25‏/01‏/2016

المحور الثاني: مخاطر المصارف الإسلامية و استخدام الهندسة المالية في التحوُّط

مخاطر المصارف الإسلامية و استخدام الهندسة المالية في التحوُّط منها و إدارتها.
       مبدئياً فإن ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار عند دراسة المخاطر التي تواجه المصارف الإسلامية هو طبيعة هذه المؤسسات في ذاتها، و بالضبط ما تعلق بهيكل الموجودات (ميزانية المؤسسة المالية)، حيث سنجد نوعين رئيسين هما:
الأول: هي المصارف الإسلامية التي تعمل على أساس المضاربة في جانب الأصول و في جانب الخصوم. و تكون صيغة المشاركة في الربح هي التي تحل محل التمويل الربوي. و وفقاً لهذا النموذج، فإن جميع الأصول يأتي تمويلها من خلال أموال استقطبت على أساس المشاركة في الربح- المضاربة.[1]
الثاني: و هو نموذج المضاربة من طرف واحد في جانب الخصوم مع استخدام صيغ تمويل متعددة في جانب الأصول.[2]
أولاً: مخاطر تختص بطبيعة عمل المصارف
و هذه المخاطر يمكن أن تشترك فيها المصارف الإسلامية مع بقية المصارف التقليدية، و هي تشمل:
1-                مخاطر الائتمان[3] تكون مخاطر الائتمان في صورة مخاطر تسوية أو مدفوعات تنشأ عندما يكون على احد أطراف الصفقة أن يدفع نقودا (مثلا في حالة عقد السلم أو الاستصناع ) أو عليه أن يسلم أصولا (مثلا في بيع المرابحة قبل أن يتسلم ما يقابلها من أصول أو نقود،مما يعرضه لخسارة محتملة. وفي حلة صيغ المشاركة في الأرباح (مثل المضاربة والمشاركة وتأتي مخاطر الائتمان في صورة عدم قيام الشريك بسداد نصيب المصرف عند حلول اجله . وقد تنشأ هذه المشكلة نتيجة تباين المعلومات عندما لا يكن لدى المصارف المعلومات الكافية عن الأرباح الحقيقية لمنشآت الأعمال التي جاء تمويلها على أساس المشاركة / المضاربة. وبما أن عقود المرابحة هي عقود متاجرة، تنشا المخاطر الائتمانية في صورة مخاطر الطرف الآخر وهو المستفيد من التمويل والذي تعثر أداؤه في تجارته ربما بسبب عوامل خارجية عامة وليست خاصة به.
2-                مخاطر السيولة: و هي التي تحدث نتيجة صعوبات الحصول على نقدية بتكلفة معقولة إما بالاقتراض أو ببيع الأصول. و مخاطر السيولة التي تنشأ من هذين المصدرين حرجة و مهمة للمصارف و المؤسسات المالية الإسلامية. و كما هو معلوم، فإن القروض بفوائد لا تجوز في الشريعة الإسلامية، و لذلك فإن المصارف الإسلامية لا تستطيع أن تقترض أموالا لمقابلة متطلبات السيولة عند الحاجة. و إضافة لذلك، لا تسمح الشريعة الإسلامية ببيع الديون إلا بقيمتها الاسمية. و لهذا فلا يتوفر للمصارف الإسلامية خيار جلب موارد مالية ببيع أصول تقوم على الدين.
3-               مخاطر السعر المرجعي. قد يبدو أن المصارف الإسلامية لا تتعرض لمخاطر السوق الناشئة عن المتغيرات في سعر الفائدة تحدث بعض المخاطر في إيرادات المؤسسات المالية. فالمؤسسات المالية تستخدم سعراً مرجعياً لتحديد أسعار أدواتها المالية المختلفة. ففي عقد المرابحة مثلاً يتحدد هامش الربح بإضافة هامش المخاطرة إل السعر المرجعي، و هو في العادة مؤشر ليبور. و طبيعة الأصول ذات الدخل الثابت تقتضي أن يتحدد هامش الربح مرة واحدة طوال فترة العقد. و على ذلك، إنْ تغيّر السعر المرجعي، فلن يكون بالإمكان تغيير هامش الربح في الدخول ذات الدخل الثابت. و لأجل هذا، فإن المصارف الإسلامية تواجه المخاطر الناشئة من تحركات سعر الفائدة في السوق المصرفية.
4-               مخاطر التشغيل و المخاطر القانونية. تنشأ مخاطر التشغيل عندما لا  تتوافر للمصرف الإسلامي الموارد البشرية الكافية و المدربة تدريباً كافياً للقيام بالعمليات المالية الإسلامية.[4] و بما أن هناك اختلافاً في طبيعة العقود المالية الإسلامية، فإن هنالك مخاطر تواجه المصارف الإسلامية في جـانب توثيق هذه العقود و تنفيذها، و كذلك بما أنه لا تتوفر صور نمطية موحدة لعقود الأدوات المالية المتعددة، فقد طورت المصـارف الإسلامية هذه العقود وفق فهمها للتعاليم الشرعية و القوانين المحلية، و وفق احتياجاتها الراهنة. ثم إن عدم وجود العقود الموحدة إضافة إلى عدم توفر النظم القضائية التي تقرر في القضايا المرتبطة بتنفيذ العقود من جانب الطرف الآخر، تزيد من المخاطر القانونية ذات الصلة بالاتفاقيات التعاقدية الإسلامية.
5-               مخاطر السحب و مخاطر الثقة. يقود نظام العائد المتغير على ودائع الادخار و الاستثمار إلى حالة عدم التأكد من القيمة الحقيقية للودائع. فالمحافظة على قيمة الأصول بمعنى تخفيض مخاطر الخسارة جراء معدل العائد المنخفض ربما يكون العامل المهم في قرارات العملاء الخاصة بسحبهم أرصدة ودائعهم. و من وجهة نظر المصرف، فإن ذلك يؤدي إلى مخاطر السحب التي يكون  وراءها معدّل العائد المنخفض مقارناً بالمؤسسات المالية الأخرى، كما قد يؤدي معدل عائد منخفض للمصرف الإسلامي مقارناً بمتوسط العائد في السوق المصرفية، قد يؤدي إلى مخاطر الثقة، حيث ربما يظن المودعون و المستثمرون أن مرد العـائد المنخفض التعدي أو التقصير من جانب المصرف الإسلامي. و قد تحدث مخاطر  الثقة بأن تخرق المصارف الإسلامية  العقود التي بينها و بين المتعاملين معها. و على سبيل المثال، قد لا يستطيع المصرف الإسلامي الالتزام الكامل بالمتطلبات الشرعية لمختلف العقود. و بما أن المسوِّغ  الأساسي لأعمال المصارف الإسلامية، هو التزامها بالشريعة، فإن عدم مقدرتها على الوفاء بذلك أو عدم رغبتها يمكن أن يقود إلى مشكلة ثقة عظيمة الأثر و بالتالي تؤدي إلى سحب الودائع.
6-                    مخـاطر الإزاحة التجارية:[5] و هذا النوع من المخـاطر هو تحويل مخـاطر الودائع إلى المساهمين. و يحدث ذلك عندما تقوم المصارف، وبسبب المنافسة التجارية في السوق المصرفية. بدعم عائدات الودائع من أرباح المساهمين لأجل أن تمنع أو تقلل من لجـوء المودعين إلى سحب أموالهم نتيجة العـوائد المنخفضة عليها. و مخاطر الإزاحة التجارية تعني أنه قد يعجز المصرف الإسلامي(رغم أنه يعمل وفق ضوابط الشريعة الإسلامية) عن إعطاء عائد منافس على الودائع مقارناً بالمصارف الإسلامية أو التقليدية المنافسة. و هنا قد يتوفر الدافع مرة أخرى لكي يقرر المودعون سحب أموالهم. و لمنع ذلك يحتاج مالكو المصرف الإسلامي إلى أن يتخلوا عن بعض أرباح أسهمهم لصالح المودعين في حسابات الاستثمار.
ثانياً:المخاطر التي تختص بها صيغ التمويل الإسلامية.
1-       التمويل بالمرابحة. إن عقد المرابحة هو أكثر العقود المـالية الإسلامية استخدامـاً، و إن أمكن تنميط العقد و توحيده فإنه يمكن أن تكون مخاطره قريبة من مخاطر التمويل التقليدي الربوي. و بصفة عامة فإن المخاطر التي تعترض هذه الصيغة التمويلية تتمثل في أن الصيغة الموحدة لعقد المرابحة قد لا تكون مقبولة شرعاً لجميع علماء الشريعة، و هذا ما يؤدي على ما يعرف بـ"مخاطر الطرف الآخر في العقد".[6] و وفقاً لقرار مجمع الفقه الإسلامي فإن الوعد في عقد المرابحة قد يكون ملزماً لطرف واحد (و هو بالنسبة للمجمع ملزم للزبون)، لكن فقهاء آخرين اعتبروه غير ملزم للزبون...و هذا يعني أن بإمكان الزبون التراجع عن إتمام عقد الشراء حتى بعد أن يصدر عنه الوعد و بعد أن يقوم بدفع العربون.
2-     التمويل بالسلم. هنالك على الأقل نوعان من المخـاطر في عقد السلم مصدرهما الطرف الآخر في العقد. و فيما يلي تحليل مختصر لهذه المخاطر:
ü       تتفاوت مخاطر الطرف الآخر من عدم تسليم المسلم فيه في حينه أو عدم تسليمه تماماً، إلى تسليم نوعية مختلفة  عما اتفق عليه في عقد السلم. و بما أن عقد السلم يقوم على بيع المنتجات الزراعية، فإن مخاطر الطرف الآخر قد تكون بسبب عوامل ليس لها صلة بالملاءة المالية للزبون.[7]
ü       لا يتم تداول عقود السلم في الأسواق المنظمة  أو خارجها، فهي اتفاق بين طرفين ينتهي بتسليم سلع  عينية و ن تحويل ملكيتها. و هذه السلع تحتاج إلى تخزين و بذلك تكون هناك تكلفة إضافية و مخاطر أسعار تقع على المصرف الذي يملك هذه السلعة بموجب عقد السلم.[8]
3-     التمويل استصناعاً. عندما يقدم المصرف التمويل وفق عقد الإستصناع ،فانه يعرض رأس ماله لعدد من المخاطر الخاصة بالطرف الآخر، وهذه تشمل الآتي:
ü     مخاطر الطرف الآخر في عقد الإستصناع التي تواجهها المصارف و الخاصة بتسليم السلع المباعة استصناعا تشبه مخاطر عقد السلم،حيث يمكن أن يفشل الطرف الآخر في تسليم السلعة في موعدها أو أنها سلعة رديئة، غير أن السلعة موضع العقد في حالة الإستصناع تكون تحت سيطرة الزبون (الطرف الآخـر ) و اقل تعرضا للجوائح الطبيعية مقارنا بالسلع المباعة سلماً. و لأجل ذلك ،من المتوقع أن تكون مخاطر الطرف الآخر (المقاول)في الإستصناع أقل خطورة بكثير مقارنا بمخاطر الزبون في عقد السلم.
ü     مخاطر العجز عن السداد من جانب المشتري ذات طبيعة عامة، بمعنى فشله في السداد بالكامل في الموعد المتفق عليه مع المصرف.
ü     إذا اعتبر عقد الإستصناع عقدا جائزا غير ملزم – وفق بعض الآراء الفقهية- فقد تكون هنالك مخاطر الطرف الآخر الذي يعتمد على عدم لزومية العقد فيتراجع عنه.
ü     وان تمت معاملة الزبون في عقد الإستصناع معاملة الزبون في عقد المرابحة، وان تمتع بخيار التراجع عن العقد ورفض تسليم السلعة في موعدها، فهناك مخاطر إضافية يواجهها المصرف الإسلامي عند التعامل بعقد الإستصناع.[9]
4-     التمويل مشاركة- مضاربة. بصفة عامة تزيد المخاطر المتوقعة في صيغ المشاركة و المضاربة  للأسباب التالية:
ü     إذا كان المصرف الإسلامي يتلقى الأموال باعتباره عامل مضاربة لاستثمارها، و رأينا أن جزءاً من هذه الأموال يستثمر في التجارة بالبيع و الشراء، فإن من العقود التي يلجأ إليها في استثماراته عقد المضاربة (أو القراض)، هذا يعني ـ في هذه الحالةـ انه يصبح صاحب رأس المال، و العميل المشارك يكون عامل المضاربة. و حيث أن عامل المضاربة وكيل أمين فهنا تكمن المخاطرة الأخلاقية، و لذلك كان لا بد من اتخاذ الوسائل الكفيلة بتقليل مخاطرة المضاربة...[10]
ü     عدم وجود مطلب الضمان مع وجود احتمالات الخطر الأخلاقي.
ü     الانتقاء الخاطئ للزبائن.
ü     بسبب ضعف كفاءة المؤسسات المالية الإسلامية في مجال تقييم المشروعات و تقنياتها.
ü      ثم إن الترتيبات المؤسسية مثل المعاملة الضريبية و نظم المحاسبة و المراجعة، و الأطر الرقابية جميعها لا تشجع التوسع في استخدام هذه الصيغ من قبل المؤسسات المالية الإسلامية.[11]



[1]  هذا النموذج للمصارف الإسلامية يقوم كذلك بدور الوسائط الاستثمارية أكثر من كونه مصرفاً تجارياً فقط.
[2] تطور هذا النموذج نتيجة المخاطر التشغيلية التي حالت دون استخدام صيغ المشاركة في الربح.
[3] د.طارق الله خان، أحمد حبيب، "إدارة المخـاطر: تحليل قضايا في الصنـاعة المـالية الإسـلامية"، ورقة مناسبات رقم 5، المعهد الإسلامي للبحوث و التدريب، البنك الإسلامي للتنمية، جدة، المملكة العربية السعودية، 2003، ص 64.
[4] و لعل ما يزيد حدة هذه المشكلة هو حداثة المؤسسات المالية الإسلامية.
[5]  د.طارق الله خان، أحمد حبيب، " إدارة المخـاطر: تحليل قضايا في الصنـاعة المـالية الإسـلامية "، مرجع سابق، ص67.
 [6]يرجع السبب أساساً إلى أن عقد المرابحة التمويلية عقد مستحدث ...
[7]  يمكن أن يكون للزبون مثلاً تصنيف ائتماني جيد لكن حصاده من المزروعات التي باعها سلماً للمصرف قد لا يكون كافياً كماً و كيفاً بسبب الظروف الطبيعية....
[8]   و هذا النوع من التكاليف  و  المخاطر خاص بالمؤسسات المالية الإسلامية فقط.
[9]  قد تكون هذه المخاطر لأن المصرف الإسلامي، عندما يدخل في عقد الاستصناع، يأخذ دور لصانع و المنشئ و البناء و المورد. و بما أن المصرف في هذه المهن ، فإنه يعتمد على المقاولين من الباطن.
[10]  أ.د. علي بن أحمد السواس، "مخاطر التمويل الإسلامي"، المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، المملكة العربية السعودية، 31 ماي-03جوان 2005، ص36.
[11]   د.طارق الله خان،  "إدارة المخاطر في الصناعة المالية الإسلامية"، مرجع سابق، ص 70-71.