(حدثنا عيسى بن هشام قال: اشتهيت الأزاد وأنا ببغداد, وليس معي عقد على نقد فخرجت أنتهز محاله, حتى أحلني الكرخ,
فإذا أنا بسوادي يسوق بالجهد حماره, ويطرف بالعقد إزاره, فقلت ظفرنا والله بصيد, وحياكم الله أبا زيد, من أي بلد أقبلت, وأين نزلت ومتى وافيت? وهلم إلى البيت.
فقال السوادي, لست بأبي زيد , ولكني أبو عبيد فقلت, نعم لعن الله الشيطان, وأبعد النسيان, أنسانيك طول العهد, واتصال البعد, فكيف حال أبيك?
أشاب كعهدي, أم شاب بعدي? فقال: قد نبت الربيع على منته, وأرجو أن يصيره الله إلى جنته, فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, ومددت يد البدار إلى الصدار, أريد تمزيقه, فقبض السوادي على خصري يجمعه, وقال نشدتك الله لا مزقته, فقلت هلم إلى البيت نصب غذاء, أو إلى السوق نشتر شواء, والسوق أقرب وطعامه أطيب, فاستفزته حمة القرم, وعطفته عاطفة اللقم وطمع, ولم يعلم أنه وقع, ثم أتينا شواء يتقاطر شواؤه عرقاً وتتسايل جوذاباته مرقاً: افرز لأبي زيد من هذا الشواء, ثم زن له من تلك الحلواء, واختر له من تلك الأطباق, وانضد عليها أوراق الرقاق, ورش عليها شيئاً من ماء السماق, ليأكله أبو زيد هنياً, فانحنى الشواء بساطوره, على زبدة تنوره, فجعلها كالكحل سحقاً, وكالطحن دقاً, ثم جلس وجلست,
ولا يئس ولا يئست, حتى استوفينا, وقلت صاحب الحلوى, زن لأبي زيد من اللوزينج رطلين, فهو أجرى في الحلوق, وأمضى في العروق, وليكن ليلي العمر, يومي النشر, رقيق القشر, كثيف الحشو, لؤلؤي الدهن, كوكبي اللون, يذوب كالصمغ, قبل المضغ, ليأكله أبو زيد هنياً, قال: فوزنه ثم قعد وقعدت, وجرد وجردت, حتى استوفيناه, ثم قلت يا أبا زيد ما أحوجنا إلى ماء يشعشع بالثلج, يقمع هذه الصارة, ويفثأ هذه اللقم الحارة, اجلس يا أبا زيد حتى نأتيك بسقاء, يأتيك بشربة ماء, ثم خرجت وجلست بحيث أراه ولا يراني أنظر ما يصنع, فلما أبطأت عليه قام السوادي إلى حماره, فاعتلق الشواء بإزاره, وقال: أين ثمن ما أكلت, فقال أبو زيد, أكلته ضيفاً. فلكمه لكمة, وثنى عليه بلطمة, ثم قال الشواء: هاك! ومتى دعوناك? زن يا أخا القحة عشرين!! فجعل السوادي يبكي ويحل بأسنانه ويقول: كم قلت لذلك القريد: أنا أبو عبيد, وهو يقول أنت أبو زيد, فأنشدت.
ولا يئس ولا يئست, حتى استوفينا, وقلت صاحب الحلوى, زن لأبي زيد من اللوزينج رطلين, فهو أجرى في الحلوق, وأمضى في العروق, وليكن ليلي العمر, يومي النشر, رقيق القشر, كثيف الحشو, لؤلؤي الدهن, كوكبي اللون, يذوب كالصمغ, قبل المضغ, ليأكله أبو زيد هنياً, قال: فوزنه ثم قعد وقعدت, وجرد وجردت, حتى استوفيناه, ثم قلت يا أبا زيد ما أحوجنا إلى ماء يشعشع بالثلج, يقمع هذه الصارة, ويفثأ هذه اللقم الحارة, اجلس يا أبا زيد حتى نأتيك بسقاء, يأتيك بشربة ماء, ثم خرجت وجلست بحيث أراه ولا يراني أنظر ما يصنع, فلما أبطأت عليه قام السوادي إلى حماره, فاعتلق الشواء بإزاره, وقال: أين ثمن ما أكلت, فقال أبو زيد, أكلته ضيفاً. فلكمه لكمة, وثنى عليه بلطمة, ثم قال الشواء: هاك! ومتى دعوناك? زن يا أخا القحة عشرين!! فجعل السوادي يبكي ويحل بأسنانه ويقول: كم قلت لذلك القريد: أنا أبو عبيد, وهو يقول أنت أبو زيد, فأنشدت.
اعمل لرزقتك كل آلة لا تقعدن بكل حالة
وانهض بكل عظيمة فالمرء يعجز لا محالة
المفردات:
الأزاد: نوع من التمر الجيد - الكرخ: محل ببغداد - الوادي: الريفي العراقي - نبت الربيع على دمنته: يعني على قبره - القرم: الشهوة البالغة لأكل اللحم - اللقم: السرعة في الأكل - الجواذبة: رغيف يخبز وفوقه طائر أو قطعة لحم - السماق: حب صغير أحمر حامض- اللوزينج: نوع من الحلوى يتخذ من الخبز ويسقى بدهن اللوز ويحشى بالنقل - يشعشع: يخلط - الصارة: شدة الحر - يفثأ: يكسر ويخفف.