02‏/12‏/2017

فعالية أدوات السياسة النقدية في الاقتصاد الإسلامي 2


  
      تتميز السياسة النقدية في الاقتصاد الإسلامي بفعالية أكبر من مثيلتها في الاقتصاديات القائمة على أساس سعر الفائدة.
1- الفعالية الاقتصادية لأدوات السياسة النقدية المحايدة.
     تتمتع أدوات السياسة النقدية المحايدة والتي لا تتعارض مع قاعدة المشاركة في الاقتصاد الإسلامي بفعالية، سواء كانت تلك الأدوات الكمية والكيفية، أو أدوات التدخل المباشر.
1.1- الفعالية الاقتصادية للأدوات الكمية والكيفية المحايدة.
      سيتم توضيح فعالية الأدوات الكمية المحايدة للسياسة النقدية أولا ثم فعالية الأدوات الكيفية ثانيا
1.1.1- الفعالية الاقتصادية للأدوات الكمية المحايدة.
     يمكن عرض فعالية الأدوات الكمية من خلال عرض فعالية كل أداة بشكل مستقل.
#- الفعالية الاقتصادية لأداة الاحتياطي النقدي الجزئي والكامل:  تعتبر أداة تعديل النسبة القانونية للاحتياطي النقدي من أفعل سياسات البنك المركزي في الرقابة على الائتمان ([i]). ففي كلا النموذجين الذين سبق التطرق لهما تعالج خسائر النشاط الاستثماري للمصارف كما لو كانت تعكس تآكل ثروات المودعين، ويمكن تقليل الخسائر بتنويع محافظ الاستثمار والاختيار الجيد للمشاريع الاستثمارية والمراقبة ([ii]). وبالنظر إلى اعتبارات العدالة الاجتماعية يرى بعض الاقتصاديين المسلمين أن نظام الاحتياطي الكامل يعتبر أكثر عدالة من نظام الاحتياطي الجزئي ([iii]).
      كما تعتمد فاعلية السياسة النقدية في الاقتصاد الإسلامي إلى حد بعيد على نموذج العمل المصرفي المطبق. حيث نجد أن المؤيدين لتبني النموذج الثاني يرون أن الاحتياطي القانوني الكامل"100%" كفيل بجعل النظام أكثر كفاءة للأسباب التالية ([iv]):
-   إن التحويل من نقود عالية القوة إلى ودائع بأي كمية، والعكس في ظل الاحتياطي الكامل يؤدي إلى تغيير في مكونات عرض النقود، ولا يؤثر في العرض الكلي للنقود ولا في الاستقرار الاقتصادي.
-              إن تكلفة الحفاظ على استقرار عرض النقود أو زيادته في ظل الاحتياطي الجزئي تكون أكبر بسبب ما يعتري عرض النقود من تقلبات ناتجة عن خلق الودائع أو التحويلات بين النقد المتداول والودائع.
-              يسمح نظام الاحتياطي الكامل بمنافع إيجاد النقود بالتدفق على المجتمع بأسره بدلا من استئثار شريحة منه بهذه المنافع.
-    هناك آراء حول حقوق الملكية في الإطار الإسلامي تؤيد نظام الاحتياطي الكامل، وحجة أصحاب هذا الرأي أن نظام الاحتياطي الكامل بما يوفره من استقرار للنظام المالي يسهم في استقرار الاقتصاد الكلي، الاحتياطي الكامل يجبر المصارف على الاحتفاظ بسيولة نسبتها 100% والنموذج الثاني يحول دون استخدام المصرف المركزي لنسبة الاحتياطي القانوني كأداة للسياسة النقدية، وتبقى نسبة الاحتياطي القانوني كأداة للسياسة النقدية إذا تبنت السلطة النقدية النموذج الأول.
        إنه من الواضح أن المخاطر المواجهة في النموذج الثاني أقل من النموذج الأول، إذ تقتصر مخاطر هذا الأخير على الودائع الاستثمارية، غير أن مؤيدي النموذج الأول يقترحون نظاما لتعويض المودعين عن الخسائر عن طريق صندوق يغذيه المصرف من أرباحه في فترات الازدهار، ومشروعا آخر لتأمين الودائع ينظم العمل به بالتعاون مع المصرف المركزي كوسيلة لتقليل المخاطر، ومن المتوقع أن تكون المخاطر أقل في النظام الإسلامي بصفة عامة لأن المصارف تتحكم بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تصرفات المنظم صراحة أو ضمنا من خلال العقد، والمصرف بإمكانه مباشرة الرقابة عن طريق بنود الاتفاقية أو من خلال نظام للجزاء كما في المصارف الربوية، كأن يرفض تمويل المنشآت المخالفة وتسمح العقود للمصارف تركيز اهتمامها على احتمال عدم السداد ومعدل العائد المتوقع ومراقبة أداء المنشأة ([v]).
#- الفعالية الاقتصادية لتعديل نسبة السيولة:  يؤدي تعديل هذه النسبة إلى التأثير في قدرة البنوك على تمويل الأنشطة الاقتصادية ([vi]). فعن طريق تغيير هذه النسبة بالزيادة أو النقصان، يمكن التأثير في حجم التمويل المتاح واتجاهاته([vii])، أما تعديل نسبة الاحتياطي النقدي الذي يصاحبه تعديل مناظر في نسبة السيولة النقدية الكلية، فإن تأثيره الأساسي يقع على الاستثمار المصرفي في الأوراق المالية الحكومية ([viii]).
#- الفعالية الاقتصادية لأداة الحد الأعلى لإجمالي التمويل:  تكتسب أداة الحد الأعلى لإجمالي التمويل فعاليتها من كونها تستطيع تمكين البنك المركزي من تحديد مقدار القروض أو الاستثمارات التي تقدمها البنوك التجارية، كما يمكنه خفض مقدار القروض في حالة التضخم من خلال التشدد في شروط وضمانات الحصول عليها، وهو يعمل عكس ذلك عند حدوث الانكماش، كما يمكنه خفض استثمارات البنوك التجارية من خلال التشدد في شروط وضمانات التمويل المصرفي للمشروعات، وهو يفعل عكس ذلك عند رغبته في زيادة  الاستثمارات، وقد يشترط البنك المركزي ضمانات معنية بعد بلوغ هذه الاستثمارات مقدارا معينا، فقد يشترط شراء جزء مما يصدره من سندات أو تقديم قروض حسنة لبعض القطاعات ذات الأولوية ([ix]).
2.1.1-الفعالية الاقتصادية للأدوات الكيفية المحايدة.
    يمكن التعرف على فعالية الأدوات الكيفية المحايدة في تحقيق أهداف السياسة النقدية من خلال التعرف على فعالية كل أداة لوحدها.
#- الفعالية الاقتصادية لتحديد أنواع ونسب الاحتياطات النقدية المقبولة لدى المصرف المركزي([x]): تتمثل فعالية هذه الأداة في أنه يمكن عن طريقها توجيه الائتمان نحو استخداماته المثلى القطاعية والزمانية والمكانية، فإذا كان هناك اتجاه لتشجيع الاستثمار الزراعي مثلا، فيتم تخفيض نسبة ما يقدر على إجمالي الائتمان المقدم لفروعه ضمن الاحتياطات النقدية، أو إلغائها على حساب رفع تلك النسبة على الفروع التجارية المضاربة قصيرة المدى.
    بمعنى أن نسبة الاحتياطي النقدي القانوني إلى الودائع الحالة –تحت الطلب-ترتبط بأنواع واتجاهات الائتمان على مستوى البنك، فترتفع النسبة أو تنخفض لدى المصرف حسبا لدرجة التزامه بالتوجيهات النوعية للائتمان.
#- الفعالية الاقتصادية لإلزام المصارف بموانع وحدود للتوظيف في قطاعات معينة:  تتجسد الفعالية الاقتصادية لهذه الأداة فيما يلي([xi]):
-    تحقيق أهداف المجتمع الإسلامي وزيادة الأرباح الخاصة إلى أقصى حد ممكن، ومن الممكن تحقيق ذلك بشرط أن:
 * يؤدي التخصص الائتماني إلى أمثل إنتاج وتوزيع للسلع والخدمات التي يحتاج إليها جمهور الناس.
* تذهب منفعة الائتمان إلى العدد الأمثل من المنشآت في المجتمع .
       إن الطريق الملائم لتحقيق الهدف الأول هو إعداد خطة قيمية وتنسيقها مع الجهاز المصرفي التجاري لتنفيذها تنفيذا فعالا، ويتعين أن يكون أسلوب المعالجة أولا وقبل كل شيء بإعلام جميع المصارف التجارية بقطاعات ومجالات الاقتصاد التي يتعين تعزيزها من خلال تمويل المصارف التجارية والأهداف الواجب تحقيقها.
      - اتخاذ الإجراءات المؤسسية الضرورية لهذا الغرض ولا ضرورة لبذل أي جهد لربط المصارف التجارية بشبكة محكمة من أساليب الرقابة الصلبة أو التدخل المفرط .
2.1- الفعالية الاقتصادية لأدوات وأساليب التدخل المباشر المحايدة. 
    يمكن عرض الفعالية الاقتصادية لأدوات وأساليب التدخل المباشر المحايدة من خلال عرض فعالية كل أداة بشكل مستقل.
1.2.1- الفعالية الاقتصادية لأداة الإقناع الأدبي.
   تعتبر أداة الإقناع الأدبي، أداة بالغة الفعالية في الاقتصاد الإسلامي ويتضح ذلك من خلال([xii]):
-    مساهمة المصرف المركزي في تمويل عمليات المصارف التجارية بنسبة كبيرة جدا، ولذلك فإن أي خسارة ستلحق بالأموال المودعة من جراء سياسات المصرف المركزي، سيتحمل هذا المصرف جزءا كبيرا منها بمقدار ودائعه.
-       تتشكل غالبية الجزء الآخر من الودائع لدى المصارف التجارية من ودائع الأفراد والمؤسسات الخاصة، ولذلك فإن الخسائر التي قد تلحق بالمصرف التجاري، سيتحمل الجزء الأكبر منها هؤلاء الأفراد والمؤسسات، حسب ما تمثله ودائعهم في الأموال المستثمرة.
   والحقيقة إن توجيهات المصرف المركزي لا تعني بأي حال من الأحوال  تحقيق خسارة، بل أن ما تعنيه هو إما إعادة توزيع الأرباح بين طرفي التشارك وإما تحقيق ربح أكبر ولكن في قطاع آخر، فمثلا إذا رأى المصرف المركزي أن هناك قطاعا مهملا لأن أسعار منتجاته ليست مرتفعة الثمن، بسبب كون الطلب عليها من ذوي الدخل المحدود، فالاستثمار في هذا القطاع –في الحقيقة- يحقق ربحا كبيرا بسبب الطلب الكبير على منتجاته.
    فالربح الذي تحقق من بيع وحدة واحدة من السلعة التي يطلبها الأغنياء قد يتحقق من بيع ثلاث وحدات  من السلعة التي يطلبها متوسطي الدخل، ونظرا إلى أن طلب متوسطي الدخل أكبر من طلب الأغنياء بسبب كثرة عدد متوسطي الدخل وكبر ميلهم إلى الاستهلاك فإن الربح المتحقق في قطاع إنتاج السلع التي يستهلكها متوسطي الدخل أكبر في غالب الأحيان، ومادامت الانخفاضات في الأرباح أو الخسائر المحققة لا يتحملها المصرف التجاري لوحده، فليس هناك من داع لعدم الالتزام بتوجيهات المصرف المركزي .
2.2.1- الفعالية الاقتصادية للتعليمات المباشرة والأوامر الملزمة. 
       لتكون هذه التعليمات ذات أثر فعال، فإنه قد يرتبط بها الرقابة المباشرة على هذه البنوك وأسلوب الجزاءات في حالة عدم تنفيذ هذه التعليمات([xiii]).
3.2.1- الفعالية الاقتصادية لأداة الرقابة المباشرة.
       تكتسب أداة الرقابة المباشرة في البنوك الإسلامية فعالية أكبر من نظيرتها في البنوك التقليدية من حيث([xiv]):
-              ابتعادها وإزاحتها لسعر الفائدة، وما يرتبه من آثار سلبية عنيفة تجهد الدولة في التحكم فيها، أي أن مجرد إزاحة الفائدة هو في حد ذاته عامل مضاعف للفاعلية.
-              اعتمادها على التأثير في الرصيد النقدي تبعا للحاجة الوطنية وليس جريا وراء مصالح خاصة مما يجعل الرصيد النقدي واقعا تحت إطار من التنظيم والرقابة الوطنية التي تجعله يتجه لتحقيق أهداف المجتمع ككل من استقرار نقدي وإنجاز للتقدم.
4.2.1- الفعالية الاقتصادية للإجراءات الزجرية.
       إن وجود إجراءات زجرية من شأنه أن يزيد من الفعالية الاقتصادية للسياسة النقدية، ذلك أن من شأن وجود هذه الإجراءات إرغام المصارف التجارية على الانقياد لتوجيهات المصرف المركزي، بسبب كون الودائع المركزية تشكل مصدرا رئيسيا من مصادر حصولها على المال اللازم لتلبية طلبات رجال الأعمال لأن الودائع الخاصة لا يمكن أن تقارن إذا ما وضعت بجانب الودائع المركزية، ناهيك عن كون المصرف المركزي ينافس المصارف التجارية في مجال الحصول على تمويلات القطاع الخاص لمشاريع الحكومة([xv]).
       ومن الممكن تطوير أسلوب الجزاءات ليأخذ صورة إجراءات فعالة واجبة لإلزام البنوك التجارية بما يحقق التكيف مع الظروف الاقتصادية المختلفة ([xvi]).
2- الفعالية الاقتصادية لأدوات السياسة النقدية المطورة.
       تؤدي أدوات السياسة النقدية المطورة والقائمة سابقا على أساس سعر الفائدة دورا فعالا في تحقيق أهدافها في اقتصاد إسلامي، سواء كانت الكمية منها أو الكيفية .

1.2- الفعالية الاقتصادية للأدوات الكمية المطورة.
    يمكن عرض فعالية الأدوات الكمية المطورة من خلال عرض فعالية كل أداة بشكل مستقل.
1.1.2- الفعالية الاقتصادية لتعديل نسبة التشارك في الربح والخسارة كبديل لسعر إعادة الخصم.
    تتوقف فعالية تعديل نسبة التشارك على حجم الأموال العاطلة لدى القطاع الخاص([xvii]).
#- حالة ميل الاقتصاد إلى التضخم.
    يرفع المصرف المركزي من نسبة التشارك على ودائعه، فترتفع نسبة التشارك في السوق، ويقل الطلب على الأموال بغرض الاستثمار، ولكن لو كان للقطاع الخاص أموالا ضخمة مجمدة من السابق، فإنه يرى بأن ارتفاع نسبة التشارك       يحقق.له ربحا أكبر، فيعرض أمواله للاستثمار، بحيث يؤدي هذا العرض غير المتوقع إلى انخفاض نسبة التشارك ثانية، فيفسد على المصرف المركزي خطته، أو على الأقل يقلل من النتائج الجيدة التي يمكن أن يجنيها المصرف المركزي من استعماله لهذه الأداة .
     ولذلك فإذا أريد لهذه الأداة أن تكون فعالة في مكافحة التضخم, يجب أن تصحب بأي أداة أخرى تعمل على امتصاص أموال القطاع الخاص، كبيع الأسهم الحكومية مثلا بجانب رفع نسبة التشارك، حيث يمكن أن تتضاعف فعالية الأداتين معا، وتعطي النتائج المرجوة على أكمل وجه.
     كما أن وجود مؤسسات كبيرة تستطيع أن تعتمد على نفسها في عملية تمويل التوسع الاستثماري من شأنه أن يضعف من فعالية رفع نسبة التشارك، ولكن عدد هذه المؤسسات قليل في المجتمع الإسلامي لاعتماد التمويل في الغالب على التشارك وليس على القرض الحسن وما يؤدي إليه من كثرة عدد المشتركين في رأس مال، وبالتالي كثرة عدد الذين يشاركون في الأرباح، ولا يبق للمؤسسة من الأرباح المحتجزة إلا النسبة القليلة التي  لا تجعلها قوة مسيطرة وتبقى القلة القليلة من المؤسسات هي التي  تستطيع التصرف باستقلالية، ولكن أثرها  في إفساد السياسة النقدية محدود بسبب عددها القليل في الاقتصاد الوطني
#- حالة ميل الاقتصاد نحو الكساد :  في هذه الحالة يخفض المصرف المركزي من نسبة التشارك على ودائعه، ونظرا إلى أنه يكون مستعدا لتمويل أي مشروع موافق للخطة، فإن نسبة التشارك السوقية ستنخفض إلى الحد الذي قرره وسيضطر القطاع الخاص إلى التشارك وفق هذه النسبة لأنه لا أحد من رجال الأعمال يقبل التمويل على أساس نسبة التشارك ما دام التمويل متاحا وبنسبة تشارك منخفضة .
      أما سحب النقود من التداول وتجميدها، أو وضعها في حسابات جارية، فليس بمتصور في الاقتصاد الإسلامي، لأن صاحبها سيدفع الزكاة من رأس المال نفسه، فأولى.له أن يوظفها حتى تكون الزكاة من أرباحها، وإذا لم يحقق المشروع ربحا تقسط الزكاة إذا كان المال موظفا في رأس مال ثابت فتكون هذه الأداة فعالة أكثر في حالة الركود عن حالة التضخم .
2.1.2- الفعالية الاقتصادية لأسهم المشاركة كبديل لعمليات السوق المفتوحة في إطار نظام المشاركة.
        تتحدد  فعالية الأسهم الحكومية في إحداث التغيرات المطلوبة  بمدى ربحية مشروعات الحكومة التي تتداول أسهمها في السوق، وفي الحقيقة فإن أرباح الحكومة التي تجنيها من مشاريعها الخاصة تعتبر ضخمة جدا، نظرا للتنوع في تلك الاستثمارات، فهي لا تستثمر في مشروع واحد ولا في نشاط واحد، كما أن مشروعات الدولة تتميز بكفاءة التسيير نظرا لحيازتها على أكفأ الإطارات المسيرة، وهذا ما يجعل متوسط ربح السهم الحكومي مقاربا لمتوسط ربح الاقتصاد الوطني أي أن احتمال الخسارة من وراء امتلاك سهم حكومي ضعيف جدا، و لهذا يكون الطلب على أسهم الحكومة أكبر من الطلب على أسهم القطاع الخاص، وهذا ما يجعل استخدام هذه الأسهم كأداة لمراقبة المعروض النقدي فعالا جدا، وفي كلتا الحالتين أي التضخم والكساد:([xviii])
#- في حالة التضخم :  في هذه الحالة وعندما يريد المصرف المركزي إنقاص حجم النقود المتداولة، يقوم ببيع هذه الأسهم، ونظرا إلى أنه في حالة التضخم عادة ما تتضخم الأرباح كذلك فيكون الإقبال على شراء أسهم الحكومة كثيرا بسبب ارتفاع ربحيتها عن ربحية أسهم القطاع الخاص، فيقل المعروض النقدي في المجتمع ويقل الطلب على السلع فتنخفض الأسعار.
      ومن جهة أخرى ، فإن قلة المعروض النقدي في المجتمع يؤدي  إلى ارتفاع نسبة التشارك، فيقل الطلب على النقود بغرض التوظيف وتقل الاستثمارات إلى الحد الذي يكون ملائما .
#- في حالة الكساد : في هذه الحالة ومع اتجاه الأرباح إلى الانخفاض، فإن الناس سيسارعون إلى التخلص من الأسهم التي في حوزتهم قبل أن تنخفض أسعارها أكثر فيتدخل المصرف المركزي بشراء الأسهم الحكومية ويضخ مقابلها نقودا تعمل في اتجاهين .
     فمن جهة يعتبر وجود نقود إضافية في أيدي الأفراد زيادة في القوة الشرائية لدى أفراد المجتمع، ومن ثم زيادة مشترياتهم. ومن جهة أخرى فإن زيادة المعروض النقدي عن الحجم اللازم يؤدي إلى انخفاض في نسبة التشارك، فيتشجع رجال الأعمال على إنشاء استثمارات جديدة ، فيزيد التوظف ويزيد الطلب على السلع وينتعش الاقتصاد ثانية .
3.1.2- الفعالية الاقتصادية لأداة الودائع المركزية.
      تكتسب أداة الودائع المركزية فعاليتها من كونها تشكل النسبة الغالبة في الودائع الاستثمارية التي تتعامل بها المصارف التجارية، وتتغير هذه الودائع بالزيادة بناءا على طلب المصارف التجارية من المصرف المركزي تزويدها بهذه الودائع، نظرا للطلبات المقدمة من رجال الأعمال، وموافقة المصرف المركزي على ذلك بعد دراسة الطلب من حيث أهميته للاقتصاد الوطني، ثم الربحية المتوقعة، أما تغيير هذه الودائع بالنقصان فيتم عن طريق سحب الأرباح المتحققة من المشاريع التي ساهم المصرف المركزي بودائعه في تكوين رأسمالها تشاركا، فإذا كانت الودائع المركزية تشكل نسبة كبيرة من الودائع الاستثمارية ، فإن تغييرها يؤدي إلى تغيير نسبة التشارك في السوق، ومن ثم يتغير حجم الاستثمارات التي ينوي أصحابها القيام بها، حسب الحالات التالية([xix]):
#- في حالة ظهور بوادر تضخم :
       وبالتالي يجب التقليل من حجم الاستثمارات، يقوم المصرف المركزي بسحب الجزء اللازم لما  يجب أن يقل به حجم النقود المتداولة من ودائعه الحالة وأرباحه المتحققة، فيقل حجم الودائع المركزية.
       ومع بقاء الطلب على الأموال على ما هو عليه، فإن نسبة التشارك في سوق رأس المال سترتفع، نظرا لانخفاض حجم المعروض من النقود ويقل بالتالي الطلب على النقود لاستثمارها، ولا يمكن القول بأن أموال القطاع الخاص قد تتدفق على المصارف التجارية في حالة ارتفاع نسبة التشارك، وتحد من فعالية التغيير الذي قامت به الحكومة، وذلك لأن التفضيل النقدي في المجتمع الإسلامي يعتمد على الرصيد النقدي وليس على سعر الفائدة، فلا توجد أرصدة كبيرة في شكل نقود حاضرة للمضاربة في شراء الأسهم، لأن نسبة الزكاة تقف حائلا دون ذلك فتبقى الأرصدة المحتفظ بها بسيطة لا تتعدى نصاب الزكاة، وحتى إذا تعدتها عند البعض، فإن هذا لا يؤثر على السياسة النقدية، بسبب قلة هذه النسبة إلى مجموع النقود المتداولة .
#- في حالة ظهور بوادر كساد : يقوم المصرف المركزي في هذه الحالة بإضافة كمية من النقود على ودائعه لدى المصارف التجارية فيزيد المعروض النقدي، ومن ثم تنخفض نسبة التشارك فيزداد الطلب على النقود لتوظيفها، ومن ثم تزداد الاستثمارات، فيزيد التوظيف ويقضى على الانكماش.
      ولكن ألا يمكن القول أنه في الاقتصاد الإسلامي كما في الاقتصاد الرأسمالي، وعند ظهور بوادر الكساد، فإن سياسة تخفيض نسبة التشارك لا تفيد وخاصة إذا كانت نظرة رجال الأعمال متشائمة بشأن مستقبل  الاستثمار؟ إن احتمال وقوع مثل هذا قليل في الاقتصاد الإسلامي وذلك لسببين:  
السبب الأول: إن الخسارة التي يتعرض لها المشروع لا يتحملها رجل الأعمال لوحده، وقد لا يتحملها إطلاقا كما إذا كان مضاربا بمال الغير، ولم تكن الخسارة بسبب تعد منه .
السبب الثاني: إن أرباح رجال الأعمال ستتضاعف في الاقتصاد الإسلامي أثناء فترة الانكماش، فإضافة إلى أن نسبة اقتسام الأرباح ستتغير في مصالحهم، فإن أسعار عناصر الإنتاج ستنخفض وخاصة عنصر الأجور، مما يرفع من الأرباح التي تتحقق في الاقتصاد إسلامي عنها في الاقتصاد الرأسمالي أثناء فترة الانكماش .
      وحتى إذا كان القول بعدم فعالية الودائع المركزية في محاربة الانكماش، فإن استعمال الأدوات الأخرى جنبا إلى جنب معها، من شأنه أن يرفع من فعاليتها في محاربة الانكماش.
2.2- الفعالية الاقتصادية للأدوات الكيفية المطورة. 
      يمكن التعرف على فعالية الأدوات النوعية المطورة في تحقيق أهداف السياسة النقدية من خلال التعرف على فعالية كل أداة لوحدها.
1.2.2- الفعالية الاقتصادية للاستعمال التفضيلي لنسب المشاركة.
    تكون هذه الأداة فعالة في الحالات التالية([xx]):
#- في حالة ما إذا رأى المصرف المركزي زيادة حجم التمويل لقطاع معين دون القطاعات الأخرى:  هنا يكون رد فعل القطاع الخاص غير مهم، فالمصرف المركزي يخفض النسبة ويمول القطاع المراد من خلال ودائعه لدى المصارف التجارية، أما الأموال الخاصة فإن المؤكد أن أغلبها سيتجه إلى التمويلات ذات النسب المرتفعة، ولا يخشى على أسهم هذه المشروعات ألا تباع في سوق الأسهم، نظرا لانخفاض نسبة التشارك فيها، فيمكن جدا أن تنخفض نسبة التشارك العامة في السوق لاحقا إلى أقل من هذه النسبة وخاصة في أوقات الانكماش فيمكن أن تباع هذه الأسهم وقتئذ .
#- في حالة ما إذا رأى المصرف المركزي إنقاص حجم التمويل لقطاع معين دون القطاعات الأخرى: يقوم المصرف المركزي في هذه الحالة برفع نسبة التشارك في أرباحه، وطبعا فإن هذا الرفع يكون ضد مصالح رجال الأعمال، فيقل الطلب على الأموال لاستثمارها في هذا القطاع، لكن قد تتدفق أموال القطاع الخاص إلى هذا القطاع، مما يخفض نسبة التشارك السوقية إلى أقل من نسبة التشارك التي أعلنها المصرف المركزي، مما يحد من فعالية هذه الأداة في حالة رفع نسبة التشارك .
        وعلى العموم فإن الاستعمال التفضيلي لنسب التشارك تكون فعالة بصورة أكبر، في حالة ما إذا لم يوجد ممولون آخرون من خارج الجهاز المصرفي، لأن المصارف التجارية باعتمادها بصورة أساسية على ودائع المصرف، لا يتوقع منها الوقوف ضد توجيهاته فيما يتعلق بمجالات الاستثمار ونسب التشارك.
       كما أن الكفاءة المرجوة لهذه الأداة تزداد بمقدار تعدد النسب بموضوعية وتقارب حد المدى، أي الهامش بين الحد الأدنى والحد الأعلى، فضلا على أن هذه  الأداة ليست الوحيدة بل تتكامل مع أدوات عديدة ، فلا يتوقع ضبط حركية الائتمان من هذه الأداة وحدها ([xxi]).
2.2.2- الفعالية الاقتصادية لأداة تحديد حصص الاستثمار في كل نشاط.
      تنبع فعالية هذه الأداة من سببين اثنين هما([xxii]):
#- السبب الأول : هو كون أغلب ودائع المصارف التجارية هي ودائع مركزية، فمن خلال هذه الودائع يستطيع المصرف المركزي أن  يوجه حصص الاستثمار في كل نشاط، وذلك بقيامه بتحديد الجهة التي يستثمر فيها وديعته، أو من خلال قبول أو رفض طلبات التمويل التي تتقدم بها المصارف التجارية وفق السياسة التي يريدها.
#- وأما السبب الثاني: يتمثل في العلاقة الوثيقة بين المصرف المركزي والمصارف الأعضاء، فلو كانت هناك مشاريع تتطلب المزيد من التمويل زيادة على حصتها، فإن المصارف التجارية ترفض تمويلها حتى تحافظ على العلاقة بينها وبين المصرف المركزي.
      وقد يضعف من فعالية هذه الأداة وجود تمويل خارج السوق الرسمية، إذ أن وجود ما يسمى بمصارف الاستثمار أو مؤسسات التمويل غير المصرفية، من شأنه أن يوجه التمويل زيادة عن الحصة المحددة لأي جهة، ولذلك فإن تنظيم التمويل من طرف الحكومة بالشكل الذي يمنع تدفق الأموال من جهات خارج الجهاز المصرفي، من شأنه أن يزيد من فعالية هذه الأداة.
3.2.2- الفعالية الاقتصادية لضبط العلاقة بين نسبة الإقراض ونسبة إعادة التمويل.
     تتجسد فعالية هذه الأداة في كون كل مصرف يصبح مالكا لشهادات القروض الحسنة الحكومية في الفروع والأنشطة والمجالات المتعددة، ويمكنه الحصول على التمويل من المصرف المركزي مقابل الشهادات ([xxiii]).
     ويجب تمكين المصارف التجارية من الحصول على سلف مقابل شهادات القروض الحكومية وفقا لما يراه المصرف المركزي، وحسب مدى الحاجة في تخفيف النقص المؤقت للسيولة لدى المصارف التجارية ([xxiv]). ولهذا تصبح الأموال متداولة في المجتمع مما يضمن تغطية كافية للأنشطة الهامة وبتكاليف منخفضة مقارنة مع النظام الربوي التقليدي ([xxv]).         

مسعودة نصبة. دلال بن طبي             

قائمة المراجع:


[i]  محمد إبراهيم أبو شادي، مرجع سابق، ص 54 .
[ii]  محسن خان وعباس ميراخور، مرجع سابق، ص13.
[iii]  حمدي عبد العظيم، السياسات المالية والنقدية في الميزان ومقارنة إسلامية. القاهرة: مكتبة النهضة المصرية، 1986، ص345.
[iv]  محسن خان وعباس ميراخور، مرجع سابق، ص 20.
[v]  محسن خان وعباس ميراخور، مرجع سابق، ص 20.
[vi]  عبد الفتاح عبد الرحمن عبد المجيد، مرجع سابق، ص 276 .
[vii]  صالح صالحي، مرجع سابق، ص 53 .
[viii]  عبد الفتاح عبد الرحمن عبد المجيد، مرجع سابق، ص 277 .
[ix]  المرجع السابق، ص 277 .
[x]  صالح صالحي، مرجع سابق، ص 54 .
[xi]  محمد عمر شابرا، مرجع سابق، نحو نظام نقدي عادل، ص 129 .
[xii]  الطيب لحيلح، مرجع سابق، ص 116 .
[xiii]  محمد عبد المنعم عفر، السياسات المالية والنقدية ومدى إمكانية الأخذ بهما في الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق, ص95 .
[xiv]  محمد إبراهيم أبو شادي ، مرجع سابق, ص 84 .
[xv]  الطيب لحيلح، مرجع سابق، ص 117 .
[xvi]  محمد عبد المنعم عفر، السياسات الاقتصادية والشرعية وحل الأزمات وتحقيق التقدم، القاهرة: مطابع الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، 1407/1987، ص 420.
[xvii]  الطيب لحيلح، مرجع سابق، ص 113 وما بعدها .
[xviii]  المرجع السابق، ص 112 .
[xix]  المرجع السابق، ص 111 وما بعدها .
[xx]  المرجع السابق، ص 115 .
[xxi]  صالح صالحي، مرجع سابق، ص 66 .
[xxii]  الطيب لحيلح، مرجع سابق، ص 116 وما بعدها .
[xxiii]  صالح صالحي، مرجع سابق، ص 68 .
[xxiv]  محمد عمر شابرا، نحو نظام نقدي عادل، مرجع سابق، ص 277 .
[xxv]  صالح صالحي، مرجع سابق، ص 68 .