13‏/12‏/2015

النضج العقلي - - - مقال في 2015/12/12

إن النضج العقلي هو كالنضج النفسي ، ليس محدودا بحدود ومهما شعرنا أننا نفهم الأمور على نحو تام وعميق فإننا سنظل جاهلين في طرف منها فكل الحوادث والأشياء وغيرها تشتمل على عنصر غيبي وهذا العنصر يحول دون الحصول على المعرفة أو المعلومة الكاملة .
     إنني أشعر أكثر من أي وقت مضى أننا في حاجة ماسة
إلى أن  نعود  أنفسنا على التأمل العميق فيما يجري لنا ؛ في أسبابه ، وفي أبعاده والتأمل والتفكر العميق فيما علينا أن نقوم به .
     أتمنى أن تحل هذه العادة الحميدة اقصد هنا ما تم التطرق له سابقا من التأمل والتفكر العميق فيما يجري لنا ، وهذا التقليد الحسن محل الثرثرة واللغو ، الذي أدمنه كثير من الشباب ، حيث إن كثيرا مما يتكلمون به في لقاءاتهم ومسامراتهم ، لا يصدر عن فكر أو فكرة صحيحة ،
ولا معلومة جيدة ، وليت الأمر اقتصر على ذلك ، بل إنه ينطوي على كثير منا  مفاهيم  وأفكار مغلوطة ، وعلى والألفاظ النابية والغِيبيات حدث ولا حرج .  
           ومن المشاهد والملموس في حياتنا جميعا ، وفي حياة كل شخص من حولنا ، أننا ننظر إلى عقولنا على أنها الملجأ الأخير ؛ فنحن لا نفكر إلا عند الوقوع في أزمة.     نحن في كثير من الأحيان ، نعتمد في أقوالنا ومواقفنا على الظنون ؛ لأننا لا نريد أن نكلف أنفسنا مشقة البحث في صدق ما سمعناه أو حتى ما قلناه ، أو تحليل ما رأيناه.
      إن من المهم أن ندرك أن الذكاء الفطري هبة من الله - عز وجل -  أما الاستخدام الجيد للعقل فإنه يحتاج إلى الاهتمام ، أما تقليد آراء الآخرين والركون إلى أقوالهم ، فهو الطريق ممهد أمام جميع الناس .
   أن أي منهجية للعقل هي مجرد الاعتقاد بأن هناك وجهات نظر
أخرى في كثير مما نقوله ، ويقوله غيرنا ، وكثير مما نسمعه ونقرأه ، وهذا يضعنا على طريق من طرق الحكمة والنضج والاعتدال .
      كثيرا ما رأيت شبابا يُحجمون عن القراءة في بعض الكتب أو لبعض الكتاب ؛ أصبحوا أتكالين يعتمدون على المعلومة أو فكرة القائمة والموجودة ( نسخ ولصق ) لأنه أصبح هناك من يفكر ويكتب عنهم !!  
        وهنا اقو ل أن مهمتنا تقليل عدد الأفكار الخاطئة ، وطرق التفكير الفجة ، وليس استئصالها ؛ لأن هذا غير ممكن .
   لذا من غير شغف حقيقي بمعرفة المجهول ، ومن غير شغف حقيقي بالاطلاع على المستقبل ، لأنه الشخص الذكي يجب أن يكون إنسانا عاديا .
     إنه لشيء مدهش ما نراه من انعدام الاستقلال لدى معظم الناس بَرِّهم وفجارهم ، فهناك اندفاع محموم نحو التماثل في الرأي والسلوك  ، لذا لابد أن تنسجم وتتلاءم أهداف الشخص ، وأشغاله ، والهواجس التي تسيطر عليه مع ذاته وشخصيته المستقلة  .
       إن أكبر مشكلة واجهها الإنسان على مستوى إصدار الأحكام ، وتقييم الأشياء ، والحكم على الأفعال التصرفات ، تتركز في الفصل بين الحقائق وبين الظنون والأهواء ، والرغبات ، والمصالح .
    للتفريق بين الخطأ واللوم : إن الإنسان الناضج حق النضج ، يعرض أفكاره للنقد ، ولذلك فرؤيته للحياة والأشياء قد لا تتبدل ، لكنها دائما تقبل بعض التحويل ،  وبعض التغيير .
     إن مما هو ملاحظ أن الشباب إذا وثقوا بشخص أو عالم من العلماء ، أو مفكر من المفكرين ، فإنهم يأخذون عنه كل ما يقول ، وفي أي
حقل من الحقول ، بل يحثونه على الكتابة والتأليف في كل علم يشعرون بالحاجة إلى فهم أعمق في موضوع من موضوعاته .. !


وهذا ليس من الأمور الصحيحة ، المطلوب أن يُسأل كل عالم فيما يَعد نفسه متخصصا فيه ؛ فذاك أدعى للبعد عن القول بغير علم .
     وان القدرة على المحاكمة النقدية ، لا تجعل من القول صوابا إذا فقد المعرفة .