25‏/12‏/2016

مختارات من شعر جميل بثينة 2


قافية العين
ديـار ليـلى إذ نحلّ بهـا معـا * * * وإذ نحن منها بالمودّة نطمـع
إلى الله أشكو لا إلى الناس حبها * * * ولا بد من شكوى حبيب يروّع
ألا تتقيـن الله فيمـن قتلـتـه * * * فأمسى إليكم خاشعـا يتضـرّع
فإن يك جثمـاني بأرض سواكم * * * فإن فـؤادي عندك الدهر أجمع
ألا تتقين الله في قتـل عاشـق * * * لـه كبـد حرّى عليـك تقطّـع
فيا ربّ حببنـي إليهـا وأعطني * * * المـودّة منها أنت تعطي وتمنع
وإلا فصبّرني وإن كنت كارهـا * * * فإني بها يـا ذا المعارج مولـع
 تمتّعْتُ منها يوم بانـوا بنظـرة * * * وهل عاشـقٌ من نظـرةٍ يتمتّع
كفى حزنا للمرء ما عاش أنه * * * ببين حـبـيـب لا يـزال يـروّع
فوا حزني لو ينفع الحزن أهله * * * ويا جزعي إن كان للنفس مجزع
 فأي قلـوب لا تذوب لما أرى * * * وأي عيـون لا تجـود فتـدمـع
أبت مقلتـي كتمان ما بي وبيّنت * * * مكان الذي أخفي وفـاض المدامع
غداة لقيناهـا على غير موعـد * * * بأسفـل خيـم والمطيّ خواضـع
وأومت بجفن العين واحتار دمعها * * * لتقتلنـي مملوحـة الـدّلّ مانـع
كمت دمعها عين الصحيح وبيّنت * * * مكان ذوي الشوق العيون الدوامع
ورقرقت دمـع العيـن ثم ملكته * * * مجال القذى فالدمع في الجفن ناقع
أحقّا عبـاد الله أن لست زائـرا * * * بثينـة إلا أُصْغِيَتْ لي المسـامـع
 وإلا عدانـي دون بثنـة أعيـنٌ * * * حـداد ولامتها النسـاء الهلامـع
قافية الفاء
أتاركتي للمـوت أنـت لميّـتٌ * * * وعندك لي لو تعلميـن شفـا
 فوا كبدي من حبّ من لا يحبّني * * * ومن عثـرات ما لهن شفـا
فما سرت من ميل ولا سرت ليلة * * * من الدهر إلا اعتادني منك طائف
ولا مرّ يوم مذ ترامت بكِ النـوى * * * ولا ليلـة إلا هـوى منك رادف
أهـمّ سلـوّا عنـك ثـم تردّنـي * * * إليك وتثنيني عليـك العواطـف
فلا تحسبنّ النـأي أسلى مودتـي * * * ولا أن عيني ردّها عنك عاطف
 وكم من بديـل قد وجدنا وطرفـة * * * فتأبى عليّ النفس تلك الطرائف
قافية اللام
بثينة من صنف يقلّبن أيدي * * * الرماة وما يحملن قوسـا ولا نبلا
ولكنما يظفرن بالصيـد كلما * * * جلون الثنايا الغر والأعين النجلا
 يخالسن ميعادا يرعن لقولها * * * إذا نطقـت كانت مقالتها فصـلا
وقالوا: تراها يا جميل تبدّلت * * * وغيّرها الواشي فقلت: لعلها
أظن هواها تاركي بمضيعة * * * من الأرض لا مال لديّ ولا أهل
 ولا أحد أوصي إليه وصيّتي * * * ولا وارث إلا المطيّة والرّحـل
تصدّ إذا ما النّاس بالقول أكثروا * * * علينا وتجري بالصّفـاء الرسائل
فإن غفل الواشون عدنا لوصلنا * * * وعاد التّصـافي بيننا والتّراسـل
فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها * * * وإذ هي تذري الدّمع منها الأنامل
عشيّة قالت في العتاب : قتلتني * * * وقتلـي بما قالـت هناك تحـاول
فقلت لها: جودي! فقالت مجيبة * * * أللجدّ هذا منك أن أنـت هـازل؟
لقد جعل الليل القصيـر لنا بِكُمْ * * * عليّ لروعات الهـوى يتطـاول
 ألا رُبَّ لاحٍ لو بلا الحبّ لم يَلُمْ * * * ولكنته من سورة الحـب جاهـل
فما هكذا أحببت من كان قبلها * * * ولا هكذا فيما مضى كنت تفعل
 فيا قلـب دع ذكرى بثينة إنها * * * وإن كنت تهواها تضنُّ وتبخل
فما غاب عن عيني خيالك لحظة * * * ولا زال عنها والخيال يزول
أتتني و العـوائـد مسنداتي * * * فقالت: صحّ جسمك يا جميل
 فقلت لها: وأنت جزيت خيرا * * * فأنت العائد الحَسَنُ الجميـل
ألا ليت قلبي عن بثينة يذهل * * * ويبدو له الهجران أو يتبدّل
أريد لأنسى ذكرها فكأنما * * * تمثّل لي ليلى بكل سبيل
ولو أن ألفاً دون بثنة كلهم * * * غيارى وكل حارب مزمع قتلـي
 لحاولتها إما نهارا مجاهرا * * * وإما سرى ليل ولو قطعت رجلي
فلا تقتليني يا بثين ولم أصب * * * من الأمر ما فيه يحِلّ لكم قتلـي
 فأنت لعينـي قرّة حين نلتقي * * * وذكرك يشفيني إذا خدرت رجلي
يقولون: مهلا يا جميـل وإنني * * * لأقسم ما لي عن بثينـة من مهـل
إذا ما تراجعنا الذي كان بيننـا * * * جرى الدمع من عيني بثينة بالكحل
فلو تركت عقلي معي ما طلبتها * * * ولكن طلابيها لما فات من عقلـي
 خليليّ فيما عشتما هل رأيتمـا * * * قتيـلا بكى من حـبّ قاتلـه قبلي
ولست على بذل الصفاء هويتها * * * ولكن سبتني بالدّلال مع البخل
أيا ريح الشمـال أما تريني * * * أهيم وأنني بادي النحول
هبي لي نسمة من ريح بثنٍ * * * ومُنّي بالهبوب إلى جميل
 وقولي يا بثينة حسب نفسي * * * قليلك أو أقل من القليـل
وإني ليرضيني قليل نوالكم * * * وإن كنت لا أرضى لكم بقليل
أشاقتـك المعـارف والطلول * * * عَفَوْنَ وخفّ منهـنّ الحمـول
نعم فذكـرت دنيـا قد تقضّت * * * وأيّ نعيـم دنـيـا لا يـزول
أسائـل دار بثنـة أين حلّـت * * * كأن الـدار تخبـر ما أقـول
فمـن هـذا يبلّغهـا رسـولاً * * * كذاك لكـل ذي حاج رسـول
فيسألهـا وينظـر هل إليهـا * * * لخلـوة ساعـة منها سبيـل
وقلت لها: اعتللت بغير ذنـب * * * وشرّ الناس ذو العلل البخيـل
ففاتيني إلى حَكَـمٍ من اهلـي * * * وأهلـك لا يحيـف ولا يميـل
فقالـت: أبتغي حكما من اهلي * * * ولا يدري بنا الواشي المحول
فولّينـا الحكومـة ذا سجوف * * * أخـا دنيـا له طـرف كليـل
فقلنـا: ما قضيـت به رضينا * * * وأنت بما قضيـت بـه كفيـل
قضـاؤك نافـذ فاحكـم علينا * * * بما تهـوى ورأيـك لا يفيـل
فقلـت لـه: قُتِلْتُ بغير جـرم * * * وغِبُّ الظلـم مرتعـه وبيـل
فسل هذي: متى تقضي ديوني * * * وهل يقضيك ذو العلل المطول؟
فقالـت: إن ذا كـذب وبطـل * * * وشـرّ من خصومتـه طويـل
أأقلتـه ومـا لي من سـلاح * * * ومـا بي لـو أقاتلـه حويـل؟
ولـم آخـذ لـه مـالا فيلفى * * * لـه ديـن علـيّ كمـا يقـول
وعند أميـرنا حكـم وعـدل * * * ورأي بعـد ذلـكـم أصـيـل
فقال أميـرنا: هاتوا شهـودا * * * فقلـت: شهيـدنا الملك الجليل
فقـال يمينهـا وبذاك أقضي * * * وكـل قضائـه حسـن جميـل
فبتّت حلفـة مـا لي لديهـا * * * نقـيـر أدّعيـه ولا فـتـيـل
فقلت لها وقد غلب التّعزّي : * * * أما يُقضى لنا يا بثـن سـول؟
فقالـت ثم زجّت حاجبيهـا * * * أطلت ولسـت في شيء تطيـل
 فلا يجدنّك الأعـداء عنـدي * * * فتثـكـلنـي وإيـاك الثكـول
أبثين إنك قد ملكـت فأسجحي * * * وخذي بحظّك من كريـم واصل
فلربّ عارضـة علينا وصلها * * * بالجـدّ تخلطه بقـول الهـازل
فأجبتهـا بالقـول بعد تستّـر * * * حبّي بثينة عن وصالك شاغلي
لو كان في صدري كقدر قلامة * * * فضـل وصلتك أو أتتك رسائلي
ويقلن: إنك قد رضيـت بباطل * * * منها فهل لك في اجتناب الباطل
ولبـاطل ممن أحـبّ حديثـه * * * أشهى إليّ من البغيـض الباذل
ليزلن عنك هـواي ثم يصلنني * * * وإذا هويـت فما هـواي بزائل
صادت فؤادي يا بثين حبـالكم * * * يوم الحجون وأخطأتـك حبائلي
منّيتنـي فلويت مـا منّيتنـي * * * وجعلت عاجل ما وعدت كآجـل
وتثاقلـت لما رأت كلفي بهـا * * * أحبـب إليّ بـذاك من متثاقـل
وأطعـت فيّ عواذلا فهجرتني * * * وعصيت فيك وقد جهدن عواذلي
حاولنني لأبتّ حبـل وصالكم * * * مني ولست وإن جهـدن بفاعـل
فرددتهنّ وقد سعيـن بهجركم * * * لمّا سعيـن لـه بأفوق ناصـل
يمشيـن حول عقيلة منسوبة * * * كالبـدر بيـن دمالـج وخلاخـل
نصح الحميم يجول في أقرابها * * * حول الحباب إلى الحباب الجائل
يعضضن من غيظ لعيّ أنامـلا * * * ووددت لو يعضضن صمّ جنادل
ويقلـن : إنك يا بثين بخيلـة * * * نفسي فـداءك من ضنين باخل
ولن ألفتك أو وصلـت حبالكم * * * لعلى المودّة من ضمير الواصل
 فصلي بحبلك يا بثيـن حبائلي * * * وعدي مواعـد منجز أو ماطل
قافية الميم
أتوهـا بقـولٍ لم أكـن لأقولـه * * * وكلّهـم حـرف عليّ ظلـوم
بقولٍ جزيت النـار إن كنت قلته * * * وكلّ جـزاء الظالميـن أليـم
لكِ الخير هلاّ عجت حتى تفهمي * * * وذو اللّب في كل الأمور فهيم
 فتستيقني أن لم يكن من خلائقي * * * وذلك أمـر يا بثيـن عظيـم
ألا ليتني أعمى أصمّ تقودني * * * بثينة لا يخفى عليّ كلامها
قافية النون
شهـدت بأني لم تغيّر مودّتي * * * وأني بكم حتى الممات ضنين
وأن فؤادي لا يلين إلى هوىً * * * سواكِ وإن قالوا : بلى سيلين
 وإني لأستغشي وما بي نعسةٌ * * * لعلّ لقـاءً في المنـام يكون
أرى كل معشوقين غيري وغيرها * * * يلذّان في الدنيـا ويغتبطان
وأمشي وتمشي في البـلاد كأننا * * * أسيـران للأعـداء مرتهنان
أصلي فأبكي في صلاتي لذكرهـا * * * لي الويل مما يكتب الملكان
ضمنت لها أن لا أهيـم بغيرهـا * * * وقد وثقت مني بغير ضمان
ألا يا عبـاد الله قوموا لتسمعوا * * * خصومة معشوقين يختصمان
وفي كـل عـام يستجدّان مـرة * * * عتابا وهجـرا ثم يصطلحان
 يعيشان في الدنيـا غريبين أينما * * * أقاما وفي الأعوام يلتقيـان
فما لك لمّا خبّر الناس أنني * * * أسأت بظهر الغيب لم تسليني
فأبلي عذرا أو أجيء بشاهد * * * من الناس عدل أنهم ظلموني
 تجنّى عليّ الذّنب أهلي وأهلها * * * ولو عرفوا وجدي بها عذروني
قافية الهاء
خليليّ إن قالـت بثينـة : ما له * * * أتانا بلا وعدٍ؟ فقولا لها : لها
أتى وهو مشغولٌ لعظـم الذي به * * * ومن بات يرعى السّها سهـا
بثينة تزري بالغزالة في الضحى * * * إذا برزت لم تبث يوما بِها بَها
لها مقلة كحـلاء نجـلاء خلقة * * * كأن أباها الظّبي أو أمّها مهـا
 دهتني بودّ قاتـل وهـو متلفي * * * وكم قتلت بالودّ من ودّها دها
أبلغ بثينـة أني لست ناسيهـا * * * ما عشت حتى تجيب النّفس داعيها
بانت فلا القلب يسلو من تذكّرها * * * يوما ولا نحن في أمـر نلاقيهـا
على الـدار التي لبست بلاهـا * * * قفـا، يـا صاحبيّ، فسائلاهـا
ومـا يبكيـك من عرصات دار * * * تقـادم عهدهـا وبـدا بلاهـا
ذكـرت بها التي ترمي فتوري * * * إذا ما أرسلت سهمـا شواهـا
أتيحـت لـي ونفسي قد تجّلت * * * عمايـة غيّهـا ورأت هداهـا
وزايلها السفاه فليـس منهـا * * * وتـاب الحلم واجتنبت صباهـا
وقـد طالبتهـا حتـى مللنـا * * * مواعدهـا وأعيانـا منـاهـا
فما جـادت لنـا حتى وردنـا * * * حياض المـوت أو كدنا نراها
ذكرتـك إذ رأينـا أم خشـف * * * بذي ضـال تريع إلى طلاهـا
رأتنـا قاصديـن لهـا فولّـت * * * أمام الخشف مضطربا حشاها
وقـد حفّ الرّمـاة بجانبيهـا * * * وكلّهـم على حنـق يـراهـا
فجالـت ساعـة ثم استظلّـت * * * إلى سنـد تحـاول ملتجاهـا
إليه تـارة تـرمـي بطـرف * * * وأخرى نحونا قلقـا حشاهـا
وقد آليـت خشيتهـم عليهـا * * * اكلّـم منهـم رجـلا رماهـا
فقالوا: ما دهاك؟ فقلت: نفسي * * * وبيـت الله تعلم ما دهـاهـا
وما بي فاعلموا من حبّ ظبيٍ * * * ولكنّي ذكـرت بهـا سواهـا
ألا يا شبـه ذات الخـال قرّي * * * بأرضك لن تراعي في رباهـا
فقد أشبهـت ذات الخـال إلا * * * مناط القـرط منهـا أو شواها
وساقـك حمشة والسّاق منها * * * خدلّجة يغـضّ بهـا براهـا
ولو ماشيتهـا لعجلـت عنها * * * وذات الخال مقصور خطاهـا
 ولكنّ الـذي أشبهـتِ منهـا * * * مقلّدهـا العتيـق ومقلتاهـا
قافية الياء

أعدّ الليالي ليلة بعد ليلة * * * وقد عشت دهرا لا أعدّ اللياليا
ألم تعلمي يا عذبـة المـاء أنني * * * أظلّ إذا لم أُسقَ مـاءك صاديا
وودت على حبّي الحيـاة لو أنّها * * * يزاد لها في عمرها من حياتيا
فما زادني الواشـون إلا صبابـة * * * ولا زادني النّاهون إلا تماديـا
وقالـوا بـه داء عيـاء أصابـه * * * وقد علمت نفسي مكان دوائيا
هي السّحـر إلا أنّ للسّحـر رقية * * * وإنّي لا ألفي لها الدّهـر راقيا
 أحبّ من الأسماء ما وافق اسمها * * * وأشبهه أو كان منـه مدانيـا