عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ
جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري
أَعَدنَ لِيَ الشَوقَ القَديمَ وَلَم أَكُن
سَلَوتُ وَلكِن زِدنَ جَمراً عَلى جَمرِ
سَلِمنَ وَأَسلَمنَ القُلوبَ كَأَنَّما
تُشَكُّ بِأَطرافِ المُثَقَّفَةِ السُمرِ
وَقُلنَ لَنا نَحنُ الأَهِلَّةُ إِنَّما
تُضيءُ لِمَن يَسري بِلَيلٍ وَلا تَقري
فَلا بَذلَ إِلّا ما تَزَوَّدَ ناظِرٌ
وَلا وَصلَ إِلّا بِالخَيالِ الَّذي يَسري
أحينَ أزحنَ القَلبَ عَن مُستَقَرِّهِ
وَأَلهَبنَ ما بَينَ الجَوانِحِ وَالصَدرِ
صددنَ صدودَ الشاربِ الخمر عندما
روى نفسَهُ عن شربها خيفةَ السكرِ
ألا قَبلَ أَن يَبدو المَشيبُ بَدَأنَني
بِيَأسٍ مُبينٍ أَو جَنَحنَ إِلى الغَدرِ
فَإِن حُلنَ أَو أَنكَرنَ عَهداً عَهِدنَهُ
فَغَيرُ بَديعٍ لِلغَواني وَلا نُكرِ
وَلكِنَّهُ أَودى الشَبابُ وَإِنَّما
تُصادُ المَها بَينَ الشَبيبَةِ وَالوَفرِ
كَفى بِالهَوى شُغلاً وَبِالشَيبِ زاجِراً
لَوَ اَنَّ الهَوى مِمّا يُنَهنَهُ بِالزَجرِ
أَما وَمَشيبٍ راعَهُنَّ لَرُبَّما
غَمَزنَ بَناناً بَينَ سَحرٍ إِلى نَحرِ
وَبِتنا عَلى رَغمِ الوُشاةِ كَأَنَّنا
خَليطانِ مِن ماءِ الغَمامَةِ وَالخَمرِ
خَليلَيَّ ما أَحلى الهَوى وَأَمَرَّهُ
وَأَعلَمَني بِالحُلوِ مِنهُ وَبِالمُرِّ
بِما بَينَنا مِن حُرمَةٍ هَل رَأَيتُما
أَرَقَّ مِنَ الشَكوى وَأَقسى مِنَ الهَجرِ
وَأَفضَحَ مِن عَينِ المُحِبِّ لِسِرِّهِ
وَلا سِيَّما إِن أَطلَقَت عَبرَةً تَجري
وَما أَنسَ مِ الأَشياءِ لا أَنسَ قَولَها
لِجارَتِها ما أَولَعَ الحُبَّ بِالحُرِّ
فَقالَت لَها الأُخرى فَما لِصَديقِنا
مُعَنّىً وَهَل في قَتلِهِ لَكِ مِن عُذرِ
عِديهِ لَعَلَّ الوَصلَ يُحييهِ وَاِعلَمي
بِأَنَّ أَسيرَ الحُبِّ في أَعظَمِ الأَمرِ
فَقالَت أَداري الناسَ عَنهُ وَقَلَّما
يَطيبُ الهَوى إِلّا لِمُنهَتِكِ السِترِ
وَأَيقَنَتا أَن قَد سَمِعتُ فَقالَتا
مَنِ الطارِقُ المُصغي إِلَينا وَما نَدري
فَقُلتُ فَتىً إِن شِئتُما كَتَمَ الهَوى
وَإِلّا فَخَلّاعُ الأَعنَّةِ وَالعُذرِ
عَلى أَنَّهُ يَشكو ظَلوماً وَبُخلَها
عَلَيهِ بِتَسليمِ البَشاشَةِ وَالبِشرِ
فَقالَت هُجينا قُلتُ قَد كانَ بَعضُ ما
ذَكَرتِ لَعَلَّ الشَرَّ يُدفَعُ بِالشَرِّ
فَقالَت كَأَنّي بِالقَوافي سَوائِراً
يَرِدنَ بِنا مِصراً وَيَصدُرنَ عَن مِصرِ
فَقُلتُ أَسَأتِ الظَنَّ بي لَستُ شاعِراً
وَإِن كانَ أَحياناً يَجيشُ بِهِ صَدري
صِلي وَاِسأَلي مَن شِئتِ يُخبِركِ أَنَّني
عَلى كُلِّ حالٍ نِعمَ مُستَودَعُ السِرِّ
وَما أَنا مِمَّن سارَ بِالشِعرِ ذِكرُهُ
وَلكِنَّ أَشعاري يُسَيِّرُها ذِكري
وَما الشِعرُ مِمّا أَستَظِلُّ بِظِلِّهِ
وَلا زادَني قَدراً وَلا حَطَّ مِن قَدري
وَلِلشِّعرِ أَتباعٌ كَثيرٌ وَلَم أَكُن
لَهُ تابِعاً في حالِ عُسرٍ وَلا يُسرِ
وَما كُلُّ مَن قادَ الجِيادَ يَسوسُها
وَلا كُلُّ مَن أَجرى يُقالُ لَهُ مُجري
وَلكِنَّ إِحسانَ الخَليفَةِ جَعفَرٍ
دَعاني إِلى ما قُلتُ فيهِ مِنَ الشِعرِ
فَسارَ مَسيرَ الشَمسِ في كُلِّ بَلدَةٍ
وَهَبَّ هُبوبَ الريحِ في البَرِّ وَالبَحرِ
وَلَو جَلَّ عَن شُكرِ الصَنيعَةِ مُنعِمٌ
لَجَلَّ أَميرُ المُؤمِنينَ عَنِ الشُكرِ
فَتىً تَسعَدُ الأَبصارُ في حُرِّ وَجهِهِ
كَما تَسعَدُ الأَيدي بِنائِلِهِ الغَمرِ
بِهِ سَلِمَ الإِسلامُ مِن كُلِّ مُلحِدٍ
وَحَلَّ بِأَهلِ الزَيغِ قاصِمَةُ الظَهرِ
إِمامُ هُدىً جَلّى عَنِ الدينِ بَعدَما
تَعادَت عَلى أَشياعِهِ شِيَعُ الكُفرِ
وَفَرَّقَ شَملَ المالِ جودُ يَمينِهِ
عَلى أَنَّهُ أَبقى لَهُ أَحسَنَ الذِكرِ
إِذا ما أَجالَ الرَأيَ أَدرَكَ فِكرُهُ
غَرائِبَ لَم تَخطُر بِبالٍ وَلا فِكرِ
وَلا يَجمَعُ الأَموالَ إِلّا لِبَذلِها
كَما لا يُساقُ الهَديُ إِلّا إِلى النَحرِ
وَما غايَةُ المُثني عَلَيهِ لَو أَنَّهُ
زُهَيرٌ وَأَعشى وَاِمرُؤُ القَيسِ من حُجرِ
إِذا نَحنُ شَبَّهناهُ بِالبَدرِ طالِعاً
وَبِالشَمسِ قالوا حُقَّ لِلشَمسِ وَالبَدرِ
وَمَن قالَ إِنَّ البَحرَ وَالقَطرَ أَشبَها
نَداهُ فَقَد أَثنى عَلى البَحرِ وَالقَطرِ
وَلَو قُرِنَت بِالبَحرِ سَبعَةُ أَبحُرٍ
لَما بَلَغَت جَدوى أَنامِلِهِ العَشرِ
وَإِن ذُكِرَ المَجدُ القَديمُ فَإِنَّما
يَقُصُّ عَلَينا ما تَنَزَّلَ في الزُبرِ
فإن كان أمسى جعفرٌ متوكِّلاً
على الله في سرِّ الأمورِ وفي الجهرِ
وولَّى عهودَ المسلمين ثلاثةً
يُحَيَّونَ بالتأييد والعزِّ والنصرِ
أَغَيرَ كِتابِ اللَهِ تَبغونَ شاهِداً
لَكُم يا بَني العَبّاسِ بِالمَجدِ وَالفَخرِ
كَفاكُم بِأَنَّ اللَهَ فَوَّضَ أَمرَهُ
إِلَيكُم وَأَوحى أَن أَطيعوا أولي الأَمرِ
وَلَم يَسأَلِ الناسَ النَبِيُّ مُحَمَّدٌ
سِوى وُدِّ ذي القُربى القَريبَةِ مِن أَجرِ
وَلَن يُقبَلَ الإيمانُ إِلّا بِحُبِّكُم
وَهَل يَقبَلُ اللَهُ الصَلاةَ بِلا طُهرِ
وَمَن كانَ مَجهولَ المَكانِ فَإِنَّما
مَنازِلُكُم بَينَ الحَجونِ إِلى الحِجرِ
وَما زالَ بَيتُ اللَهِ بَينَ بُيوتِكُم
تَذُبّونَ عَنهُ بِالمُهَنَّدَةِ البُترِ
أَبو نَضلَةٍ عَمرو العُلى وَهوَ هاشِمٌ
أَبوكُم وَهَل في الناسِ أَشرَفُ مِن عَمرو
وَساقي الحَجيجِ شَيبَةُ الحَمدِ بَعدَهُ
أَبو الحارِثِ المُبقي لَكُم غايَةَ الفَخرِ
سَقَيتُم وَأَسقَيتُم وَما زالَ فَضلُكُم
عَلى غَيرِكُم فَضلَ الوَفاءِ عَلى الغَدرِ
وُجوهُ بَني العَبّاسِ لِلمُلكِ زينَةٌ
كَما زينَةُ الأَفلاكِ بِالأَنجُمِ الزُهرِ
وَلا يَستَهِلُّ المُلكُ إِلّا بِأَهلِهِ
وَلا تَرجَعُ الأَيّامُ إِلّا إِلى الشَهرِ
وَما ظهر الإسلامُ إِلّا وجاركم
بني هاشمٍ بين المجرَّةِ والنسرِ
فَحَيّوا بَني العَبّاسِ مِنّي تَحِيَّةً
تَسيرُ عَلى الأَيّامِ طَيِّبَةَ النَشرِ
إِذا أُنشدَت زادت وليَّكَ غبطةً
وكانت لأهل الزيغ قاصمةَ الظهرِ