عبارة تصميم ذكي تمت قرصنتها من قبل من يروجوا لقصة الخلق. نعم يوجد تصميم ذكي في الطبيعة لكن السؤال الذي يجيب عليه المنهج العلمي هو كيف يحدث هذا التصميم الذكي في الطبيعة.
مروجو قصة الخلق يدعون أن التصميم الذكي الموجود في الطبيعة نتج عن كيان ذكي “خلق” الموجودات بشكلها الحالي بدليل وجود صفات وسمات ذكية ضمن تلك الموجودات. سأحاول أن أحلل هذه المشكلة ثم أطرح الحل من وجهة نظري. هذه المشكلة تتألف من محورين منفصلين. الأول وجود تعقيد في الطبيعة. والثاني هو مصدر هذا التعقيد.
الطبيعة مليئة بتصميم ذكي لكن الخلاف ليس حول وجود هذا التصميم الذكي أم لا وإنما مصدر هذا التصميم الذكي.
نعم الحياة نتيجة تصميم ذكي والذرات والتطور يحدث كنتيجة لتصميم ذكي لكن نحن لا نصل لهذا التصميم الذكي عن طريق السحر وإنما عن طريق أليات
طبيعية يمكننا دراستها وفهمها. أليات عمل الطبيعة ينتج عنها موجودات تبدو ذكية لنا.
دراسة مراحل تطور النجوم مع فهم القوى الكونية الأربع يفسر لنا كيف تولد النجوم ومن أين تأتي الذرات التي نراها كموجودات من حولنا.
دارسة نظرية التطور عبر الإنتقاء الطبيعي وفهم القانون الثاني للديناميكية الحرارية يفسر لنا كيف يحدث التنوع الحيوي والأليات البسيطة التي ينتج عنها هذا التعقيد الذي يسحرنا في الطبيعة.
عندما نرصد التعقيد والإتقان الموجود في ندفة الثلج يمكننا أن ندرس كيف يتشكل هذا التعقيد أو أن نتجاهل الأليات و نقول إنها نتيجة لخلق الله وابداع وأنها دليل على وجود مصمم ذكي في الطبيعة.
عندما نسأل الشخص العلمي عن ندفة الثلج سيتهرب من ذكر عبارة تصميم ذكي خوفاً من الضغط الثقافي الذي تتضمنه هذه العبارة والافتراضات التلقائية التي تنتج عن استخدام عبارة تصميم ذكي.
من الخطأ التهرب من عبارة تصميم ذكي فقط لأن الخلقيين قرصنوا هذه العبارة لتعني وجود خالق شخصي قام بتصميم ذكي نراه أمامنا. التصميم الذكي موجود في الطبيعة لكنه نتيجة للعلاقات الفيزيائية بين مقومات الطبيعة ويمكننا فهم هذه العلاقات بشكل علمي دون الحاجة للجوء لوجود جهة قامت بهذا التصميم الذكي.
هنا قلب المشكلة. الخلط بين وجود تصميم ذكي ووجود خالق ذكي. الشخص الخلقي وبسبب عدم المامه بالظواهر الطبيعية بشكل علمي يفترض وجود مصمم ذكي قام بخلق ندفة الثلج ضمن تناظرها الجميل الذي نرصده. بينما الشخص العلمي يخاف من تبني عبارة تصميم ذكي بسبب الحمولة الثقافية الزائدة التي تتبع هذه العبارة فيتجاهل وجود تصميم ذكي في الطبيعة فتبدو المشكلة بين الإثنين وكأنها حول وجود تصميم ذكي أم لا في الطبيعة. في الواقع الخلاف ليس حول وجود تصميم ذكي في الطبيعة وإنما حول ألية الوصول لهذا التصميم الذكي.
مثلاً إذا قمنا بتغير تسمية نظرية التطور من التطور عبر الانتقاء الطبيعي إلى نظرية التصميم الذكي عبر الانتقاء الطبيعي فأن المعنى لا يتغير اطلاقاً ولا تصبح نظرية التصميم الذكي عبر الانتقاء الطبيعية أقل علمية من التطور عبر الانتقاء الطبيعي.
حسناً إن كنت تريد أن تعرف كيف يتشكل التناظر في ندفة الثلج تابع القراءة في الأسفل:
جزيء الماء يتألف من ذرتين من الهيدروجين وذرة من الأوكسيجين.
ذرة الأوكسجين تتألف من نواة فيها ٨ بروتونات موجبة ومن ٨ الكترونات (سالبة) تحوم (تتواجد) حول النواة.
ذرة الهيدروجين تتألف من نواة والكترون (سالب) وحيد يحوم (يتواجد) حول النواة.
الالكترونات (جسيم أساسي يحوم حول نواة الذرة) تكون مستقرة ضمن الذرة عندما يكون عددها ٢ أو ١٠ أو ١٨ أو ٣٦ أو ٥٤ أو ٨٦ لهذا هي “تسعى” دائماً للوصول لهذه الأرقام في علاقات ترابطها مع الذرات الأخرى. يعني أن الذرات التي لديها ٨ الكترونات تريد أن تحصل على المزيد من الإلكترونات لأن رقم ١٠ هو أقرب رقم استقرار بالنسبة لها، والذرات التي لديها الكترون واحد تبحث عن الكترون إضافي للوصول رقم ٢ وهكذا.
أنا أستخدم كلمة تسعى بشكل مجازي، وسبب هذا التوجه لدى الإلكترونات يعود لقوانين استقرار الطاقة وانتقالها لأقل مستوى منخفض.
مثلاً عندما نضع كرة في أعلى الجبل، نجد أن الكرة تتدحرج نحو الأسفل، نحن نقول أن هذه الكرة تتجه نحو الأسفل بسبب الجاذبية، لكن في قول آخر الكرة تبحث عن الحالة ذات المستوى الأقل من الطاقة الكامنة. الكرة تصرف طاقة الجاذبية وتستقر بهذه الحالة لأنها المستوى الأقل الممكن من الطاقة، إذاً الذرات دائماً تتجه نحو الحالة الأقل من الطاقة، الطاقة دائماً تجري من الأعلى إلى الأسفل، من الانتظام إلى الفوضى، من الحار إلى البارد.
فهم هذا القانون الفيزيائي مهم جداً لفهم الأنظمة المعقدة التي قد تنشأ من ظواهر بسيطة، وهذا القانون يسمى بالقانون الثاني من الديناميكية الحرارية، هذا القانون يمكن أن نشرح من خلاله سهم الوقت أيضاً، إذا أن الوقت هو تجربتنا الشخصية لعملية انتقال الطاقة من الانتظام نحو الفوضى تدحرج الكرة من أعلى الجبل إلى أسفله.
لماذا هذا الشكل السداسي المتناسق بزواياه المتساوية والمتطابقة ضمن ندفة الثلج؟
ذرة الأوكسجين لديها ٨ الكترونات ولهذا هي “تسعى” للوصول إلى أقرب رقم استقرار لها وهو ١٠.
إذاً تبحث عن إلكترونين إضافيين ينضموا إلى الكتروناتها الثمانية.
الهيدروجين لديه الكترون وحيد ويسعى إلى الوصول إلى أقرب رقم استقرار منه وهو ٢، هذا يوحّد أهداف هاتين الذرتين فتتجمع ذرتين من الهيدروجين مع ذرة من الأوكسجين ويكون لدينا جزيء الماء.
الماء من المركبات التي يتميز بأن حالته الصلبة أقل كثافة من حالته السائلة، على عكس بقية المركبات التي تكون حالتها الصلبة أكثر كثافة من حالتها السائلة. (الحديد الصلب أكثر كثافة من الحديد السائل). شكل جزيء الماء عبارة عن كرة كبيرة (ذرة الأوكسجين ٨) وكرتين صغيرتين (الهيدروجين ١&١).
حرارة الجزيء مرتبطة بمدى تحفيز الإلكترونات وبالتالي الحالة السائلة بالنسبة للماء (حرارة فوق الصفر المئوي) تعني أن الكترونات الجزيء محفزة
بشكل كبير وتتحرك بسرعة مما يعطيها الخصائص التي نعرفها عن الماء السائل كالمرونة وسهولة فصل المركبات عن بعضها البعض.
عندما يبرد جزيء الماء تحت درجة الصفر المئوي تنخفض درجة تحفيز الإلكترونات لدرجة تمكن جزيء الماء من الترابط مع جزيئات ماء أخرى عبر عملية نسميها الترابط الهيدروجيني. هذا يعني أن الالكترونات التي تحوم حول الأوكسجين أصبحت أقل حركة وبالتالي يمكنها الترابط مع بعضها البعض بشكل أصلب من الحالة السائلة.
شكل مركب الماء يشبه صورة رأس ميكي ماوس، دائرة كبيرة (الأوكسيجين) مع دائرتين صغيرتين (الهيدروجين) حيث تمثل ذرة الأوكسيجين الرأس والهيدروجين هما الأذنتين.
ذرتي الهيدروجين المترابطتين مع الأوكسجين يشاركان إلكترونهم الوحيد مع الأوكسجين لكن بسبب كبر حجم الأوكسجين فإن توازن الشحنات بين الذرات يكون لمصلحة الأوكسجين، هذا يعني أن الهيدروجين على الرغم من تشاركه مع الأوكسيجين بالإلكترون إلا أنه شحنته أقل سلبية من الأوكسجين بسبب خسارته لإلكترونه السالب لمصلحة الأوكسجين، والأوكسجين بسبب كبر حجمه بالنسبة للهيدروجين فهو سعيد بسحب إلكترونات الهيدروجين ويكون أكثر سلبية، لكن هذا يؤدي إلى تكتل الهيدروجين على طرف والأوكسجين على الطرف الآخر (لكي يتشكل رأس ميكي ماوس).
المسافة بين ذرتي الهيدروجين هي دائماً نفسها بسبب تأثير تنافر الشحنات الكهربائية بين ذرتي الهيدروجين التي خسرتا الكتروناتها، وبالتالي نجد ان مركب الماء دائماً له ذرة أوكسيجين وذرتي هيدروجين ضمن زاوية تساوي ١٠٤,٥ درجة (زاوية منفرجة بالنسبة للأوكسجين).
حسناً أعلم أني قدمت الكثير من المعلومات لهذا دعونا نلخص الفكرة الأساسية. شكل جزيء الماء دائماً نفسه بسبب قوى فيزيائية تحكم علاقات الذرات مع بعضها البعض ضمن الجزيء، هذا الجزيء عبارة عن كرة كبيرة مرتبطة معها كرتين أصغر ضمن زاوية بقيمة ١٠٤,٥. هذا يعني أن ترابط جزيئات الماء مع بعضها البعض سيكون ضمن زاويا ١٠٤,٥ دائماً بسبب موقع ذرات الهيدروجين بالنسبة لذرة الأوكسيجين.
لنعود لموضوع الثلج.
ندفة الثلج الواحدة عبارة عن مجموعة من العديد من جزيئات الماء، هذه الجزيئات مرتبطة مع بعضها البعض عن طريق ترابط بين إلكترونات ذرات الهيدروجين الموجودة ضمن المركب. تخيل رأس ميكي ماوس مرتبط مع رأس ميكي ماوس آخر مرتبط مع رأس ميكي ماوس إضافي إلا أن يتشكل لدينا شكل سداسي.
كل رأس ميكي ماوس يمثل مركب ماء (H2O).كل أذن من أذان ميكي ماوس مرتبطة مع الأذن المجاورة لها وهكذا يتشكل لدينا شكل سداسي.
ذكرت سابقاً ان تموضع ذرات الهيدروجين ضمن كل جزيء ماء هي بزاوية ١٠٤,٥ بالنسبة لذرة الأوكسجين، هذا يعني أن شكل بلورة الثلج عبارة عن جزيء ماء موصول بجزيء ماء آخر بجزيء ماء آخر بجزيء ماء آخر، تماسك بلورة الثلج يعود لانخفاض مستوى الطاقة ضمن الكترونات جزيئات الماء أو ما نسميه نحن درجة تجمد الماء، ترابط هذه الجزيئات ضمن درجة حرارة معينة على أساس زاوية ١٠٤,٥ يعطي هذا الشكل السداسي لبلورات الثلج.
لماذا تتوسع بلورة الثلج وتتفرع؟
القانون الثاني للديناميكية الحرارية يفيد بأن الطاقة دائماً تنتقل من الحار إلى البارد، لنبدأً من الشكل السداسي الذي وصلنا إليه حتى الآن، عندما تكون درجة الحرارة المحيطة بالمركب السداسي لجزيئات الماء تبدأ الحرارة بتنفيذ القانون الثاني للديناميكية الحرارية وتبدأ الطاقة بالانتقال من مركب الماء نحو الخارج، هذه العملية ينتج عنها نتوء في مكان خروج الطاقة إلى الخارج، مكان النتوء هذا هو النقطة الأسهل لانتقال الطاقة فتستمر العملية وينتج لدينا عملية تغذية رجعية إيجابية Positive feedback حيث أن كل ما زاد طول النتوء كلما كان هذا المكان هو النقطة الملائمة لتبادل الطاقة الحرارية وهكذا ينمو الشكل السداسي على شكل دنفات الثلج المتعارف عليها.
كيف تعرف أذرع ندفة الثلج كيف هو شكل أخواتها الخمس الأخرى لكي تشكل نفسها بنفس الشكل؟
في الواقع الظواهر الفيزيائية التي تؤثر على أذرع ندفة الثلج هي نفسها، و بالتالي ينشأ هذا التناسق. كل ندفة من الثلج تتصف بتناسق بين كل أطرافها وأقسامها، لأن العوامل التي تؤثر على نشوء ونمو بلورة الثلج هي ذاتها.
إذا يمكننا أن نقول إن تصميم ندفة الثلج يبدو ذكياً لأنه نتيجة لتفاعلات فيزيائية يمكننا فهما والبناء عليها ضمن تطبيقات آخرى. لا حاجة لوجود مصمم ذكي لفهم كيف ينتج هذا التصميم الذكي في الطبيعة. اخترت مثال ندفة الثلج لتوضيح جمال الطبيعة وهذا التصميم الذكي يمكننا فهمه عبر المنهج العلمي ولا حاجة للخوف من هذه العبارة. مرجع