشكل الكتروني
في رسالة بيانات أو مضافة عليها أو مرتبطة بها منطقيا، يجوز أن تستخدم لتعيين هوية
حائز التوقيع بالنسبة لرسالة البيانات ولبيان موافقة حائز التوقيع على المعلومات
الواردة في رسالة البيانات[135].
وهذه البيانات تكون في ملف رقمي صغير (شهادة رقمية) تصدر
عن إحدى الهيئات المتخصصة والمستقلة، ومعترف بها من الحكومة، مثل نظام التوثيق
العقاري. [136].
وقد أصدرت العديد من دول العالم، قانونا يعالج موضوع
التوقيع الإلكتروني مثل الولايات المتحدة الأمريكية، كندا اليابان، بريطانيا،
المانيا، إيطاليا أيرلندا سنغافورة، بهدف تشجيع إستخدام الوسائل الإلكترونية في
المبادلات التجارية لتعزيز الإقتصاد الوطني[137].
كما صدر القانون الفرنسي رقم 230 الصادر في 13 مارس
2000م للتوقيع الإلكتروني، وبموجبه تناولت 1316 – 4 من القانون المدني، لأول مرة،
تشريعا عاما، للتوقيع الإلكتروني، وأقامت قرينة قانونية، مؤداها أن كل توقيع
إلكتروني يتم بوسيلة تتوافر فيها شروط الأمان التي سيحددها مجلس الدولة يفترض أنه
توقيع موثوق به الى أن يثبت العكس[138].
ومع ذلك، تبقى المشكلة قائمة، حيث يمكن إختراق التوقيع
الإلكتروني كما هو الشأن في جميع المعلومات المخزنة على الحاسب الآلي، ويتحقق ذلك
بالإختراق المادي الذي يسمح بالدخول في مناطق خاضعة للسيطرة عن طريق البوابات
الإلكترونية، وانتخال الهوية (usurpation
didentit)
حيث يمكن إنتحال شخصية مستعمل الجهاز الإلكتروني عند التوصل إلى كلمة السر أو أي
جملة خاصة بالمستعمل أو أي خاصية فسيولوجية كالبصمة الورقية أو ملامح الوجه، او
هندسة الكف او الصوت، أو اي شيء يتملكه المستعمل كالبطاقة الممغنطة أو المفتاح
المعدني[139].
وتفاديا لذلك، فإن القواعد التي توفر الثقة في وسائل
التوقيع الإلكتروني، يجب أن تتسم بالمرونة، حتى تتمكن من مواجهة التقدم العلمي
المذهل في هذا المجال، وبالتالي إماكان الوقوف على من يقوم بالعمليات المالية
المشبوهة عن طريق البنوك الإلكترونية.
[1] غير أن إستخدام الاموال غير
المشروعة في جرائم أخرى، بدلا من
إستثمارها في أغراض مشروعة، لا يزيل عنها صفة الجريمة، بل يجعلها أكثر
إمعانا في الإجرام ، وتتم مصادرتها عند الحكم بالعقوبة عن الجريمة المرتكبى في هذا
المعنى، الدكتور محيي الدين علم الدين: دراسة
حول قانون مكافحة غسيل الاموال، ملحق خاص، الأهرام الإقتصادي ، العدد 1753، 12
أغسطس 2002م ص 4.
[2] مضافة بالقانون رقم 96-392 الصادر
في 13 مايو 1996م، والذي أطلق عليه قانون مكافحة غسل الأموال والإتجار في المخدرات
والتعاون الدولي في مجال ضبط ومصادرة متحصلات الجريمة.
Loi No
96-392 du 13 mai 1996 relative a la lutte contre le blanchiment et le traffic
des stupefiants eta la cooperation international en matiere de saisie et de
confiscation des produits du crime.
وقد أنطوى هذا القانون على تجريم واسع للأفعال التي تشكل
غسلا للأموال.
Cf: marcel CULIOLI: infraction general de
blanchiment, conditions et constitution, juris classeur penal, Art 324-1 a 324 – 9, fascicule 20, no2.
[3] Art 324-1 "le Blanchiment est le fait de
faciliter, par tout moyen, la injustification mensonger de l'origine des biens
ou des revenues de l'auteur d'un crime ou d'un delit ayant procure a celui – ci
un profit direct ou indirect. Constitue egalement un Blanchiment le fait
d'apporter un concours a une operation de placement, de dissimulation ou de
conversion du produit direct ou indirect d'un delit".
[4] راجع : زياد عربية بن علي: الآثار
الإقتصادية والإجتماعية للفساد في الدول النامية، مجلة الأمن والقانون، كلية شرطة
دبي، السنة العاشرة، العدد الأول، شوال 1422هـ يناير 2002م ص 267 – 274.
[5] الدكتور محمد علي جعفر: السياسة الوقائية في مكافحة الجريمة، مجلة
الأمن والقانون كلية شرطة دبي، السنة السادسة، العدد الثاني، ربيع اول 1419 هـ
يوليه 1998 ص 63-64 الدكتورة فائزة يونس الباشا: الجريمة المنظمة في ظل الإتفاقيات
الدولية والقوانين الوطنية، رسالة دكتوراه، كليه الحقوق، جامعة القاهرة 2001م ص 49
وص 323.
[6] غير أن إستخدام الاموال غير
المشروعة في جرائم أخرى، بدلا من
إستثمارها في أغراض مشروعة، لا يزيل عنها صفة الجريمة، بل يجعلها أكثر
إمعانا في الإجرام ، وتتم مصادرتها عند الحكم بالعقوبة عن الجريمة المرتكبى في هذا
المعنى، الدكتور محيي الدين علم الدين:
دراسة حول قانون مكافحة غسيل الاموال، ملحق خاص، الأهرام الإقتصادي ، العدد
1753، 12 أغسطس 2002م ص 4.
[7] الدكتور حمدي عبد العظيم: غسيل
الأموال في مصر والعالم، الجريمة البيضاء، أبعادها، آثارها، كيفية معالجتها،
الطبعة الأولى، القاهرة 1997 ص 13.
[8] الدكتور صفوت عبد السلام عوض
الله: أبعاد ومكونات الإقتصاد الخفي،
دراسة في آليات الإقتصاد الخفي وطرق علاجه، مجلة العلوم القانونية والإقتصادية،
كلية الحقوق، جامعة عين شمس، السنة الثالثة والأربعون، العدد الثاني، يوليه 2001م،
ص 566 وما بعدها.
[9] F-J CREDOT, Patrice BOUTEILLER: Commentair L.No 90-614
juiellet 1990 relative a la participation des organisms financiers a la lutte
contre le, Blanchiment des capitaux provenent du traffic des stupefrants,
Actualite legislative dalloz 1990 P157 et s.
[10] بينما لا تدخل فيها طبقا لمعناها
الضيق، وهي الجرائم الموجهة ضد إدارة الإقتصاد فقط، المتمثلة في القانون الإقتصادي
او السياسة الإقتصادية أو كليهما، راجع:
Michel
VERON: droit penal special 2er triage, masson, Paris,
Milan,
barcelone, 1995, P117 ets.
الدكتور محمود محمد مصطفى: الجرائم الإقتصادية في القانون المقارن، الجزء
الأول، الأحكام العامة والإجراءات الجنائية، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي
1979 رقم 26 ص 44 الدكتور عبد الرؤوف مهدي:
المسؤولية الجنائية عن الجرائم الإقتصادية، منشأة المعارف الإسكندرية 1976 م رقم 35 – 39 ص 77 –
84.
[11] الدكتور السيد أحمد عبد الخالق،
المرجع السابق، ص 28-29، الدكتور حمدي عبد العظيم : المرجع السابق ص 13.
[12] راجع الدكتور محمد محيي الدين عوض:
تطور المكافحة الدولية لغسيل الأموال ومعوقاتها، المجلة العربية للدراسات الأمنية
والتدريب، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، المجلد 17، السنة 17
العدد 23 محرم 1423 هـ إبريل 2002م وخصوصا ص 162 وما بعدها.
[13] J.F THONY: blanchiment de l' argent de la drogue, les instruments internationaux de lutte, Tev
juridique et politique, independence et co-operation 1989 P147 ets.
[14] J.PARDON: Le Blanchiment de l'argent et la lutte
contre la criminalite axe sur le profit, Revue de droit penal et de
criminology, 1992 p 742.
[15] توصيات مؤتمر الأمم المتحدة التاسع
لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين 1995م منشورات الأمم المتحدة، ص 120.
[16] الدكتور محمود أحمد الكندري: تقرير
عن مؤتمر المخدرات وغسيل الأموال، الذي عقد في الولايات المتحدة الأمريكية، خلال
الفترة من 20 -22 فبراير 1997، مجلة الحقوق جامعة الكويت، السنة الثانية والعشرون،
العدد الثالث، جمادي الآخر 1419هـ سبتمبر 1998 م ص 397 – 399.
[17] الدول السبع هي: الولايات المتحدة الأمريكية، انجلترا، اليابان،
المانيا، إيطاليا، فرنسا، كندا، وقد إنضمت اليها مؤخرا روسيا، فأصبحت تعرف بمجموعة
الثمانية.
[19]CF: Jecqueline RIFFAULT: Le Blanchiment de capitaux illicites, le
Blanchiment de capitaux en droit compare, Revue de science criminelle et de
droit penal compare 1999 p 232.
[21] Robert Powis: In L'economie du blanchiment, sous la
direction de prerre Kopp, La collection des "cahiers Finance, ethique,
confiance" Paris
1995 p 227 ets, Riffault. Op cit p 23.
[25] CF: Serge
BRAMMERTZ, peter H.M Rambach: la loi a llemande sur la lutte contre le trafic
illegal de stupefianis et d' utres fromes de criminalite organisee (org: K G)
Rrvue de droit penal et de criminologie 1993 P 727 et S.
[27] Relative a
la participation des organisme financiers a la lutte contre le Blanchiment des
capitaux Provenant du traffic des stupefiants.
[29] حديث معالي الشيخ سالم
الصباح: محافظ البنك المركزي الكويتي، إلى
مجلة إتحاد المصارف العربية بيروت، لبنان العدد 261 سبتمبر 2002م ، ص 7-11.
[30] خلافا لمن يرى أن مصر لم تكن بحاجة
إلى إصدار مثل هذا القانون، لوجود مجموعة من التشريعات، كونت مجموعة متشابكة من
الحصار حول الأموال غير المشروعة, الدكتور محيي الدين علم الدين: دراسة حول قانون مكافحة غسل الأموال ص 2. ومن أنصار هذا الرأي أيضا في الجملة. الدكتور
أشرف توفيق شمس الدين: تجريم غسيل الأموال في التشريعات المقارنة، دار النهضة
العربية 2001م، رقم 123 ص 154-155، ورقم 126 و ص 158.
[32] محمد عبد الودود أبو عمر: المسؤولية الجزائية عن إفشاء السر المصرفي،
دراسة مقارنة، دار وائل للطباعة والنشر، عمان، الأردن، 1999، ص 108، ص 155، ورقم
126 و ص 158.
[33] راجع في التعليق على هذا
القانون: الدكتور محمود الكيلاني، الجديد
في قانون البنوك الأردني رقم 28 لسنة 2000م، مجلة البنوك، الصادرة عن جمعية البنوك
الأردنية العدد الثامن، المجلد الثامن عشر، أكتوبر 2000م ص 8029 – 8030.
[34] خالد السقاف: غسل الأموال، مجلة البنوك، العدد الثامن،
المجلد الثامن عشر، أكتوبر 2000 ص 8028، مفلح عقل، حازم الصمادي: نطاق مسؤولية المصرف والوسائل القانونية
الإلكترونية في الإثبات، مجلة البنوك، العدد العاشر، المجلد التاسع عشر، ديسمبر
200م ص 8139.
[35] الأشباه والنظائر على مذهب أبي
حنيفة النعمان: لإبن نجيم مؤسسة الحلبي
للنشر والتوزيع القاهرة 1387 هـ 1968، ص 346.
[36] ميزان الأصول في نتائج
العقول: لعلاء الدين شمس النظر أبي بكر
محمد بن أحمد السمرقندي، تحقيق الدكتور محمد زكي عبد البر، الطبعة الأولى 1404هـ
1984 ص 43.
[37] شرح البدخشي: مناهح العقول: للإمام محمد بن الحسن البدخشي،
ومعه شرح الإسنوي: للإمام جمال الدين عبد الرحيم الأسنوي، كلاهما شرح منهاج الوصول
في علم الأصول، للقاضي البيضاوي، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ج 1 ص 47.
[38] المصدر السابق جـ 1 ص 48، الأحكام
في أصول الأحكام: للأمدي، دار الكتب
العلمية، بيروت 1400هـ 1980، ج1 ص 161.
[40] الجامع لأحكام القرآن: للقرطبي، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر،
القاهرة 1367هـ 1967م جـ 2 ص 338.
[42] روح المعاني في تفسير القرآن
العظيم والسبع المثاني، للألوسي، مكتبة دار التراث، القاهرة، ج5 ص 15-16.
[43] الدكتور عباس أحمد محمد الباز:
أحكام المال الحرام وضوابط الإنتفاع والتصرف به في الفقه الإسلامي، دار النفائس
للنشر والتوزيع، عمان، الأردن 1418هـ 1998 ص 39.
[45] للقرافي: دار الغرب الإسلامي، بيروت 1994ج 13 ص 322، وفي
نفس المعنى، إحياء علوم الدين للغزالي، دار الفكر، بيروت 1989 ح 2 ص 171.
[47] رد المحتار: لأبن عابدين على الدر
المختار شرح تنوير الأبصار، للحصفكي، دار إحياء التراث العربي، بيروت 1407 هـ حـ4 ص 3.
[50] الفروق ج2 ص 31، قواعد الأحكام في
مصالح الأنام: للعز بن عبد السلام، دار
الجيل، بيروت 1400 هـ 1980م ج1 ص 53-54.
[54] الأشباه والنظائر: لإبن نجيم ص 27، الأشباه والنظائر في قواعد
وفروع فقه الشافعية: للسيوطي، دار إحياء
الكتب العربية ص 9.
[57] إعلام الموقعين ج 3 ص 118.
[58] كتاب أدب القاضي: للخصاف، شرح أبي بكر أحمد بن علي الرازي، دار
نشر الثقافة، القاهرة، 1400هـ 1980م ص 216-217 الذخيرة: للقرافي ج 10 ص 146 وما بعدها، مغني المحتاج إلى
معرفة معاني الفاظ المنهاج: للشيخ محمد
الشربيني الخطيب، على متن منهاج الطالبين:
للنووي، المكتبة التجارية الكبرى 1374هـ 1955م ج4 ص 397، المغني لابن
قدامة: دار الفكر: بيروت 1404هـ 1984 ج 11 مسألة 8242 ص 408 وما بعدها، الشرح
الكبير: للمقدسي ج11 ص 466 وما بعدها، المحلي لأبن حزم: دار التراث، القاهرة ج9
مسألة 1792 ص 422 وما بعدها، كتاب الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير: للصنعاني، دار الجيل، بيروت ج 3 ص 444، شرح
كتاب النيل وشفاء العليل: لأطفيش مطبوع مع
كتاب النيل وشفاء العليل: للتميمي مكتبة
الإرشاد، جدة 1405ه، 1985م ج13 ص 80.
[60] صحيح مسلم بشرح النووي ج12 كتاب
الأقضية، باب بيان أن حكم الحاكم لا يغير الباطن ص 4 والنص له، سنن النسائي، بشرح
الحافظ جلال الدين السيوطي، وحاشية الإمام السندي، دار إحياء التراث العربي،
بيروت، لبنان، ج7، كتاب أدب ا لقضاة، الحكم بالظاهر ص 233، سنن أبي داود: المكتبة
العصرية، صيدا، بيروت ج 3 كتاب الأقضية، باب في قضاء القاضي إذا أخطأ، حديث رقم
3582 ص 301، سنن أبن ماجة: دار الفكر العربي
ج 2 كتاب الأحكام ، باب قضية الحكم لا تحل حراما ولا تحرم حلالا، حديث رقم 2317 ص
777.
[62] المبسوط: للسرخسي، دار المعرفة، بيروت ج 24 ص 7، بداية
المجتهد ونهاية المقتصد لأبن رشد، مكتبة مصطفى البابي الحلبي 1379 هـ ج1 ص 472، إعلام
الموقعين ج 2 ص 14، المحلى ج 1 مسألة 136 ص 13 المختصر النافع في فقة الإمامية:
للحلي، مطبعة وزارة الأوقاف العراقية، بغداد 1377هـ ص 256 البحر الزخار الجامع
لمذاهب علماء الأمصار: لأحمد بن يحي المرتضى مؤسسة الرسالة، بيروت 1399هـ ج 5 ص
349.
[63] وفي هذا يقول الإمام إبن القيم الجوزية: وعلى هذا الأصل، فطهارة
الخمر بالإستحالة على وفق القياس، فإنها نجسة لوصف الخبث، فإذا مزال الموجب زال
الموجب، وهذا أصل الشريعة في مصادرها ومواردها، بل واصل الثواب والعقاب، وعلى هذا
فالقياس الصحيح تعدية ذلك إلى سائر النجاسات إذا استحالت. إعلام الموقعين ج 2 ص 14.
[64] الدكتور عباس أحمد محمد الباز:
المرجع السابق ص 436 – 437.
[65] الدكتور صبحي محمصاني: النظرية العامة للموجبات
والعقود في الشريعة الإسلامية، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، 1983 ج1 ص 106 –
107.
[66] تبصرة الحكم في أصول الأقضية ومناهج
الأحكام: لأبن فرحون، مطبوع بهامش فتح
العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك ، لعليش مكتبة مصطفى البابي الحلبي،
1378هـ ، 1958 ج2 ص 200 وما بعدها.
[68] الدكتور عبد الفتاح مصطفى الصيفي، حق الدولة في
العقاب، جامعة بيروت العربية 1971
م رقم 126 ص 264.
[69] لذلك يستوي أن يكون البلاغ شفاهة أم كتابة، وإذا
حصل كتابة، فلا يشترط أن يكون محررا بمعرفة المبلغ أو موقعا عليه منه، أو أن يكون
قد أرسل بمعرفته إلى الجهة المختصة، الدكتور محمود محمود مصطفى: شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، مطبعة جامعة
القاهرة 1984رقم 367 ص 410.
[73] راجع المواد: 25 من قانون الإجراءات الجنائية
المصري، 25 إجراءات جنائية لبناني، 26 إجراءات جنائية سوري، 15 إجراءات جنائية
ليبي، 364 عقوبات إيطالي.
[74] خلافا للتشريعات التي تجعل هذا الواجب على
الأفراد من العموم بمكان بحيث يشمل جميع الجرائم تحقيقا لمبدأ التضامن الإجتماعي
الذي يقوم عليه المجتمع، ووجوب قيام أفراده بالتعاون في حماية مقوماته، من ذلك
قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي رقم 35 لسنة 1992، فقد نصت المادة 37 منه على
أن "كل من علم بوقوع جريمة مما يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى بغير شكوى أو
طلب، أن يبلغ النيابة العامة، وأحد مأموري الضبط القضائي عنه "الدكتور ناصر
عبد الله حسن محمد: حقوق المتهم في مرحلة جميع الإستدلالات، دراسة مقارنة بالتطبيق
على التشريعين الإماراتي والمصري، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين شمس 2001
ص 153.
[75] راجع المواد 84، 98 من قانون العقوبات المصري،
388 عقوبات سوري، 398 عقوبات لبناني 258 عقوبات ليبي، 206 – 207 عقوبات أردني.
[84] المستشار محمد ماهر: الكفاح ضد الجريمة في
الإسلام، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة 1392هـ 1972 م ص 19.
[85] الدكتور سعد المرصفي: المسؤولية الإجتماعية في
الإسلام، مكتبة المعلا، الكويت، 1408 هـ 1988 ص 274.
[86] John Madinger, Sydney A. Zal:
Money laundering: aguide for
criminal investigators, CRC press Boca Raton, London, New York,
Washington D.C 1999.
الدكتور حمدي عبد العظيم: المرجع السابق، ص 220 – 221.
الدكتور طاهر مصطفى: المواجهة التشريعية لظاهرة غسل
الأموال المتحصلة من جرائم المخدرات دراسة مقارنة، كلية الحقوق، جامعة القاهرة،
1422 هـ 2001م ص 400.
[92] V.G: BOURDEUX: la suspicion de fraude, juris – classeur periodique (la
semaine juridique) 1994ed General 1.3782. No3.
"Cellui de coordication chargee du traitement
du Renisgnement et de l'action contre le circuits Francies clandestine".
[98] عمر محمد خير الحاج، العادل
العاجب: العولمة وآثارها في تطور الجريمة،
مجلة الأمن والقانون، كلية شرطة دبي، السنة العاشرة، العدد الأول، شوال 1422هـ
يناير 2002 م
ص 29.
[99] E' Alford Anti DUNCAN:
money laundering Regulations, Aburden on Financial institutions, volume
19 north, Carolina journal of international and commercial Regulation, (summer
1994) p 458 – 459 p 463.
[100] الدكتور مزهر جعفر عبد: جريمة
الإمتناع دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، 1999م، ص 123.
[101] راجع على سبيل المثال (م 261) من
قانون العقوبات الألماني، (م 15) من قانون مكافحة غسل الأموال المصري، (م 14) من
قانون مكافحة غسل الأموال القطري.
[103] الدكتور أحمد محمد خليفه: النظرية العامة للتجريم، دراسة في فلسفة
القانون الجنائي، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 1959م، ص 22.
[104] الدكتور أحمد عوض بلال: الجرائم
المادية والمسؤولية الجنائية دون خطأ، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية 1993 م رقم 220 ص 221 – 222.
[105] Jean – Paul
ANTONA, philippe COLIN francois Lenglart: la responsabilite penale des cadres
et des diregeants dans le monde des affaires, Dalloz 1996 No 65 p 23.
الدكتور إبراهيم علي صالح: المرجع السابق ص 316.
" la
responsabilite penale des personnes morales n'exclut pas celle des personnes
physiques auteurs ou complices des meme faits.
[109] الدكتور علي جمال الدين عوض،
عمليات البنوك من الوجهة القانوينة في قانون التجارة الجديد وتشريعات البلاد
العربية، دار النهضة العربية، 2000
م رقم 117 ص 1119.
[110] خلافا لمن يرى أنه يصعب تقرير
المسؤولية الجنائية للبنك كشخص معنوي، ولذلك فإنه في الحالات التي يتعذر معها نسبة
الفعل الى موظف معين فلا جريمة جنائية، الدكتور محي الدين إسماعيل علم الدين،
موسوعة أعمال البنوك من الناحيتين القانونية والعملية، 1993 م الجزء الأول رقم 88 ص
204.
[111] راجع الدكتورة غادة موسى عماد
الدين الشربيني: المسؤولية الجنائية عن الأعمال البنكية، رسالة دكتوراه، كلية
الحقوق، جامعة عين شمس 1998م ص 542 – 543.
[115] راجع: الدكتور عوف محمد الكفراوي:
النقود والمصارف في النظام الإسلامي، دار الجامعات المصرية، بدون تاريخ ص 127-128،
الدكتور غريب الجمال: التضامن الإسلامي في
المجال الإقتصادي دار الشروق، جدة 1396هـ ص 87، الدكتور عبد الحميد محمود البعلي: الإستثمار والرقابة الشرعية في البنوك
والمؤسسات المالية الإسلامية، مكتبة وهبة، القاهرة 1411هـ 1991م ص 203.
[116] راجع: الدكتور القطب محمد القطب
طبلية: نظام الإدارة في الإسلام، دراسة
مقارنة بالنظم المعاصرة، دار الفكر العربي 1985م، ص 49 الدكتور محمد السيد
الدسوقي: الشخصية الإعتبارية بين الفقه والقانون، حولية كلية الشريعة والقانون
والدراسات الإسلامية، جامعة قطر، العدد التاسع عشر 1422 هـ 2001م ص 340 – 341.
[118] الدكتور محمد أبو الفتوح: الشائعات في قانون العقوبات المصري والقوانين
الأخرى تأصيلا وتحليلا، دار النهضة العربية 1995 م ص 33.
"Iorsque l' operation a ete execute comme il est prevu a l'
article 6 et sauf conceratation frauduleuse avec le proprietaire des sommes ou
l'auteur de l' operation, l' orgonisme financier est degage de toute
responsabilite, et aucune poursuite penale ne peut etre engage de ce fait
contre ses dirgeants o uses preposes par opplication (L No 92 – 1336 du 16 dec
1992) des articles 222-34 a
222-39 ou 321-1 et 321 du code penal" ou de l'article 415 du code des
douanes".
[126] T. B ONNEAUT:
communication de pieces et secret Bancaire, R.d.Bancaire et Bourse 1995 p 94 et
s.
[127] راجع الدكتور عبد المولى على متولي النظام
القانوني للحسابات السرية، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة
القاهرة، 2001م ص 253-254، وص 263.
[128] R.FARHAT, Le secret bancaire, etude de droit
compare (france, Suisse, Libaneis) Libraire generale de droit et de jurisprudence
1981 P 43 et s.
"les orgonismes financiers daivent, avont d' ouvrir un
compte, s, assurer de I' identite de leur concontractant par la presentation de
tout document ecrit probont, ils s,assurent dans les meme conditions de l
identite de leur client occasionel qui leur demande de faire des operations
don't la nature et le montant sont fixes par le decret prevu a l,article 24.
Ils se
renseignent sur I identite veritahle des personnes ou benefice desquelles un
compte est ouvret ou une aperation realisee lorsqu, il leur apparaît que les
personnes qui demandent I ouverture du compte ou la realisation de l'aperation
pourraient ne pas agir pour leur compte".
[130] يونس عرب: جرائم غسيل الأموال، الجزء الأول حماية البنوك من جرائم غسيل
الأموال، مجلة البنوك الصادرة عن جمعية البنوك في الأردن، العدد التاسع، المجلد
التاسع عشر، نوفمبر 2000م ص 8074.
[132] يونس عرب: البنوك الإلكترونية،
الجزء الأول، الفكرة وخيارات القبول والرفض، مجلة البنوك ، الصادرة عن جمعية
البنوك، الأردن، العدد الثالث، المجلد التاسع عشر، إبريل 2000ك ص 2527.
[133] حسام العقبد: غسيل الأموال الإلكتروني، مجلة
البنوك، العدد السابع، المجلد التاسع عشر، سبتمبر 2000 م ص 7899.
[134] أسامة ملكاوي: حول تشريعات التجارة
الإلكترونية وإستعمالاتها في البنوك، مجلة البنوك، العدد الثامن، المجلد الثامن
عشر، أكتوبر 2000 م
ص 7997.
[135] الدكتور علي سيد قاسم: بعض الجوانب
القانونية للتوقيع الإلكتروني، مجلة القانون والإقتصاد، التي تصدرها كلية الحقوق،
جامعة القاهرة العدد الثاني والسبعون 2002 رقم 15 ص 15.
[136] الدكتور عبد الفتاح بيومي حجازي:
النظام القانوني للتجارة الإلكترونية، الكتاب الثاني، الحماية الجنائية
لنظام التجارة الإلكترونية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية 2002م، ص 294.
[138] Jerome, HUET: Vers un consecration de la prevue et
de la signature electronique, Dalloz 2002, chroniques p 95 et s.
[139] راجع الدكتور عبد الله حسين على محمود: سرقة المعلومات المخزنة في الحاسب
الآلي، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، 2001م و ص 94-95.