ختصَّت العشر الأواخر من رمضان عن غيرها من الأزمان؛ لِما فيها من عبادات الليل، وصلاة القيام، ومنها صلاة التراويح؛ إذ إنّ لقيام الليل فضلاً عظيماً؛ فقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (سُئِلَ: أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ؟ وَأَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ فَقالَ: أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ، صِيَامُ شَهْرِ اللهِ المُحَرَّمِ)،[٣] فكان النبيّ يحثّ الصحابة -رضي الله عنه- على قيام الليل، وقد حرصوا عليه؛ سواء في جماعة، أو مُنفردين؛ لِعلمهم بما فيه من مغفرةٍ للذنوب، ورَفْعٍ للدرجات عند الله، وتطهيرٍ للقلوب، ونَهي عن معصية الله، ونَيلٍ لعظيم المكانة في الدُّنيا والآخرة.[٤] فَضْل عبادة الليل تتميّز عبادة الليل بعدّة أمورٍ وميّزاتٍ، بيان البعض منها فيما يأتي:[٥] تُعَدّ أكثر تحقيقاً للإخلاص؛ لبُعدها عن نَظْر العباد الآخرين، فلا تُثير في القلب العجب، أو الرِّياء. تُعَدّ أعظم مَشقّةً من عبادة النهار؛ إذ يحتاج العبد إلى مجاهدة نفسه لقيام الليل؛ ولذلك فإنّ أَجْرها أعظم من أَجْر غيرها، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).[٦] توافق صفاءً في الذِّهن؛ بسبب الابتعاد عن المشاغل؛ فيكون وقَعْها في القلب أعظم، وتدبُّر الآيات فيها أنفع، قال -تعالى-: (إنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا).[٧] تُوافق ساعات استجابة الدعاء، وتنزُّل الرحمات، ونزول الله إلى السماء الدُّنيا في الثُّلث الأخير من الليل، فقد ثبت في صحيح البخاريّ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: (يَنْزِلُ رَبُّنا تَبارَكَ وتَعالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ فيَقولُ: مَن يَدْعُونِي فأسْتَجِيبَ له، مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له).[٨] تجمع بين طلب المغفرة، وتنقية القلب من الذنوب، والتقرُّب إلى الله بالطاعات، ونَيل الأُجور؛ وبذلك ترتفع درجات العبد عند الله. فَضْل قيام الليل تترتّب الكثير من الفضائل والأُجور على قيام الليل، بيان البعض منها فيما يأتي:[٩] ينال به المسلم مَحبّة الله، وولايته؛ فمن الصفات التي وصف الله -تعالى- بها عباده تظهر في قوله: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا).[١٠] يُعَدّ من أسباب زوال الهَمّ والغمّ، وجَلْب البِشارات، يقول -تعالى-: (أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّـهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ*الَّذينَ آمَنوا وَكانوا يَتَّقونَ*لَهُمُ البُشرى فِي الحَياةِ الدُّنيا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبديلَ لِكَلِماتِ اللَّـهِ ذلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظيمُ).[١١] يُعَدّ ممّا يُعين على أمور الدُّنيا والآخرة، وهو سببٌ لتحقيقها؛ إذ ورد عن الإمام مسلم عن جابر بن عبدالله أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (إنَّ مِنَ اللَّيْلِ ساعَةً، لا يُوافِقُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، إلَّا أعْطاهُ إيَّاهُ).[١٢] تُعَدّ صلاة الليل أفضل الصلوات بعد الصلوات الخَمس؛ فقد ثبت في الصحيح عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ، الصَّلَاةُ في جَوْفِ اللَّيْلِ).[٣] يُعَدّ سبباً في استجابة الدعاء، ومغفرة الذنوب، وقبول العبادات؛ فقد ثبت في صحيح البخاريّ أنّ النبيّ -صلّى الله ليه وسلّم- قال: (مَن تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وله الحَمْدُ، وهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وسُبْحَانَ اللَّهِ، ولَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ له، فإنْ تَوَضَّأَ وصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ).[١٣] يُعَدّ عِصمةً من الفِتَن، ونَهياً عن الوقوع في الإثم، لِما أخرجه الإمام البخاريّ عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (اسْتَيْقَظَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ وهو يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الفِتْنَةِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الخَزَائِنِ، مَن يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ، كَمْ مِن كَاسِيَةٍ في الدُّنْيَا عَارِيَةٍ يَومَ القِيَامَةِ).[١٤] يُعَدّ من أسباب دخول الجنّة، والنجاة من النار، قال -تعالى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ*آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ*وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).[١٥] مرجع