هناك العديد من الفرضيات
المزعومة حول مكة المكرمة، ومنها ما هو خطأ علمي، ومنها ما هو مجرد
فرضيات تحتاج إلى برهان ودليل، لنقرأ....
|
إنها
أم القرى وأفضل بقاع الأرض وأشرفها عند الله... فيها أول بيت وُضع للناس،
وفيها وُلد خير البشر صلى الله عليه وسلم، وإليها تتوجه قلوب المسلمين
وعقولهم ووجوههم... إنها مكة المكرمة التي اختارها الله لتكون قبلة
المؤمنين وملاذ المشتاقين وأمان الخائفين.
وبما أنني مسلم فإنني أتلهف لأي معجزة تتعلق بهذا
المكان المقدس، وبخاصة إذا تعلق الأمر بمركزية هذا البيت العتيق، وأن مكة
تتوسط اليابسة وأن توقيتها أدق من غيرها، لأنه لا يوجد فيها أي انحراف
مغنطيسي... ولكن المشكلة أن لغة الحقائق العلمية تختلف عن لغة العواطف.
فالملحد يتربص بأي معجزة يتم نشرها ويبدأ بمهاجمتها
على الفور، ولذلك نحرص كل الحرص على أن تكون المعلومة التي نبثها تمثل
حقيقة علمية، وليس مجرد محاولة أو نظرية أو فرضية. مع العلم أننا نستأنس
بالمحاولات والفرضيات إذا كانت تتفق تماماً مع ما جاء في كتاب الله وسنة
نبيه عليه الصلاة والسلام.
هل ينطبق الشمال المغنطيسي لمكة على الشمال الجغرافي؟
يقول بعض علمائنا "وللأسف" إن منطقة مكة المكرمة لا
يوجد فيها أي انحراف مغنطيسي، أي أن الشمال المغنطيسي ينطبق على الشمال
الجغرافي، ولذلك فإن مكة يجب أن تكون هي مركز التوقيت العالمي بدلاً من
غرينتش؟!
وسبحان الله، كيف يصدر مثل هذا الكلام عن علماء
متخصصين في العالم الإسلامي دون دراسة أو بحث علمي، إن الشمال المغنطيسي
يتغير من سنة لأخرى، ومن مكان لآخر، وهناك مناطق كثيرة في العالم لا يوجد
فيها انحراف مغنطيسي! ولذلك فإن القول بأن الشمال الحقيقي ينطبق على الشمال
المغنطيسي لمكة المكرمة هو خطأ علمي واضح. وأقول: ما هي علاقة التوقيت
بالانحراف المغنطيسي لمدينة ما، فأي مدينة على وجه الأرض تصلح لاعتبارها
مرجعاً للتوقيت وتبقى المسألة نسبية.
الانحراف المغنطيسي لأي بقعة على الأرض
هو الفرق بين الشمال الحقيقي أو محور دوران الأرض وبين الشمال المغنطيسي
حيث تتوجه الإبرة المغنطيسية (البوصلة). ويتغير هذا الانحراف ببطء بمرور
الوقت، ولذلك نجد أن الخرائط الجغرافية التي تحدد خطوط الانحراف المغنطيسي
يتم إرفاقها بالتاريخ الذي رُسمت فيه هذه الخريطة، لأن الخطوط تتغير من سنة
لأخرى بسبب الحركة المعقدة لنواة الأرض الحديدية.
خريطة المجال المغنطيسي للأرض وذلك لعام
1995، فهذه الخريطة تختلف من عام لآخر، ونلاحظ أن منطقة مكة المكرمة يوجد
فها انحراف مغنطيسي أكثر من درجتين، وهناك مناطق كثيرة في أفريقيا والهند
وأمريكا وأوربا، يكون الانحراف المغنطيسي لها صفر، وهذا الانحراف يتغير من
سنة لأخرى. وهذه الخريطة العالمية تكفي لدحض المزاعم التي تقول بأن مكة لا
يوجد بها انحراف مغنطيسي.
ولذلك فإن الشمال المغنطيسي لمكة المكرمة لا ينطبق على
الشمال الجغرافي، ولو بحثنا عن الدليل العلمي على ذلك نذهب لأحد المواقع
العلمية المتخصصة بإعطاء الانحراف المغنطيسي لأي مكان في العالم، وعند
البحث عن الانحراف المغنطيسي لمكة المكرمة عام 2008 مثلاً نجد النتائج
الآتية في الصورة:
هذه صورة نتيجة البحث في أحد الواقع
العلمية عن الانحراف المغنطيسي لمدينة مكة المكرمة، يمكن الحصول على هذه
النتيجة بإدخال خط الطول وهو أقل من 40 درجة بقليل (39 درجة و58 دقيقة و
25.5 ثانية)، وخط العرض وهو 21 درجة و 33 دقيقة و 14.4 ثانية، وهذه
إحداثيات مدينة مكة المكرمة، وقد كان الانحراف المغنطيسي لهذه المدينة هو 2
درجة و 50 دقيقة، أي أنه ليس صفراً. وهذا الانحراف في عام 2008 ويختلف من
عام لآخر. المرجع http://geomag.nrcan.gc.ca/apps/mdcal_e.php
النتيجة: القول بأن مكة لا يوجد لها انحراف مغنطيسي هو خطأ علمي، ولا توجد علاقة بين التوقيت وبين الانحراف المغنطيسي.
وأخيراً يا أحبتي يمكنني أن أقول:
إنني شخصياً أحب مكة المكرمة وأي شيء يرتبط بها،
وأتمنى أن يتبع العالم الإسلامي كله توقيت مكة المكرمة، وأميل بفطرتي نحو
هذه البلدة الطيبة، ولكن عندما نقدم للناس أمراً كهذا (الاعتماد على توقيت
مكة المكرمة) ينبغي أن نربطه بقدسية المكان وليس بالنظريات العلمية
الخاطئة، أو أننا ننتظر حتى نحصل على حقيقة علمية صحيحة ونقدمها للناس، لأن
الهدف من علم الإعجاز بالدرجة الأولى خطاب غير المسلمين، وهؤلاء عندما
يكتشفون بأن مكة ليست مركز العالم مثلاً، أو أن النظريات العلمية المتعلقة
بها غير صحيحة، فستكون ردة فعلهم سيئة تجاه الإسلام، ولا نريد لأحد أن
ينتقد الإعجاز العلمي، فهذا العلم تعرض للكثير من الانتقادات مما جعل بعض
علمائنا ومشايخنا ينفرون منه.
وحبذا لو اعتمد العالم الإسلامي توقيت مكة المكرمة،
ليس لاعتبارات علمية، بل لأنها أقدس مكان على وجه الأرض، وأن ننتظر حتى نجد
دليلاً علمياً على ذلك، ولا نتسرع فنسيء لعلم الإعجاز بدلاً من أن نخدمه.
ولا نجد خيراً من دعاء الحبيب صلى الله عليه وسلم:
اللهم اهدنا لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
المراجع
- عز الدين كزابر: حول مركزية مكة لليابسة وإشكالات الاستدلال عليها
- كتاب العلوم المعاصرة في خدمة الداعية الإسلامي للدكتور محمد جميل الحبال، 2006.
-
دراسة للدكتور حسين كما الدين حول مركزية مكة المكرمة: إسقاط الكرة
الأرضية بالنسبة لمكة المكرمة وتعيين اتجاه القبلة، مجلة البحوث الإسلامية،
1395-1396هـ، الجزء 2، ص 292-293.
- مقالة للدكتور زغلول النجار، من أسرار القرآن، جريدة الأهرام المصرية، تاريخ 7/7/2003.
- قرص مضغوط بعنوان المعجزة الخالدة 1998.
- عز الدين كزابر: حول ادعاء عدم انحراف المجال المغناطيسي على خط طول مكة المكرمة.
- محاضرة للدكتور زغلول النجار حول مركزية مكة المكرمة، مؤتمر قطر 19 أبريل 2008.
Muslim call to adopt Mecca time, http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/7359258.stm
http://www.elnaggarzr.com/index.php?l=ar&id=2093&cat=120
http://www.spacecom.com/customer_tools/html/body_mag_dec_map.htm
http://www.magnetic-declination.com/?go=SEARCH#
Magnetic Declination,
Magnetic http://geology.isu.edu/geostac/Field_Exercise/topomaps/magnetic_declination.htm
www.magnetic-declination.com
http://geomag.nrcan.gc.ca/apps/mdcal_e.php
http://geomag.usgs.gov/
National Geophysical Data Center
http://www.disitron.com/freeresources/earthcolor.gif
م. عبد الدائم الكحيل