08‏/10‏/2017

إستراتيجية الحكومة في القضاء على البطالة وتحقيق التنمية المستدامة

مداخلة بعنوان:
انعكاسات الإصلاحات الاقتصادية على التشغيل والبطالة في الجزائر
الملخص :
إن برامج الإصلاح الاقتصادي تضمنت تدابير تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على سوق العمل، كالخصخصة مثلاً و ما ترتب عنها من غلق مؤسسات بأكملها وتصفيتها وتسريح عمالها، وكذلك ما ترتب عن بعض السياسات الإصلاحية كسياسة تخفيض قيمة النقد من انخفاض الواردات من المواد الأولية والسلع الوسيطة والاستثمارية وبالتالي انخفاض حجم الاستثمار وما لذلك من أثار بالغة على حجم العمالة.
ففي الجزائر تشير التقديرات الرسمية لجهاز التعبئة العامة والإحصاء إلى أن السنوات التالية لتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي قد شهدت انخفاضاً مطلقاً في عدد المشتغلين ، كما أن معدلات البطالة عرفت ارتفاعاً في السنوات الأخيرة حيث قدرت بـ 29.8% سنة 2000.ونتيجة لبرامج التخفيف من نتائج الإصلاحات الاقتصادية وصل معدل البطالة الى 10% سنة 2009. وقد حاولنا في هذه الورقة البحثية إبراز انعكاسات هذه الإصلاحات الاقتصادية على التشغيل والبطالة في الجزائر .
الكلمات المفتاحية: البطالة ،التشغيل ،الإصلاحات الاقتصادية ، التعديل الهيكلي ، الخوصصة، سوق العمل 
Résumé: 
Les programmes de reforme économique comprennent des mesures qui ne sont pas sans influence négative sur le marché du travail, telles que la privatisation et l'ouverture du marché à la concurrence. Celles-ci ont été accompagnées par la fermeture et la liquidation des entreprises qui ont causé la réduction des effectifs et l'augmentation ainsi le nombre de personnes partant à la retraite anticipée ou au chômage. Des politiques de réforme économique comme celle de la réduction de la valeur de la monnaie qui a causé la réduction des importations de matières premières, de marchandises intermédiaires et le volume d'investissement ont des impacts majeurs sur le marché de l'emploi. El Algérie, les estimations officielles indiquent que les premières années suivant l'application du programme de reforme économique ont connu une baisse absolue en matière de nombre de travailleurs.  Les taux de chômage ont également connu une nette augmentation ces dernières années ou l'on enregistre un taux de 29.8% en 2000. le taux de chômage a connu une nette régression en 2009, on estime à 10% et ce à cause de l'allégement des programmes de reforme économique adoptés par l'Etat. Nous avons tenté dans cet article de présenter les conséquences désastreuses des reformes économiques sur le marché de l'emploi et le chômage en Algérie.  
Mots-clés: chômage, l'emploi, reformes économiques, l'ajustement structurel, privatisation, le marché du travail,




   المقدمة:   
بعد تجربة إصلاح الاقتصاد الجزائري بكل تكاليفها و انعكاساتها على المستوى الاجتماعي و اقتصار أوجه التحسن على مؤشرات الاقتصاد الكلي المالية و النقدية ، ورغم أن الإصلاحات تمكنت  من تحقيق نتائج إيجابية على مستوى التوازنات المالية و النقدية . فقد تسببت سياسات الإصلاحات الاقتصادية في تكلفة اجتماعية كبيرة جدا و بالتالي أحدثت ضررا كبيرا بالمناصب الموجودة زيادة على عدم توفير مناصب جديدة. وقد  أدت هذه الإصلاحات  إلى انفصال السياسة الاقتصادية عن السياسة الاجتماعية ، و من ثم تدهورت أوضاع التشغيل باستمرار ، و تفاقمت البطالة حيث وصلت إلى حدود 29.8% سنة 2000 ، و زادت حدتها من خلال تطبيق برنامج التعديل الهيكلي ، وإن هذا المخطط لم يوفر مناصب شغل جديدة و لكنه أحدث ضررا كبيرا بالمناصب الموجودة ، ولذلك يبقى تحدي السياسية الاقتصادية في هذا المجال تحدي مزدوج بين المحافظة على المناصب الحالية و الحد من البطالة، ناهيك عن خلق مناصب عمل جديدة ، وهو السؤال الذي يطرح دائما بالنسبة إلى برامج الإصلاح هذه حيث إذا كنا لا نستطيع المحافظة على المناصب الحالية ، فكيف يمكن خلق مناصب جديدة. يتبين لنا كذلك و هذا استنادا إلى تجربة كثيرة من الدول في مجال الإصلاحات أن مثل هذه البرامج قد تؤدي إلى تفاوت كبير في توزيع الدخل و إلى زيادة في الفقر و البطالة و خاصة على المدى القصير على الرغم من وجود أسواق عمل متطورة ، فقد تضاعفت أرقام البطالة و زاد التفاوت في الدخل ، ولذلك فلماذا نتوقع أن يكون المشكل أقل حدة في الجزائر .
ومن خلال هذا سوف نحاول في هذه الورقة البحثية الإجابة على التساؤل التالي  :ما هي  انعكاسات  الإصلاحات الاقتصادية على التشغيل والبطالة في الجزائر ؟
هذا ما سنحاول مناقشته في مداخلتنا من خلال النقاط التالية:
- سياسات الإصلاحات الاقتصادية.
- تأثير سياسة الإصلاح الاقتصادي على أسواق العمل والبطالـة.
- برامج التخفيف من نتائج الإصلاحات الاقتصادية على البطالة.
1-سياسات الإصلاحات الاقتصادية: إن أهم دواعي الإصلاح الاقتصادي للدول النامية هي تلك الضغوط التي تعاني منها اقتصاديات هذه الدول منذ نهاية السبعينيات والمتمثلة في العجز المتواصل في موازين مدفوعاتها وفي موازناتها العامة والتراجع الملحوظ في معدلات النمو الاقتصادي وتراجع النمو في الإنتاج الداخلي الإجمالي. بالإضافة إلى عوامل النمو الديمغرافي، ونقص التشغيل وانتشار البطالة بأنواعها، إضافة إلى مشكلة تفاقم التضخم والديون الخارجية مقارنة إلى الموارد المتاحة.
أما على الصعيد الخارجي فهناك تدهور في التبادل التجـاري الدولـي لصالـح الـدول المصنعة، بالموازاة مع تدهور أسعار المواد الأولية ، خصوصا وأنها تشكل المورد الأساسـي من العملة الصعبة والتي تستنزف خدمات الديون الجزء الأكبر منها.
و تعتبر الإصلاحات الاقتصادية وسيلة علاج لمشاكل الدول التي تعاني من اختـلالات فـي توازناتهـا الداخلية والخارجية، في إطار تحرير الاقتصاد وتحويله إلى اقتصاد حر، من خلال إجراءات تسمـح بزيـادة الصادرات وخفض الواردات، إضافة إلى تنمية موارد البلد من العملة الصعبة، والعمل على معالجة عجز الموازنات العامة لهذه الدول عن طريق تقليل النفقات والسيطرة على معدلات التضخم ورفع معدلات النمـو الاقتصـادي. ولبلوغ هذه الأهداف فإن برنامج الإصلاح الاقتصادي يتكون من ثلاث سياسات هي :
أ- سياسة التثبيت الاقتصادي : لقد جاءت هذه السياسة نتيجة لأزمة المدفوعات التي تعرفها بعض الدول، حيث اعتبرت المديونية أزمة سيولة ناتجة عن ارتفاع الطلب الكلي، مما تسبب في عجز الحساب الجاري لميزان المدفوعات. وقد اعتبـرت الدول المدينة مسؤولة وحدها عن ذلك، وبالتالي يتوجب عليها وضع سياسات لاستعادة تلك التوازنات. 
ويمكن تلخيص السياسات التي تحتويها غالبية برامج التثبيت كما يقترحها صندوق النقد الدولي في الآتي:
*سياسة نقدية انكماشية: تؤثر السياسة النقدية على الطلب الكلي وتعمل على توجيهه أوقات التضخم. وكذلك تؤثر على إجمالـي النفقات عن طريق ترشيد الائتمان وضبط معدلات التوسع النقدي لتحقيق استقرار هذا الأخير وإصلاح خلـل الهياكل التمويلية اعتمادا على تحرير أسعار الفائدة واستخدام حدود عليا للائتمان والحد من الإصدار النقـدي الجديد الذي يهدف إلى رفع معدلات الادخار وتخفيض معدلات التضخم. وهذا بالاعتماد على أدوات السياسة النقدية مثل سياسة السوق المفتوحة و تخفيض العملة ...الخ، والهدف من هذا الإجراء هو" جعل السلع المستوردة أكثر تكلفة، بالمقابل تكون السلع المنتجة والقابلة للتداول على مستوى السوق الدولي أكثر منافسة عند التصدير. وبالتالي الرفع من ربحية القطاعات المصدرة مما يؤدي إلى تحويل عفوي لوسائل الإنتاج نحو قطاعات مصدرة على حساب قطاعات إنتاج السلع غير القابلة للتداول على مستوى السوق الدولي ." 
لكن ما يهمنا في هذا السياق ليس محتوى السياسة النقدية وأدواتها وإنما مدى تأثيرها على البطالة، وبالتالي فإن السؤال الذي يطرح هو: ما مدى تأثير السياسة النقدية الانكماشية على البطالة ؟ إن الدول التي تبنت الإصلاحات الاقتصادية عملت على تحرير أسعار الفائدة التي أصبحت تتحدد تبعـا لقوى العرض والطلب. ومن الممكن أن ترتفع مع بداية الإصلاحات بسبب زيادة الطلب على الائتمان من قبل المستثمرين ومن ثم زيادة التوظيف من أجل استخدام كافة عناصر الإنتاج بما فيها العمل لزيادة الإنتاج وسد الفجوة بين العرض والطلب على السلع الإنتاجية. ومن ناحية أخرى فإن ارتفاع سعر الفائدة قد يؤثر سلبا على خلق استثمارات جديدة ومنه فرص عمل جديدة ، على أن تحرير هذه الأسعار المرتبطة بحرية البنوك في منح الائتمان من الممكن أن تعمل مرة أخرى على زيادة معدلات التوظيف وبالتالي التقليل من البطالة، بالنظر إلى التوقعات المتفائلة لرجال الأعمال في ظل تحرير أسعار السلع والخدمات، وتوقع زيادتها نظرا  للفجوة بين العرض والطلب السلعي .
   كما أن لجوء الحكومة للاقتراض من سوق النقد المحلي مثل طرح أذونات الخزينة، سوف يؤدي إلى إحجام المستثمرين وأصحاب المدخرات على استثمار أموالهم في مشاريع استثمارية جديدة وسـوف يفضـلون شراء هذه الأذونات نظرا لأن الربح مضمون ومعفي عائده من الضريبة. وبالتالي تتحول المدخرات لتمويـل الاستهلاك الجاري للدولة مما يعني مزاحمة القطاع الخاص في الحصول على التمويل اللازم لاستثماراته.كما أن ارتباط سعر الصرف بأسعار فائدة مرتفعة من شأنه أن يشجع على تدفق رؤوس الأموال إلى الداخل مما يرفع حجم الودائع بالعملة الصعبة لدى البنوك المحلية، وكذلك يرتفع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاقتصاد المحلي لأي دولة. وقد ينتج عن هذه الحرية في حركة رؤوس الأموال في ظل ثبات نسبي في أسعار الصرف إلى زيادة التوظيف ونقص معدلات البطالة. وتجدر الإشارة إلى أن أسعار الفائدة التي كانت تحددها الدولة( إداريا ) وأسعار الصرف المقومة بأكثـر من قيمتها تعتبر من بين العوامل المؤثرة قبل الإصلاحات في تسرب رؤوس الأموال للخارج، بسبب انخفاض العائد الناتج عنها في الداخل مقارنة بالخارج. وبالتالي فإن سياسة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي كان لهـا أثر كبير في زيادة معدلات البطالة من هذا المنظور.
*سياسة مالية انكماشية : تهدف السياسة المالية الانكماشية إلى السيطرة على عجز ميزانية الدولة عن طريق زيـادة الإيـرادات أو تخفيض النفقات أو الاثنين معا. وتعتبر أداة الإنفاق العام هي إحدى الأدوات الأساسية المؤثرة فـي الطـلب الفعال وبالتالي لها تأثير مباشر على مستويات التشغيل والدخل الوطني والمستويات العامـة للأسعـار، ومـن الملاحظ أن هذه السياسة تهدف إلى تقليص نسبة العجز في الميزانية العامة للدولة مقارنة بالناتج الداخلي الإجمالي. 
     تعتبر السياسة المالية الانكماشية ذات أثر سلبي على الاستثمار، سواء كان ذلك نتيجة تطبيق ضريبـة عامة على الاستهلاك أو فرض ضرائب جديدة أو تقليص حصة الإنفاق الاستثماري العام. والشيء الملاحظ أن الدول النامية " عملت على تخفيض نفقات الاستثمار بدلا من نفقات التشغيل التي تعتبر أقل مرونة " غير أن ذلك أدى إلى انخفاض معدلات النمو، مما نتج عنه آثارا سلبية على مستوى الاقتصاد الكلي. وبالمقابل فقـد لجأت هذه الدول إلى تخفيض الأجور الحقيقية بواسطة تثبيت الأجور الاسمية قصد تخفيض الاستهلاك الخاص، حتى لايتحمل الاستثمار الإنتاجي كل العبء. لكن ما هو أثر السياسة المالية الانكماشية على البطالة ؟ بما أن الهدف الأساسي لهذه السياسة هو تخفيض حجم الإنفاق العام، مما يعني انخفاض فـي حجـم الاستثمارات والذي قد يؤدي إلى تراجع معدلات التوظيف في الاقتصاد المعني، فإجراءات إلغاء الدعم وتـرك حرية تحديد أسعار السلع والخدمات وفقا لقوانين السوق سينتج عنها ارتفاع الأسعار مع بداية الإصلاحـات بسبب وجود الفائض الكبير في جانب الطلب الكلي للدول التي شرعت في الإصلاح الاقتصادي، خصوصا في ظل ضعف القدرة الإنتاجية المحلية. و الملاحظ أيضا أن هذا الارتفاع يمس أساسا ذوي الدخـل المحـدود والضعيف. إلا أنه وبالموازاة مع ذلك فإن الفجوة الكبيرة بين العرض والطلب قد تحفز المستثمرين على رفـع حجم استثماراتهم بسبب التوقعات المتفائلة لتحقيق مزيـد من الأرباح وهذا من شأنه أن يرفع مـن معـدلات التوظيف وتخفيض البطالة في الأجل القصير.
ب- سياسة التعديل الهيكلي : تعكس هذه السياسة برامج طويلة ومتوسطة المدى تسعى لتحقيق التوازن عن طريق التوسع في جانب العرض لعلاج التشوهات والعوائق التي تعاني منها الهياكل الاقتصادية ، كما تهدف أيضا إلى تحويل اقتصاديـات الدول التي تكابد هذه الصعوبات إلى اقتصاديات ليبرالية تطبق فيها قواعد اقتصاد السوق. وقد سعت بلادنا في هذا الاتجاه من أجل تصحيح الخلل الاقتصادي على المستوى الكلي.
ج- السياسات الاجتماعية : لقد أثبتت التجارب التي قامت بها الدول النامية التي تبنت الإصلاحات الاقتصادية أنها ذات تأثيـر سلبي على الجانب الاجتماعي، لذا أقدم البنك الدولي على إدخال البعد الاجتماعي كمكون ثالـث لبرامـج الإصـلاح للتخفيض من الآثار السلبية لها،خاصة على الفئات محدودة الدخل ونظرا لصعوبة التحول إلى اقتصاد السـوق والراجع إلى عدم قابلية السكان لتقبل أوضاع جديدة قائمة على جهاز الأسعار، فنجد تباين السياسات المتبعة من دولة إلى أخرى طبقا للمتغيرات الاقتصادية الدولية معتمدة بذلك على المناخ الاقتصادي بها. من هنا برزت فكرة عدم إغفاله للجوانب الاجتماعية، حيث يتم إعداد السياسات الاجتماعية بالتعاون مع البنك الدولي للحد من الآثار السلبية لبرامج الإصلاح قصد تحقيق الوئام الاجتماعي ورفع المعاناة عـن محـدودي الدخل والشباب الخريجين من المعاهد والجامعات ومراكز التكوين، وإنشاء مؤسسات اجتماعيـة لتحقيـق التنمية الاجتماعية والبشرية في ظل برامج تحضيرية لإعادة تأهيل العمالة الزائدة في وحدات القطـاع العـام وتشجيع الصناعات الصغيرة لاستيعاب القوة العاملة الفائضة الحالية والجديدة.
وبالتالي نخلص مما سبق أن سياسة الإصلاح الاقتصادي، تسعى لمعالجة الخلل القائم في التوازنات الاقتصاديـة الكلية بغرض تحقيق معدلات نمو مرتفعة في المدى المتوسط والطويل، اعتمادا على سياسـة انكماشيـة بالدرجـة الأولى من خلال تخفيض الإنفاق العام و إلغاء الدعم الموجه للأسعار وإعادة تخصيص عوامل الإنتاج بطريقة تؤدي إلى زيادة العرض الكلي. وعلى اعتبار أن تخفيض العجز بميزان المدفوعات من بين أولويـات برامـج الإصلاح، فانه من المنطقي أن تخفض الطاقة الاستيعابية من خلال أحد أو مجموع العناصر التاليـة ( الإنفاق الحكومي، الاستهلاك الخاص، الاستثمار الخاص)؛ أو زيادة الدخل الوطني. وبالنظر إلى صعوبة زيادة هذا الأخير في الدول النامية، فلا مناص من إتباع سياسة انكماشية وما تعنيه من تراجع لوتيرة الاستثمار نتيجة لتقلص الإنفاق العام الموجه لذلك، وبالتالي سوف تتسع الفجـوة بيـن العرض و الطلب، خاصة وأن الدول النامية يميزها الفائض الكبير في الطلب نتيجة لضعف القدرة الإنتاجية، ومنه محدودية الطاقة الاستيعابية لليد العاملة. الشيء الذي سيفضي إلى تراجع مستويات التشغيل والى زيـادة معدلات البطالة .
 ما يهمنا في هذا السياق هو مدى تأثير سياسة الإصلاح الاقتصادي على أسواق العمل والبطالـة.
2-تأثير سياسة الإصلاح الاقتصادي على أسواق العمل والبطالـة:
     إن الانعكاسات الأكثر سلبية وخطورة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي كانت على التشغيل والبطالة، فهذه الأخيرة تدعم صفوفها بأعداد السكان النشطين الداخلين لسوق العمل ولا يجدون مناصب شغل بحكم الانكماش الاقتصادي، كما تتدعم بعدد العمال المسرحين بفعل غلق الوحدات الإنتاجية أو تقلص نشاطها.
  وعلى غرار التجارب التي مرٌت بها كل البلدان التي طبقت الوصفات النيوليبرالية، والتي عرفت تزايدا لعدد البطالين من جرٌاء تراجع التشغيل وازدياد أعداد المسرحين، وكذا ازدياد التهميش والفقر، فإن الجزائر عرفت نفس الوضع  وهو مرشح للتفاقم لأن عملية الخوصصة لازالت لم تعرف تقدما محسوسا في التطبيق، و كما هو منتظر فإن نتائج هذه العملية ستنعكس بتسريح عشرات الآلاف من العمال.
 منذ الشروع في تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، عرفت الجزائر تزايدا في عدد البطالين وارتفاعا في نسب البطالة يمكن إظهارها في الجدول التالي الذي يبين تطور معدلات البطالة في الجزائر خلال الفترة (1990-2009).
الجدول رقم (01): تطور معدلات البطالة  للفترة (1990-2009 ) 
السنوات العاطلون عن العمل (بالملايين) معدل البطالة%
1990 1.16 19.7
1991 1.23 20.3
1992 1.34 21.3
1993 1.52 23.1
1994 1.66 24.4
1995 2.11 28.3
1996 2.20 28.1
1997 2.31 28.3
1998 2.33 28.6
1999 2.52 29.3
2000 2.43 29.8
2001 2.58 28.44
2002 2.41 26
2003 2.07 23.7
2004 1.67 17.7
2005 1.44 15.30
2006 1.24 12.3
2007 1.37 13.8
2008 1.16 11.3
2009 1.07 10
المصدر: الديوان الوطني للإحصائيات.
      يظهر من الجدول أعلاه أن عدد البطالين قد تضاعف من سنة 1990 إلى سنة 1997، وقد كانت سنة 1995 هي السنة التي عرفت أكبر زيادة مقارنة بسنة 1994 بزيادة قدرها 445 ألف بطال، أما نسبة ارتفاع البطالة فهي تعرف تطورا منتظما، حيث تنتقل من 19.7 % سنة 1990 إلى 28.3 % سنة 1997.
في الفترة ما بين 1997 و 2000 زاد عدد العاطلين عن العمل ب 116.000 أي بمعدل زيادة سنوية تقدر ب3.25%، ونجم عن ذلك ارتفاع نسبة البطالة التي استقرت في حدود 29.8% سنة 2000. 
إن ارتفاع نسبة البطالة لم يبدأ مع انطلاق الإصلاحات، بل بدأ مع الأزمة التي عرفتها الجزائر سنة 1986، حيث ارتفعت هذه النسبة من 16.9 % سنة 1985 إلى 17.4 % سنة 1986، ثم إلى 19 % سنة 1989، وإلى 29.8 % سنة 2000. هذا يعني أن أسباب البطالة في الجزائر لا تعود فقط لانعكاس نتائج الإصلاح الهيكلي، بل لعدة عوامل متداخلة.
ومن دون شك أن العامل الديموغرافي هو أحد الأسباب التي تضغط على البطالة، فالجزائر بنمو ديموغرافي مرتفع  تطور من 3.39 % سنة 62/63 إلى 3.11 % سنة 1985، لينخفض بعد ذلك إلى 2.5 % سنة 1990، ثم إلى2.1% سنة 1995 وإلى 1.9 % سنة 1996. ورغم هذا التحسن، فإن الجزائر تبقى تعتبر من البلدان ذات الزيادة السكانية المرتفعة (550.000 نسمة سنويا)، أي أننا أمام سكان نسبة الشباب فيهم عالية جدا (60 % أقل من 25 سنة، و50 % أقل من 20 سنة)، وهذا يعني أن عدد السكان النشطين يتزايد بوتيرة عالية أيضا، إذ قدر سنة 1999 ب8.5 مليون بزيادة سنوية في العشر سنوات الأخيرة ب 3.9 %، وهو الشيء الذي يولد زيادة سنوية في طلبات العمل قدرت سنة 1995 ب 260.000 طلب إضافي، وسنة 1996 ب300.000 طلب، وقدرت خلال العشرية 1987ـ 1998 ب257.000 في المتوسط سنويا. وإذا أخذنا سنة 1996 كمثال، فإن الاقتصاد الجزائري لم يوفر سوى 158.000 منصب سنة 95/96، وهذا يبيٌن عدد الشباب الداخلين لسوق العمل الذين ليس لهم أمل في إيجاد منصب شغل (142.000 سنة 1996 فقط).
إن هذا العامل الطبيعي والموضوعي هو غير كاف لتحليل أسباب البطالة، ويمكن أن نخفف من مفعوله عبر وضع سياسة ديموغرافية ناجعة وسياسة استثمارية تبتلع بصفة منتظمة الطلبات الإضافية. لكن ضعف نسبة نمو الاقتصاد الجزائري، وتوقف الاستثمارات العمومية منذ سنة 1986 وضعف مستوى أداء الجهاز الإنتاجي الوطني، هي كلها عوامل قد أثرت سلبا على سوق العمل، إذ لم تعطي دفعا لإنشاء مناصب شغل جديدة ولا حتى الاحتفاظ بالمستوى التشغيل السابق.
   وبالفعل فإن العامل الحاسم في زيادة البطالة والذي ستكون له نتائج خطيرة وبعيدة المدى، هو التراجع عن الاستثمارات الذي شرع فيه منذ بداية الثمانينيات، والذي سيتعمق بعد أزمة 1986. فالفترات التي شاهدت تراجعا في إنشاء مناصب الشغل كانت الفترة الممتدة بين سنة 1978 و1985 (بالرغم أنها الفترة التي عرفت ارتفاع أسعار البترول إلى أعلى مستوى)، حيث عوٌضت السياسة التنموية الحاملة في مضمونها لآفاق بناء جهاز إنتاجي وطني خالق للشغل، بمجموعة من السياسات الاقتصادية التي فتحت المجال للمضاربة والطفيلية. هذا يظهر جليا في انخفاض إحداث مناصب الشغل، فبعد أن أحدث ما يقارب 140.000 منصب شغل في المتوسط بين سنة 1980 و1984، يقفز هذا الرقم إلى 75.000 بين سنة 1985 و1989.
برنامج الإصلاح الذي شرع فيه منذ 1989 ليبدأ تطبيقه الفعلي من سنة 1990، سيعمق هذا التوٌجه الذي يمدد الانكماش الاقتصادي ويتمادى في ترك الاستثمارات، الأرقام تتحدث عن خلق ما يقارب 50.000 منصب شغل سنويا في الفترة الممتدة بين سنة 1990 وسنة 1994، بينما تشهد الفترة التي تليها ارتفاعا في عدد مناصب الشغل المحدثة. فخلال الفترة (1997-2000) ارتفع العرض الإضافي للعمل المتراكم ب 788.000 طلب عمل (263.000 سنويا)، بينما قدر عدد مناصب الشغل الحقيقية الجديدة ب 550.000 (185.000 سنويا)، وهذا يعني أن 78.000 شخص سنويا لا يتوصل للحصول على منصب شغل يضافون إلى الاحتياطي المرتفع من العاطلين عن العمل.
ورغم ذلك فإن معظم مناصب الشغل المحدثة يدخل ضمن البرامج الاجتماعية التي تتميز بأنها تنشئ مناصب شغل مؤقتة، كما أنها تنشأ في القطاعات غير المنتجة كالإدارة والخدمات وأشغال المنفعة العامة...الخ.
هذا ما أدى إلى زيادة في تدهور ظروف العمل بصفة عامة، وهو ما يظهر جليا في ارتفاع نسبة الأجراء غير الدائمين من ضمن العدد الإجمالي للعمال المشتغلين فهذه الفئة من العمال كانت تمثل 35% من مناصب الشغل سنة 1995، ارتفعت إلى 62.2 % سنة 1996 و 66.0 % سنة 1997. كما أن عدد مناصب الشغل الدائمة المنشأة من طرف الوكالة الوطنية للشغل انتقل من 87% سنة 1985 إلى 20% سنة 1998.
كما شهدت فترة التسعينيات توسع القطاع الاقتصادي غير الرسمي، المكون من النشاطات غير المصرح بها كليا أو مصرح بها جزئيا، إذ قدرت نسبة تزايد مناصب الشغل غير الرسمية سنويا في الفترة المتراوحة بين 1993 و1998 ب8.41%، في حين أن تزايد منصب الشغل المنظمة ب 2.52% في نفس الفترة.
إن وضع عدد المتضررين من هذه الإصلاحات الذين استفادوا من برامج اجتماعية مختلفة لتخفيف من معاناتهم (عددهم يقدر ب 366.000 تقريبا)، والذين لا تعدهم الإحصائيات من ضمن البطالين، لأن مناصب الشغل الموفرة تبقى مؤقتة والأجور متواضعة جدا لا تتعدى في أحسن الأحوال الحد الأدنى للأجور.
  نتائج الإصلاح الهيكلي لا تكمن فقط في الانكماش الاقتصادي وفي تقليص إنشاء فرص العمل، وهو ما يزيد من عدد البطالين سنة بعد سنة، بل أنه يتسبب في فقدان مناصب شغل كانت موجودة وفقدت إثر غلق المؤسسات بسبب انعدام مردوديتها المالية، أو بسبب المنافسة التي تعرفها نتيجة فتح أبواب التجارة الخارجية وإغراق السوق بالمنتجات المستوردة، أو كذلك نتيجة عملية الخوصصة.
  إن كل الأرقام، ورغم تضاربها، تتحدث عن فقدان مئات الآلاف من العمال لمناصب شغلهم. فأرقام الديوان الوطني للإحصائيات تتحدث عن تسريح 178.000 عامل من سنة 1992 إلى 1995، بينما تتحدث أرقام المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي عن فقدان 300.000 عامل لمنصب عملهم من سنة 1994 إلى1996(1) أما وزارة العمل والحماية الاجتماعية فتتحدث عن 210.275 عاملا مسرحا من شهر ماي 1994 إلى غاية شهر جوان 1998، أخيرا فإن أرقام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تتحدث عن أكثر من 480.000 عامل فقدوا مناصب عملهم من الفترة الممتدة بين سنة 1994 و1998.
نشير أنه انطلاقا من بداية سنة 1998، بدأ يعرف عدد العمال المسرحين انخفاضا مستمرا، إذ سجلت سنة 1998 83.000 عاملا مسرحا، أي – 15% مقارنة بسنة 1997، في حين سجلت سنة 1999 تسريح 13.600 عاملا فقط، أي – 83% مقارنة بسنة 1998.
إن السياسة التي انتهجت منذ الثمانينيات والمحتوى الانكماشي لبرامج الإصلاح والتعديل الهيكلي تتحمل مسؤولية كبيرة في تفاقم مشكل البطالة في الجزائر، التي أصبحت بحجمها تساوي نصف العمال المشتغلين تقريبا، لكن خطرها لا يكمن فقط في ذلك إنما في بنيتها.
   فإذا تفحصنا هيكل هذه البطالة فإننا نلاحظ أنه من بين 2.427.000 بطال تعرفهم سنة 2000، 80 % منهم لا يتجاوز سنهم 30 سنة، أي أن 1.760.000من البطالين هم شباب في مقتبل العمر بدون عمل ولا دخل مستقر.
علينا أن نتصور الوضع النفسي لهذا الشباب المقصى و المهمش اجتماعيا. إن هذه الخصوصية الأولى تجعل البطالة في الجزائر بطالة تهميش بالدرجة الأولى، خاصة إذا علمنا أن 75.7 % أي 1.466.600 منهم يبحثون عن عمل لأول مرة في حياتهم.
كما أن أغلبية هؤلاء البطالين هم غير مؤهلين، حيث أن ما يقارب 45 % منهم لا يتعدى مستواهم الدراسي مستوى المتوسط، كما أن 73 % منهم ليس لهم أي تأهيل، وهذا يبيٌن عدم الانسجام الموجود بين منظومة التعليم والتكوين والتشغيل، كما يبيٌن كذلك أن البطالة ترتفع مع الجهل(17.3 % منهم أميين) إذن مع الفقر، لأن الفئات الفقيرة هي التي يشهد أبناؤها حالة الإخفاق المدرسي أكثر من غيرها، أكثر من ذلك فإن حوالي 80.000 من هؤلاء البطالين لهم مستوى جامعي، وهذا يعني أن البطالة أصبحت تمس أكثر فأكثر خريجي الجامعات والمعاهد العليا الذين لا يجدون مناصب شغل نظرا لتجميد التوظيف وانكماش الاقتصاد عامة.
إن الشيء الخطير أيضا في بنية البطالة هذه هو طول المدة التي يبقى فيها البطال يبحث عن شغل، فقد انتقلت هذه المدة من 23 شهر سنة 1989 إلى 27 شهر سنة 1996 وإلى 30 شهرا سنة 1999، من بينهم 55 % لم يشتغلوا منذ 12 شهرا، و35.4 %منهم لم يشتغلوا منذ أكثر من 24 شهرا.
   أما في الفترة الأخيرة وبعد خلق أزيد من 4000000 منصب شغل دائم و مؤقت خلال الفترة 1999-2007 عرفت نسبة البطالة انخفاضا بحيث انتقلت من حوالي 30 % من السكان العاملين في 1999 إلى 8ر13 % في 2007 و 3ر11 % في 2008،لتصل الى 10%سنة 2009.و تميز تطور المؤشرات الرئيسية لسوق التشغيل خلال نفس الفترة بارتفاع السكان النشطين بحيث انتقل عددهم من 6 ملايين في 1999 إلى أزيد من 9 ملايين أي ارتفاع بمعدل سنوي يقدر ب 6ر5 %. (2) 
تدل الإحصائيات اليوم على أن معدلات البطالة ليست هي نفسها التي كانت تمتاز بها فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. إذ تشير مختلف التقارير حول الوضع الاجتماعي والاقتصادي في الجزائر إلى تراجع نسبة البطالة في الجزائر، بالنظر إلى تحسن مؤشرات التنمية في جميع المجالات، الصحة والتربية ،بالإضافة إلى المساواة بن الجنسين وتبقى نسبة البطالة  مرتفعة بالمناطق الريفية .  ولدى النساء والشباب. فقد انخفضت نسبة البطالة إلى  11.3% سنة2008.(3)
فالديوان الوطني للإحصاء يؤكد أن نسبة البطالة في بداية سنة 2009 هي 13.8%. ويؤكد نفس الديوان أن معدل البطالة إلى غاية نهاية شهر أكتوبر من نفس سنة هو 10.2%.(4) و لقد كانت هذه البطالة تصيب الفئات الشابة من المجتمع.
 إن تفاقم ظاهرة البطالة مس كل الفئات الاجتماعية لاسيما الشباب وأصحاب الشهادات العلمية. "فمن مجموع العاطلين عن العمل والبالغ عددهم الآن 1.7 مليون شخص نجد أن أكثر من 73% منهم تقل أعمارهم عن 30 سنة." (5)ونظرا لتفاقم الوضع وديمومته أصبحت قضية خلق مناصب الشغل في الجزائر هي لب كل سياسات التنمية المنتهجة ذلك أن هذا الوضع هو نتاج الأزمات المتوالية التي عرفها الاقتصاد الجزائري في الثمانينات.(6)
كل هذه الأرقام التي تقدمها الأجهزة الإحصائية، بالرغم من أهميتها، تبقى محدودة جدا ولا تطلعنا بقدر الكفاية عن حجم هذه الكارثة وبُعدها الاقتصادي والاجتماعي، ولعل هذا يعود لأسباب تقنية بحكم ضعف أجهزة الإحصاء وتخلفها.
إن هذه الإحصائيات تكون فاعلة وفعالة لو قدمت لنا بنية توزيع الدخل لفئات المجتمع الجزائري للتمكن من دراسة الفوارق بينها ومعرفة مدى تطور ظاهرة هي في تنامي مستمر تتمثل في الفقر والتهميش، إن الإحصائيات حول هذا الموضوع تُمٌكن الدولة عبر ميكانيزمات الضريبة والميزانية العمومية من تصحيح الإختلالات والحفاظ على مستوى معقول من العدالة التوزيعية. كما أن هذه الإحصائيات لا تعطى معلومات كافية عن التشغيل غير الرسمي، مستوى الأجور الحقيقية في هذا القطاع، حالات البطالة الوسيطية وسوء التشغيل..إلخ.
ورغم ذلك فإن الأرقام المتوفرة لا تبعث على التفاؤل، بل هي حاملة لكل الأخطار على الاستقرار الاجتماعي والسياسي للجزائر، فإذا إستمر هذا الوضع فإن الشارع سيستمر في التفاف هؤلاء الشباب اللذين يصبحون عرضة التشرد والتهميش، والإقصاء، والمخدرات، والعنف..إلخ.
وككل البلدان التي شرعت في الإصلاحات الهيكلية، فإن المؤسسات المالية والنقدية الدولية تقترح عليها وضع إجراءات حمائية للتخفيف من إنعكاسات برامج الإصلاح على البطالة والوضع الإجتماعي لتبقى في إطار معقول لا تهدد إستمرار الإصلاحات، فإن الجزائر شرعت منذ 1989 في وضع برامج خاصة للتخفيف من وطأة الإصلاحات وآثار برامج التعديل الهيكلي.
3-برامج التخفيف من نتائج الإصلاحات الاقتصادية على البطالة:
     اصطحبت الإصلاحات الإقتصادية التي شرع فيها في الجزائر منذ سنة 1990 بإصلاحات في القوانين والتشريعات التنظيمية للعمل تهدف لإدخال مرونة أكبر في سوق العمل، بالإضافة لمجموعة من الإجراءات تهدف للتخفيف من الآثار السلبية لهذه الإصلاحات على الشغل والدخل و البطالة.  
فعلى المستوى القانوني والتشريعي، عدة نصوص قانونية صدرت منذ 1990، نذكر منها القانون 90-11 بشأن علاقات العمل الذي يلغي القانون العام للعامل (SGT) ويعطي أكثر حرية لأرباب العمل في مجال التوظيف والتسريح واللجوء إلى العقود لمدة محددة.
كما يمكن ذكر القوانين المتعلقة بتأسيس المفاوضات الجماعية وتنظيمها (الأجور وظروف العمل أساسا)، والسماح بالتعددية النقابية، وتنظيم العمل بالمنزل ولوقت محدد …إلخ.
أما فيما يتعلق بالإجراءات التي اتخذت لحماية العمال المأجورين، فيمكن ذكر إنشاء صندوق التأمين على البطالة سنة 1994 أوكلت له مهمة التكفل بالعمال الذين يفقدون مناصب شغل لأسباب اقتصادية وتعويضهم عن ضياع مداخليهم، ويمول هذا الصندوق بمساهمات العمال أنفسهم والمؤسسات التي تشغلهم وسميت ب"مساهمات حق الاستفادة"، كما يمكن ذكر تأسيس نظام التقاعد المسبق، والذهاب الطوعي.
لقد أدى تطبيق هذه الإجراءات من سنة 1995 إلى 1999، في خضع 1500 مؤسسة اقتصادية للتطهير الداخلي، إلى إلغاء 300.000 منصب شغل، من بينها 217.000 عامل سيتكفل بهم صندوق التأمين على البطالة، و43.000 عامل أحيلوا على التقاعد المسبق، و40.000 منهم استفاد من الذهاب الطوعي. القطاعات التي مستها هذه الإجراءات هي قطاع البناء والأشغال العمومية والسكن (63%) وقطاع الخدمات (21%) والقطاع الصناعي (14%).
وفي سنة 2000، 260.000 عامل فقط تحصل على تعويض من قبل هذا الصندوق، منهم 105.000 إستنفذوا منحهم، أي أنهم أصبحوا بدون دخل إذا لم يجدوا منصب عمل.
عملت بعض العوامل على تسريح العمال كإعادة انتشار النشاطات عن طريق إعادة هيكلة المؤسسات العمومية إضافة إلى تعديل القوانين التشريعية والتنظيمية للعمل الذي أدخل مرونة أكبر في التشغيل وأمام هذه الوضعية تم الشروع في إجراءات لتسيير البطالة.
أ-الإجراءات العملية للتشغيل:
    قامت السلطات العمومية الجزائرية بخطوات معتبرة ميدانية بهدف خلق ديناميكية في سوق العمل، و ذلك بإنشاء العديد من الأجهزة و الهياكل تصب كلها في محاولة تشجيع الأشخاص بدون شغل على خلـــق مناصب الشغل لأنفسهــم و لغيرهـم وخلـــق الثروة، سنتعرض بإيجاز سريع لهذه الإجــراءات  و الأجهزة كما يلي:
- مع بداية عقد التسعينات تم إنشاء جهاز الإدماج المهني للشباب (DIPJ) كدعم لبرنامج تشغيل الشباب المنشأ سنة 86/89، وصندوق العمل على تشغيل الشباب (FAEJ) كجهاز مركزي، ونتيجة لعدم فعالية هذين الجهازين وتردد البنوك في منح القروض تم إنشاء (DIPJ) سنة 1990 لإزالة العقبات و القيود السابقة، ويضم الجهاز ثلاث أصناف من صيغ العمل وهي(7) 
     * إنشاء النشاطات، حيث تتكفل الوكالة الوطنية لتطوير الشغل ANDE بمساعدة الشباب العاطل على إنشاء تعاونيات، بلغت سنة 1995 حوالي 10335 تعاونية موزعة على 4 ولايات.
     *إنشاء العمل المأجور بمبادرة محلية (ESIL) حيث يقترح مناصب شغل مؤقتة توفرها الجماعات المحلية، ورشات الأشغال ذات المنفعة العامة و الإدارة لمدة 6 أشهر إلى سنة وبدعم من (FAEJ) الذي عوض سنة 1996 بالوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب (ANSEJ)، بالإضافة إلى مناصب العمل التي تقترحها المؤسسات العمومية على المستوى المحلي.
    *إنشاء الوكالة الوطنية للتشغيل ANEM وتتكفل بجمع عروض العمل وتنظيم طلبات الشغل،وقد بلغ دعم الدولة لهذه الصيغ من التوظيف المؤقت ما بين (90-94) حوالي 9641 مليار دج.
- عقود ما قبل التشغيل (CPE) أنشأت سنة 1998 وموجهة أساسا إلى الشباب الجامعي و التقنيين الساميين المتخرجين من معاهد التكوين المهني (19-35) سنة، والذين كانوا يشتغلون في إطار (ESIL) أو أشغال المنفعة العامة أو الذين يطلبون العمل لأول مرة، مدة العقد سنة قابلة للتجديد مرة واحد إلى ستة أشهر وممول من طرف حساب التخصيص الخاص للخزينة العمومية الموجه لتشغيل الشباب (FNSE) و يستفيد من دعم وكالة التنمية الاجتماعية (ADS)، و يهدف البرنامج إلى معالجة بطالة فئة خاصة من الشباب لم تحظ بالعناية في البرامج السابقة للتشغيل، و تمكينه من اكتساب خبرة عملية في إطار تخصصه تؤهله للاندماج في سوق العمل بصفة دائمة مستقبلا.
وخصص لسنة 2004 حوالي 40000 عقد توظيف في إطار عقود ما قبل التشغيل، موزعة على الإدارة العمومية      بـ 35558 منصب و القطاع الاقتصادي بـ 7386 منصب، و بتكلفة مالية قدرت بـ 3 مليار دولار .(8) 
- برنامج المساعدة على إنشاء مؤسسة مصغرة(تكلفة الاستثمار محددة بـ 4 مليون دج)، أنشأ سنة 1997 موجه للإطارات المسرحة من العمل، و الشباب الراغب في إنشاء مؤسسة، و الذين تتراوح أعمارهم بين (19-35) سنة، عاطلون عن العمل وقت تسليم الملف، و القادرون على تقديم مساهمة شخصية في تمويل المشروع في حدود (5-10( % ومدعم ماليا من طرف (ANSEJ) التي ترافق المشروع إلى غاية إنجازه مع إشراك البنوك في عملية التمويل (تمويل ثلاثي الأطراف)، و يهدف هذا البرنامج إلى تشجيع الشباب المقاول على خلق أنشطة في مجال السلع والخدمات من خلال المؤسسات المصغرة، وقد بلغ عدد المؤسسات المصغرة المنشأة سنة 1998 حوالي 3570 مؤسسة توظف 8280 عامل، و التي تستفيد من إمتيازات جبائية و أسعار فائدة تفضيلية مخفضة.
بعد ستة سنوات من الممارسة العملية و إلى غاية 31 ديسمبر 2003 تم إحصاء حوالي 177429 مشروع مقبول على مستوى الوكالة من أصل 199523 ملف مسجل، موزعة على قطاع الخدمات بنسبة 52% ، الزراعة بـ 21.5%، الحرف بـ 10.5 %، الصناعات الغذائية بـ 8.5% ، أخرى بـ 7.5 %.، و تمثل حصة الإناث في هذه المشاريع نسبة 12 % ، و توفر في مجموعها ما يقارب 490912 منصب شغل.
   و تجدر الإشارة إلى أن هذه الإجراءات قد تم مراجعتها لاحقا حيث تم رفع مبلغ الاستثمار إلى 10 مليون دج (المساهمة الشخصية بـ10 %)، وتوسيع الاستفادة إلى الأشخاص من 35 سنة إلى 50 سنة، مع امتيازات جبائية و تسهيلات من طرف البنوك بالإضافة إلى إنشاء صندوق ضمان مخاطر القروض للشباب المقاول.(9) 
-القرض المصغر والذي أنشأ سنة 1999 موجه لكل شخص دون شغل (18-60) سنة، النساء في سن العمل وربات البيوت بهدف إنشاء نشاط.

ب- إجراءات الشبكة الاجتماعية:
بعد رفع سياسة دعم الأسعار خاصة ابتداء من سنة 1992، حلت محلها سياسة دعم الدخول ممثلة في الشبكة الاجتماعية والتي أخذت صيغ عديدة من الدعم للفئات الاجتماعية الأكثر حرمانا و تأثرا بنتائج الإصلاحات الاقتصادية نذكرها كما يلي:
*تعويضات للأشخاص دون دخل (ICSR) انشات سنة 1992 في حدود 120 دج للشخص شهريا.
*في سنة 1994 تم تعويض هذه الصيغة بصيغتين جديدتين وهما: المنحة الجزافية للتضامن (AFS) و النشاط ذو المنفعة العامة (IAIG).
*بعد عمليات التسريح وإعادة الهيكلة التي مست الجهاز الإنتاجي أنشأ جهاز جديد سنة 1994 وهو الصندوق الوطني للتأمين على البطالة (CNAC) بخصوص الأشخاص المسرحون لأسباب اقتصادية، حيث تدفع المؤسسات لكل عامل مسرح تعويضا يكافئ ثلاثة أشهر أجر في انتظار المنحة التي يدفعها صندوق البطالة خلال 03 سنوات، مع البحث عن الشغل الذي يتكفل به مركز البحث عن الشغل التابع للصندوق، وفي سنة 2004 أضيفت لصندوق البطالة مهمة أخرى وهي إنشاء جهاز لتشغيل الشباب ما بين (35-50) سنة ومساعدتهم لإنشاء مؤسسات مصغرة وخلق مناصب شغل، ومرصد وطني للتشغيل ومحاربة البطالة.
*برنامج TUPHIMO (أشغال المنفعة العامة ذات الكثافة العالية لليد العاملة)، والموجه أساسا للشباب طالب العمل لأول مرة على مستوى البلديات، و المؤسس سنة 1997 بهدف خلق مناصب شغل مؤقتة مكثفة، و ذلك بفتح ورشات كبرى على مستوى الولايات و تخص مختلف القطاعات و نشاطات المنفعة العامة كإصلاح الطرقات، الغابات، تنظيف المحيط، الري و تطهير القنوات،...
سمــح هذا البرنامـج بتوفير حوالي 22000 منصب شغل سنويا ما بين (1997-2001) بتكلفة 99000دج لكل منصب شغل، و استهلاك غلاف مالي إجمالي بـ 4.5 مليار دج من أصل غلاف إجمالي بقدر بـ  6.94 مليار دج .
ورغم هذه الإجراءات والأجهزة المنشأة بهدف تحريك سوق الشغل وتقليص الآثار السلبية للإصلاحات الاقتصادية على سوق الشغل، و التي توفر إطارا لكسب الخبرة المهنية و الانتقال من مناصب شغل مؤقتة إلى مناصب شغل دائمة مستقبلا، و رغم أن الإحصائيات الرسمية (الحصيلة الاقتصادية و الاجتماعية للحكومة ما بين (1999-2003) تعطي أرقاما بخصوص توفير 175000 منصب شغل في الوظيف العمومي، و 905000 منصب شغل في القطاع الإنتاجي من خلال المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و المؤسسات المصغرة، أي في حدود 216000 منصب شغل سنويا، و هو ما أدى إلى انخفاض معدل البطالة من 28.6 % سنة 1998 إلى 23.7 % نهاية سنة 2003.
 في حين يطلعنا وزير التضامن الوطني بأن وزارته قد أنشأت سنة 2004 حوالي 405883 منصب شغل في إطار الصيغ المعمول بها (ESIL , IAIG, CPE, TUP.HIMO, ANSEJ) ضمن 717000 منصب شغل منشأ سنة 2004، و أن هناك توجه لزيادة مناصب الشغل في إطار برنامج الإنعاش الاقتصادي الثاني (2005-2009).
 هذه المعطيات التي تختلف من مصدر لآخر تجعل من الصعوبة بمكان على الباحث الحكم على مدى الانخفاض الفعلي لمعدل البطالة في ظل عدم التأكد من دقتها،  إلا أنه يمكن القول بأن مشكل البطالة يظل المشكل رقم واحد بسبب مخزون البطالة و الوافدين الجدد إلى سوق العمل سنويا والمقدرين بحوالي (250000-300000) طلب عمل جديد، و للتذكير فإن الجزائر ما بين (1967-1984)، و هي الفترة التي عرفت معدلات استثمار عالية لم يتم فيها إنشاء سوى 102000 منصب شغل سنويا.(10) 
    إن التقييم الكلي لهذه البرامج خلال سنوات 1997 و1998 و1999 يبين أن أكثر من 400.000 شاب قد استفاد من أن كل الدراسات التي أنجزت من طرف الهيئات الرسمية وغير الرسمية تجمع على  ضآلة عدد المستفيدين من هذه الإجراءات مقارنة باحتياجات التشغيل، وعلى الطابع المؤقت لأغلبية مناصب الشغل التي أنشأت ضمن هذه البرامج، وكذلك على ضعف الميزانية المخصصة لها. نفس الهيئات تقدم عدة أسباب لذلك منها أساسا ضعف الأجهزة القائمة على متابعة ومساعدة تطبيق هذه البرامج، وكذا التداخل في مهامها وانعدام التنسيق فيما بينها، ونذكر على سبيل المثال السبب الذي يعود في كل الدراسات المنجزة لتقييم أداء هذه البرامج وهو ضعف دور المؤسسات المصرفية وبيروقراطيتها ونقص التمويل عامة.
تقرير مصالح رئاسة الجمهورية حول البطالة، الذي أنجز سنة 1998، يؤكد ضعف هذه النتائج ويرجعها لتفضيل  "خيار إنشاء المؤسسات وترقية نشاط الشباب في القطاع الخاص، على حساب الهدف الرامي إلى إدماج الشباب البطالين".(11)
سنة 1998 يقترح مخططا وطنيا لمكافحة البطالة  يقوم على إستراتيجية تتمحور في أربع نقاط أساسية: (12)
1 ــ تحسين آليات تأطير وتنظيم سوق العمل وتسيير البطالة، مما يستلزم إصلاح جهاز الوكالة الوطنية للشغل.
2 ــ دعم سياسات التشغيل البديلة والإجراءات العملية التي تعالج البطالة، التي ذكرناها أعلاه، بتسطير برامج خاصة ترمي لإنشاء مناصب شغل، كالأشغال الكبرى واستصلاح الأراضي..إلخ.
3 ــ تحسين آليات تسيير وتمويل النفقات من ميزانية التجهيز، ودعم الإجراءات المحفزة للاستثمار، لا سيما في القطاعات ذات الكثافة في استعمال اليد العاملة، يذكر منها قطاع البناء والأشغال العمومية، وقطاع الناجم ،وقطاع الزراعة والصيد البحري.
4 ــ ضبط إستراتيجية تمويل مجمل هذه النشاطات.
ينطلق هذا المخطط المقترح لحل مشكل البطالة، والبرامج الأخرى التي سبقته،من موقف إما علني أو ضمني يعتبر مشكلة البطالة هي ظاهرة حتمية و"قدرية".
لهذا يجب العيش معها ومحاولة تسييرها فقط والعمل على جعلها لا ترتفع أكثر "إن الرهان بالنسبة للقطاع الصناعي لا يتمثل في إنعاش التشغيل، إنما يكمن خاصة في وضع إستراتيجية للحد من وتيرة فقدان من مناصب الشغل الموجودة."(13)
والحقيقة أن هذا الموقف هو نابع من قناعة مفادها أن برامج التعديل الهيكلي هي الحل الذي يضمن الانطلاقة الاقتصادية و يحل مشكلة البطالة في المدى الطويل. ومن هذا المنطلق تبدو الحلول المقترحة متواضعة ومحتشمة، فيظهر من محتواها وكأنها تريد تسيير الظاهرة سياسيا فقط للحد من نتائجها الخطيرة على الاستقرار السياسي والاجتماعي، والحفاظ على نوع من التوازن يضمن بقاء المصالح الحالية لفئات محددة.
يبرز هذا الموقف في تقييم البرامج التي وضعت، فهي لا تقيم من ناحية محتواها ولكن من ناحية الآليات المتبعة للتطبيق والتسيير فقط، كما يبرز من خلال السياسات البديلة المقترحة المتمثلة في العمل على إنشاء مناصب شغل في قطاعات محددة وتمس فئات معينة. كما تقوم في أقصى تقدير على تشجيع الاستثمار وإنشاء مؤسسات مصغرة يصعب في كثير من الأحيان تحقيقها نظرا لنقص الادخار والشروط المستحيلة التحقيق التي تضعها البنوك.
لعل النقطة الإيجابية التي يحتويها هذا المخطط هي مسألة بعث الاستثمار في مجموعة من القطاعات ذات الاستخدام الكثيف لليد العاملة فقط، ولتحقيق ذلك يقترح إعادة النظر في أولويات الميزانية العمومية خاصة ميزانية التجهيز، بشكل يجعل هذه القطاعات تستفيد من الأولوية في الاستثمار وإنشاء مناصب شغل توقف هذا النمو المتصاعد لمعدلات البطالة.
السؤال الذي يطرح هنا هو موقع ومكانة القطاعات الأخرى، فهل هذا يعني أنها غير خالقة للشغل؟ هل القطاع الصناعي بإمكانياته الهائلة هو غير قادر على النهوض بالنمو والتشغيل؟ أم هل يجب ترك هذا القطاع وقطاعات أخرى للقطاع الخاص الذي يعتبر الوحيد الكفيل بتحقيق الانطلاقة الاقتصادية والتشغيل؟ هل هذه المواقف تنطلق من اعتبارات نظرية أم من واقع ملموس؟
نحن لا ننوي الإجابة عن هذه الأسئلة، ولكن نقول أن التجارب بينت أن النمو والنهوض بالشغل هو مسألة إستراتيجية للنهوض بكل قطاعات الاقتصاد الوطني في انسجام وتكامل بينهما، أي هو مسألة إستراتيجية تنموية شاملة.
ثم هل القطاع الخاص في الجزائر وفي الظروف الحالية لسير الإصلاحات الهيكلية ونتائجها، هل هو قادر على النهوض بهذه المهمة؟
نحن نشك في قدرة هذا القطاع المالية والتنظيمية على الأقل للقيام بهذه المهمة، فمن بين 33.000 مؤسسة صغيرة ومتوسطة خاصة 1500 منها فقط تشغل أكثر من عشرة عمال (أقل من 5%)، وفتح أبواب التجارة الخارجية وحده أدى إلى خراب العديد من هذه المؤسسات وتحول جزء منها للمضاربة والطفيلية.
الخاتمة:
          مما سبق نستنتج انه بالرغم من التحسن الذي عرفته المؤشرات الاقتصادية الكلية للاقتصاد الجزائري نتيجة تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي ، إلا أن الوضع الاجتماعي عرف تدهورا ناجما عن الانتقال إلى اقتصاد السوق وتطبيق سياسات الإصلاح. وقد أصبح هذا التدهور مستديما مما يتناقض مع تحسن التوازنات الاقتصادية والمالية ويستوقف السلطات العمومية فيما يخص نجاعة السياسات الاجتماعية وفعاليتها سواء من حيث وسائلها أو أهدافها.
و من آثار تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي على سوق العمل هو تفاقم مشكلة البطالة بين الشباب و حاملي الشهادات، فهي بطالة لا تستثني أية فئة من الخريجين و أضرت خصوصا بطالبي الشغل لأول مرة، كما أن التشغيل أصبح في غالب الأحيان يضفي عليه الطابع المؤقت، حيث أن الاستقرار في مناصب الشغل بدأ يتقلص تدريجيا، كما أن متابعة الدراسة و الحصول على مؤهل لم يعد يضمن منصب عمل.
 وتقتضي البطالة بحكم أهميتها و استمرارها سلسلة هامة من الإجراءات المنسجمة مع إشكالية يجب توضيح أسسها الاقتصادية و الاجتماعية و تستدعي بالإضافة إلى ذلك، حماية اجتماعية يعاد تأسيسها على التحديات التي تطرحها البطالة.
  فبسبب الإصلاحات الاقتصادية والخوصصة تراجع دور الدولة في الحياة الاقتصادية  في السنوات الأخير أصبح القطاع الخاص يستوعب عمالة أكثر لكن ليس بنفس المستوى الذي كان يوفره قطاع الدولة أي بمعنى أدق فانه و مع بداية فترة الإصلاح فان القطاع الخاص غير مؤهل لأن يكون بديلا عن القطاع العام من ناحية التشغيل وليس بمقدوره أن يشغل حتى فائض العمالـة الناتج عن الإصلاحات.إلا أنه وعلى المدى الطويل قد يعد بآفاق واسعة خاصة المشاريع الذاتية مثل:التعاونيات الشبانية ،المؤسسات المصغرة، المؤسسات الصغيرة و المتوسطة و التي بإمكانها جر آليات سوق العمل الى الاقتراب نحو نقطة التوازن .
التوصيات:
-تطبيق برامج الإصلاحات الاقتصادية مع مراعاة أن مشكلة البطالة جزءا من الإصلاح بصفة عامة حيث أن الإختلالات الهيكليـة التي عانى منها الاقتصاد الجزائري كانت من العوامل الأساسية لنمو البطالة ، مع إرساء سياسة اجتماعية تعمل على التقليل من الآثار السلبية لسياسة الإصلاح خاصة ذوي الدخل الضعيف و المحدود.
- الاهتمام بالقطاع الزراعي بصفة خاصة حيث أنه يعتبر من أكبر القطاعات استيعابا للعمالة مع إعطاء أولوية لمشروعات البنى الأساسية في الأراضي المزروعة .
- وضع إستراتيجية لتنمية كثيفة العمل تتفق وسياسات الإصلاح الاقتصادي من جهة ، ورفع مستوى كل من معدلات النمو و التشغيل خاصة.
- ربط البرامج التعليمية والتدريبية باحتياجات سوق العمل.
- ضرورة توفير قاعدة بيانات أساسية متكاملة عن مشكلة البطالة في الجزائر تراعي التعريفات و المصطلحات و القياسات و المعايير الدولية المتعارف عليها .
- التركيز على دور المؤسسات المتوسطة و المصغرة لإدماج الشباب في ميدان الشغل من خلال تسهيلات تقديم القروض وبالتالي يمكن تنمية كفاءة مستوى تشغيل الموارد البشرية من خلال الاهتمام بالنظام التعليمي المهني والتدريبي لتسهيل عملية الإدماج في سوق العمل.
- الاستفادة من تجارب الدول في مجال التشغيل خاصة تلك التي تتزامن مع تطبيق برامج الإصلاحات الاقتصادية
الأستاذ /نذير عبد الرزاق                                                                الأستاذة/ بن يوسف نوة 
أستاذ مساعد و رئيس قسم العلوم الاقتصادية                                       أستاذة مساعدة بقسم العلوم الاقتصادية
 كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير                                          كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير

 جامعة المسيلة –الجزائر-                                                                   جامعة المسيلة –الجزائر-
الهوامش 
(1) تقارير المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي.
(2) موقع الانترنت جزايرس   http://www.djazairess.com/aps/98727   
(3) وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، المؤتمر العربي الأول حول تشغيل الشباب، 15 إلى 17نوفمبر 2009 ، الجزائر، ص04.
(4) الديوان الوطني للإحصائيات   www.ons.dz
(5) منظمة العمل العربية، مكتب العمل العربي، المركز العربي لتنمية الموارد البشرية، عرض حول التوجيه والإرشاد في برامج وأجهزة التشغيل بالجزائر، الندوة الإقليمية عن دور الإرشاد والتوجيه المهني في تشغيل الشباب، طرابلس:112005/7/13 –،ص05.
(6) FEMISE 2005, Profil Algérie, Institut de la méditerranée, janvier 2006, p 43.
(7) Reveu conjoncture, N° 22, Algérie, Décembre 1995, P 21
(8) Chérif Chakib Anouar et Tchouar Kheir-Eddine, . « chômage et politique de l’emploi en Algérie » , colloque de l’université de Tlemcen, les politiques économiques : réalités et perspectives , nov 2004, P .     
(9) Op, Cit, P.16
(10) Rapport sur mission d’enquête sur les libertés syndicales en Algérie, N0 349,2002, P.6  FIDH
(11) المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، رأي حول المخطط الوطني لمكافحة البطالة، ص 18.
(12) المخطط الوطني لمكافحة البطالة، مصالح رئاسة الجمهورية ، جويلية 1998.
(13) نفس المرجع ،ص19.