وضع تصور للتطور الاجتماعي الاقتصادي والإنساني يفسر نشوء المجتمعات ومسيرة البشرية من حروب أو غيرها. ويدرس المجتمعات الحديثة وكيفية وصولها لما هي عليه وتفسير الظواهر الاجتماعية الإنسانية مثل سقوط الإقطاع وظهور الرأسمالية ودور الشيوعية وأهمية الدين. وكيفية استشراف المستقبل ووضع فهم إنساني لمجتمع بشري موحد لما بعد الرأسمالية والشيوعية وتعدد الأديان والصراعات العرقية.
قوة بقاء الذات
وهي قوة غريزية يتفاعل بها الفرد من اجل البقاء وتشمل الأمن الغذائي والصحي والمادي ويندرج من نتائجها العمل والوظيفة والعنف. وهي موجبة لصالح الفرد وينتج عن تأثيرها قوى تحرك المجتمع. وتتميز بالجذب والنفور معتمدة على توافق أو تناقض المحيط مع مصلحة بقاء الفرد. وتتخذ مظاهر صراع أو تحالفات على مستوى المجتمع أهمها مظاهر صراع البقاء والصراع أو التحالفات الاقتصادية والتمايز الطبقي والصراع أو الأحلاف الطبقية. وهي قوة قصيرة المدى وقابلة للإشباع لكنها قوية جدا وفعالة وهي الأقوى على المدى القصير (في البعد الاقتصادي وغريزة البقاء). وهي قوة تتجه إلى تكوين التحالفات والاستقطاب في المجتمع. ويعتمد تأثيرها على مدى الإشباع للبقاء وكيفية الفهم العقلي لها في المجتمع.
واهم نتائجها لمجتمع مثالي من جنس بشري واحد ولا يتعرض للغزو الخارجي ومستواه الاقتصادي مكتف أنها تبدأ في فرز طبقي وانقسام المجتمع إلى من يملك ومن لا يملك.
قوة بقاء النوع:
وهي قوة غريزية يتفاعل بها الفرد من اجل بقاء نوعه. والنوع هنا الأكثر تمثيلا لاستمرار الذات الجينية والعقلية. واهم تعبير مادي لها الرغبة في التناسل والإنجاب ومحبة السلالة والانتماء لها والأنس للشبيه والنفور من المختلف. وتتميز بالجذب والتنافر معتمدة على توافق أو تناقض محيط الفرد مع متطلباته البيولوجية الجينية وكيفية الإدراك العقلي لأهميتها. وبدون إدراك عقلي تميل لتفضيل القريب بالمطلق ومعاداة الغريب.
وتتخذ مظاهر الأسرة والعائلة الممتدة والعشيرة والقبيلة والقومية والسلالات البشرية. وينشا عن تكتلاتها الاجتماعية نشوء الكيانات القبلية أو العرقية. وهي قوة طويلة المدى غير قابلة للإشباع المطلق مع أنها قوية في المدى القريب وتتلاشى مع الابتعاد في المدى ( في البعد العرقي وبقاء النوع). وينتج عنها في المدى القصير التمايز العرقي وصراعات القوميات والعنصرية.
وهي قوة تجمع المتكامل وتنفي المختلف ويمكنها أن تتدرج في الاستقطاب ولكن نتيجتها النهائية متعادلة على مستوى المجتمع البشري بحيث لا ترى قيمة موجهة لها على مستوى البشرية جمعاء مع أنها فعالة في المستويات الجزئية للمجتمع الإنساني.
واهم نتائجها لمجتمع مثالي من جنس بشري واحد ولا يتعرض لغزو خارجي ومستواه الاقتصادي مكتف أنها ايجابية للمجتمع ولكن بنظرة عنصرية تجاه الأخر.
قوة التكامل الوجودي:
وهي قوة وجدانية تشمل مجمل الفرد ولا تخضع لحاجاته الآنية ولكنها تعرفه بالنسبة للأخر إنسانا أو كائنا حيا أو جمادا ضمن عالم المادة أو عالم الغيب ويعرف بها قيمته كجزء من الوجود. وهي قوة جاذبة ايجابية بذاتها تدفع الفرد للتكامل مع الآخرين وتعرف اجتماعية الإنسان ورغبته بالتكامل مع الجنس البشري والكون. وهي مصدر دوافع الخير والأخلاق والفكر التنويري والاستكشاف العلمي والاستغراق في العبادة ومساعدة الأخر. وتتم ترجمتها بمقدار إدراك الفرد أو المجموع لدورها وكيفية تاطيرها الفكري من خلال الايدولوجية أو الدين. ويمكن أن تصبح أداة سلبية إذا تم تحريف الفهم العقلي لها من خلال تاطير دور القوى قصيرة الأمد كصراع البقاء أو العنصرية لتصبح ايدولوجيا منحرفة تؤدي دورا مناقضا لدافعها الأصلي.
وهي في الأصل قوة جذب ولا تظهر قيمتها الإجمالية إلا بتراكم الإدراك الاجتماعي. وتبدو ضعيفة جدا على مستوى الأفراد أو المدى القصير المتعلق بصراع البقاء أو الصراع القومي لكنها الوحيدة التي تبقي ذات معنى عند دراسة المجتمع البشري بمجمله. وهي العنصر الأساس في تحديد اتجاه التقدم البشري والأخلاقي وما يحدد معنى الحضارة الإنسانية.
ونتائجها لمجتمع مثالي من جنس بشري واحد ولا يتعرض للغزو ومستواه الاقتصادي جيد أنها تحرك روح الاكتشاف العلمي والتقدم الأخلاقي لذلك المجتمع. وتمثل عامل التوازن مقابل القوى العنصرية أو الصراع الطبقي وتعبر عن الجانب الأخلاقي في التعامل.
والقوى الثلاثة أعلاه غريزية وجدانية بدوافع ذاتية, وتمثل المحركات الطبيعية للنفس البشرية.
قوة العقل المدرك:
والعقل المدرك هو أداة استشراقية تشرف على إدارة القوى الغريزية والوجدانية وتحاول التحكم بها وموازنتها بما يحقق أفضل الإشباع لكل منها. وتتكون المفاهيم العقلية من خلال التجربة الذاتية لتفاعل القوى الأساسية ومن خلال التعلم من الأخر كان ذلك تراثا حضاريا أو تجارب إنسانية معاصرة.
وتتكون لدى الفرد في النهاية منظومة ملخصة لكافة المفاهيم المتعلقة بعد معاينتها الذاتية عقليا بدرجات متفاوتة جدا بين الأفراد بحيث يتم قبول العرف عادة ( ملخص المفاهيم السائدة في حضارة الفرد) مع تطوير يميز التجربة الشخصية. وبمقدار تعدد خبرة الشخص المعني وتعرضه لتيارات فهم حضاري مختلفة وبتأثير تجاربه الشخصية وتفاوت المعاناة تنشا للفرد شبكة المفاهيم النهائية التي يعيش على أساسها وربما يطورها ويتوسع في ذلك إلى درجة المساهمة الريادية في تطوير الفهم البشري الإنساني العام وما نطلق عليه عادة الاستكشاف الفكري أو الحضاري.
وقوة العقل المدرك تمثل مركبة مستقبلة ومنتجة وتؤدي إلى تعريف الحقيقة وربما تشويهها. وعليه لا يمكن اعتبار الإنتاج العقلي ايجابيا أو سلبيا بالمطلق مع أن كيفية فهم مراكز القوى الاجتماعية ذات دور كبير في تاطير التفاعل اللاحق للقوى الفاعلة في المجتمع. ويشمل ذلك إدارة الدول والحروب والعلاقات الاقتصادية الدولية.
ويمكن اعتبار الفكر الإنساني محصلة لتفاعل القوى المؤثرة على مستوى الفرد والمجتمع وكيفية فهم هذا الفكر للظواهر وتشغيله لها.
وكلما كانت المفاهيم حقيقية معبرة عن واقع الحال كلما كان التعبير أكثر تطويرا للفكر الإنساني ويدفع باتجاه التقدم البشري. ويؤدي في العادة إلى نقلات نوعية في مستوى معيشة البشر أو المجتمعات الفرعية.
وكلما كان الفهم ناقصا أو مشوها أدى ذلك إلى نمو مواقف تؤدي إلى نشوء صراعات أو حروب تدفع البشرية ثمنها خسائر في المستوى الإنساني.
ومع أن نتائج تلك الحروب توصل البشرية في العادة لاكتشاف الخلل في النظريات التي أدت للصراع. إلا ان ذلك لا يظهر على المدى الزمني القصير بسبب تشويه المنتصر عادة لكل ايجابيات فكر المهزوم وتضخم مفاهيم المنتصر المنحرفة بنفس قيمة مفاهيمه السليمة. وكلما كانت نسبة الجيد من مفاهيم المنتصر اكبر يكون مكسب البشرية اكبر والعكس صحيح.
وليس هناك علاقة صلبة تضمن انتصار المفاهيم الأكثر صحة بسبب تراكم مفاهيم المجتمع السابقة ونفوذ المصالح الطبقية أو العنصرية وتمركز فعاليات القوة بيد مجموعات صغيرة لا تملك المفاهيم الصحيحة ومع أن التجربة الإنسانية العامة توحي بان مفاهيم البشرية الصحيحة تنتصر عادة أسهل من المفاهيم الأخرى وتتحلى بفترات انتشار طويلة البقاء إلا أن الإفساد لتلك المفاهيم دائم الحصول بسبب تلاعب المصالح الخاصة وسهولة الخداع العقلي للمفاهيم وتشابهها. بقلم