27‏/01‏/2013

معجزة السبع المثاني



بسم الله الرحمن الرحيم
حقائق رقمية تكشف أسرار أعظم سورة في القرآن الكريم

                                                قال الله تعالى عن سورة الفاتحة
((وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ )) [الحجر:15/87]

قال رسول الله  عن سورة الفاتحة
والذي نَفسي بيدهِ, ما أُنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها, هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته.[رواه الإمام أحمد].
إن أجمل اللحظات هي تلك التي يعيشها المؤمن مع كتاب ربه... عندما يرى أسراراً جديدة تتجلى في آيات هذا الكتاب العظيم... عندما يمتزج العلم بالإيمان للوصول إلى الله سبحانه وتعالى...
وفي بحثنا هذا سورة عظمية هي التي أقسم الرسول الكريم  بأن الله لم ينزل مثلها في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان، إنها السبع المثاني، وهي أمُّ القرآن، وهي فاتحة الكتاب...
واليوم نعيش لأول مرة مع معجزات هذه السورة بلغة القرن الواحد والعشرين (لغة الأرقام)، والحقائق الرقمية التي نكتشفها لا يمكن لأحدٍ أن يأتي بمثلها، وهي تدل دلالة قاطعة على أن هذا القرآن كتاب الله، ورسالته إلى البشر جميعاً.
فهل تخشع قلوبنا أمام عَظَمة هذه المعجزة؟
  مقدمة
الحمد لله الذي أنزل هذا القرآن وجعله معجزةً لكلِّ زمان ومكان, وأودع فيه أسرارًا لا تُحصى جاء عصر الأرقام ليكشف أمامنا جزءًا منها, لنزداد إيمانًا ويقينًا بهذا الإله الرحيم, ونزداد حبًّا لمن أُنزِلَ عليه القرآن صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
هذا هو الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يحدثنا عن أعظم سورة في القرآن: إنها أُمُّ الكتاب, وهي السَّبْعُ المثاني, وهي سورة الفاتحة, حتى إن الله تعالى قدَّم ذكرها على ذكر القرآن بخطابه للحبيب الأعظم , فقال: (ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم) [الحجر15/87].
إنها السورة التي لا تَصِحُّ الصلاة إلا بها, فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب, وهي السورة التي وضَعَها رَبُّ العزَّةِ سبحانه في مقدمة كتابه لِعِظَم شأنها, واختار لآياتها الرقم (7), فجعلها سبع آيات.
ونتساءل بعد كل هذا: هل يوجد وراء هذه السورة معجزة عظيمة هيَّأها البارئ عزَّ وجلّ لمثل عصرنا هذا؟ عندما تحدَّى اللهُ تعالى البشر جميعًا أن يأتوا بسورة مثل القرآن, فهل وَضعَ في هذه السور براهين مادية على ذلك؟ كيف يمكن لهذه المعجزة أن تخاطب البشر جميعًا على اختلاف لغاتهم ومعتقداتهم؟
في هذا البحث العلمي سوف تتراءى أمامنا معجزة حقيقية بلغة يفهمها كل البشر: إنها لغة الأرقام التي لا يمكن لأحدٍ أن يجحدها. ولكن: لماذا جاءت هذه المعجزة الرقمية في عصرٍ كهذا؟ من عظمة المعجزة الإلهية لكتاب الله أنها مناسبة لكل العصور, ونحن الآن نقف على بداية القرن الواحد والعشرين, وقد بلغت لغة الأرقام آفاقًا واسعة لم تبلغها من قبل, فأصبحت لغةُ العلم والإقناع هي لغةَ الرقم, حتى إن أي بحث علمي لا يرقى لمستوى اليقين إلا إذا دُعم بالنتائج الرقمية الثابتة. كما لا يخفى على أحد التطور الكبير الذي يشهده عصرنا فيما يسمَّى بالتكنولوجيا الرقمية (الإنترنت, الكمبيوتر, الاتصالات الرقمية...).
إن فكرة هذا البحث بسيطة للغاية, فسورة الفاتحة هي عبارة عن بناء محكم من الكلمات والأحرف, وقد قُمنا بدراسة هذا البناء رقميًّا, فتبيَّن بما لا يقبل الشك أن أساس هذا البناء المذهل يقوم على الرقم (7). وهذا أمر بديهي, لأن الله تعالى هو الذي سمَّى هذه السورة بالسَّبْع المثاني, فنحن لم نأت بشيءٍ من عندنا, بل كل ما فعلناه هو اكتشاف علاقات رقمية موجودة أصلاً في هذه السورة!
إن المرجع لهذا البحث هو القرآن الكريم (بالرسم العثماني ورواية حفص عن عاصم), وبما أن كلمات وأحرف هذا القرآن ثابتة جاءت الحقائق الرقمية ثابتة أيضًا, هذه الحقائق المذهلة هي دليل قوي جدًا في هذا العصر على إعجاز القرآن, وأن الله تعالى قد حفظ كل حرفٍ فيه إلى يوم القيامة, فهو القائل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 15/9].
كما أن هذه الحقائق الرقمية الثابتة تُعتبر برهانًا ماديًا على استحالة الإتيان ولو بسورة مثل القرآن, وهنا نتذكّر قول الحقّ سبحانه وتعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [البقرة: 2/23ـ24].
ولولا الأهمية القصوى لهذا الرقم لم نجده يتكرر كثيرًا من حولنا, فمنذ بداية خلق الكون اختار سبحانه وتعالى الرقم (7) ليجعل عدد السماوات سبعًا, حتى الذرَّة التي هي الوحدة الأساسية للبناء الكوني تتألف من سبع طبقات إلكترونية, أيام الأسبوع سبعة, السجود على سبعة أَعْظُم, الطواف (7) أشواط, وكذلك السعي بين الصفا والمروة... وأشياء يصعُب حصرُها... حتى جهنم التي أعدَّها الله تعالى لكل من لا يؤمن بهذا القرآن لها سبعة أبواب. واليوم عندما نكتشف النظام المذهل القائم على هذا الرقم في أعظم كتاب ـ القرآن ـ ألا يدل هذا دلالة واضحة على أن خالق السماوات السبع هو نفسُه مُنزِّل القرآن؟ أنزله بعلمه وقدرته وقال فيه مخاطبًا البشر جميعًا: (أََفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً)  [النساء: 4/82].
وسوف نشاهد كيف نظَّم الله جل وعلا كل حرف وكل كلمة وكل آية في سورة الفاتحة بنظام مُحكََم ومتكامل. فالله تبارك وتعالى هو الذي جعل هذه السورة سبع آيات، وهو الذي سماها بالسبع المثاني، وهو الذي أحكم حروف اسمه فيها بشكل يتناسب مع تسميتها، فجاء عدد حروف لفظ الجلالة (الله) ـ أي الألف وللام والهاء ـ في هذه السورة مساوياً بالتمام والكامل (49) حرفاً، أي سبعة في سبعة!!
حتى إن حروف (الم) ـ الألف واللام والميم ـ جاءت في هذه السورة بنظام مذهل يقوم على الرقم سبعة، وكذلك حروف (الر). ولو بحثنا في هذه السورة عن الحروف المشدَّدة لوجدنا عددها (14) حرفاً، أي سبعة في اثنان، ولو أحصينا عدد النقط في هذه السورة لرأينا بالضبط (56) نقطة، أي سبعة في ثمانية، ولو درسنا تركيب سورة الفاتحة لوجدنا أنها تركيب أساساً من (21) حرفاً أبجدياً، أي سبعة في ثلاثة، وهنالك سبعة أحرف لم تُذكر في هذه السورة، وهكذا علاقات لا تكاد تنتهي جميعها ترتبط مع الرقم سبعة ومضاعفاته.
ويمكن القول: لولا الأهمية البالغة للرقم سبعة لم يكن الله عز وجل ليسمِّي هذه السورة بالسبع المثاني! وقد تشير كلمة (المثاني) إلى التثنية والتكرار، أي مكررات أو مضاعفات الرقم سبعة. وهذا ما سوف نراه فعلاً في هذا البحث، فجميع الأرقام الواردة فيه هي من مكررات أو مضاعفات الرقم سبعة.
وأخيراً أسأل الباري سبحانه وتعالى أن يتقبل منا هذا العمل، وأن ينفع به كل من يطلع عليه، اللهم اجعل القرآن شفيعًا لنا يوم لقائك.
إشراقات لعلم جديد
 إنـها شمس الإعجاز الرقمي تشرق على القرن الواحد والعشرين لتخاطب البشر جميعًا بلغة العصر ـ الأرقام. حقـائق رقمية مذهلة نكتشفـها اليوم في كتاب الله عزَّ وجلّ... فهل تخشع قلوبنا أمام عظمة كتاب الله؟ وهل نزدادُ يقينًا وإيمانًا وثقة بالله عزَّ وجلّ؟
آفاق الإعجاز الرقمي
هذا هو كتاب الله تبارك وتعالى, يخبرنا عن الحقائق الكونية والعلمية فيأتي العلم الحديث مصدقًًا لكلام الحقّ سبحانه وتعالى, وقبل ذلك تحدىَّ أرباب البلاغة واللغة فعجزوا أمامه, واعترفوا بضعفهم وعدم قدرتهم على الإتيان بمثله.
واليوم وكلما جدّ جديدِ في ميادين الفكر والعلم والمعرفة كان لكتاب الله عزَّ وجلّ السَّبْق في ذلك, حتى لا نكاد نجد شيئًا من العلم, إلا وفي كتاب الله إشارة واضحة وتفصيل بيِّن, وهذا ما أكده القرآن: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف: 12/111].
 ونتساءل, ونحن نعيش عصر الرقميات, نرى فيه للغة الأرقام وجودًا قويًا أينما نظرنا من حولنا: الاتصالات الرقمية, السوبر كمبيوتر, عالم كامل من الإنترنت, أجهزة رقمية نكاد نعجز عن إحصائها... في عصرٍ كهذا, كيف يمكن لهذا القرآن ـ أعظم كتاب في العالم ـ أن يتحدَّى أرباب العلم الحديث بلغتهم التي يتقنونها جيدًا ـ الأرقام؟
وإذا كانت معجزة البلاغة القرآنية في زمن البلاغة قد جعلت المؤمنين الأوائل يدركون عظمة القرآن وثِقل كلام الله تعالى, فهل يمكن للمعجزة الرقمية في عصرنا هذا أن تجعلنا ندرك عَظَمة كتاب الله تعالى؟ وهل نزداد إيمانًا وثقة ويقيناً بالله سبحانه تعالى؟ وما كان الله تعالى ليذَرَ عباده المخلصين في عصر كهذا من دون أن يؤتيهم حُجَّة قوية على كل من يشُكّ بهذا القرآن, وليقولوا عندما يرون معجزات الله وآياته الكبرى: ( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل: 27/93].
إنني على ثقة تامة بأن مستقبل علوم الإعجاز القرآني سيكون للإعجاز الرقمي, ولكن يجب ألا ننسى بأن المعجزة اللغوية للقرآن مستمرة في عصرنا هذا... ولكن أين من يبحث ويتدبَّر ويكتشف أسرار وعجائب القرآن التي لا تنقضي؟
ولكي ندرك عظمة البناء الرقمي لكتاب الله, يجب أن نتفكّر في هذا الكون وما فيه من نظام محكم, وكيف يرتبط مع الرقم (7).
القـرآن والكـون
لقد استطاع العلم الحديث أن يكشف الكثير من الحقائق الكونية, ومن هذه الحقائق أن الذرة التي هي وحدة البناء الأساسية للكون تتألف من (7) طبقات إلكترونية (ولا يمكن أن تكون أكثر من ذلك), وأن هذه الأرض التي نعيش عليها تتركب من (7) طبقات أيضاً, ويُضيف القرآن شيئًا جديدًا لم يكتشفه العلم بعد, وهو أن عدد السماوات سبع, يقول تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) [الطلاق: 65/12].
هذه الآية تُعبِّر تعبيرًا دقيقًا عن حكمة الرقم (7) في الكون وفي القرآن, فالله تعالى الذي خلق الكون, هو نفسه الذي أنزل القرآن, وكما أنه عزَّ وجلّ نظّم الكون بنظام يقوم على الرقم (7), كذلك نظّم القرآن بنظام يقوم على الرقم (7), وعندما نكتشف هذا الانسجام بين النظامين نستيقن ونعلم أن الله على كل شيء قدير, قدير على خلق الكون وإحكامِه, وقدير على تنزيل القرآن وإحكامه أيضًا, وقد أحاط بكل شيء علمًا: أحاط بأسرار الكون وبأسرار القرآن, ولا ننسى بأن الرقم سبعة يعني الكمال بين الأرقام!
في ظـلال الرقـم (7)
حتى يكتمل النظام الكوني؛ جعل الله تعالى أيام الأسبوع (7), لندرك أنه هو رب المكان والزمان. فالمؤمن ينسجم في عبادته مع نظام الكون, فعندما يطوف حول الكعبة يتم سبعة أشواط, وعندما يسجد لربه في صلاته فإنه يسجد على سبعة أعظم, هذا المؤمن يجتنب السبع الموبقات ليكون يوم القيامة من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظله...
أما الملحد الذي لا يقيم وزنًا لهذا القرآن, ولا يعترف بربّ السماوات السَّبع, ولا يؤمن بهذا النبيّ الكريم  القائل عن القرآن: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف).
إن الذي لا يؤمن بهذا, فإن بانتظاره نار جهنم التي أعدَّها الله لأمثال هذا, وجعل لها سبعة أبواب, وقال: (لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) [الحجر: 15/44], وقد تكررت كلمة (جهنم) في القرآن كله (77) مرة, أي (7×11).
رؤيـة جـديـدة
في كتاب الله تعالى نحن أمام كلمات, لا توجد معادلات رياضية, ولا مخططات بيانية, لا توجد أرقام, الأرقام الوحيدة التي يحتويها القرآن هي أرقام السور والآيات, وهذه أرقام تسلسلية لم تُدَوَّن إلا منذ عهد قريب فقط. والسؤال: كيف نجد معجزة رقمية مذهلة في كتاب كالقرآن؟ كيف نبحث عن نظام رقمي مُحكَم يتحدَّى أحدث علوم العصر؟
محاولات كثيرة بُذلت منذ زمن بعيد لدراسة القرآن رقميًّا, منها ما سُمِّيَ بحساب الجُمَّل (إبدال كل حرف بقيمة رقمية), ومنها ما اقتصر على عد كلمات القرآن وأحرفه, ومن الباحثين من درس تكرار الكلمات في القرآن, وهذا ما نجده في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم. ومنهم من درس تكرار الأحرف في أوائل السور (الأحرف المميزة)... وغير ذلك من المحاولات, التي تعتمد على جمع الأرقام جمعًا.
المنهج الجديد الذي يقدمه البحث هو دراسة البناء المُحكَم لأحرف وكلمات وآيات سورة الفاتحة وعلاقتها مع القرآن, بحيث نَصُفُّ الأرقام صَفّا حسب تسلسلها في كتاب الله تعالى. وهذا المنهج في صَفّ الأرقام (دون جمعها) يحافظ على تسلسل كلمات القرآن وآياته وسوره, فالإعجاز الرقمي يكمن في تسلسل هذه الكلمات بالترتيب الذي ارتضاه الله تعالى لكتابه.
وعندما نتعامل مع كتاب الله عزَّ وجلّ فيجب أن نكون في أشدِّ حالات الحذر, ولا نُقحم في القرآن ما ليس منه, ولا نحمِّل نصوص القرآن ما لا تحتمله. وينبغي علينا أن ندرك بأن الأرقام ليست هدفًا بحدِّ ذاتها, إنما هي وسيلة لرؤية البناء القرآني المُحكَم, عسى أن نزدادَ إيمانًا ويقينًا بهذا الكتاب العظيم, الذي قال الله  عنه: (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً)  [الإسراء: 17/9].
ومن عَظَمة هذا القرآن تنوُّع إعجازه, فهو كتاب مُعجز لجميع البشر, كلّ حسب اختصاصه, فعالِم اللغة يجد إعجازًا لغويًا وبيانيًا, والطبيب يجد معجزة طبية, وعالم الفلك يجد معجزة كونية, وعالم الرياضيات والكمبيوتر يجد معجزة رقمية... وهكذا إعجاز لا ينتهي!
ولكن قد يتساءل البعض: ما هي الحكمة من الرقم سبعة بالذات، ولماذا صفُّ الأرقام دون جمعها، ولماذا سورة الفاتحة بالذات؟ إن الله عز وجل هو أعلم بما ينزِّل، ولكن نحاول من خلال تدبّرنا لكتاب الله أن نستنبط الحكة من هذا النظام الرقمي لنزداد فهماً لهذا القرآن وعلماً بآياته.
إن الرقم سبعة كان يعني قديماً الكمال بين الأرقام، ويمكن القول بأن هذا الرقم هو الوحيد بين الأرقام الذي يصلح لبناء نظام على أساسه، وربما يتم إثبات ذلك في المستقبل.
أما سبب صفّ الأرقام فإن لهذه الطريقة ميزات لا تتوفر في غيرها، فعندما نصفّ أرقام الآيات مثلاً، أو عدد حروف كل كلمة صفًّا نحافظ على تسلسل هذه الآيات وهذه الكلمات وترتيبها بينما إذا جمعنا هذه الأرقام جميعاً اختفى هذا التسلسل وهذا الترتيب.
وعندما نصّف رقم السورة وإلى جانبه رقم الآية وإلى جانبه عدد الكلمات ثم عدد الحروف، فإن العدد الناتج نرى فيه جميع هذه الأرقام رؤية مباشرة، بينما إذا جمعنا هذه الأرقام اختلف ولم نعد نميِّز بينها.
كما أن صفّ الأرقام (لكل رقم منزلة ومرتبة) يؤدي إلى أعداد ضخمة جداً، وهذا يزيد من تعقيد المعجزة الرقمية. إن هذه الطريقة في صف الأرقام لم تكن موجودة على زمن الرسول الكريم ، وهذا يعني أن التفسير الوحيد لوجود نظام كهذا في القرآن أنه كتاب الله ورسالته إلى البشر جميعاً.
إن سورة الفاتحة هي مفتاح الإعجاز في كتاب الله وهي السورة الوحيدة التي سمَّاها الله تعالى برقم! فالسبع تعني الرقم سبعة، والمثاني تعني المضاعفات أو التثنية وفي هذا إشارة لعمليات رياضية. وبما أن الفاتحة هي أم الكتاب فإن الأنظمة الرقمية في سورة الفاتحة موجودة في القرآن كله ولا يقتصر وجودها على هذه السورة، والله تعالى أعلم.
معجزة البنـاء القـرآني
إن الله تعالى الذي بنى السماوات السبع على أسس محكمة, هو الذي بنى القرآن على أنظمة محكمة أساسها الرقم (7) أيضًا.
في هذا الفصل نكتشف العلاقات الرقمية المذهلة بين سور القرآن وآياته وسنوات نزوله, وترتيب سوره وكلماته, وسوف تتراءى أمامنا عظمة هذا البناء المحكم لأعظم كتاب على وجه الأرض ـ كتاب الله تعالى.
عَظَمَة البناء القرآني
أرقام ثابتة في كتاب الله عزَّ وجلّ لا يمكن لأحدٍ أن ينكرها, فعدد سور القرآن هو (114) سورة, أول سورة فيه هي فاتحة الكتاب رقمها (1), آخر سورة في القرآن هي سورة الناس ورقمها (114). إن هذين العددين يرتبطان مع الرقم (7). فعندما نَصُفُّ هذين العددين: (1ـ114), ينتج عدد جديد هو: (1141) من مضاعفات الرقم (7) ومجموع أرقامه (7):
1141 = 7 × 163
1+4+1+1=  7
إن هذا النظام لا يقتصر على سور القرآن بل يشمل سنوات نزول القرآن, فنحن نعلم أن سور القرآن الـ (114) نزلت على الرسول الكريم  خلال فترة (23) سنة, وبصَفّ هذين العددين: (114ـ23), ينتج عدد جديد هو (114 23) من مضاعفات الرقم (7) هو ومقلوبه:
23114 = 7 × 3302
وعندما نقرأ هذا العدد بالاتجاه المعاكس أي من اليمين إلى اليسار تصبح قيمته (32 411), ويبقى قابلاً   للقسمة على (7) :
41132 = 7 × 5876
ولكن السؤال هل يبقى النظام قائمًا ليشمل عدد آيات كتاب الله؟
إن عدد آيات القرآن هو (6236) آية،  نزلت على قلب الرسول الكريم  في (23) سنة, إن العدد المتشكل من صَفِّ هذين العددين: (6236ـ23), من مضاعفات الرقم (7) بالاتجاهين أيضًا، أي العدد ومقلوبه:
1)                  العدد:              6236 23  = 7 × 33748
2)                  مقلوبه:            32  6326 = 7 × 90376
إن النتيجة المذهلة حقًا هي العلاقة بين عدد آيات القرآن وعدد سوره أي: (6236ـ114), فعندما نصُفُّ هذين العددين ينتج عدد جديد هو:
(6236 114), هذا العدد من مضاعفات الرقم (7) هو ومقلوبه أيضًا:
3)                  العدد:                       6236 114 = 7 × 163748
4)                  مقلوبه:             411 6326 = 7 ×  903773
والملفت للانتباه أن هذا العدد مكون من (7) مراتب, ومجموع أرقامه يساوي عدد سنوات الوحي الثلاثة والعشرين, أي:
(6236 114): 6+3+2+6+4+1+1 = 23  (بعدد سنوات نزول القرآن!)
إن هذا الترابط المذهل مع الرقم (7) لسور القرآن وآياته وسنوات نزوله يدلّ دلالة قطعية أن في القرآن نظامًا رقميًا مُحكمًا, لا يستطيع البشر ولو اجتمعوا أن يأتوا بمثل هذا النظام.
والآن لندخل إلى كلمات القرآن, لندرك أن كلماته تسير وفق نظام مُحكَم, ويكفي أن نتدبَّر أول كلمة وآخر كلمة في القرآن من حيث الترتيب, ومن حيث النزول لندرك شيئًا من هذا النظام.
2. القرآن مُحـكَم ترتـيبًا ونـزولاً
كما نعلم جميعًا ترتيب سور القرآن الذي بين أيدينا يختلف عن ترتيب نزول هذه السور, ولكن هل يبقى النظام قائمًا؟   
إن أول كلمة بدأ بها القرآن هي (بسم) في قول الحق عزَّ وجلّ في الآية الأولى من الكتاب: (بسم الله الرحمن الرحيم) [الفاتحة: 1/1], أما آخر كلمة ختم بها كتاب الله فهي (الناس), في قوله تعالى: (من الجِنّة والناس) [الناس: 114/6], وهي آخر آية في القرآن. 
والحقيقة الثابتة أن كلمة (بسم) نجدها مكررة في القرآن (22) مرة, وكلمة (الناس) نجدها قد تكررت في كتاب الله (241) مرة, عندما نَصُفُّ هذين العددين نحصل على عدد جديد هو(22 241) من مضاعفات الرقم(7):
24122 = 7 × 3446   
إذن ترتبط أول كلمة وآخر كلمة في القرآن برباط وثيق يعتمد على الرقم (7), ولكن ما هي أول كلمة وآخر كلمة نزولاً؟
إن أول كلمة نزلت من القرآن هي (اقرأ), في قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق) [العلق: 96/1], وهذا دليل على أن الإسلام هو دين العلم. أما آخر كلمة نزلت فهي (لا يُظلمون) في قول الحق تبارك وتعالى: (واتقوا يوماً تٌرجعون فيه إلى الله ثم تٌوفى كلّ نفس ما كسبت وهم لا يُظلمون) [البقرة: 2/281].
نطبق النظام السابق ذاته, ولكن مع مراعاة تسلسل كلمات القرآن, فكلمة (اقرأ) نجدها في القرآن بعد كلمة (يُظلمون) وسرّ هذا التسلسل هو لبقاء النظام الرقمي قائمًا وشاهدًا على قدرة الله تعالى, وأن كل كلمة في هذا القرآن هي من عند الواحد الأحد الذي نظّم كل شيء في القرآن كما نظّم كل شيء في الكون.
كلمة (يُظلمون) تكررت في القرآن (15) مرة, والعجيب أنها دائمًا مسبوقة بـ (لا), أي (لا يُظلمون) وهذا دليل على أن الإسلام دين العدل, وقد وضع الله تعالى هذه الآية قبل آية (اقرأ) ليدلنا على مدى حرص الحقّ تعالى على العدل, وأن الله لا يظلم الناس شيئًا, فقد حرَّم الظلم على نفسه وجعله محرمًا, لذلك كل كلمة من كلمات القرآن نجدها موضوعة بدقة شديدة يعجز البشر عن الإتيان بمثلها لغويًا ورقميًا.
كلمة (اقرأ) نجدها قد تكررت في القرآن كله (3) مرات, والمذهل أننا عندما نصُفّ تكرار هاتين الكلمتين (حسب تسلسلهما في كتاب الله) نجد عددًا: (15 3), من مضاعفات الرقم (7):
315 = 7 × 45
ليس هذا فحسب بل هنالك علاقة بين هذه الكلمات (ترتيبًا ونزولاً), فكما رأينا ناتج القسمة لأول كلمة وآخر كلمة ترتيبًا هو: (3446), وناتج القسمة لتكرار أول كلمة وآخر كلمة نزولاً هو: (45), والعجيب أن هذين العددين كيفما صففناهما نجد عددًا من مضاعفات الرقم (7):
1)                                    3446 45 = 7 × 7 × 7 × 1322
2)                                        45 3446 = 7 × 49235 
م. عبد الدائم الكحيل