01‏/07‏/2013

وسيلة النجاة في الزمن الصعب


بسم الله الرحمن الرحيم
 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
 يا أيها الأخوة الأكارم: نحن جميعاً طرف واحد، وقد تعلمون أن البشر على اختلاف مللهم ونحلهم وأعراقهم وأجناسهم ودياناتهم ومذاهبهم وانتماءاتهم وخلفياتهم هم عند الله صنفان لا ثالث لهما تقسيمات البشر لا تعد ولا تحصى، لكن البشر جميعاً هم عند الله صنفان لا ثالث لهما الآية الكريمة تؤكد ذلك قال تعالى: الصنف الأول:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾

(سورة الليل)
 صدق بالحسنى، الحسـنى هي الجنة للذين أحسنوا الحسنى وزيادة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، فالمؤمن صدق أنه مخلوق للجنة وأن هذه الدنيا دار إعداد لها دار عمل ودار تكليف ودار سعي، حينما تصـح عقيدة المؤمن يصح عمله، إذا اعتقد المؤمن أن الله جل جلاله كرمه وجعله المخلوق الأول حينما قال:

﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾

(سورة الأحزاب)
 وأنه المخلوق المكرم:

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)﴾

(سورة الإسراء)
 وأن الإنسان هو المخلوق المكلف:

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

(سورة الذاريات)
 فعلة خلق الإنسان في الدنيا أن يعبد الله، والعبادة في أدق تعاريفها طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية فالصنف الأول آمن الإيمان الحق أنه مخلو للجنة، وأن هذه الدنيا دار عمل ودار تكليف، إن هذه الدنيا دار التواء كما ورد في إحدى خطب النبي عليه الصلاة والسلام إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء ومنزل ترح لا منزل فـرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء لأنه مؤقت، ولم يـحزن لشقاء أيضاً لأنه مؤقت، قد جعلها الله دار بلوى، وجعل الآخرة دار عقبة، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سـبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، يأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي.
 الصنف الأول أيقن أنه مخلوق لجنة عرضها السماوات والأرض، فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأن هذه الدنيا دنيا عمل.

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)﴾
 اتقى أن يعصي الله، طبق منهج الله.

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ﴾

(سورة فصلت)
 صدق بالحسنى واتقى أن يعصي الله وبنى حياته على العطاء، أعطى من وقته من ماله وخبرته ومن مكانته ومن عضلاته ومن علمه، كأن سمة المؤمن الأساسية أنه يعطي، لكن سيد الخلق، قدم أحد كتاب عن سيرته فقال: يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، الأنبياء أعطوا كل شيء ولم يأخذوا شيئاً، والأقوياء أخذوا كل شيء ولم يعطوا شيئاً، أعطى واتقى وصدق بالحسنى هذا هو الصنف الأول مرة ثانية: البشر على اختلاف مللهم وانتماءاتهم وأعراقهم وأجناسهم وألوانهم ودياناتهم ومذاهبهم هم عند الله صنفان هذا هو الصنف الأول صدق بالحسنى اتقى أن يعصي الله وبنى حياته على العطاء ليكون هذا العطاء ثمناً للجنة.
 الصنف الثاني:

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)﴾
 بنى حياته على الأخذ، يأخذ المال بأية طريقة وأي أسلوب، بطريقة مشروعة أو غير مشروعة، بأسلوب يجوز أو لا يجوز.

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)﴾
 قرأت عن النملة موضوعاً علمياً طريفاً: أن في النملة جهاز ضخ وجهاز مص، فإذا كانت شبعة تضخ من عصارة غذائها لأختها الجائعة، وإن كانت جائعة تمص من أختها بعض غذائها، فعندها جهاز مص وجهاز ضخ، فهذا الذي بخل واستغنى عنده جهاز مص فقط لا يضخ أبداً، لا ينفع الناس بشيء، يأخذ كل شيء، وأما من بخل بنى حياته على الأخذ يستهلك جهد الآخرين يأخذ أموالهم بالباطل، يستخذلهم، ينب مجده على أنقاضهم، ويبني غناه على فقرهم.
﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8)﴾
 استغنى عن طاعة الله، لا يعبأ بمنهج الله ولا بشرع الله، ولا بحلال ولا بحرام ذلك أنه كذب بالحسنى وبالجنة، آمن بالدنيا فقط، الدنيا هي كل شيء هي محط رحاله ومنتهى آماله هذا الصنف الثاني.
﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)﴾
 الرد الإلهي للصنف الأول:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾
 ييسر له طريق طلب العلم، وطريق العمل الصالح، ويعينه الله على طاعته، كل السبل المؤدية إلى الجنة تيسر له لأنه آمن بالجنة وجعل الدنيا مطية لها، وانضبط بمنهج الله وأحسن إلى خلق الله.
 لذلك أيها الأخوة: الناس رجلان رجل عرف الله فانضبط بمنهجه وأحسن إلى خلقه فسعد في الدنيا والآخرة، ورجل غفل عن الله فتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه، وشقي في الدنيا والآخرة، والناس أتباع لنموذجين نبي وقوي، النبي ملك القلوب بكماله، والقوي ملك الرقاب بقوته والناس أتباع نبي أو قوي.
 أيها الأخوة: رد الإله على الصنف الثاني:

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)﴾
 معيشة ضنك، أمور معسرة، طرق مسدودة، إحباطات تلو الإحباطات وهذا بين أيديكم وتحت سمعكم وبصركم، فنحن أمام نموذجين لا ثالث لهما، ولا يعنينا الأسماء ولا الهويات، تعنينا الحقائق، نهتم بالمضامين لا بالعناوين، نهتم بالمبادئ لا بالأشخاص، نموذج ليسمي نفسه ما شاء، آمن بالجنة وعمل لها فاتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء وكفر بالجنة وآمن بالدنيا، وبنى حياته على الأخذ واستغنى عن طاعة الله.
 الأول: تيسر أموره إلى الجنة، والثاني: تعسر أموره وتفضي به إلى النار، هذه مقدمة.
 لكن حينما نقرأ القرآن الكريم أيها الأخوة: نجد آيات كثيرة جداً تعِد المؤمنين، وكل وعد أحلى من الآخر.

﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴾

(سورة الحج)

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)﴾

(سورة الروم)

﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

(سورة غافر)

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (141)﴾

(سورة النساء)

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾

(سورة النور)
 أين الاستخلاف ؟ والله لا استخلاف.

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾
 قانون، هل المسلمون مستخلفون في الأرض بشكل واقعي ؟ لا والله

﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾
 هل دينهم ممكن في الأرض ؟ لا والله.

﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
 هل هم آمنون مطمئنون في بلادهم ؟ لا والله. ماذا نفعل ؟ إذا وجدنا وعداً من خالق الأكوان، وزوال الأكوان أهون على الله من أ لا يحقق وعوده للمؤمنين، ووجدنا واقعاً إسلامياً مريراً، كل هذه الوعود ليست محققة، كيف نفسر ذلك ؟ هذا محور هذا اللقاء.
 المفارقة الحادة بين وعود الله للمؤمنين وبين واقع المسلمين اليوم، متفرقون ومتخاصمون بأسهم بينهم، للطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، ليست كلمتهم هي العليا ليس أمرهم بيدهم هذا واقع، ومعرفة الواقع أول خطوة إلى إصلاحه، تحديد المشكلة أول خطوة إلى حلها، هذا هو الواقع، نعيش واقعاً مريراً، ماذا نفعل ؟ مرة ثانية: زوال كوني أهون على الله من ألا يحقق وعوده للمؤمنين، ووعد الله عز وجل قطعي الدلالة والثبوت.

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾
 أول جواب تتمة الآيات:

﴿يَعْبُدُونَنِي﴾
 فإذا كان الفريق الثاني لم يؤدي ما عليه من العبادة فالله جل جلاله في حل من وعوده الثلاث، النبي عليه الصلاة والسلام أردف خمسه معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:

((حدثنا أنس بن مالك عن معاذ بن جبل رضي اللهم عنهم قال بينا أنا رديف النبي صلى اللهم عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا أخرة الرحل فقال يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ قلت لبيك رسول الله وسعديك ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ قلت لبيك رسول الله وسعديك قال هل تدري ما حق الله على عباده قلت الله ورسوله أعلم قال حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ثم سار ساعة ثم قال يا معاذ بن جبل قلت لبيك رسول الله وسعديك فقال هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه قلت الله ورسوله أعلم قال حق العباد على الله أن لا يعذبهم ))

(صحيح البخاري)
 والإمام الشافعي رحمه الله تعالى استنبط من قوله تعالى:

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾

(سورة المائدة)
 ليس لكم أية ميزة، وهذه الآية تنطبق على المسلمين، لذلك علماء المسلمين فرقوا بين أمتين بين أمة الاستجابة وأمة التبليغ، حينما قال الله عز وجل:

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾

(سورة آل عمران)
 علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، فإن لم تأمر بالمعروف ولم تنهى عن المنكر ولم تؤمن بالله فقدت خيريتها.

﴿بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ﴾
 ليس لكم أية ميزة، هذه أمة التبليغ، لكن أمة الاستجابة:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾

(سورة الأنفال)
 الحياة الحقيقية في معرفة الله وفي طاعته وفي الإقبال عليه وفي معرفة رسالة المسلمين إلى الأمم والشعوب، الحياة الحقيقية أن تحمل هم المسلمين، وأن تتحرك نحو تحقيق هذه الأهداف.
 أيها الأخ الكريم: لا تقلق على هذا الدين إنه دين الله، وهذا الدين العظيم كلما أردت أن تقمعه كأنك تصب على النار الزيت يزداد تألقاً، الإسلام جبل شامخ، ماضر السحاب نبح الكلاب، وما ضر البحر أن ألقى فيه غلام بحجر، ولو تحول الناس إلى كنّاسيين ليثيروا الغبار على الإسلام ما أثاروه إلا على أنفسهم، لا تقلقوا على هذا الدين إنه دين الله.
 إن الله قادر أن ينصره بالرجل الفاجر، ولكن اقلقوا ما إذا سمح الله لنا أو لم يسمح أن يعطينا شرف نصرته وشرف العمل من أجله، وشرف خدمة الحق، إنه شرف عظيم.

﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)﴾
 أيها الأخوة الكرام: لا زلت في الموضوع الدقيق: حينما لا نقوم بما كلفنا الله به من عبادة الله العبادة الحقة، فالله جل جلاله في حل من وعوده الثلاث الحل الأول للخلاص من هذه الفتن كما قال عليه الصلاة والسلام:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ))

(صحيح مسلم)
 أول حل أن نعبد الله حق العبادة.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾

(سورة آل عمران)
 قال العلماء: حق تقاته أن تطيعه فلا تعصيه، أن تذكره فلا تنساه، أن تشكره فلا تكفره، يوجد حل آخر: محور هذه المحاضرة إن شاء الله تعالى الحلول القرآنية للخلاص من الفتن التي أحاقت بالمسلمين، الحل الثاني: قال تعالى:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾

(سورة مريم )
 وقد لقي المسلمون ذلك الغي، ذلك أنهم أضاعوا الصلاة، وقد أجمع العلماء على أن إضاعة الصلاة لا تعني تركها.

﴿إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54)﴾

(سورة التوبة)
 لو أن إنساناً حج بيت الله الحرام بمال حرلام، وضع رجله في الركاب وقال: لبيك اللهم لبيك يناده منادٍ أن لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك !

((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))

(صحيح مسلم)
 إذاً: إضاعة الصلاة لا تعني تركها، ولكن يعني ذلك تفريغها من مضمونها، صلاة جوفاء عبادات شعائرية، الإسلام خمسمائة ألف بند تقريباً، اكتفى المسلمون من هذا الإسلام العظيم ومن منهجه القويم بأداء عبادات شعائرية جوفاء لا تقدم ولا تؤخر، لذلك هان أمر الله على الناس فهانوا عليه، تجدهم يصلون لكن الإسلام ليس في بيوتهم وليس في تجارتهم ولا في بيعهم ولا في شرائهم ولا في أفراحهم ولا في أتراحهم ولا في علاقاتهم.

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59)﴾
 في علم الأصول المعنى المخالف، مالمعنى المخالف لهذه الآية ؟ لو أن المسلمين لم يتبعوا شهوة لا ترضي الله، وأحكموا اتصالهم بالله سئل بعض العلماء عن معنى قوله تعالى:
﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾

(سورة الشعراء)
 ما تعريف القلب السليم ؟ القلب السليم الذي هو سبب سعادة الأبد هو قلب لم يشتهي شهوة لا ترضي الله، ولم يقبل خبر يتناقض مع وحي الله، لوم يحتكم لغير شريعة الله، ولم يعبد غير الله، هذا هو القلب السليم.

﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)﴾
 أمراض الجسم العضالة تنتهي عند الموت، ولكن أمراض القلب تبدأ بعد الموت وتشقي صاحبها إلى أبد الآبدين، أول حل أن نعبده حق العبادة، أن نذكره فلا ننساه، أن نطيعه فلا نعصيه، أن نشكره فلا نكفره.
 الحل الثاني: أن نضع كل شهوة محرمة لا ترضي الله، وأن نحكم اتصالنا بالله:

((فليس كل مصل يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي ولم يصر على المعصية، وأطعم الجائع وكسى العريان ورحم المصاب وآوى الغريب كل ذلك لي وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوء عندي من نور الشمس على أن أجعل الجهالة له حلماً والظلمة نوراً يدعوني فألبيه يسألني فأعطيه يقسم علي فأبره أكلئه بقربي وأستحفظه ملائكتي مثله عندي كمثل الفردوس لا يمس ثمرها ولا يتغير حالها.))
 الحل الأول: أن نعبده حق العبادة.
 الحل الثاني: أن نصع كل شهوة لا ترضي الله.
 الحل الثالث: أن نحكم اتصالنا بالله عز وجل.
 الحل الرابع: قال تعالى يحدثنا عن الطرف الآخر:

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)﴾

(سورة إبراهيم)
 خالق الأكوان يقول هذا الكلام، مكر الطرف الآخر بالمسلمين تزول منه الجبال الطرف الآخر يريدون إفقارنا ونهب ثرواتنا واحتكار كل شيء، وأن يجعلونا مستهلكين، سيدنا عمر مر ببلدة مسلمة كل النشاطات التي فيها بأيدي غير المسلمين، فوبّخهم توبيخاً شديداً، ثم قال لهم: كيف بكم إذا أصبحتم عبيداً عندهم ؟ المنتج قوي جداً، والمستهلك ضعيف، قد تبيع كل قمحك وكل قطنك بسلعة متطورة لا أكتمكم أن محرك طائرة يكلف خمسة ملايين دولار ! كم طن قمح يساوي تعمير محرك طائرة واحدة ؟ إذا باعونا يبيعوننا بأبهض الأثمان، وإذا اشتروا موادنا الأولية يأخذوها بأبخس الأثمان، لذلك حينما نبني بلادنا ونستخرج ثرواتنا ونوفر فرص عمل لشبابنا، وحينما نكسب المال الحلال ونحل به مشكلة المسلمين، نكون في عبادة لله، لأن المؤمن عاداته عبادات، بينما المنافق عباداته سيئات.
 فالتحدي الأول يريدون إفقارنا، وكسب المال الحلال والاكتفاء بصناعتنا وبزراعتنا وويل لأمة تأكل مالا تزرع وتلبس مالا تنسج، وأضيف على هذه المقولة وتقتني من الأجهزة مالا تصنع، ويل لأمة التحدي الثاني تحدي إضلال يشككوننا بأصول يدننا، دعونا من السنة لنكتفي بالقرآن، هؤلاء القرآنيون السنة مصدر تشرعي أساسي، ومن ترك السنة فقد ترك القرآن لأن الله عز وجل يقول:

﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾

(سورة الحشر)
 أنت حينما تدع السنة تعصي القرآن يشككوننا بأصول ديننا، يقول: هذا حكم لا يليق بهذه الأيام، لا يطبق هذا الحكم، وكأننا نعترض على الله عز وجل، وكأن الله عز وجل شرع شيئاً ثم بدى له شيء آخر والعياذ بالله، يقول الله عز وجل:

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾

(سورة البقرة)

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾

(سورة المائدة)
 أي أن صفة التمام صفة عددية، مجموع القضايا التي عالجها القرآن والسنة تام عدداً، وطريقة المعالجة كاملة نوعاً.

﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾
 وسوف ترون في مستقبل الأيام أن كل مشكلة تعاني منها البشرية من دون استثناء هي بسبب خروج عن منهج الله، وأن العلم كلما تقدم اقترب من الدين، وأن العلم كلما تقدم وجد أن الحل الإسلامي هو الحل الأمثل، وأن هناك الآن شعوب قهرت بالعودة إلى الإسلام لا عبادة ولكن مصلحة فشعوب كثيرة طبقت الإسلام دون أن تشعر، اهتدت بتجاربها المرة إلى أن هذا النظام الأمثل.
 أيها الأخوة الكرام:

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ﴾
 المكر الثاني: مكر الإضلال لذلك تأصيل ديننا، والبحث عن أدلة نصية قطعية الدلالة والثبوت وعن أدلة عقلية وفطرية وعن أدلة واقعية عبادة كبرى من عبادات الإسلام، تأصيل أصول دينهم.
 والتحدي الثالث: إفسادنا هذه المؤتمرات التي تعقد هذه مؤتمرات السكان، والله قد لا تصدقون ما جاء في توصياتها.
تعريف الزواج في مؤتمر السكان عقد بين شخصين، لا بين إمرأة ورجل، بل بين رجل ورجل أو إمرأة وإمرأة أو إمرأة ورجل، في مؤتمر السكان الإنجاب شيء، والعلاقة الجنسية شيء، والزواج شيء ثالث، قد تتزوج إمرأة وتنجب من أخرى ولك علاقة بثالثة، هذه بنود مؤتمر السكان، وقد درستها بعناية بالغة، فقد كنت مندوب وزارة الأوقاف السورية إلى لجنة تدرس هذه التوصيات، البند الثالث: يحق للمرأة أن تسكن بعيداً عن بيت زوجها وهي زوجته، أو أن تسافر من دون إذنه أو أن تعمل ولو أي عمل كراقصة ولا يحق له أن يعترض عليها.
 لابد من أن يمارس الأبناء الجنس في بيوت آبائهم وأمهاتهم، وعلى مرأى ومسمع من أهلهم ولابد من تأخير الزواج إلى سن الأربعين هذه هي العولمة على وزن حيونة، عودة إلى الحيوانية، نحن معنا منهج إلهي منهج قويم معنى صراط مستقيم، معنا منهج افعل ولا تفعل معنا منهج تعليمات الصانع وتعليمات الخبير.

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

(سورة فاطر)
 أيها الأخوة: ما من مشكلة على وجه الأرض إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإسلام، هذا هو التحدي الثالث تحدي الإفساد، وكلما اتسعت الصحون على السطوح ضاقت صحون المائدة، وكلما قل ماء الحياء قل ماء السماء، وكلما رخص لحم النساء غلا لحم الضأن.
 يا ربي قد عصيتك ولم تعاقبني قال: عبدي قد عاقبتك ولم تدرِ
 والتحدي الرابع: اجتياح بلادنا، فمن إفقار إلى إفساد إلى إضلال إلى اجتياح، اسمع قوله تعالى:

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾

(سورة إبراهيم)

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)﴾

(سورة إبراهيم)
 الحل بكلمتين في القرآن الكريم، مرة واحد أخذ تعهد من مؤسسة، فلما سلم هذا البناء حسموا عليه خمسمائة ألف ليرة نصف مليون ليرة سورية، فأقام دعوة، هو في دفتر الشروط متب علىالمتعهد أن يقدم المواد من أحسن الأنواع، فسألوا مجمع اللغة العربية ماذا تعني كلمة من ؟ هل تعني أن عليه أن يقدم أجود الأنواع ؟ فأجاب بلا، من أجودها فربح خمسمائة ألف ليرة بمعنى من، نص في دفتر الشروط ربح منه نصف مليون، لأن معنى من لا يعني أن المتعهد عليه أن يقدم أفضل الأنواع، فإذا كنت أمام آية قرآنية كلام خالق الكون، قد يكون حل مشكلات المسلمين بكلمتين فقط، هذا المكر الكبير اسمعوا إلى الآية:

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾

(سورة آل عمران)
 التغى كيدهم والتغى مكرهم التغت مؤامراتهم التغى سعيهم والتغى كل شيء.

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا﴾
 تتقوا أي تطيعوا الله أو تتقوا أن تعصوا، وتصبروا على طاعته وعن معصيته وعلى قضائه وقدره وانتهى الأمر، هذا حل رابع أن نتق الله وأن نصبر قال تعالى:

﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)﴾

(سورة الأعراف)

﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)﴾

(سورة آل عمران)
 فمن إحكام الاتصال بالله وترك كل شهوة لا ترضي الله، إلى عبادة الله الحقة إلى أن تنقي ونصبر، هذه كلها حلول قرآنية.
 آية أخرى: قال تعالى وقد ربّ الأمة بعظيمها قال:

﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ﴾

(سورة الإسراء)
 جهد الكفار الأول من بعثة النبي إلى يوم القيامة أن يقنعونا بمنهج آخر غير منهج الدين، في علاقاتنا في نظامنا المالي في نظامنا الاجتماعي في سفرنا في منهج طلابنا في ماذا نعلمهم، وكلما ضعف إيمان المسلم قلد الأجانب، وأخذ من ثقافتهم ومن مناهجهم ومن عاداتهم ومن تقاليدهم.
 سئل بعض الأدباء: ماذا نأخذ وماذا ندع من حضارة الغربيين ؟ قال: نأخذ مافي رؤوسهم وندع ما في نفوسهم، إحساسنا ملكنا، وإحساسهم ملكهم، لكن المعرفة قدر مشاع بين الأمم، قال: ثقافة أية أمة بمثابة عسل استخلص من زهرات مختلف الشعوب على مر الأجيال أما أن نأخذ عاداتهم انحرافهم انحلالهم تفكك أسرهم ضياع أولادهم انغماسهم في غنى المحارم وفي الشذوذ ونعد هذا رقياً ؟
 كنت في أستراليا رحلة مدرسية دخلت إلى حديقة فها شباب وشابات في الصف العاشر أو الحادي عشر بيت أحد الإخوة الذين دعوني إلى هذا البلد مطل على هذه الحديقة مالذي جرى بين الشباب والشابات هناك في هذه الحديقة يوم الأحد ؟ جرى ما يجري بين الأزواج في غرف النوم على مرأى الناس، هكذا ! أنقلدهم أنعتز بهم أنكبرهم أنثني عليهم ؟ من هوي الكفرة حشر معهم ولا ينفعه عمله شيئاً.
 أيها الأخوة:

﴿وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً (75)﴾
 رب الله الأمة بعظيمها، إذاً كلما تمسكنا بمنهج الله سلمنا وسعدنا وكلما زهدنا به وأعرضنا عنه وبحثنا عن منهج آخر، لو بحثنا عن منهج يعلم أولادنا أن بدأ الخليقة ليس من آدم وحواء من قرد مع أنني مجدداً بدأت أؤمن بنظرية لكنها معكوسة، كان إنساناً فصار قرداً، نسخ إلى قرد !
 إذا طبقنا مناهج التعليم وفق ثقافة الأجانب وفي تنمية أموالنا وفق مؤسسات ربوية وفي احتفالاتنا اختلاط ما بعده اختلاط، وفي أزياء نسائنا تبدو المرأة وكأنها شبه عارية، ثم نقول يارب: انصر دينك، أي دين هذا ؟
 أيها الأخوة: طلب الجنة من دون عمل ذنب من الذنوب.

إلى متى أنت باللذات مشغول  وأنت عن كل ما قدمت مسؤول
تعصي الإله وأنت تظهر حبه  ذاك لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطعته  إن المحب لمن يحب يطيع
***
 فالحل الثالث: أن نعتمد منهج الله، إنه منهج الخبير منهج الصانع قال تعالى:

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾
 ولو امتد بكم العمر، وأرجو الله أن يطيل أعماركم لوجدتم أن العالم سيعود إلى الإسلام مقهوراً بدافع من حبه لمصلحته، ما من منهج يخالف منهج الله إلا فيه شقاء للإنسان وما من منهج ينطبق على منهج الله إلا وفيه سلامة الإنسان وسعادته.
 أيها الأخوة: آية أخيرة قال تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾

(سورة الرعد)
 لاشك أنه ينبغي أن تحمل هم المسلمين إن كنت تحب الله ورسوله لابد أن تدعو إلى الله كدعوة فرض عين.

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾

(سورة يوسف)
 فإن لم تدعو إلى الله لست متبعاً لرسول الله قولاً واحداً، بل إن ربع النجاة في التواصي بالحق.

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾

(سورة العصر)
 مع أنه ينبغي أن تحمل هم المسلمين ومع أنه ينبغي أن تكون مع الدعاة إلى الله الصادقين ومع كل ذلك إن لم تفلح في ترسيخ قيم الإسلام عليك بنفسك، علك ببيتك وعملك.

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
 عليك بخاصة نفسك، ألست في بيتك ملك ؟ ألست في عملك ملك أليست هذه المؤسسة تابعة لك ؟ ألا تستطيع أن تتعامل مع الآخرين تعاملاً إسلامياً ؟ أليس هذا البيت مملكتك ؟ ألا يمكن أن تقيم فه شعائر الله عز وجل ؟
 الحل الأخير:

﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾
 لو أردنا أن نستعرض هذه الحلول حلاً حلاً كتلخيص لهذه المحاضرة:
 أول حل قال تعالى:

﴿يَعْبُدُونَنِي﴾

(سورة النور)

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)﴾

(سورة الذاريات)
 العبادة طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾
 أن تذكره فلا تنساه، أن تطيعه فلا تعصيه، أن تشكره فلا تكفره
 هذا أول حل، الحل الثاني: مأخوذ من قوله تعالى:

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾
 فلو أحكمت اتصالك بالله عن طريق أن تستقيم على أمره قبل الصلاة لوجدت الطريق إلى الله سالكاً، ولو تركت كل شهوة لا ترضي الله ولم تحتكم لغير شرع الله، ولم تعبد غير الله ولم تقبل خبراً يتناقض مع وحي الله، إذاً هذا هو الحل الثاني، هذا هو القلب السليم.

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾
 فلو لم تشتهي غير ما شرع الله ولو أحكمت اتصالك بالله لنجوت وسلمت وسعدت.
 الحل الثالث:

﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47)﴾
 الحل الثالث:

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾
 هذا كلام خالق الكون، كيدهم يعطل كيدهم يحبط.
 أذكر لكم قصة فيما أذكر وقعت في عام سبع وتسعين في رمضان وفي ليلة القدر تحديداً: أراد اليهود أن يأخذوا رهائن من جنوب لبنان ليلة القدر من المساجد، فجهزوا طائرتين مروحتين ووضعوا فيهما مائة وخمس وعشرين ضابط كوماندوس ! هؤلاء الضباط قمم في التدريب سلاح أبيض صراع ياباني استخدام أجهزة معقدة جداً لم تكلف بخسارة منذ أن أنشئت وحتى الآن كهذه الخسارة، هذا فعل الله عز وجل، تدخل إلهي مباشر، فلو كنا مع الله دائماً وتدخل لمصلحتنا دائماً لكنا في حال غير هذا الحال، إنك تعرفه من أفعاله، زلزال بإزميت دمر كل شيء، في موقع معلوماتي بالإنترنت رأيت بعيني وصورت وطبعت صورة مسجد في مركز الزلزال له مأذنة عملاقة ومعهد شرعي إلى جانبه وما حول المئذنة والمسجد والمعهد أنقاض لا تعلو عن ثلاثين سنتيمتر ! هذا درس من الله، إننا نعرف الله من كلامه ومن أفعاله ومن خلقه الله عز وجل بيده الأمر، ما أمرنا أن نعبده إلى بعد أن طمأننا أن الأمر عائد إليه، إذاً:

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً﴾
 هذا أيضاً من وسائل الخلاص في زمن الفتن، ثم الآية التي بعدها:
﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73)﴾
 مكر الكافرين من بعثة النبي وإلى يوم الدين يتعلق بأن يقنعونا بمنهج غير منهج الله نظام مالي اجتماعي اقتصادي مناهج أولادنا، فالحل أن نتمسك بالدين، نحن مع تعليمات الصانع.
 أيها الأخوة: وإن لم تفلح في إقناع الناس أن يعودوا إلى الله عليك بنفسك أقم الإسلام في بيتك وفي عملك وانتهى الأمر، هذه حلول عملية وحلول قرآنية، والله هو الضامن، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتذل، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتعز سبحانك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، إذا كان الله معك فمن عليك وإذا كان عليك فمن معك ؟ ويا ربي ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟
 أيها الأخوة: أضع وقتاً لبعض الأسئلة التي قد تراود أذهانكم ولكن في موضوع المحاضرة، لئلا تأتي الأسئلة نشاذ، الأسئلة المتعلقة بموضوع المحاضرة أقبلها مكتوبة على ورق، وأنا بانتظار أسئلتكم.
 أيها الأخوة: كان أصحاب النبي رضوان الله عليهم لا يتفرقون إلا على سورة العصر لا يتفرقون إلا بعد تلاوة سورة العصر، هذه السورة قال عنها الإمام الشافعي: لو أن الناس تدبروها لوسعتهم، فيها شيء خطير جداً، هذه السورة فيها حقيقة الإنسان الإنسان في هذه السورة ثمن، كلكم يعلم أن النقطة إذا تحركت رسمت خطاً، الخط إذا تحرك رسم سطحاً والسطح إذا تحرك شكل حجماً، الحجم إذا تحرك شكل زمناً، فمن تعريف الزمن أنه البعد الرابع للأشياء.
 الإنسان كلكم يعلم أنه جسم مادي يشغل حيزاً له طول وعرض وارتفاع وله وزن لكن الجماد أيضاً جسم مادي يشغل حيزاً وله طول وعرض وارتفاع، لكن جامد، أما النبات جسم له وزن وله طول وعرض وارتفاع ويشغل حيزاً وينمو.
 الحيوان جسم طول وعرض وارتفاع ويشغل حيزاً وينمو ويتحرك، الإنسان جسم يشغل حيزاً وله وزن طول وعرض وارتفاع وينمو ويتحرك ويفكر، لقد كرمك الله بهذه القوة الإدراكية، فإذا عطلتها عطلت إنسانيتك.
 والعلم أيها الأخوة: هو الحاجة الأساسية في الإنسان، الإنسان زمن، كلما انقضى يوم انقضى بضع منه، لذلك ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة، أقسم الله بمطلق الزمن فقال:

﴿وَالْعَصْرِ (1)﴾
 لهذا المخلوق الأول الذي هو في حقيقته زمن قال:

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)﴾
 لو لم يعصي الله قبل أن يعصي الله لمجرد أن الزمن يمضي يستهلكه، سيدنا عمر بن عبد العزيز الليل والنهار يعملان فيك، انظر إلى صورتك منذ كان عمرك عشر سنوات والآن ؟ توجد خطوط على الوجه وتجاعيد وانحناء ظهر وألم مفاصل وأسيد أوريك، اليل والنهار يعملان فيك، ماهي بطولتك ؟
 أن تعمل فيهما، الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما هذا ردك عليهما، اعمل عملاً في هذا الزمن ينفعك بعد الزمن، أنفق الزمن إنفاقاً استثمارياً، وإياك أن تنفقه إنفاقاً استهلاكياً، قال:

﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
 هذه أركان النجاة.
 ورد في بعض الأدعية: ألا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علماً ولا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قرباً.
 فأن تؤمن وأن تعمل وأن تتواصى بالحق وأن تصب هذه أركان النجاة، وهذه تلغي الخسارة.

﴿إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
 سؤال: كيف الخلاص لشاب في وسط مجتمع منحل ؟
 جواب: إخواننا الكرام تستمعون أنتم كثيراً إلى حديث شريف صحيح للبخاري: أن إنسان قتل تسع وتسعين رجلاً وسأل كاهناً ماحكم هذا القتل ؟ فقال: أنت في النار، فكمل به المائة، تسع وتسعون عدد غير صحيح، سأل عالماً آخر فقال: اذهب إلى أرض كذا وكذا، أمره بتغيير بيئته وأمره بعمل صالح، الأول يئّسه وأبقاه في مكان البيئة السيء.
 فهذا الشاب يقول: كيف الخلاص لشاب من وسط منحل فاسق.

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)﴾

(سورة التوبة)
 لابد من بيئة إيمانية، لابد من أجواء إيمانية، لابد من تغذية إيمانية، ولابد من سماع دروس إيمانية، لابد من صديق مؤمن لابد من سهرة فيها إسلام، أما حينما أعيش مع الناس مع فسقهم وفجورهم وانحلالهم وقيمهم وطموحاتهم الدنيئة واختلاطهم الفاحش لا أستطيع أن أستقيم مادمت معهم لذلك:

﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾
 أي كهف هذا ؟ جامعك كهفك وبيتك كهفك.

﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾
 بالتعبير الدارج: المؤمن بيتوتي، والكافر زقاقاتي، يأوي إلى بيته، ففي بيته يصلي يقرأ القرآن، يجلس مع أولاده يقرأ كتاباً قيماً، أما في الطريق نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، فهذا الشاب لن يستطيع أن يخلص إلا إذا كان في بيئة صالحة.
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

(سورة الكهف)
 سؤال: ما هي الوسيلة للتأليف بين قلوب المسلمين ؟
 جواب: الوسيلة سهلة جداً، نتعاون فيما اتفقنا، ويعدو بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، وإذا كان هناك محبة وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا، لأن الله عز وجل قال:

﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ﴾

(سورة آل عمران)
 هذه الآية نزلت حينما نشب بين الأوس والخزرج خلاف في عهد النبي، فسمى الله هذا الخلاف بين المؤمنين كفراً، قال:

﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ﴾
 فالتأليف بين قلوب المسلمين مادام هناك ضوابط مشتركة وقواسم مشتركة، وفي الفروع اختلاف وجهات النظر وهذا الاختلاف في وجهات النظر لا يفسد وداً بين المؤمنين.
 سؤال:

﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً (16)﴾

(سورة الإسراء)
 ما ذنب الفقراء والمساكين في هذه القرية ؟
 جواب: هذا الواحد الذي عقر الناقة قال تعالى:

﴿فَعَقَرُوهَا﴾
 الذي عقرها واحد، لأنهم أقروه على فعله ودفعوه إلى هذا الفعل هم جميعاً مشتركون الله عز وجل ذكر المترفين، والمترفين متبوعون دائماً، فالفقير يرى هذا الغني يعظمه، من جلس إلى غني فتضعضع ذهب ثلثا دينه، حينما تكبر هذا الفاسق إذا كان غنياً وتقلده وتتمنى أن تكون مكانه.

﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79)﴾

(سورة القصص)
 عندئذٍ هذا الذي فاتته الدنيا، لكن ولائه وحبه واهتمامه بهذا الفاسق إذاً هو يأثم مثله.
 سؤال: إذا أراد الشخص أن يغير في بيته وأهل بيته مالعمل ؟ وأهله عارضوه ؟
 جواب: أولاً أنت تقرأ في الفاتحة كل يوم:

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)﴾

(سورة الفاتحة)
 سيدنا يوسف قال:

﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)﴾

(سورة يوسف)
 هذا يعني يا أيها الأخ الكريم: إن أردت أن تغير في بيتك بنية صادقة مخلصة فالله يعينك، ويلين قلب زوجتك وقلب بناتك وقلب أولادك.
 وقال بعض العلماء: أعرف مقامي عند ربي من أخلاقي زوجتي إذا كنت مع الله لين الله قلبها لك، واستجابت لك وأعانتك على أمر دينك، أصلح علاقتك مع الله أولاً، واستعن بالله على إصلاحها ثانياً، فالله عز وجل يستجيب لك إن شاء الله.
 سؤال: هل هذا العصر عصر القابض على دينه كالقابض على الجمر ؟
 أم أن الأيام تخبئ ماهو أعظم ؟
 جواب: قال عليه الصلاة والسلام:

((كيف بكم إذا لم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ؟ قالوا: أو كائن ذلك يا رسول الله؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال: كيف بكم إذا أصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، قالوا: أو كائن ذلك يارسول الله ؟ قال: وأشد منه سيكون، قالوا: وما أشد منه ؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ ))

(ورد في الأثر)
 والله هذا واقع، لذلك اشتقت لأحبابي قالوا:
((أولسنا أحبابك قال: لا أنتم أصحابي أحبابي أناس يأتون بعدكم القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجره كأجر سبعين قالوا: منا أم منهم ؟ قال بل منكم لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون.))

(ورد في الأثر)
 حتى الشاب إذا أراد أن يصطلح مع الله من يعارضه ؟ أهله من في البيت، حتى إذا أردت فتاة مؤمنة لا ترضى أمك عنها لا تقبلها غير متحضرة هذه متذمتة، أقرب الناس إلينا يعارضوننا.
 سؤال: ماذا على من أسرف على نفسه ثم تاب وللناس عليه حقوق ؟
 جواب: أيها الأخوة: الحقوق ثلاثة: ماكان بينك وبين الله، الله عز وجل غفور رحيم، لكن ماكان بينك وبين العباد هذه الحقوق لا تسقط إلا بالأداء أو بالمسامحة، لذلك لو حججت بيت الله الحرام، لو قمت رمضان لو صمت رمضان ولو هاجرت من مكة إلى المدينة حقوق العباد لا تسقط إلا بالأداء أو المسامحة، وهذا مستنبط من قوله تعالى:

﴿يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾

(سورة الأحقاف)
 التي كانت بينكم وبينه، أما التي بينكم وبين العباد هذه لا تسقط إلا بالأداء أو المسامحة، وهذا الوهم المضحك أننا نحج والله يغفر لنا كل شيء، يغفر لك كل شيء ماكان بينك وبينه، لكن ماكان بينك وبين العباد هذه الحقوق لا تسقط.

((عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِي اللَّهم عَنْهم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ قَالُوا لَا فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أُتِيَ بِجَنَازَةٍ أُخْرَى فَقَالَ هَلْ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنٍ قَالُوا نَعَمْ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى عَلَيْهِ ))

(صحيح البخاري)
 ماذا قدم هذا الشهيد ؟ قدم أثمن ما يملك قدم روحه، ومع ذلك الدين
 لا يقهر، قال أحدهم: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ عَلَيَّ دَيْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَصَلَّى
 عَلَيْهِ... سأله أأديت الدين ؟ قال: لا، سأله مرة ثانية: أأديت الدين؟ قال: لا، سأله ثالثاً: أأديت الدين ؟ قال: نعم، قال: الآن ابترد جلده.
 ابترد جلده لا بتعهد الدين، بل بأداء الدين.
 سؤال: كيف يتم تخريج قول سيدتنا رابعة العدوية: اللهم ما عبدتك خوفاً من نارك ولا طمعاً في جنتك، على هذا الموضوع ؟
 جواب: أولاً نحن عندنا تشريع نأخذه من كتاب الله ومن سنة رسوله، لكن أنا ما أمرني الله أن آخذ عن رابعة العدوية، مع أنها قد تكون ولية صالحة من أولياء الله، أنا لا أقدح في مكانتها أبداً، لكنها ليست مشرعة، أنا لست متعبداً لما قالته رابعة العدوية مع أنني أكبرها والله.
 شيء آخر: هذا الذي ركب ناقته وسافر بها في الصحراء أدركه التعب جلس ليستريح فأفاق فلم يجد الناقة، أيقن بالهلاك جلس يبكي ثم يبكي حتى أدركه النعاس، فأفاق فرأى الناقة اختل توازنه قال: ياربي أنا ربك وأنت عبدي، فقال عليه الصلاة والسلام:

((لا الله أفرح بتوبة عبده من ذلك البدوي بناقته))
 أليست هذه الكلمة كلمة كفر ؟
 قال العلماء: ماكل من وقع في الكفر وقع عليه الكفر، ساعة دهشة، اندهاشه الشديد أخل توازنه فقال: يارب أنا ربك وأنت عبدي !
 فإذا كان إنسان بساعة قرب شديد وتكلم كلام، أنا غير مكلف أن أقبله، والله لم يكلفني أن أعبده بأقوال هؤلاء الذين أقبلوا على الله إقبالاً حاداً فاختل توازنه، أنا لست مكلف، أنا متعبد بكتاب الله وسنة رسوله فقط.
 سؤال: فتنة النساء في هذا العصر والنجاة منها
 جواب: تيار كهربائي ثمانية آلاف فولت له ساحة جذب ثمانية أمتار، إن دخلت إلى هذه الساحة لابد من أن يجذبك التيار، وأن تصبح فحمة أين بطولتك ؟ أن تبتعد عن ساحة هذا التيار، هذا معنى قوله تعالى:

﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا﴾

(سورة الإسراء)
 مانهانا عن الزنى نهانا عن أن نقترب من الزنى، فالخلوة طريق إلى الزنى، صحبة الأراذل طريق إلى الزنى، لاتنزه في الطرقات طريق إلى الزنى، مطالعة القصص الماجنة طريق إلى الزنى، مشاهدة الأفلام الإباحية طريق إلى الزنى، هذه كلها وسائل إلى الزنى المؤمن يجعل بينه وبين المعصية ذات قوة الجذب هامش أمان، وهذا معنى قوله تعالى:

﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾

(سورة البقرة)
 وأنت إن كنت وزير كهرباء، ونصبت تيار ثمانية آلاف فولت بين بيروت وبعلبك تضع لوحات للتعذير، تقول للمواطنين ممنوع مس التيار أم ممنوع الاقتراب من التيار ؟ مستحيل لابد من أن تنهى المواطنين عن أن يقتربوا من التيار.
 ولا تنسى أيها الشاب أنه من قدوتك في النجاة من فتنة النساء ؟ سيدنا يوسف هذا قدوة الشباب ماذا قال ؟ قال:

﴿وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)﴾

(سورة يوسف)

﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً (76)﴾

(سورة النساء)

﴿إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)﴾

(سورة يوسف)
 وازنوا بين الآيتين.

والحمد لله رب العالمين 
محاضرات وندوات خارجية - لبنان - المحاضرة 07 : وسيلة النجاة في الزمن الصعب .
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 2001-09-11