جميل بثينة نسبة إلى عذرة وهي بطن من قضاعة من حمير بن سبأ من قحطان من العرب من شعراء العصر الأموي
وكان جميلا حسن الخلقة، كريم النفس، باسلاً، جواداً، شاعراً، مطبوعاً, مرهف الحس رقيق المشاعر والذي هام حباً ببثينة والتي انطلق يقول فيها الشعر حتى وفاته.
[عدل]مضرب شهرتهافتتن ببثينة بنت حيان بن ثعلبة العذرية، من فتيات قومه. خطبها من أبيها فرده وزوجها من رجل آخر. فازداد هياماً بها، فتناقل الناس أخبارهما. وقال فيها شعرا رقيقا. أكثر شعره في النسيب والغزل والفخر وأقله في المديح.
وكانت قبيـلـة "عُذرة" ومسكنها في وادي القرى بين الشام والمدينة.
عرفت هذه القبيـلـة بالجمال والعشق حتى قيل لإعرابي من العذريين:
"ما بال قلوبكم كأنها قلوب طير تنماث - أي تذوب - كما ينماث الملح في الماء؟ ألا تجلدون؟ قال: إنا لننظر إلى محاجر أعين لا تنظرون إليها.
قيل لأخر فمن أنت؟ فقال من قوم إذا أحبوا ماتوا، فقالت جارية سمعته: عُذريٌّ ورب الكعبة.
عشق جميل قول الشعر وكان لسانه مفطوراً على قوله فيقال أنه كان راوية لهدبة بن خشرم، وهدبة كان شاعراً وراوية للحطيئة وهو أحد الشعراء المخضرمين.
قصد جميل مصر وافدا على عبد العزيز بن مروان، بالفسطاط، فأكرمه عبد العزيز وأمر له بمنزل، فأقام قليلا ومات ودفن في مصر، ولما بلغ بثينة خبر موته حزنت عليه حزنا شديدا وأنشدت:
وإن ســلوي عــن جـميل لسـاعة | | مـن الدهـر مـا حانت ولا حان حينها |
سـواء علينـا يا جميل بـن معمر | | إذا مـت بأســاء الحيــاة ولينهــا |
[عدل]جميل بثينة عشق جميل بثينة بنت يحيى من بني ربيعة، منذ الصغر فلما كبر خطبها فمنعه أهلها عنها، فأنطلق ينظم الشعر فيها فجمع لها قومها جمعاً ليأخذوه إذا أتاها فحذرته بثينة فاستخفى وقال:
فلو أن الغادون بثينة كلهم | | غياري وكل حارب مزمع قتلي |
لحاولتها إما نهاراً مجاهراً | | وإما سرى ليلٍ ولو قطعت رجلي |
وهجا قومها فاستعدوا عليه مروان بن الحكم وهو يومئذ عامل المدينة، فنذر ليقطعن لسانه فلحق بجذام وقال:
أَتانِيَ عَن مَروانَ بِالغَيبِ أَنَّهُ | | مُقيدٌ دَمي أَو قاطِعٌ مِن لِسانِيا |
فَفي العيشِ مَنجاةٌ وَفي الأَرضِ مَذهَبٌ | | إِذا نَحنُ رَفَّعنا لَهُنَّ المَثانِيا |
وَرَدَّ الهَوى أُثنانُ حَتّى اِستَفَزَّني | | مِنَ الحُبِّ مَعطوفُ الهَوى مِن بِلادِيا |
بقى جميل هناك حتى عزل مروان عن المدينة، فأنصرف على بلاده وكان يختلف إليها سراً، كان لبثينة أخ يقال له حوَّاش عشق أخت جميل وتواعد للمفاخرة فغلبه جميل، ولما اجتمعوا لذلك قال أهل تيماء: قل يا جميل في نفسك ماشئت، فأنت الباسل الجواد الجمل، ولا تقل في أبيك شيئاً فإنه كان لصاً بتيماء في شملة لا تواري لبسته، وقالوا لحواش قل، وأنت دونه في نفسك وفي أبيك ما شئت فقد صحب النبي "صلى الله عليه واله وسلم".
قال كثير: قال لي جميل يوماً: خذ لي موعداً مع بثينة، قلت: هل بينك وبينها علامة؟ قال: عهدي بهم وهم بوادي الدوم يرحضون ثيابهم، فأتيتهم فوجدت أباها قاعداً بالفناء، فسلمت، فرد وحادثته ساعة حتى استنشدني فأنشدته:
وَقُلتُ لَها ياعَزَّ أَرسَلَ صاحِبي | | عَلى نَأيِ دارٍ وَالرَسولُ مُوَكَّلُ |
بَأَن تَجعَلي بَيني وَبَينَكِ مَوعِداً | | وَأَن تَأمُريني بِالَّذي فيهِ أَفعَلُ |
وَآخِرُ عَهدٍ مِنكَ يَومَ لَقيتَني | | بِأَسفَلِ وادي الدَومِ وَالثَوبُ يُغسَلُ |
فضربت بثينة جانب الستر، وقالت إخسأ، ولما تساءل والدها، قالت: كلب يأتينا إذا نوم الناس من وراء هذه الرابية، قال: فأتيت جميلاً وأخبرته أنها وعدته وراء الرابية إذا نام الناس.
كما يروي ابن عياش قائلاً: خرجت من تيماء فرأيت عجوزاً على أتان - أنثى الحمار- فقلت من أنت: قالت: من عذرة، قلت: هل تروين عن جميل ومحبوبته شيئاً فقالت: نعم، إنا لعلى ماء بئر الجناب وقد أتقينا الطريق واعتزلنا مخافة جيوش تجيء من الشام إلى الحجاز، وقد خرج رجالنا في سفر، وخلفوا عندنا غلماناً أحداثاً، وقد أنحدر الغلمان عشية إلى صرم لهم قريب منا ينظرون إليهم، ويتحدثون عن جوار منهم فبقيت أنا وبثينة، إذا انحدر علينا منحدر من هضبة حذاءنا فسلم ونحن مستوحشون فرددت السلام، ونظرت فإذا برجل واقف شبهته بجميل.
فدنا فأثبته فقلت: أجميل؟ قال: إي والله، قلت: والله لقد عرضتنا ونفسك شراً فما جاء بك؟ قال: هذه الغول التي وراءك وأشار إلى بثينة، وإذا هو لا يتماسك فقمت إلى قعب فيه إقط مطحون وتمر، وإلى عكة فيها شيء من سمن فعصرته على الأقط " الجبن"، وأدنيته منه فقلت: أصب من هذا وقمت إلى سقاء لبن فصببت له في قدح ماء بارد وناولته، فشرب وتراجع فقلت له: لقد جهدت فما أمرك؟ فقال: أردت مصر فجئت أودعكم وأسلم عليكم، وأنا والله في هذه الهضبة التي ترين منذ ثلاث ليال أنظر أن أجد فرصة حتى رأيت منحدر فتيانكم العشية، فجئت لأحدث بكم عهداً، فحدثنا ساعة ثم ودعنا وانطلق، فلم نلبث إلا يسيراً حتى أتانا نعيه من مصر.
وهكذا مات جميل ومات معه حبه ولكن يظل شعره ينبض بالحياة ويروي لنا قصة عاشق:
لَقَد ذَرَفَت عَيني وَطالَ سُفوحُها | | وَأَصبَحَ مِن نَفسي سَقيماً صَحيحُها |
أَلا لَيتَنا نَحيا جَميعاً وَإِن نَمُت | | يُجاوِرُ في المَوتى ضَريحي ضَريحُها |
فَما أَنا في طولِ الحَياةِ بِراغِبٍ | | إِذا قيلَ قَد سوّي عَلَيها صَفيحُها |
أَظَلُّ نَهاري مُستَهاماً وَيَلتَقي | | مَعَ اللَيلِ روحي في المَنامِ وَروحُها |
فَهَل لِيَ في كِتمانِ حُبِّيَ راحَةٌ | | وَهَل تَنفَعَنّي بَوحَةٌ لَو أَبوحُها |
أجمل قصائده : و لعل أكثر ما يحفظ الناس من شعر جميل هذه الأبيات :
أبثين انك قد ملكت فأسجحي | | وخذي بحظك من كريم واصل |
فلرب عارضة علينا وصلها | | بالجد تخلطه بقول الهازل |
فأجبتها بالقول بعد تستر | | حبي بثينة عن وصالك شاغلي |
لو كان في قلبي كقدر قلامة | | فضلا وصلتك أو أتتك رسائلي |
صادت فؤادي يا بثين حبالكم | | يوم الحجون وأخطأتك حبائلي |
منيتني فلويت ما منيتني | | وجعلت عاجل ما وعدت كآجل |
و أطعت في عواذلا فهجرتني | | وعصيت فيك وقد جهدن عواذلي |
و تثاقلت لما رأت كلفي بها | | أحبب الي بذلك من متثاقل |
و يقلن انك يا بثين بخيلة | | نفسي فداك من ضنين باخل |
و يقلن انك قد رضيت بباطل | | منها فهل لك في اجتناب الباطل |
و لباطل ممن أحب حديثه أشهى | | الي من البغيض الباذل |
حاولنني لأبت حبل وصالكم | | مني ولست وان جهدن بفاعل |
فرددتهن وقد سعين بهجركم | | لما سعين له بأفوق ناصل |
يعضضن من غيظ لعي أناملا | | ووددت لو يعضضن صم جنادل |
ليزلن عنك هواي ثم يصلنني | | فاذا هويت فما هواي بزائل |
و من روائعه أيضا :
خليلي عوجا اليوم حتى تسلما | | على عذبة الأنياب طيبة النشر |
فإنكما إن عجتما لي ساعة | | شكرتكما حتى أغيب في قبري |
ألما بها ثم أشفعا لي وسلما | | عليها سقاها الله من سائغ القطر |
وبوحا بذكري عند بثنة وأنظرا | | أترتاح يوما أم تهش إلى ذكري |
فان لم تكن تقطع قوى الود بيننا | | ولم تنس ما أسفلت في سالف الدهر |
فسوف يرى منها اشتياق ولوعة | | ببين وغرب من مدامعها يجري |
وأن تك قد حالت عن العهد بعدنا | | وأصغت الي قول المؤنب والمزري |
فسوف يرى منها صدود ولم تكن | | بنفسي من أهل الخيانة والغدر |
أعوذ بك اللهم أن تشحط النوى | | ببثنة في أدنى حياتي ولا حشري |
وجاور إذا ما مت بيني وبينها | | فيا حبذا موتي إذا جاورت قبري |
هي البدر حسنا والنساء كواكب | | وشتان بين الكواكب والبدر |
لقد فضلت حسنا على الناس مثلما | | على ألف شهر فضلت ليله القدر |
أيبكي حمام الأيك من فقد ألفه | | وأصبر ؟ مالي عن بثينة من صبر |
يقولون : مسحور يجن بذكرها | | وأقسم ما بي من جنون ولا سحر |
لقد شغفت نفسي يا بثين بذكركم | | كما شغف المخمور يابثن بالخمر |
ذكرت مقامي ليله البان قابضا | | على كف حوراء المدامع كالبدر |
فكدت ولم أملك اليها صبابة | | أهيم وفاض الدمع مني على نحري |
فيا ليت شعري هل أبيتن ليلة | | كليلتنا حتى نرى ساطع الفجر |
تجود علينا بالحديث وتارة | | تجود علينا بالرضاب من الثغر |
فيا ليت ربي قد قضى ذاك مرة | | فيعلم ربي عند ذلك ما شكري |
ولو سألت مني حياتي بذلتها | | وجدت بها إن كان ذلك من أمري |
مضى لي زمان لو أخير بينه | | وبين حياتي خالدا آخر الدهر |
لقلت : ذروني ساعة وبثينة | | على غفلة الواشين ثم أقطعوا عمري |
مفلجة الأنياب لو أن ريقها | | يداوى به الموتى لقاموا من القبر |
إذا ما نظمت الشعر في غير ذكرها | | أبى وأبيها أن يطاوعني شعري |
فلا أنعمت بعدي ولا عشت بعدها | | ودامت لنا الدنيا إلى ملتقى الحشر |