08‏/10‏/2017

ثالثا: نظرة على واقع الجزائــــــــر



    الجزائر كغيرها دول العالم تعاني من بطالة، لكنها بنسبة يعتبرها كثير من الباحثين غير مبررة، نتيجة المجهودات المختلفة التي تبذلها الدولة أولا، ونتيجة أنها دولة تتوفر على كل الإمكانيات –المادية والبشرية- منها خاصة ، التي تمكنها من اعتماد برامج ناجعة.
     وبالرغم من توفر بعض الإحصائيات إلا أنها غير كافية، لتعبر بصورة صادقة عن الوضع الحقيقي لسوق العمل في الجزائر، وتشير البيانات ان نسبة البطالة في انخفاض منذ نهاية التسعينات لتستقر في حدود 11% سنة 2007 وهي نسبة ولو أنها أكبر من الحد الاقتصادي المقبول، إلا أنها تنبئ أن هناك تحسنا في الوضع الاقتصادي، انعكس على جانب التشغيل، خاصة من خلال اعتماد الدولة الكثير من البرامج التي ساهمت بشكل ملحوظ في تقليل النسبة ، ولو أن البعض يشير إلى أن هذه البرامج غير مدروسة بشكل علمي كافي، وتؤثر على نسب البطالة بشكل مؤقت فقط.

الجدول رقم: 01 تطور نسبة البطالة -1999-2007



المصدر:الديوان الوطني للاحصائيات



    من جهة أخرى تشير الإحصائيات إلى تزايد نسبة مساهمة قطاع الخدمات على حساب القطاعات الأخرى وفي الجزائر انتقلت النسبة من 32.8% سنة 1985 إلى 54.8% سنة 2003، كما يوضحه الجدول التالي:

الجدول رقم 02: تطور القوى العاملة حسب القطاعات (1985-2003)


Source: K. BENMOUFFOK, The Rise of Employment in Algeria What are the Trends?   Posted to GPN on December 21, 2006, p 4.
     وهو ما يشير إلى تزايد أهمية ومساهمة قطاع الخدمات في تحقيق النمو الاقتصادي وامتصاص البطالة، حيث تشير الإحصائيات إلى تحقيق الجزائر نموا خارج قطاع المحروقات (6.5% سنة 2007)، ساهم قطاع الخدمات فيه بنسبة 7 % ، مما يؤشر على أن قطاع الخدمات سيكون أكبر مصدر للتشغيل.
    وبالرغم من مكانة قطاع المحروقات في الجزائر إلا انه لا يوظف إلا ما نسبته 3% من مجموع العمالة المحلية، وهذا راجع للكثافة الرأسمالية في هذا استثمارات هذا القطاع، وبالرغم من ذلك فإن له تأثيرا مباشرا على العمالة الكلية في الجزائر في القطاعات الأخرى، باعتباره مصدرا لتمويل هذه القطاعات.

الشكل رقم: 02  تطور كل من أسعار البترول والبطالة للفترة 1970-2006

المصدر:شيبي عبد الرحيم وشكوري محمد: البطالة في الجزائر-مقاربة تحليلية قياسية:المؤتمر الدولي حول أزمة البطالة في الدول العربية: 17-18 مارس 2008 ، القاهرة، ص 30.

    وفي البلدان النامية عموما تزداد نسبة البطالة من المتعلمين والمهنيين وذوي المهارات الخاصة، وبالنسبة للجزائر كما يوضح الشكل المقابل(رقم 03)، أن نسبة البطالة تزداد كلما زاد  المستوى التعليمي للفرد تقريبا، خاصة حينما نتحدث عن  الأشخاص من ذوي التعليم العالي، في سنة 2007 بلغت النسبة 12.5% بالنسبة للذكور و 24 % بالنسبة للإناث، وإجمالا كانت في حدود 16%، وهذا رقم كبير يؤشر على فجوة كبيرة بين خريجي الجامعات ومتطلبات سوق العمل، وهؤلاء عادة ما يسعون إلى العمل والهجرة خارج البلاد مما يشكل هدرا كبيرا في الطاقات البشرية الهامة.
الشكل رقم:03  نسبة البطالة في الجزائر-حسب المستوى التعليمي والجنس

Source: Kangni Kpodar, Why Has Unemployment in Algeria Been Higher than in MENA and Transition Countries?, CERDI, Etudes et Documents, E 2008.03, P 14.


    وهذه مفارقة أخرى تضاف إلى مفارقات الاقتصاد الجزائري، فبالرغم من أن مختلف الاقتصاديات التي بدأت تندمج في اقتصاد المعرفة، تبع ذلك زيادة واضحة في الطلب على خريجي الجامعات والمعاهد؛ فإن الإحصائيات تظهر ارتفاع نسبة بطالة هؤلاء لتصل إلى حدود 16 أو 17   %، وهذا ربما يعد مؤشرا من بين المؤشرات التي يمكن الاستدلال من خلالها على أن الاقتصاد الجزائري، لازال بعد لم يدخل في مراحل الاقتصاد المعرفي؛ والحلّ هنا ليس الحدّ من عدد الطلبة والمتخرجين (أي الضغط على عرض العمل) كما يذهب البعض إلى ذلك، بل البحث عن مصادر نموّ جديدة وقطاعات اقتصادية ذات قيمة مضافة عالية ومحتوى معرفي مرتفع، بما يضمن أكثر ما يمكن من فرص العمل لأصحاب المهارات التقنية والكفاءات العلمية.
وهنا سؤال هام جدا: كيف يمكن التقليل من نسبة البطالة في الجزائر من خلال تفعيل اقتصاد المعرفة؟
    أشار بعض الباحثين إلى أن هناك ضرورة لتفهم حاجات سوق العمل الجزائري من التخصصات والمهن التي تتطلب مهارة وتدريبا وتعليما متقدما، وهو ما يقصد به ضرورة التوجه نحو اقتصاد المعرفة.
يرى سمير مسعودي  أن أزمة البطالة هي أزمة معرفة حيث يعانى اقتصاد المعرفة في المنطقة العربية  من محدودية الأداء وقلة الإمكانيات - بالرغم من المكاسب المسجلة - ما زال بحاجة إلى تبنيه من قبل المؤسسات الخاصة لتساهم في رفع وتحسين الاقتصاد المعرفي لمجابهة تحديات التنمية ومنها تحديات التشغيل والبطالة من ناحية ولتحسين مواقع الاقتصاديات العربية في جغرافيا المعرفة على المستوى الدولي من ناحية ثانية وتعتبر الأنترنات البوابة الرئيسية في تنمية الأعمال للشباب لمساهمته في تنمية معدلات البحث والمعرفة حيث من المعلوم أن الإنفاق على البحث لا يتجاوز في المعدل العام 2 % من الناتج المحلي الإجمالي في الوطن العربي مقابل معدل عالمي يقدر ب 17 % وما توفر من هذا الإنفاق يوجه بنسبة عالية إلى الاستثمار المادي على حساب الاستثمار اللامادي بمعنى البحث والتطوير.
   ويرى بشار عباس أنه في ظل اقتصاد المعرفة فإن قضية البطالة تأخذ مفهوما مختلفا تماما، عما كان سائدا في منتصف القرن الماضي، حيث كان حل مشكلة البطالة يستند إلى بناء المجتمعات الصناعية الضخمة، أما القضاء على البطالة اليوم فيعتمد على برامج إعادة التأهيل، وهي المعلومات عن المجتمع الصناعي، بل هي عنصر أساسي في تكوين مجتمع المعلومات، مجتمع التغيرات السريعة، وهو بحاجة دائما إلى تأهيل العاملين لاستيعاب هذه التطورات المستمرة ، إذ إن البطالة في مجتمع المعلومات هي مشكلة نوعية وليست كمية، يعتمد فيها على رفع المستوى المعرفي والمهني للعامل، وتسعى اليوم الإدارات الحكومية للبلدان المتقدمة، إلى تقديم نظم إعادة التشغيل للعاطلين عن العمل، وهي نظم لا تستند إلى (البحث) عن وظائف جديدة، وإنما تستند بالدرجة الأولى إلى تدريب العاملين والعاطلين عن العمل وتأهيلهم للعمل في مهن أخرى مطلوبة
   
     ويضيف بشار عباس انه من المؤسف أن معظم البلدان العربية لا تتجه نحو تشجيع التحصيل العلمي، فالفوارق في رواتب الخريجين الجامعيين لا تزيد بأكثر من /10%/ في بعض البلدان عن العاملين من حاملي الشاهدة الثانوية، وفي هذا التشجيع للإبتعاد عن الحرم الجامعي الذي (يضيع) /4-7/ سنوات من حياة الطلبة مقابل فروق زهيدة في نهاية المطاف. وحتى تلاميذ التعليم الأساسي بدؤوا يعون هذه الحقيقة، ويلجأ بعضهم إلى الهرب من سلسلة غير مجدية من التعليم، الذي لا يمنح أحد المهارات التي تؤهله لمواجهة الحياة العملية، ولا يمنحه المستوى اللائق اجتماعيا واقتصاديا بعد تخرجه، وبدلا من ذلك يفضلون الإنخراط المبكر بالحياة العملية، رغم نجاحهم في حياتهم الدراسية، كي يكتسبوا المهارات التي يحتاجها (السوق)، وهو سوق العمل وسوق التجارة.
وأشار تقرير اللجنة الاقتصادية الإفريقية  بعنوان: التشغيل واقتصاد المعرفة في إفريقيا أن الدول الإفريقية ستواجه تحديا جديدا فيما يتعلق بقضية غياب أو قلة البيانات والإحصائيات خاصة ما تعلق منها بالتشغيل، حيث يعتبر عقبة لتحقيق التنمية السليمة المبنية على أدلة ومؤشرات واضحة نحو تحقيق الأهداف التنموية، حيث يدعو التقرير إلى إعادة النظر في المؤشرات الحالية وتطوير أخرى جديدة لتحسين تقييم الأثر.