15‏/12‏/2013

تطور النظام الرأسمالي عند كينز

لقد انتشرت النظرية الكينزية انتشاراً واسعاً وكبيراً في اوروبا واميركا بعد عام 1937 ، وبخاصة خلال العشرة سنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية ، اذ ان المناخ الفكري الذي ساد في بعض هذه البلدان بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية وما رافق ذلك من زيادة تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية من عسكرة الاقتصاد وتوسع القطاع العام ،
وانتشار البيروقراطية ، مهد التربة لأنتشار الكينزية خصوصاً بين اوساط الاقتصاديين الشباب .
    
وتأثر هذا المناخ ابتداءاً بحدوث الازمة الاقتصادية في بداية الثلاثينات وماصاحبها من كساد كبير ، وعجز في موازين المدفوعات ، والخروج  من قاعدة الذهب .وبالمقابل ظهر عجز النظرية الكلاسيكية والكلاسيكية الجديدة عن حل هذه المشكلات الاقتصادية وغيرها التي واجهت النظام الرأسمالي ممهدةً بذلك لمناخ جديد لتقبل الافكار الكينزية .ومما لاشك فيه ان التحليل والافكار الكينزية قدمت علاجاً في حينها للمشكلات والازمات التي واجهت النظام الرأسمالي وعملت على تجاوزها ، حتى ان بعض الاقتصاديين اطلق على النظرية الكينزية      ( مذهب انقاذ النظام الرأسمالي ) في حين سميّت من قبل البعض الاخر في عام 1946 ( بالثورة ذات الابعاد الثلاثة ) :- ثورة في المناهج الاقتصادية .- ثورة في المبادىء .- ثورة في السياسات .وبالفعل تعد النظرية الكينزية ثورة من حيث اختلافها عن التفكير وادوات التحليل السابقة ، كالتحليل الكلاسيكي والنيوكلاسيكي ، وكذلك من حيث الجديد التي اتت به .
    
الا ان الافكار والمعالجات الكينزيه اصبحت تتلاشى تدريجياً منذ نهاية الستينات ، فالنظام الرأسمالي بحكم تطوره وطبيعتة التوسعية اصبح يواجة مشكلات جديدة تختلف عن تلك المشكلات التي واجهتة في المرحلة السابقة ، ولذلك كان لابد من افكار ومعالجات جديدة تستجيب لمتطلبات المرحلة الجديدة للنظام الاقتصادي الرأسمالي تجسدت في مدارس متعدده تختلف مع النظرية الكينزيه بهذا الشكل او ذاك ، ولعل ابرزها مدرسة شيكاغو .    
         فرضية الدراسة : ان ظهور النظرية الكينزية في منتصف الثلاثينات وشهرتها كان بسبب فشل النظرية الكلاسيكية عن تقديم وصفة شافية للكساد الاقتصادي الكبير الذي اصاب الاقتصاد العالمي عام 1929 .
          هدف الدراسة: يحاول الباحث تحليل الفكر الكينزي واثر تطور النظام الرأسمالي العالمي على تلاشي هذا الفكر تدريجياً .منهجية الدراسة : استخدم الباحث اسلوب التحليل الوصفي 
2. الفرضيات الاساسية في النظرية الكينزية : 

        الفرضية الاولى : الاقتصاد الاستهلاكي : هذه الفرضيه هي نقيض الفرضيه الكلاسيكسة التي تستند الى قانون ساى ن والذي مفاده ان العرض يخلق الطلب .كينز ومنذ اول صفحه له في كتابه ( النظرية العامة ) يرفض قانون ساي  لذلك يمكن القول ان الفرضيه الكلاسيكية تنقلب الى ضدها عند كينز ويصبح الاستهلاك يقرر الانتاج والطلب
هو الذي بخلق العرض ، لذلك فأن المشكله الاقتصاديه عند كينز هي نقص الاستهلاك والتي تؤدي الى عدم التوازن الاقتصادي.
     أعتقد كينز وجود ميل سايكولوجي لدى الانسان يسميه الميل للاستهلاك ( Propensity to consumption ) وهذا الميل يؤدي الى حدوث فجوة استهلاكية ( حدوث فرق بين العرض الكلي والطلب الكلي ) ولكن ملىء هذه الفجوة اما عن طريق آلية النظام الاقتصادي نفسه او بواسطة تدخل سلطة الدوله في حالة عجز هذا النظام . 
      وعليه فالتوازنات الاقتصاديه في نظرة لايمكن ان تحل تلقائياً بل تتطلب علاجاً ، ويكمن العلاج لهذه العلة المزمنة بخلق طلب اضافي مصدرة القطاع العام ، والذي من شأنه ان يؤدي الى ملىء الفجوة الاستهلاكية بعد ملىء الفجوة الاستثمارية وبالتالي تحقيق التوازن الاقتصادي ، اما فيما يتعلق بالميل للاستهلاك وعلاقته بالتغيرات الاخرى فيعتبره كينز هو المتغير المستقل بين المتغيرات الاقتصاديه الاخرى .وبهذا يختلف عن المدرسة السويديه التي كانت تعتبر الميل للاستهلاك هو متغير تابع ، ومن اعجب ماتوصل اليه كينز هو اعتقاده بأن الميل للاستهلاك هو قانون ثابت وان الميل للادخار والميل للاستثمار هو دالة تتوقف على الميل الحدي للاستهلاك .
     
  الفرضية الثانية : اقتصاد الركود :نشأت النظرية الكينزية في مناخ الركود العام الذي تميز فية الاقتصاد الانكليزي في الثلاثينات بأعتباره مرحلة من مراحل الدوره الاقتصادية .يعتقد كينز ان الركود قصير الاجل الذي حدث في الثلاثينات والذي خلق مناخاً عاماً لظهور نظريته جاء كنتيجة لعجز النظرية الكلاسيكية والكلاسيكية الجديدة عن حل مشاكل النظام الاقتصادي .والى جانب هذا الركود القصير الاجل هنالك ركود طويل الاجل الذي يعتبر جزء من الازمة الاقتصاديه العامة للنظام الاقتصادي الرأسمالي ، والتي بدأت على اثر الحرب العالميه الاولى من جهه وظهور النظام الاشتراكي من جهه اخرى .ان علة مشكلة الركود في الاجل القصير والذي يعتبر جزء من الركود الطويل الاجل في نظر كينز هو نقص الاستهلاك كما هو في الفرضية الاولى ، ولمعالجة هذه المشكلة لابد من خلق طلب اضافي تقوم به الدوله الى جانب الطلب الخاص على الفجوة الاستهلاكيه .من هذه الزوايه هاجم كينز جميع مبادىء الكلاسيكية والنيوكلاسيكية التي اكدت على ان ارتفاع الاجور هو العامل الاساسي في البطاله ، وعلى ان تخصيص الاجور يعد احد العوامل الاساسية في انقاص البطالة وزيادة العمالة .

       الفرضية الثالثة : اقتصاد تدخلي ( موجه ) : يقصد كينز ان المشروع الخاص او المنشأة الخاصة القائمة على اساس الملكية الفردية عجزت على تحقيق التوازنات الاقتصادية وخاصةً بين الاستهلاك والانتاج وبين الادخار والاستثمار على اساس العمالة الكاملة .ويرى ان السبب في هذا العجز يعود الى كون الاقتصاد بشكل عام وخاصة الدورة الاقتصادية غير محكومة بقوانين موضوعية تضبط عملية التطور وهذا نتيجة خطيرة من نتائج كينز الذي يقف على نقيض من الكلاسيك الذي يؤمنون بأن الاقتصاد يخضع لقوانين موضوعية ، فقد انكر كينز وجود مثل هذه القوانين ولذلك يعتقد ان غيابها هو الذي يؤدي الى الاضطراب في الحياة الاقتصادية ، ومن اهم الاضطرابات هو حدوث فجوة استثمارية ، وتعني عدم اتجاه الادخار والاستثمار نحو التساوي او نحو التوازن في الاجل الطويل وبالعكس من ذلك في المجتمعات المتقدمه حسب رؤية كينز بهذا الخصوص ، اذ تتسع الفجوه بين الادخار والاستثمار وليس هناك قوانين داخلية من شأنها ان تؤدي الى تقليص هذه الفجوه او القضاء عليها . 
      صحيح ان عمل النظام الاقتصادي قد يؤدي الى اعادة التوازن ولكنة لايعيد التوازن الاقتصادي لمستواه الاول ، وانما بمستوى اكثر انخفاضاً ، لانه عندما يكون الادخار اكبر من الاستثمار والفرق بينهما هو الفجوة الاستثمارية ويعني انخفاض الانتاج وبالتالي انخفاض الدخل ايضاً ، وان هذا يعني ان نسبة الاستهلاك تزداد وعندئذ ينخفض الادخار .
   وهكذا تتقلص الفجوة ولكن على حساب توازن اقل من المستوى السابق ، وهذا مايسميه كينز ( التوازن في حالة نقص العمالة ) ويكون مثل هذا التوازن غير مستقر ومهدد دائماً بالانفجار . فما هو العلاج أذاً ؟ العلاج في نظر كينز هو الدولة ، فالدولة تستطيع التدخل لتحقيق التوازن الذي لايقوم على نقص العمالة ، وانما على توازن العماله الكامله وبالتالي زيادة الدخل ، ويمكن ان يتم ذلك عن طريق وسيلتين مختلفتين ، الوسيلة الاولى الانفاق الاستثماري
( أي ملىء الفجوة الاستثمارية ) اما الوسيلة الثانية فهي زيادة الانفاق ( أي ملىء الفجوة الاستهلاكية ) .
     الفرضية الرابعة : تناقض المصالح : يؤكد كينز ان هناك تعارض او تناقض بين مصالح الفئات الاجتماعية مثل المستهلكون والمدخرون والمستثمرون ، وسبب هذا التعارض من وجهة نظره هو اختلاف سايكولوجية هذه الفئات .

     وهذا تفسير سايكولوجي للصراع الاجتماعي .ومن هنا يختلف كينز تماماً عن النظرية الكلاسيكية ( وخاصة عند آدم سميث ) الذي يعتقد بفرضية انسجام المصالح الاجتماعية القائمة على اساس طبيعي وليس اجتماعي أي هناك ميل يسميه ميلاً للتعامل والمقايضة ، فالانسان ميال الى المبادلة ( أي نظام السوق ) . 

      ومن نتائج التعارض بين مصالح الفئات الاجتماعية ظهور الاعراض المرضية للنظام الاقتصادي مثل البطالة ، عدم المساواة بين الادخار والاستثمار، وان علاج هذه الاعراض تتم بواسطة تدخل الدولة بأعتبارها الوحيده القادرة على اعطاء العلاج الشافي لكل هذه الامراض السيكولوجية بدواء جديد وهو النقود أي خلق فائض نقدي من شأنه تنشيط القطاعات الاقتصادية .الفرضية الخامسة : الاحتمال : لم يميز كينز تمييزاً سليماً بين الضرورة والصدفة ، أي انه ينكر الضرورية الموضوعية ويؤكد على عامل الصدفة التاريخية . والدولة في نظره هي التي تستطيع عن طريق نظرية الاحتمال ان تعالج اعراض الدورة الاقتصاديه لانها النظرية الوحيدة التي تعوض عن اهمال القوانين التاريخيه الموضوعيه للاقتصاد التي لايعتقد كينز بوجودها ، فأنه استبدل القوانين الاجتماعيه التاريخيه بالميول السايكولوجيه او القوانين الرياضيه .