17‏/05‏/2014

أم عبدالمجيد شاعرة المعاناة «حسينة الشراري»



وقعت هذه القصة في رمضان المبارك عام 1432هـ
تتلخص القصة في أنها في شهر رمضان المبارك عام 1432هـ  ذهبت مع زوجها سلامة الشراري وأولادهما براً من محافظة القريات إلى مكة المكرمة لأداء العمرة في أيام العشر الأواخر من رمضان وبعد أن أتموا العمرة بالحلق والتقصير عادوا إلى أحد الفنادق لينعموا بقسط من الراحة وباتوا ليلتهم في هدوء وسكينة ، وفي صباح اليوم التالي قرروا الذهاب إلى محافظة القريات مروراً بالحرم النبوي في المدينة المنورة ليدركوا فيه صلاة الظهر والصلاة مع الجماعة وعند وصولهم في الساعة الحادية عشرة
والنصف ذهبوا مباشرة إلى المسجد النبوي الشريف حانت صلاة الظهر فأدوا فرضهم بخشوع وسكينة مع الجماعة وذهب كل منهم ليشتري بعض الهدايا البسيطة والألعاب الجميلة للأطفال.
 خرجوا من المدينة المنورة ، وهنا بدأت تفاصيل القصة المؤلمة في طريقهم إلى مدينة خيبر؟؟؟ حيث كانوا يسيرون في الطريق وكانت أم عبدالمجيد تذكّرهم بقراءة دعاء السفر وتردد (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين....)، ثم أكملت كلامها لتقول (نحن في طريق سفر ولا نعلم عن مفاجآت الطريق، تشهدوا فلعل الله يجعل آخر كلامكم الشهادة)، وكأن قلب الأم دليلها لما سيحدث وما كانت تخشاه.
    في هذه اللحظات التفت إليها زوجها أبو عبد المجيد وكأن في عينيه وداع لا لقاء بعده ثم ردد مع أبنائه (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) صمت الجميع ولم يعد
هناك سوى صوت الهواء في نوافذ السيارة، ثم عاد كل منهم ليفتح المصحف ليكمل ما كان يقرأه من القرآن الكريم .
 وفي الساعة الثانية والنصف بعد الظهر كان القدر وملك الموت في انتظارهم حينما اعترضت طريقهم إحدى السيارات، مما أدى إلى خروج سيارتهم عن مسارها ليؤدي ذلك إلى انقلاب السيارة على جانب الطريق وسقط من سقط على الأرض وبقي من بقي في السيارة المنقلبة، رفعت أم عبد المجيد رأسها وهي ملقاة على الأرض لتنادي زوجها وأبناءها ولكن دون مجيب، نظرت إليهم وإذا بهم قد سقطوا بالقرب من والدهم وهو في وسطهم أجساداً قد فارقتها الروح لتتعانق دماؤهم مودعة بعضها البعض؟
أيقنت في قراره نفسها ما رأتهم عليه فسقطت بينهم لتسجد سجود الشكر وتحمد الله على القضاء
والقدر وتدعو الله في سجودها أن يرحمهم ويعفو عنهم ويشفي من بقي منهم على قيد الحياة ، كان ذلك المنظر هو آخر منظر رأتهم مجتمعين فيه ، مضى النهار دون حراك ولا مجيب لنداءات أم عبد المجيد وآهاتها واستنجادها وما هي إلا لحظات طويلة حتى جاء الهلال الأحمر ليسعف منهم الأحياء إلى مستشفى الملك فهد في المدينة المنورة.
اتصلت على أخيها لتبادره بالحمد لله والشكر له الذي لا يحمد على مكروهٍ
سواه ، على ما كتب لها وتخبره بأنها بخير بعد أن كتب الله لها النجاة من الحادث وكانت تردد مرارا وتكرارا؛
(إنا لله وإنا إليه راجعون)
سألها شقيقها ما الأمر فأجابته :
على خط خيبر زارني هادم اللذات
فجاني بلا موعد وأنا منه مرعوبه
نظربي بعين وقال لي هلي العبرات
تراني نقيت اللي يناديك محبوبه
نقيت الركاز اللي يعينك على النكبات
عضيدك على الشده يعاونك بعذوبه
ونقيت العيال اللي لهم تسهل الصعبات
وعلى ذكر طاريهم ترى مابهم شوبه
ونقيت البنات اللي يعدن من الزينات
بنات العفاف اللي على الجيل محسوبه
عن اللوم ياحسينه ترى طاوي الصفحات
أمرني بنزع الروح ولبيت مطلوبه
كانت مع زوجها وابنائها حضر أهلها واصطفوا من حولها وبجانبها يهونون عليها ما أصابها ويخففون عنها رغم ما بهم من ألم وحسرة على ما آلت إليه حالها ، وقد حضروا للتو من الشمال وأقاموا
مراسم العزاء ودفنوا سلامة وأولاده الثلاثة وابنتيه قبل ذلك في مقبرة خيبر، نظرت إليهم أم عبد المجيد وبادرتهم بالسؤال!! أين والدتي؟
فأخبروها أن والدتها رفضت أن تأتي، لأن قلبها أضعف من أن ترى ابنتها في تلك الحالة وقد فقدت زوجها وخمسة من فلذات كبدها فبقيت في بيتها تنتظر عودتهم ، هنا تردد شريط الذكريات في ذاكرتها لتتذكر بيتها وأبناءها وأحبابها الذين كانوا يضيئون بيتها فرحا وسرورا وتذكّرت اجتماعهم
والتمامهم فيه وكأنها شعرت بأن بيت زوجها مازال هو أيضا ينتظرهم فكل شيء فيه على ما كانت قد تركته
مازالت أنوار البيت مضاءة...
ومازال ينعم بالسكينة والهدوء....
ما زال ينتظرهم....
وكأن الشوق قد زلزل أرضه...
ينتابه الحزن وكأنه يصرخ ليسأل الجيران ومن حوله....
عن صاحب الدار!!!
عن أبنائه!!!!!
عن الأطفال الذين كانوا يلعبون أمامه!!!!
لقد طال الغياب.... طال الغياب!!!!!
بدأت تتمتم في هذه اللحظات بكلمات أشبه ما تكون بقصيدة لتنادي والدتها ودموعها تعانق وجنتيها لتقول لها والألم يعصر قلبها هذه الأبيات التي خرجت من قلبٍ آلمه الفراق وأضناه التعب وقتلته الجروح لتستقر في كل قلب سمعها أو قرأها فقالت:
مري على البيت يايمه
عزيه كانه تباطاهم
عزيه كانه على اللمه
متوحشاً يرجي ادناهم
راعيه مات وجرى دمه
ابوسطهم يوم رباهم
اجسادهم بس ملتمه
وارواحهم عند مولاهم
قلبي من فراقهم زمه
الحزن من حر فرقاهم
والموت ماينطوي همه
لما انتساوا بممشاهم
ويلي على شوفهم يمه
ويلي لما اموت وألقاهم
ضافوا كريماً على الأمه
راضين يوم القدر جاهم
خرجت أم عبدا لمجيد ومن بقي معها على قيد الحياة من أطفالها من المستشفى واستعدوا للعودة للشمال مع إخوانها وعند خروجهم من المدينة المنورة ومرورهم بمدينة خيبر تذكرت تلك اللحظات الأليمة التي مرت بها، ثم أنشدت وكأنها تخاطب زوجها وأبناءها رحمهم الله لتقول:
لحظة موادعنا حدتها مواقيت
عيّت تسمعني من أرواحهم بوح
ودّعتهم للي خلق حجة البيت
ولبّوا نداه بخالص الفرض والروح
حبايبي بس اعذروني إلى اقفيت!
افراقكم ربي كتبها على اللوح..
لم تكن شاعرة من قبل ذلك ولكن المعاناة جعلتها تنزف هذا النبض الذي كانت تعتقد أنه مجرد مشاعر قد خرجت منها وليدة اللحظة وقدرها أن كانت تلك المشاعر أبيات قصائد قد
حفظها الكثير ممن كان يعرف قصتها...
عادت أم عبدالمجيد وطفلها وابنتاها إلى محافظة القريات لتبدأ الحِداد في بيتها... لتقول:
وش فايدة جذعاً فقد خمسة غصون
بأول نباته ما عرفنا مصيره
ينمى ويبري الموت والوقت موزون
نحميه والمولى عليم بمصيره
وأخيراً وليس آخراً كتبت هذه الأبيات توصي بها شقيقتها عندما ذهبت للعمرة في رمضان الذي يلي وفاتهم فقالت لها:
اختي الى جيتي بلاد الحبايب
قولي لهم عن لوعتي واشتياقي
وقولي لهم اني شربت المصايب
الحزن واللوعه وطول الفراقي
ويالله عسى قبورا علتها النصايب
منك المطر ينثر عليهم اغراقي
ادعيلهم دعوة صدوقاً وتايب
من كل قلبي غير دمع الفراقي
اختي طلبتك لاتفوت الوهايب
ادعيه باوقات العشر والبواقي
رحم الله أبو عبد المجيد وأبناءه وبناته ، وجبر الله مصاب أم عبدالمجيد شاعرة المعاناة «حسينة الشراري»، وعظم الله أجرها.. التي ما زالت منذ ذلك الوقت ترثيهم كلما مروا في ذاكرتها ولم تستطع نسيانهم ولكن المجال لا يسمح لذكر جميع ما كتبت عن أبنائها .