14‏/03‏/2012

التلاعب في الأسواق المالية ، البعد الاقتصادي


د. محمد بن إبراهيم السحيباني ،جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
ورقة عمل مقدمة في ندوة
المضاربة والتلاعب في الأسواق المالية: الأبعاد الاقتصادية والقانونية والشرعية
الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل
الرياض، الأربعاء 27 صفر 1429هـ (الموافق 5 مارس 2008م)

المقدمة
ينصرف مفهوم التلاعب في الأسواق المالية إجمالاً إلى التصرفات التي يقوم بها متداول أو مجموعة من المتداولين لإحداث فرق مقصود بين سعر الورقة المالية وقيمتها بهدف الربح على حساب بقية المتداولين في السوق. وقد وُجد التلاعب في الأسواق المالية منذ نشأتها؛ إذ عادة ما يشير الباحثون في هذا المجال إلى التلاعب الذي كان يحدث في سوق أمستردام المالية.[1] ومن أشهر حالات التلاعب التي أدت إلى سن نظم ومؤسسات قائمة إلى اليوم هي تواطؤ مجموعات من المتداولين (بنوك استثمارية، وصانعي أسواق وكبار مسئولي الشركات) على رفع أسعار الأسهم في سوق نيويورك فيما أصبح يعرف بتواطؤ الأسهم (stock pool)، والذي ترتب عليه سن قانون الأوراق المالية في عام 1933م، ثم قانون الأسواق المالية وإنشاء هيئة السوق والأوراق المالية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1934م (Allen and Gale, 1992).  
تهدف هذه الورقة إلى التعريف بمفهوم التلاعب، وتحليل أبعاده الاقتصادية على نزاهة السوق المالية وكفاءتها، واقتراح عدد من التوصيات للحد منه. تبدأ الورقة في القسم الثاني ببيان بعض المفاهيم الأساسية ذات الصلة بالتلاعب، ثم تعرض في القسم الثالث مثالاً توضيحياً لواحدة من أشهر صور التلاعب. وتركز الورقة في القسم الرابع على بيان أصناف التلاعب وصوره، ثم تستعرض في القسم الرابع خلاصة الأبحاث النظرية التي درست آثار التلاعب على الأسواق المالية، وأهم نتائج الدراسات التطبيقية لحالات وقضايا التلاعب في عدد من الدول. وتختم الورقة بتقديم عدد من التوصيات العملية للحد من التلاعب وزيادة ثقة المتداولين بنزاهة السوق المالية وعدالتها.[2]
2 مفاهيم أساسية:
2-1 القيمة والسعر:
المقصود بالسعر أو الثمن السعر المعلن للصفقة في السوق المالي، أما القيمة فهي ثمن المثل أو الثمن العادل الذي يعكس القيمة الفعلية للسهم. واقتصادياً يختلف الثمن عن القيمة في أن القيمة تساوي القيمة الحالية للأرباح الصافية المتوقعة من السهم في المستقبل، أما الثمن فيعكس في المتوسط تقدير المتعاملين وقت الصفقة أو في فترة تداول معينة للقيمة. وبالتالي يمكن الاسترشاد بأسعار المبادلات خلال فترة ماضية في تقدير القيمة السائدة في تلك الفترة (Harris (2003) p. 225).
ومن الناحية الإحصائية يفترق الثمن عن القيمة في أن الثمن متغير مشاهد للبائع والمشتري عند حدوث الصفقة، في حين أن القيمة متغير غير معروف لطرفي المبادلة على وجه التحديد عند التعاقد، إلا أنه يمكن تقدير القيمة إحصائياً بحساب القيمة المتوقعة لها استناداً إلى جميع المعلومات المتوافرة عن السهم.
وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم الغبن عند الفقهاء ينصرف إلى الفرق بين الثمن والقيمة، أو بتعبير الفقهاء النقص في أحد العوضين ـ الثمن أو المبيع - بأن يكون أحدهما أقل من العوض الآخر عند التعاقد، وذلك بأن يكون الثمن أقل أو أكثر من قيمة المبيع (حماد، 1414هـ، ص 210). والمقصود بالقيمة: ما يساويه المبيع في تقويم المقوّمين (أهل  الخبرة)، أمّا الثمن فهو كلّ ما يتراضى عليه المتعاقدان؛ أي الثمن المسمّى في العقد (الموسوعة، 1414هـ، 15/25). وقد قسم الفقهاء الغبن إلى يسير وفاحش. وللفقهاء في تحديد كل من الغبن الفاحش واليسير أقوال. فمنهم من عد الغبن يسيراً إذا كان يدخل تحت تقويم المقومين – أي تقدير المقدرين للقيمة –، وما لا يدخل تحت تقويم المقومين، فهو الفاحش. وذهب الجمهور إلى أن المرجع في الغبن هو العرف والعادة. وقد لا يرى بين هذا الرأي وسابقه فرق في التطبيق؛ إذ أن ما لا يتغابن به الناس لا يصل إليه عادة تقويم المقومين ولا يتناوله (الخفيف، 1980، ص 5). وبغض النظر عن الحد الفارق بين الغبن اليسير والفاحش سيكون هناك حداين أعلى وأدنى إذا كان الثمن بينهما فهو يسير، وإذا كان خارجهما فهو فاحش.
2-2 المضاربة والتلاعب:
تمت الإشارة في بحث سابق إلى أن المضاربة speculation تشمل التداول بهدف تحقيق الربح من توقع تغير الأسعار في المستقبل، اعتماداً على المعلومات التي يجمعها المضارب ويحللها، أو في بعض الأحيان يصنعها.[3] ويدخل تحت المضارب بناء على هذا التعريف المضارب المطلع informed الذي يتداول بناء على ما لديه من معلومات عن قيمة الورقة المالية أو التغير في قيمتها، والمضارب المتطفل parasitic، ومنهم متوقع الأوامر order anticipator الذي يقلد استراتيجيات التداول التي ينفذها متداولون آخرون. كما يدخل تحت تصنيف المضارب المتطفل: المتلاعبmanipulator  المغرر لغيره من المتداولين بالقول أو الفعل من خلال نشر الإشاعات أو التصريح بمعلومات خاطئة، أو تنفيذ صفقات تولد أسعاراً أو كميات تفسد معلومات وتوقعات بقية المتداولين، ويتصرف بناء عليها لمصلحته. فالمتلاعب باختصار يهدف إلى رسم صورة مختلقة للسوق، يأمل أن يخطئ المتداولون الآخرون في اعتبارها صورة حقيقة لما يجري في السوق. 
وحسب هذا التصنيف يدخل المتلاعبون ضمن المضاربين؛ غير أن المضارب المغرر يفترق عن غيره من المضاربين في أنه يصنع المعلومات التي يستخدمها في استراتيجية تداوله، في حين أن المضاربين الآخرين يتداولون بناء على معلومات عامة أو خاصة استأثروا بها على غيرهم.

3-2        المتلاعب وصانع السوق:
صانع السوق متداول غرضه الأساسي من التداول الربح من توفير السيولة عبر الإعلان المستمر عن عروض وطلبات لبقية المتداولين في السوق. ويعد صانع السوق متداول غير مطلع على قيمة الورقة المالية، ولذلك فهو يحدد أسعار عروضه وطلباته بشكل رئيس بناء على وضع الطلب والعرض في السوق. ويركز صانع السوق على تحقيق أفضل توازن بين العرض والطلب، لأن الفروق بين أفضل العروض والطلبات هي مصدر ربحه.
وبما أن المتلاعب يتدخل في السير الطبيعي للعروض والطلبات في السوق، فإن صانع السوق قد يكون من ضحايا المتلاعب. والأدهى من ذلك أن بعض المتلاعبين يتصرف في بعض الحيان كما لو كان صانع سوق من خلال إرسال عروض وطلبات للسوق في الوقت نفسه.

2-4 تأثير الصفقة ودوافعها:
كل صفقة لها تأثيران: مباشر على الأسعار والكميات، وغير مباشر من خلال ما تتضمنه من معلومات يمكن أن تفسر بطريقة معينة، ويبنى عليها قرارات تداول تؤثر في الأسعار. هذا التأثير قد يكون مبنياً على استراتيجية تداول مشروعة، سواء كانت بدوافع مرتبطة بالسيولة أو تغير قيمة الورقة المالية، وقد يكون التأثير مدفوعاً باستراتيجية للتلاعب في السوق. ولهذا السبب تركز أنظمة مراقبة التلاعب في أغلب الأسواق المالية على متابعة التغير في الأسعار والكميات، ومقارنتها بنسبة تغير محددة مسبقاً أو محسوبة من خصائص سعر السهم؛ والتحقق من وجود مبررات مشروعة لتغيرها.
ويعتمد نجاح استراتيجية المتلاعب بشكل كبير على اختلاف أثر أوامر شرائه على السعر عن أثر أوامر بيعه على السعر. فيتبع استراتيجية الشراء ثم البيع إذا كان الأثر الأول أكبر من الثاني، وإستراتيجية البيع ثم الشراء في حال العكس.
ويستفيد المتلاعب من خبرته في السوق في تقدير ردة فعل صانعي السوق وبقية المضاربين لحجم الأوامر. فمثلاً قد يتوصل المتلاعب إلى أن السعر يزيد أو ينقص بنسبة 5٪ إذا كان حجم الأمر 200 ألف سهم، وبنسبة 2.5٪ إذا كان حجم الأمر 100 ألف سهم، فيقوم بشراء 800 ألف سهم بكميات كبيرة (أربعة أوامر؛ كل أمر يتكون من 200 آلاف سهم) ترفع السعر من 20 إلى 22 ريالاً، ثم يبيع بعد ذلك جميع الأسهم التي اشتراها بكميات صغيرة (ثمانية أوامر؛ كل أمر يتكون من 100 ألف سهم) تخفض السعر من 22 إلى 21 ريالاً. ويلحظ من المثال أن السعر في السوق بنهاية التداول ارتفع من 20 إلى 21 بالرغم من أن المتلاعب اشترى وباع الكمية نفسها. والسبب في ذلك أن المتلاعب بتنويع حجم أوامره أثر على توقعات موفري السيولة، وجعلهم يعدلون عروضهم وطلباتهم بمنأى عن قوى الطلب والعرض الحقيقية.

3 مثال توضيحي للتلاعب.
        يقدم هذا القسم مثالاً توضيحياً للتلاعب مبنياً على واحدة من أكثر استراتيجيات التلاعب استخداماً وهي الشراء بسعر منخفض والبيع بسعر مرتفع.[4]

3-1 اختيار الشركة المستهدفة وبداية الشراء
تمهيداً لتنفيذ استراتيجية التلاعب، قام المتلاعب في البداية بإجراء بحث دقيق في أسهم السوق، فوجد أن سهم شركة الفقاعة مرشحٌ جيد للتلاعب؛ لكون الشركة ناشئة ولديها بعض الفرص الواعدة، خاصة وأنه اطلع في آخر تقاريرها على معلومة تفيد بأن الشركة ستقوم في الأسابيع القادمة بتشغيل أحد مصانعها في الصين.
حالياً، لم تحقق شركة الفقاعة أية أرباح وسعر سهمها في السوق (20) ريالاً. ولدى الشركة (10) ملايين سهم، (30٪) منها فقط متاحة للتداول.
بدأ المتلاعب في تنفيذ استراتيجية بشراء أسهم شركة الفقاعة بكل هدوء، وفي الغالب باستخدام أوامر مقيدة (هي الأوامر المحددة السعر limit orders). ومن الطبيعي أن تؤدي هذا الزيادة الصورية في قوى الشراء إلى ارتفاع أسعار الشركة مع مرور الوقت. بعد (40) يوماً من التداول، استطاع المتلاعب أن يشتري (300) ألف سهم بأسعار تتراوح من (20) إلى (30) ريالاً، وبمتوسط (25) ريالاً للسهم.
في اليوم (41) بدأ المتلاعب بحملة لإبراز أهمية الشركة ومستقبلها الواعد باستخدام عدد من الشخصيات الوهمية في منتديات الأسهم وغيرها من وسائل التواصل الإلكتروني مع مجتمع المتداولين في السوق. وقد تضمنت الحملة معلومات مفصلة عن مستقبل الشركة والمنتجات المبتكرة التي ستطرحها كما لو كان خبيراً في تفاصيل التقنيات التي تستخدمها، مع تقديم تقديرات أولية ومتفائلة لأرباحها. ولإضفاء مزيد من المصداقية على هذه الحملة، فقد ضمن حملته بعض المعلومات من آخر تقارير الشركة. وقد اعتمد في هذه الحملة على التخاطب مع نفسه وربما مجادلتها أحياناً بأسماء متعددة، في منتديات مختلفة؛ ليعطي انطباعاً بأن هناك عدداً كبيراً من المحللين الماليين المتابعين لأداء هذه الشركة.
في صباح اليوم (51) صرحت الشركة بأنها بدأت تشغيل مصنعها في الصين. وهو خبر متوقع لمن قرأ آخر تقرير للشركة. ومن الطبيعي أن يظهر هذا الخبر في اليوم التالي في عدد من الصحف، وقد يعلق عليه بعض الكتاب والمحللين بشكل إيجابي. وكغيره من المتداولين، اطلع المتلاعب على هذه المعلومة التي ليس لها أي تأثير على قيمة سهم شركة الفقاعة باعتبارها متوقعة منذ فترة. ولكنها كانت له بمثابة الفرصة التي كان ينتظرها؛ حيث قرر بعدها أن يشتري (80) ألف سهم باستخدام أوامر سوقية market orders، قام بإرسالها للسوق عبر شركات وساطة مختلفة. وكما هو متوقع، تسببت هذه الأوامر بارتفاع سعر سهم الشركة، إذ ارتفع سعرها خلال (20) دقيقة من (30) إلى (33) ريالاً، وبمتوسط سعر شراء )31.5( ريالاً للسهم. ونتيجة لهذا النشاط الملحوظ على السهم، واحتلالها النسبة العليا في قائمة الأسهم الأكثر ارتفاعاً ذلك اليوم، تضمنت كثير من التقارير المتابعة للسوق في مساء ذلك اليوم واليوم التالي خبر تداولات الشركة.
        استمر المتلاعب بنشر معلومات مفصلة عبر منتديات الإنترنت عن أهمية مصنع الشركة في الصين، متوقعاً أن يصل سعر الشركة من (60) إلى (70) ريالاً وربما أكثر من (100) ريال عندما يصل المصنع إلى مرحلة التشغيل الكامل.
3-2 النهاية الناجحة للتلاعب:
        من الطبيعي عندما يرتفع سعر سهم شركة الفقاعة بهذا الشكل، أن يتساءل بقية المتداولين عن سببه، ومتى بدأ في الارتفاع. وسيكتشفون أن ذلك حدث بسبب قصة مصنع الصين، وأن الارتفاع السريع بدأ بعد إعلان تشغيله. وعلى الرغم أن الخبر لا يمثل جديداً لمتابع تقارير الشركة، ويجب ألا يؤثر في قيمتها، إلا أن الارتفاع بحد ذاته أعطى انطباعاً بأن هناك أموراً إيجابية أكثر مما ورد في الخبر، وأن هناك متداولين مطلعين يعتقدون أن قيمة الشركة ارتفعت. في ضوء هذه الاستنتاجات، قام كثيرٌ من المتداولين برفع توقعاتهم حول قيمة الشركة، باعتبار أن التقنيات التي تستخدمها فعلاً أفضل مما كانوا يتصورون عند شرائهم لسهمها أول مرة. وتبعاً لذلك، قرروا استعجال الشراء وتحقيق معدل أعلى من الربح، بدلاً من الانتظار حتى يرتفع سعرها وتفوت عليهم هذه الفرصة الذهبية. ولكونهم يخشون أن يسبقهم غيرهم للاستفادة من هذه الفرصة، استخدموا أوامر سوقية لشراء أكبر عدد من الأسهم في أسرع وقت، ما دفع سعر السهم إلى مزيد من الارتفاع. في الوقت نفسه، ومع صعود سعر السهم، يقوم المتلاعب ببيع مخزونة من الأسهم بشكل تدريجي، ليتخلص من نحو (200) ألف سهم، بمتوسط سعر بيع (40) ريالاً للسهم.
بالنظر للتغير الملحوظ في سعر السهم، قامت هيئة السوق بالاتصال بشركة الفقاعة للاستفسار عن أسباب التغير الكبير في سعر سهمها، لترد على الهيئة بأنه ليس لديها أي علم عن سبب ما يجري في السوق. ودرست الشركة إصدار تصريح صحفي بأنه ليس لديها أي معلومة إيجابية جديدة تبرر هذا الارتفاع في سعر سهمها، ولكن محامي الشركة نصحها بأن لا تفعل، لاحتمال تعرض الشركة للمساءلة من بعض المتداولين. في المقابل، عندما يتصل الصحفيون بإدارة الشركة للاستفسار عن أي معلومات جديدة، يمتنع أي مسئول عن التعليق، وأن من سياسة الشركة عدم التعليق على تقلبات السوق.
في اليوم (60)، يكون قد اطلع عدد كبير من المتداولين على الارتفاع الملحوظ في سعر سهم شركة الفقاعة، والتي فسرها بعضهم بأنها مؤشر على أداء أفضل للسهم في المستقبل، خاصة من قرأ منهم تعليقات المتلاعب في منتديات الأسهم. وقد يفسر بعضهم امتناع إدارة الشركة عن التعليق على أن هناك شيئاً ما سيحدث. وهؤلاء البعض هم من الضحايا الذين سيقررون شراء السهم. في المقابل، سيلاحظ بعض المتابعين أن السهم يتداول بسعر أعلى من قيمته، مع ذلك سيقررون الاحتفاظ بالسهم لاحتمال أن يكون هناك فعلاً معلومات مهمة في الطريق ستؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في قيمة الشركة وسعر سهمها.
أما المتعاملون المطلعون على معلومات الشركة، وهم قلة، فسيستمرون بالبيع لأنهم يرون أن سعر السهم تجاوز الحد في الارتفاع عن قيمته، والمتلاعب يبيع معهم؛ لأنه يعلم يقيناً أن سعر السهم أعلى من قيمته. ومع تزايد البيع وبكميات كبيرة لتصريف (180) ألف سهم المتبقية في محفظة المتلاعب، ينهار سعر السهم ليصل إلى (30) ريال. ويتمكن المتلاعب من بيعها بسعر يبلغ في المتوسط (35) ريالاً للسهم. وخلال الأيام التالية استمر سعر السهم في الانخفاض إلى أن وصل إلى السعر الذي كان سائداً قبل استراتيجية التلاعب وهو (20) ريالاً للسهم. ويوضح الجدول (1) ربح المتلاعب من هذه الاستراتيجية الناجحة للتلاعب بسهم شركة الفقاعة.

جدول (1) أرباح الاستراتيجية الناجحة للتلاعب
عدد الأسهم
متوسط سعر السهم
قيمة الصفقات
التكاليف (قيمة الشراء)
300,000.00
25
7,500,000.00
80,000.00
31.5
2,520,000.00
الإيرادات (قيمة البيع)
200,000.00
40
8,000,000.00
180,000.00
35
6,300,000.00
إجمالي الإيرادات
إجمالي التكاليف
الأرباح
14,300,000.00
10,020,000.00
4,280,000.00

نظراً لوجود نمط تداول غير عادي على سهم شركة الفقاعة في الشهرين الماضيين، قررت السوق المالية التحقيق في الأمر للتعرف على من تداول خلال هذه الفترة، ومن ربح خلالها. وقد أظهر تحليل البيانات وبشكل سريع أن المتلاعب في هذا المثال متداول رئيس في سهم الشركة، وحقق خلال هذه الفترة أرباحاً كبيرة. ولهذا قررت السوق إبلاغ هيئة السوق بحالة التلاعب في سهم شركة الفقاعة ودور المتلاعب فيها. وبعد قيام الهيئة برفع قضية ضد المتلاعب، وبداية التحقيق معه، دافع المتلاعب بقوة عن موقفه، وأنه بكل بساطة متداول مطلع جداً على الأمور، وأنه بعد أن اطلع على المعلومات الإيجابية عن مستقبل الشركة في تقريرها الأخير، قرر امتلاك نسبة كبيرة من أسهم الشركة. وبعد الإعلان عن بدء تشغيل مصنع الصين زادت قناعته بنجاح الشركة ومستقبلها الواعد وقرر شراء المزيد من أسهمها، وبأسرع وقت ممكن خشية أن يسبقه بقية المتداولين لاقتناص هذه الفرصة، خاصة وأنه قرأ عدداً من التقارير الإيجابية عنها في الصحف والإنترنت. وأشار إلى أنه وزع أوامر الشراء التي أرسلها على أكثر من شركة وساطة لأنه خشي أن تستغل معلومات التداول التي يجريها لو قصر تداولاته على شركة وساطة واحدة. وبين للهيئة أن الارتفاعات اللاحقة في سعر السهم أكدت صدق توقعاته. ومع اعترافه بكونه مسئولاً جزئياً عن ارتفاع الأسعار، إلا أنه أكد أن آخرين كانوا يشترون مثله. كما وضّح لهيئة السوق أنه مع تزايد عدد المشترين، تأكد له أنهم سيدفعون بالسعر إلى أعلى من قيمته، ولهذا قرر البيع بمجرد تجاوز السعر لقيمة السهم في تقديره.
ونتيجة لقوة حجة المتلاعب، وعدم إمكانية إيجاد دليل مادي على أنه هو الذي نشر الإشاعات حول السهم في مواقع الإنترنت، اكتفى المحققون بتحذيره، وعدم رفع قضية عليه أمام اللجنة القضائية المختصة.

3-3 النهاية الفاشلة للتلاعب:
في هذه الفقرة نفترض في المثال السابق، أن المتداولين، بعد إعلان مصنع الصين وارتفاع الأسعار، بدأوا يتساءلون ماذا يجري في السوق؟ ومنهم متداولون مطلعون على أوضاع الشركة، وقطاعها، وسوقها، وتقنيات الإنتاج التي تستخدمها، ومنهم من لديه بعض التحفظات على مستقبل شركة الفقاعة. وبعد التشاور مع بعض المختصين حول أثر تشغيل مصنع الصين على مستقبل الشركة، توصل هؤلاء المطلعون إلى أن قيمة سهم الشركة في حدود (18) ريالاً. مع ذلك قرروا الاحتفاظ بالسهم عند سعر (20) ريالاً، أخذاً في الحسبان هامش الخطأ في توقعاتهم.
ولكن عندما ارتفع السعر وتجاوز (25) ريالاً ، توصل أغلب المطلعين إلى أن سعر سهم شركة الفقاعة أعلى من قيمته، وأنه لا يوجد مبرر لتداوله عند هذا السعر إلا استراتيجية للتلاعب به. فقرروا عندئذ بيع ما يملكون من أسهم هذه الشركة، والتوصية لعملائهم بالبيع، ما أدى إلى توقف ارتفاع السعر عند (25) ريالاً. في المقابل، استمر المتلاعب في الشراء في محاولة منه لرفع السعر، والمطلعون يبيعون عليه، إلى أن امتلك (200) ألف سهم بسعر (25) ريالاً. ونتيجة لعدم ارتفاع السعر مع استمرار المتلاعب في الشراء، أصبح قلقاً لكونه سيصبح المشتري الوحيد للسهم، ولو توقف عن الشراء لانخفض سعر السهم، ولو بدأ بالبيع لانهار سعر السهم. وقرر أخيراً أن يشتري (80) ألف سهم في محاولة أخيرة منه لاختراق حاجز (25) ريالاً، ولكنه لم يستطع.
في اليوم التالي، افتتح السوق سهم شركة الفقاعة عند سعر (23) ريالاً، والمتلاعب يملك نحو (280) ألف سهم منها. واستمر نزول سعر السهم خلال اليوم مع وصول أوامر بيع جديدة، ما وضع المتلاعب في موقف محرج جداً. فالاستمرار في الشراء غير ممكن لكونه يتجاوز إمكانياته المالية، والتوقف لن يمنع نزول الأسعار، والبيع سيسرع بنزول الأسعار. وعندها اقتنع المتلاعب أن جميع الخيارات مرة، وأنه خاسر لا محالة بسبب وجود متداولين مطلعين افشلوا استراتيجيته للتلاعب بهذا السهم. وبالتالي انحصر الخيار الوحيد لديه في بيع ما يملك من أسهم الشركة بأفضل سعر ممكن. وقد استطاع المتلاعب في النهاية بيع (80) ألف سهم بمتوسط (18) ريالاً للسهم، والباقي بعد عدة أيام بمتوسط (12) ريالاً. ويوضح الجدول (2) خسائر المتلاعب بسبب فشل استراتيجيته.
جدول (2) خسائر الاستراتيجية الفاشلة للتلاعب
عدد الأسهم
متوسط سعر السهم
قيمة الصفقات
التكاليف (قيمة الشراء)
200,000.00
25
5,000,000.00
80,000.00
25
2,000,000.00
الإيرادات (قيمة البيع)
80,000.00
18
1,440,000.00
200,000.00
12
2,400,000.00
إجمالي الإيرادات
إجمالي التكاليف
الخسائر
3,840,000.00
7,000,000.00
-3,160,000.00
مرة أخرى، وبسبب نمط التداول غير العادي الذي حدث في السوق قررت السوق المالية التحقيق في الموضوع. وأظهر تحليل البيانات أن المتلاعب متداول رئيس خلال هذه الفترة، ولكن تداولاته سببت له خسائر كبيرة. وقد استنتجوا أنه حاول التلاعب بالسوق وفشل. وقدمت السوق إفادة حول حالة التلاعب لهيئة السوق. وبالنظر لصعوبة إثبات أن المتلاعب حاول العبث بالسوق، وحقيقة أنه فشل في ذلك، قررت الهيئة عدم اتخاذ أي إجراء قانوني ضده، واكتفت بإرسال لفت نظر له تحذره من التلاعب في السوق في المستقبل.

3-4 ملاحظات على المثال:
·        يمكن جعل هذا المثال أكثر واقعية بافتراض أن هناك مجموعة متواطئة من المتلاعبين، وليس متلاعباً واحداً، وكذلك بافتراض أن المتلاعب نفذها في وقت أطول؛ إذ أن تنفيذ الاستراتيجية في فترة زمنية أطول يجعل من الصعب اكتشافها، وبالتالي إمكانية إثبات وقوع التلاعب في ساحة القضاء.
·        عدد المطلعين وقوتهم المالية عامل حاسم في فشل استراتيجيات التلاعب؛ لأن استراتيجيات المطلعين تتعارض مع استراتيجيات المتلاعبين وتفشلها. فاستراتيجيات المتلاعبين تؤدي إلى ابتعاد السعر عن القيمة، في حين تقتضي استراتيجية المتداول المطلع التدخل بالبيع أو الشراء في هذه الحالة، بما يفسد استراتيجيات المتلاعبين. ويتطلب نجاح استراتيجية المطلعين على القيمة أن تكون قوتهم المالية أكبر من تلك التي يملكها المتلاعبون؛ أما إذا كان العكس هو الواقع، فإن المطلعين على القيمة، ومعهم كفاءة السوق، يذهبون ضحية للمتلاعبين. فالقوة المالية تحدد من يربح في النهاية ويطرد الآخر من السوق.
·        يمكن للمتلاعب تنفيذ استراتيجية التلاعب معاكسة لما في المثال من خلال البيع بسعر مرتفع والشراء بسعر منخفض؛ وذلك في الأسواق المالية التي تتيح اقتراض الأسهم وبيعها فيما يسمى بالبيع المسبق short-selling. ولكن هذه الاستراتيجية أقل شعبية من الاستراتيجية أعلاه؛ لأن الأسهم المرشحة للتلاعب لا تنطبق عليها عادة الشروط التي تضعها الأسواق المالية للسماح ببيع أسهمها بيعاً مسبقاً.
·        المتلاعب يحتمي ويتترس بالمعلومات ليستخدمها في محاجة هيئة السوق، فهو يتحين الفرص، ويتابع أخبار الشركة وقطاعها والاقتصاد المحلي والدولي، ليلتمس منها الغطاء لقرارات تداوله بالبيع أو الشراء.
·        المطلع يتعب في البحث عن المعلومة وتحليلها، والمتلاعب يصنعها ثمينة ويحصل عليها رخيصة. ولهذا يكثر التلاعب في الأسهم التي لا يتابعها المتداولون المطلعون ومنها الأسهم ضعيفة السيولة؛ لكون البحث مكلفاً، والأسهم المتاحة للتداول قليلة، ما يقلل من جدوى التداول بناء على تحليل المعلومات. ومنها كذلك الأسهم التي يصعب تقويمها، بسبب عدم وجود معلومات كافية يمكن أن تساعد في تقدير قيمتها، وكذلك أسهم الشركات الصغيرة التي يمكن تملك جزء كبير من أسهمها بسهولة.

4 أصناف التلاعب:
4-1 أنواع التلاعب
        متابعة لـ (Allen and Gale, 1992)، يمكن تصنيف التلاعب إلى ثلاثة أنواع:
1.   التلاعب المؤثر في القيمة: ويحدث عندما يقوم المتلاعب بتصرف يؤثر على قيمة السهم، وفي الغالب يكون هذا التلاعب من متخذي القرار في الشركة المساهمة. ومن حالات التلاعب التي تذكر عادة تحت هذا النوع التلاعب المرتبط بقرارات الاندماج والاستحواذ، مثل الإعلان عن تقديم عرض لشراء أو دمج أو الاستحواذ على شركة، بما يؤدي إلى رفع سعر سهم الشركة المستهدفة، فيقوم المعلن ببيع ما يملكه من أسهمها، ويعلن بعد ذلك أن المفاوضات تعثرت، وتم العدول عن العرض.
2.   التلاعب المؤثر في السعر من خلال بث معلومات مضللة: ويحدث عندما يقوم المتلاعب بنشر معلومات غير صحيحة، أو معلومات صحيحة ولكن معروضة بطريقة يمكن أن يفسرها بقية المتداولين بشكل خاطئ، بما يؤدي إلى التأثير على توقعاتهم حول القيمة. ويدخل في ذلك نشر الشركة المساهمة معلومات مضللة حول وضعها المالي، وقيام بعض المحللين بالتوصية أو إعطاء معلومات إيجابية لأسهم يملكونها. ويلحظ أن تطور تقنيات المعلومات والاتصالات وخاصة الإنترنت والهاتف المحمول سهل من عملية نشر المعلومات المضللة حول قيم الأسهم سواء من خلال المنتديات، أو البريد الإلكتروني، أو رسائل الجوال.
3.   التلاعب المؤثر في السعر من خلال تداولات مغررة: ويحدث عندما يقوم المتداول بتنفيذ تداولات تحدث آثاراً مباشرة على الأسعار والكميات المتداولة في السوق، بما يؤدي إلى التأثير على توقعات بقية المتداولين في السوق حول قيمة الورقة المالية محل التداول. وهي أكثر أنواع التلاعب شيوعاً. وقد يكون التداول الذي يتم في هذه الوسيلة حقيقياً استناداً للقوة المالية للمتلاعب، أو صورياً من خلال التواطؤ مع مجموعة من المتداولين لإحداث نشاط مصطنع في السوق.

4-2 صور التلاعب:
          يوجد عدد كبير من صور التلاعب التي يمكن أن تدخل تحت الأنواع الثلاثة المشار إليها أعلاه. ويلحظ المتتبع للكتابات في هذا المجال أن الصورة الواحدة قد تسمى بمسميات مختلفة، ترتبط في الغالب باللغة المحلية للدولة التي فيها السوق. ومن أشهر هذه الصور:
·        السيطرة على سوق السهم من خلال شراء كمية كبيرة من الأسهم المتداولة، مما يجعل المتلاعب، سواء كان متداولاً عادياً، أو صانع سوق، يتمتع بقوة احتكارية نسبية تجعل من السهل عليه التحكم بسعر السهم صعوداً أو هبوطاً حسب الهدف. ويقع هذا عادة في الشركات الصغيرة، التي يمكن بسهولة تجميع نسبة كبيرة من أسهمها.
·        تواطؤ السماسرة أو صناع السوق على التحكم بالعروض والطلبات ومن ثم الأسعار عند مستويات لا تعكس قوى العرض والطلب الفعلية في السوق.
·        التوصيات من خلال مواقع الإنترنت ورسائل الجوال تحت مسميات مختلفة مثل: سهم الشهر، أو الأسبوع، أو اليوم. وقد يصاحب هذه الصورة تعاملات مصطنعة ترفع من السعر وتجذب آخرين للشراء.
·        استخدام الطلبات والعروض مصحوب ببعض الصفقات لإيهام الآخرين بارتفاع أو انخفاض السعر. وهذه الصورة لا تعتمد على الأوامر السوقية، بل الأوامر المقيدة. ولهذا تختلط بالتداول المشروع للتاجر الذي يهدف إلى القيام بدور صانع سوق من خلال توفير العروض والطلبات لبقية المتداولين.
·        قيام المستشار المالي ببث معلومات غير صحيحة، أو التضخيم من أثر معلومات صحيحة أو إصدار توصيات لعدد هائل من المستثمرين لرفع السعر ثم البيع أو تخفيض السعر ثم الشراء.
·        صفقات شراء متتابعة بكميات صغيرة ترفع السعر، يعقبها بيع كمية كبيرة، أو العكس، صفقات بيع متتابعة بكميات صغيرة تخفض السعر، يعقبها شراء كمية كبيرة.
·        قيام مصدر السهم، أو مستشاره الاستثماري بنشر تقارير متحيزة أو معلومات مضلله عن حقيقة أداء الشركة ومستقبلها؛ بهدف الترويج للإصدارات التي يقومون بتسويقها على جمهور المستثمرين.
·        التحكم بسعر الإغلاق، من خلال إرسال أوامر سوقية بكميات كبيرة تؤدي إلى زيادة كبيرة في السعر قبيل الإغلاق، لإعطاء انطباع خاطئ بأن هناك اهتماماً بهذا السهم، أو لتحقيق استراتيجية التلاعب بوقت أقصر، أو لأغراض خاصة بتسجيل قيمة الشركة في التقارير المالية للشركة نفسها، أو قيمة الصناديق الاستثمارية التي تملك نسبة كبيرة منها أو قيم المحافظ الممولة بالهامش لمنع قيام الممول بتسييلها. وقد يكون هدف التلاعب مجرد تثبيت سعر السهم في مدى محدد للغرض نفسه.
·        التواطؤ لزيادة حجم الكميات المتداولة الوهمية بين عدد من المتداولين، لاستدراج متداولين آخرين.
·        شراء كميات كبيرة من الأسهم لإجبار الذين لديهم بيوع مسبقة، على الشراء لتغطية مراكزهم المالية عند أسعار مرتفعة. أو العكس بيع كميات كبيرة من الأسهم لإجبار الذين لديهم تسهيلات بالهامش، على البيع لتغطية مراكزهم المالية عند أسعار متدنية.
·        تعاون المتلاعب مع بعض الإعلاميين والمحللين الماليين لكتابة أخبار جيدة عن السهم على أن يكون له جزء من الربح.
4-3 ملاحظات على أنواع التلاعب وصوره:
·        تصنيف أنواع التلاعب وصوره ليس مانعاً، بمعنى أن المتلاعب قد يجمع بين أكثر من نوع وصوره في وقت واحد.
·        قد يكون غرض المتلاعب تحقيق منافع أخرى ليس لها علاقة بالورقة المالية محل التلاعب، بل لتحقيق أرباح من خلال تداول الأوراق المالية المشتقة منها كالمستقبليات والخيارات. أو يكون الغرض من التلاعب التأثير على قيمة مساهمات المتلاعب في الصناديق الاستثمارية، أو منفعة السمسار بحصوله على عمولات كبيرة.
·        صور التلاعب قديمة، وتتغير أدواتها وأساليبها مع تطور تقنيات المعلومات والاتصالات وخاصة الإنترنت التي بقدر ما سهلت من وصول المستثمر للمعلومة بسرعة ودقة، وفرت مجالاً رحباً للمتلاعبين لنشر الشائعات المغرضة من خلال مواقع ذات إخراج رائع توحي بأن خلفها شركة كبيرة وشبكة من المحللين المتميزين، خاصة إذا كانت توفر روابط لمواقع رسمية، بالإضافة إلى منتديات الإنترنت التي يمكن أن يكتب فيها شخص واحد بعدة أسماء مستعارة.
·        تطور نظم التداول الإلكتروني وسهولة الوصول إليه وفر كذلك فرصة للمتلاعب لتحقيق استراتيجياته بعيداً عن رقابة السوق، وسهلت في الوقت نفسه من وصول صغار المستثمرين وبكميات كبيرة للسوق، والذين يمثلون أكبر شريحة قابلة للتغرير في السوق. في المقابل استطاعت النظم الإلكترونية منع كثير من صور التلاعب من خلال ضبط أولوية تنفيذ الأوامر ومنع تنفيذ الأوامر المتقابلة الوهمية إذا كانت من المتداول نفسه.
 5 الدراسات النظرية والتطبيقية للتلاعب
5-1 التحليل النظري للتلاعب
يوجد عدد قليل، ولكن متزايد، من الدراسات النظرية التي ضمنت سلوك التلاعب وأثره على كفاءة السوق في صلب نماذج البنية الجزئية للأسواق المالية. ويبين الجدول (3) أبرز هذه الدراسات.
  
جدول (3) الدراسات النظرية حول التلاعب
الدراسة
موضوع الدراسة
Vila (1987, 1989)
ركزت على التلاعب الذي يتم من خلال استراتيجية البيع المسبق، ثم نشر إشاعات لخفض سعر السهم، ليشتريه لاحقاً عند سعر منخفض.
Allen and Gale (1992)
درست التلاعب من خلال الشراء ثم البيع فقط، وأنه ينجح بسبب تباين معلومات المتداولين حول من يقوم بالشراء هل هو مطلع أم متلاعب.
Allen and Gorton (1992)
أشارت إلى أن استجابة السعر للتغير في الطلبات نتيجة أوامر البيع السوقية أقل من تغير العروض نتيجة لأوامر الشراء السوقية. وهذه الاختلاف في المرونات يوجد فرصة للتلاعب بالأسعار من خلال الشراء ثم البيع.
Benabou and Laroque (1992)
ركزت على حالة التلاعب التي يقوم فيها مطلعون (مثل المحللين الماليين والمتابعين للسوق في الصحف) بإعلان توقعات حول مستقبل سعر السهم لا تتفق مع تقييمهم للسهم.
Jarrow (1992, 1994)
درست استراتيجيات التلاعب لكبار تجار الأسهم. وتوصلت إلى إمكانية تحقيق هؤلاء لأرباح منخفضة المخاطر بشرط وجود زخم دافع لتغير سعر السهم في اتجاه واحد (ارتباط موجب بين التغير في السعر)
Cherian and Jarrow (1995)
قدمت ملخصاً لنتائج الدراسات أعلاه.
Bagnoli and Lipman (1996)
درست التلاعب الذي يحدث قبيل عمليات الاستحواذ.
Harris (2000)
خصصت فصلاً مستقلاً لتحليل التلاعب مع ربطه بنظريات البنية الجزئية للأسواق المالية.
Aggarwal and Wu (2003)
درست الحالة التي يقوم فيها المتداول المطلع بالتلاعب في السوق (بالتداول بعكس ما يملك من معلومات خاصة)، وبينت أنها يمكن أن تكون مربحة.
Van Bommel (2003)
ركزت على دور الإشاعات في التلاعب بالأسعار.
Mei, Wu, and Zhou (2004)
توصلت إلى أن المضاربين يمكن أن يستغلوا التحيز الفطري الملاحظ في سلوكيات وقرارات المستثمرين للتلاعب بالسوق. 
Chakraborty and Yilmaz (2004a, b)
أثبتت الدراسة إمكانية قيام المطلع بالتلاعب من خلال التشويش على صانع السوق.
Avgouleas (2005)
كتاب مرجعي في التلاعب في السوق، قدم في فصليه الثاني والرابع ملخصاً للنظريات الاقتصادية ذات العلاقة بالتلاعب، وتحليلاً اقتصادياً لأنواع التلاعب وآلياته.
Goldstein and Guembel (2007)
درست أثر التلاعب على دور الأسعار في تخصيص الموارد، مع التركيز على التلاعب الذي يتم من خلال البيع المسبق.


ومن خلال استقراء النتائج التي توصلت إليها الدراسات أعلاه، يمكن الخروج بالاستنتاجات العامة الآتية من التحليل النظري للتلاعب:
·        هناك اتفاق بين الاقتصاديين على أن التلاعب في الأسواق المالية يقوض كفاءة أسعار السوق، لأنه يستدرج المتداولين لتوفير السيولة، وتنفيذ الصفقات عند أسعار تبتعد بدرجة أو بأخرى عن قيم الأوراق المالية.
·        يزيد التلاعب من احتمال غبن جمهور المستثمرين في السوق، مما يضعف ثقة المتداولين في نزاهة السوق، كما يقلل من جاذبية السوق للمستثمرين الجادين والمطلعين، فينصرف أكثر المتداولين عن السوق وتنخفض سيولته.
·        التلاعب يزيد من حدة تقلب الأسعار والكميات.
·        يسهم التلاعب في تشويه الأسعار، وسوء تخصيص الموارد الاقتصادية.
·        يركّز التلاعب توزيع الثروة في الاقتصاد، حيث يؤدي إلى إعادة توزيع الثروة من جمهور المستثمرين إلى قلة من المتلاعبين.

5-2 واقع التلاعب في الأسواق المالية: حالات دراسية
في مقابل الدراسات النظرية القليلة حول التلاعب، يوجد عدد محدود جداً من الدراسات الإحصائية لواقع التلاعب في الأسواق المالية. ويبين الجدول (4) أهم هذه الدراسات.

جدول (4) الدراسات التطبيقية حول التلاعب
الدراسة
موضوع الدراسة
Galbraith (1972), Mahoney (1999) Jiang, Mahoney, and Mei (2004)
وثقت التلاعب الذي سبق انهيار السوق المالية الأمريكية في عام 1929م، وأدى إلى سن نظام الأوراق والسوق المالية في الولايات المتحدة الأمريكية.
Felixon and Pelli (1999)
أثبتت وجود تلاعب في سوق فنلندا المالية من خلال التلاعب بسعر الإغلاق.
Walter, Carl, and Howie (2003)
ركز على التلاعب في سوق الصين المالية وأثره في الحد من تطور السوق ونزاهة إدارة الشركات المساهمة.
Aggarwal and Wu (2003)
قدمت دراسة إحصائية للحالات التي أدينت بالتلاعب من قبل هيئة السوق المالية في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 1990 و2001م، ويبلغ عددها 142 حالة.
Rydge and Comerton-Forde (2004)
درست الحالات التي رفعتها سوق استراليا المالية للتحقيق أو للمحاكمة خلال 14 عاماً (1989-2002م) والتي بلغ عددها 360 حالة.
Mei, Wu and Zhou (2004)
اختبرت صحة نموذج الدراسة النظرية المشار إليها في الجدول (3) باستخدام القضايا التي رفعتها هيئة السوق المالية في الولايات المتحدة الأمريكية ضد المتلاعبين، وتوصلت إلى أنها تتفق مع نتائج النموذج.
Khwaja and Mian (2005)
درست إمكانية حدوث تلاعب في التداولات اليومية في سوق كراتشي المالية لكل شركة من شركات الوساطة، لمدة عامين ونصف (ديسمبر 1998 إلى أغسطس 2001م).
Avgouleas (2005)
كتاب مرجعي في التلاعب في السوق، تضمن الإشارة في ثناياه إلى تفاصيل  أكثر من 160 قضية تلاعب في خمس دول.

ونظراً لأهمية الدراسات التطبيقية فسيتم فيما يلي التركيز على عرض نتائج أبرز هذه الدراسات:


سوق نيويورك: دراسة Aggarwal and Wu (2003)
تضمنت هذه الدراسة تحليلاً إحصائيا للحالات التي أدينت بالتلاعب من قبل هيئة سوق المالية في الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي 1990 و2001م، وبلغ عددها 142 حالة، وخرجت بالنتائج الآتية:
·        تحدث أكثر حالات التلاعب في الأسهم الصغيرة بسبب سهولة السيطرة عليها، وضعف مستوى الإفصاح فيها.
·        العائد، والسيولة، ومعدل التقلب للسهم محل التلاعب يكون أعلى خلال فترة التلاعب مقارنة ببقية الفترة في العينة.
·        الأسعار والسيولة ومعدل التقلب للسهم تكون أعلى عندما يقوم المتلاعب بالبيع، منها عندما يقوم بالشراء، في حين تنهار الأسعار بعد انتهاء التلاعب.
·        معظم القضايا قائمة على التلاعب من خلال تداولات مغررة، ويتم مساندة معظمها بالإشاعات، سواء كان ذلك بالتواطؤ مع كتاب الصحف، أو مسوقي الإصدارات الجديدة، أو من خلال الإنترنت خاصة في أواخر فترة العينة.
·        العائد على التلاعب يكون أكبر في حال كون سعر السهم شديد التقلب، والذي يعزى إلى نقص المعلومات اللازمة لتقدير قيمة السهم بدقة أكبر.
·        أكثر حالات التلاعب تتضمن استراتيجيات لرفع الأسعار بدلا من تخفيضها، بسبب القيود على بيع أسهم الشركات محل التلاعب بيعاً مسبقاً.
·        المتعاملون المطلعون لهم دور أكبر في التلاعب، مثل كبار المسئولين في الشركات، والسماسرة، ومصدري الأوراق، وكبار المساهمين، وصانعي الأسواق.
·        استراتيجية التلاعب تقوم على استخدام العديد من المحافظ بأسماء مختلفة، ولكن يديرها شخص أو مجموعة من المتداولين.

سوق نيويورك: دراسة Mei, Wu and Zhou (2004)
ركزت الدراسة على حالات التلاعب التي رفعتها هيئة السوق بين عامي 1980 و2002م، وبلغ عددها 159 قضية، وخرجت بنتائج مماثلة للدراسة أعلاه، حيث توصلت إلى ما يلي:
·        شهد سعر السهم محل التلاعب خلال فترة التلاعب عائداً أكبر، وتقلباً أكبر، وقيمة تداولات أكبر.
·        خلال فترة التلاعب يميل التغير في السعر للارتباط بشكل موجب (مثلاً: الزيادة في السعر يتبعها عادة زيادة أخرى في السعر)، ولكن السعر يعود إلى وضعه قبل التلاعب في نهايته.
·        الأسهم الأصغر هي الأكثر عرضة للتلاعب.
  
سوق استراليا المالية: دراسة Rydge (2004)
        استخدمت الدراسة الحالات التي رفعتها السوق للتحقيق أو للمحاكمة خلال 14 عاماً (1989-2002م) والتي بلغ عددها 360 قضية، بمعدل 28 حالة سنوياً، مع الأخذ في الاعتبار أن آلية اكتشاف التلاعب تحسنت مع مرور الوقت خلال هذه الفترة، وأن البحث لم يتابع الحكم النهائي في هذه القضايا. ومن أهم نتائج الدراسة ما يلي:[5]
·        تتراوح الفترة التي يتم فيها التلاعب من (20) يوماً إلى (90) يوماً. كما لوحظ انخفاض الفترة التي يتم فيها اكتشاف التلاعب بعد تطبيق السوق لعدد من التنظيمات الحاسمة والتحسينات لضبط التداول في عام 1997م.
·        انخفض عدد المتداولين المتورطين في حالات التلاعب من 10 إلى 4 أشخاص، ويمكن أن يفسر هذا بأن استخدام الإنترنت في التداول سهل من تلاعب عدد قليل من المتداولين في السوق من خلال محافظ استثمارية متعددة يملكها اسمياً متداولون مختلفون.
·        تعتمد أغلب حالات التلاعب على استراتيجية رفع الأسعار، يليها استراتيجيات التداول بكميات كبيرة، وأخيراً استراتيجيات خفض الأسعار.
·        أغلب المتورطين في حالات التلاعب المرفوعة (80٪) من الموظفين التنفيذيين في الشركات، أو المرتبطين معهم، أو كبار المساهمين في الشركات، والذين تراوحت ملكيتهم بين 5٪ و 30٪.
·        تضمنت معظم الحالات (50-80٪) استراتيجية زيادة السعر في آخر 20 دقيقة من فترة التداول.

سوق كراتشي المالية: دراسة Khwaja and Mian (2004)
أسست سوق كراتشي المالية في عام 1947م، وخلال فترة الدراسة، كان يتداول فيها 758 شركة، ذات قيمة سوقية تقارب 10 بليون دولار، تمثل 16٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وذات معدل دوران (قيمة التداولات على القيمة السوقية) تبلغ 88٪. كما كان يوجد فيها خلال هذه الفترة 147 سمساراً مرخصاً، يقومون في الغالب بالتداول أصالة من حساباتهم.
        وقد تضمنت البيانات التي اعتمدت عليها الدراسة التداولات اليومية لكل شركة من شركات السمسرة في كل سهم، لمدة عامين ونصف (من ديسمبر 1998 إلى أغسطس 2001م). ويمكن من خلال هذه البيانات الفصل بين تداولات الشركات بالأصالة عن تداولاتها بالوكالة عن المستثمرين. ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة ما يلي:
·        تقوم شركات السمسرة (أو المتداولون المتواطئون معها) بالتلاعب بالسوق من خلال استراتيجية محددة تتمثل في تداولها فيما بينها بيعاً وشراء أصالة عندما تكون الأسعار منخفضة، وبعد ارتفاع الأسعار يبيعون على بقية المتداولين في السوق بالوكالة.
·        حققت استراتيجيات التلاعب أرباحاً تراوحت بين 50٪ و90٪ أعلى من متوسط العائد السنوي للمتداولين الذين يصلون للسوق من خلال السماسرة.
·        لا تأتي أرباح السماسرة من سبقهم للغير، أو معلومات خاصة يملكونها، أو من دورهم في صناعة السوق.
·        من عناصر نجاح استراتيجية تلاعب السماسرة: انخفاض تكلفة التداول بالنسبة لهم، وقدرتهم للوصول لمعلومات آنية ومفصلة عن وضع السوق، ونشر الإشاعات والمعلومات الخاطئة.
·        يدرك جمهور المتداولين وهيئة السوق بأن شركات السمسرة متورطة بدرجة أو أخرى في عمليات التلاعب في السوق. 
·        يسهم الحد من نفوذ شركات الوساطة في منع تلاعبها، ولكن لوحظ أن جميع محاولات الإصلاح التي قامت بها هيئة السوق منيت بالفشل بسبب معارضة سياسية مدفوعة بمجموعة السماسرة الضاغطة للحفاظ على مصالحها.
·        هناك قلق من أن يؤدي غلبة التلاعب في السوق إلى صرف السوق عن هدفها الرئيس في مساندة أنشطة الاقتصاد الحقيقي، إلى سوق وهمية لا تخدم أي هدف اقتصادي.

6  التلاعب في السوق المالية السعودية
يصعب إجراء دراسة تطبيقية على التلاعب في السوق المالية السعودية لكونه يتطلب الحصول على معلومات مفصلة عن التداولات في السوق من واقع محافظ عينة ممثلة للمتداولين، ولقلة عدد قرارات الإدانة المعلنة التي صدرت بحق المتداولين لارتكابهم مخالفات لنظام السوق المالية ولوائحها التنفيذية. بالرغم من ذلك، يمكن الخروج بالملاحظات الأولية الآتية من خلال مقارنة واقع سوق الأسهم السعودية، بنتائج الدراسات التطبيقية التي أجريت في دول أخرى.
·       تساعد حداثة السوق المالية السعودية وخصائصها بشكل أكبر على التلاعب مقارنة بحال الأسواق المالية في الدول المتقدمة. ومن أمثلة هذه الخصائص قلة عدد الشركات المدرجة في السوق وصغر حجم رؤوس أموال العديد منها، وتراخي إجراءات التحقيق في حالات التلاعب وكون العقوبات غير رادعه للمخالفين لأنظمة السوق، والقدرة المالية العالية لعدد من كبار المتداولين، الذين قد تتجاوز تداولات بعضهم في السوق رؤوس أموال عدد من الشركات المساهمة. 
·       تظهر الدلائل على وجود نسبة عالية من المضاربة في السوق السعودي، ترافقها أساليب تلاعب أصبحت معروفة لدرجة أن الكثير من المتابعين أصبح يحللها باعتبارها أموراً واقعة وملاحظة في السوق (مثل التدوير، والتجميع، والتصريف، والمجموعات) (تركي الماضي، 1427هـ). كما تؤكد التقلبات الكبيرة التي تحدث في السوق على غياب دور المضاربين المطلعين؛ إذ لو كانوا هم القوة الفاعلة في السوق لما حدث ارتفاعات أو انخفاضات كبيرة في الأسعار لا تبررها قيم الأوراق المالية. ولربما أدت سيطرة المتلاعبين إلى اختفاء المضاربين المطلعين (أكثر فئات المضاربين نفعاً للسوق)؛ إما بسبب انسحابهم من السوق لما يتضمنه من غبن فاحش، أأأو مجاراتهم لخضم المضاربات المتطفلة.
·       أظهر تحليل لمستوى السيولة في السوق السعودية للربع الأول من العام 2007م، أن السيولة الموجودة في السوق هي عمليات تدوير يقوم بها مضاربون، خصوصا على الشركات الصغيرة، حيث بلغ معدل التدوير في إحدى الشركات أكثر من 20 مرة وبأكثر من 12 مليار ريال. وبلغ حجم السيولة التي اتجهت إلى الشركات الصغيرة في سوق الأسهم السعودية خلال هذه الفترة 735 مليار ريال بنسبة 86٪ من حجم السيولة الكلية في السوق. ويشير التحليل إلى أن المستفيد من السيولة المضاربون والبنوك التي تمارس نشاط الوساطة، وأن التحليل الفني هو المسير لقرارات المتداولين (ياسين الجفري، 1428هـ).
·       حسب التقرير الأول لهيئة السوق المالية (2007م)، تقوم الإدارة العامة للإشراف والرقابة على التداول بالهيئة بمتابعة التداولات في السوق ومراجعتها وتحليلها. وقد أعدت الإدارة خلال العام 2006م (3750) تقريراً تحليلياً عن السوق، و(252) تقريراً مختصراً عن حالات اشتباه بوجود مخالفات لنظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية. وخلال سنتين ونصف (من منتصف 2004م إلى نهاية 2006م)، أحالت الهيئة للتحقيق والتحري (123) حالة، وحللت (203) محافظ استثمارية لمشتبه بهم، كما بلغ عدد المشتبه بهم الذين تمت مراجعة بياناتهم وتحليلها (702) مشتبه، وأصدرت لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية (7) قرارات، في حين أصدر مجلس الهيئة (28) قراراً في حالات مخالفة لنظام السوق المالية ولوائحه التنفيذية.
·       أهم التطورات فيما يتعلق بتفعيل دور الرقابة على السوق والحد من التلاعب في السوق، تدشين نظام تداول الجديد في شهر شوال 1428هـ (أكتوبر 2007م)، والذي تضمن نظام جديد لمراقبة تداولات السوق، قادر على استباق أي محاولات إخلال في السوق، ومنع الوساطة المضرة بمصلحة العميل، والعمليات الوهمية والتلاعب بالسوق أو بحركة أسعار الإغلاق وتجميع الأوامر، بحيث يستطيع النظام الجديد ومن خلال إعدادات معينة ومراقبة مستمرة إعطاء إنذار مبكر فيما يتعلق ببيع وشراء سهم معين أو التلاعب به (تداول (2007)، ص 15).
  
7 خلاصة وتوصيات
يقصد بالتلاعب قيام متداول، أو تواطؤ مجموعة من المتداولين بالتدخل في قوى الطلب والعرض لتحقيق مصلحة خاصة. وقد اتضح أن أثر التلاعب سلبي على كفاءة السوق؛ لأنه يقوم على استدراج بقية المتداولين لتوفير السيولة، وتنفيذ الصفقات عند أسعار تبتعد بدرجة أو بأخرى عن قيم الأوراق المالية. أما في الأجل الطويل، فيؤدي استشراء التلاعب في السوق إلى زيادة احتمال وقوع الغبن في التداول، فتقل ثقة المتداولين في السوق، وينصرفون عنه، ما يتسبب في إضعاف سيولة السوق.
كما اظهر البحث أن نزاهة السوق المالية وعدالتها شرط ضروري لقيام السوق بالدور المتوقع منها في مساندة الاقتصاد الحقيقي. وبالمنطق نفسه، يؤدي استشراء التلاعب في السوق المالية إلى حدوث العكس؛ أي قيام الاقتصاد الحقيقي بتعويض خسائر السوق المالية.
ومن واقع استعراض أنواع وصور التلاعب، وآثاره الاقتصادية على السوق المالية والاقتصاد، والدراسات النظرية والتطبيقية التي درست التلاعب، توصي الورقة بما يلي:
·        أظهرت الدراسات التطبيقية لحالات التلاعب أنه لا يوجد أحد محصن ضد التلاعب، وأن جميع أطراف صناعة تداول الأوراق المالية قد يمارسونه في ظل غياب الرقابة الداخلية والخارجية على أنشطتهم. ما يحتم التأكد من الأنظمة الموجودة تغطي كل حالات التلاعب الممكنة، وتعرفها تعريفاً يسهل من اكتشافها ومحاكمتها، مع دعمها بالأجهزة القضائية التنفيذية التي تسرع من إجراءات التحقيق في عمليات التلاعب والحكم فيها.
·        يلحظ أن التلاعب يتركز عادة في الشركات الصغيرة التي يسهل التلاعب في أسهمها، ما يتطلب التعامل بشكل خاص مع هذه الشركات. ومن الاقتراحات المطروحة في هذا الاتجاه، إيجاد قسم خاص في السوق المالية لتداول هذه الشركات، اعتماداً على قواعد تداول إلكتروني مختلفة. ويتضمن السحيباني (1428هـ،ب) بعض القواعد المقترحة للتداول، التي يتوقع لها أثر إيجابي في الحد من التقلبات، خاصة التي يكون مصدرها التلاعب، وبالتالي رفع كفاءة السوق.
·        من المهم أن يصاحب الإجراءات التي تتخذ لكبح المضاربة المتطفلة وخاصة المغررة، اتخاذ إجراءات موازية لتشجيع  المضاربة النافعة التي يقوم بها المطلعون. ويتوقع أن يكون للتوجهات الاستراتيجية لهيئة السوق المالية والخطوات التي اتخذتها حتى الآن أثر إيجابي في تغيير ميزان القوى في السوق مع مرور الوقت لصالح المتداولين المطلعين. مع ذلك، تظهر التجارب في الدول الأخرى أن دراسات المحللين الماليين تغطي عادة الشركات الكبيرة، وتهمل الصغيرة (Fernandez, 2003)؛ ما يعني أن الشركات الصغيرة ستستمر في المعاناة من المضاربة المتطفلة والمغررة ما لم يتم كبحها بوسائل أخرى.
·        بالرغم من أن نزاهة السوق المالية مصلحة عامة، إلا أن نجاح السوق في بناء سمعة جيدة، وكسب ثقة المستثمرين، يعود بمصالح خاصة مباشرة لأطراف صناعة تداول الأوراق المالية الهادفين للربح. وعليه، فإن عبء المحافظة على نزاهة السوق لا يقتصر على هيئة السوق المالية، بل يجب أن يسعى إليه جميع الأطراف ذوي العلاقة وخاصة السوق المالية، وشركات الوساطة، وبنوك الاستثمار، ومجتمع المحاسبين والمحللين الماليين، وذلك من خلال بناء نظام رقابة داخلي قوي لاكتشاف حالات التلاعب، ومقاضاتها.
·        قيام هيئة السوق بمساندة من السوق المالية، بتنفيذ حملة توعية موجهة لجميع أطراف السوق وخاصة شركات الوساطة، تبين إجراءات الرقابة على السوق، وكيفية اكتشاف حالات التلاعب، وآليات التبليغ عنها للجهات ذات العلاقة. ويتوقع أن تؤدي هذه الحملة إلى زيادة انضباطية السوق والتزام الأطراف بأنظمة السوق، وتفعيل دورهم الوقائي في منع حدوث حالات التلاعب.
·        لأطراف صناعة طرح وتداول الأوراق المالية مصالح متشابكة قد تكون متعارضة. وهو ما قد يولد ضغط على الشركات المقدمة لخدمة التحليل الاستثماري لإعطاء توصيات متحيزة. ولقد أصبح من الممارسات العرفية لدى هذه الشركات ألا يقدم محللوها تعليقات سلبية أو جدلية حول عملائها من الشركات الأخرى. ولهذا يوصى بالعناية بالأنظمة واللوائح التي تجعل السوق وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية، وخاصة ما يتعلق بتعارض المصالح، ونزاهة توصيات المحللين.

المراجع
أولا: المراجع العربية
الجفري، ياسين (1428). السيولة الهامشية تستحوذ على 86٪ من سوق الأسهم السعودية، جريدة الاقتصادية، 26/4/1428هـ
حماد، نزيه (1414هـ)، معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فيرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية، الطبعة الأولى.
الخفيف، على (1980)، الغبن في العقود، مجله البحوث والدراسات العربية، العدد العاشر، 3-19.
السحيباني، محمد (1428هـ، أ)، المضاربة في الأسواق المالية مع الإشارة لحالة سوق الأسهم السعودية، ورقة عمل قدمت في ورشة عمل في مقر جريرة الاقتصادية، 6/4/1428هـ.
السحيباني، محمد (1428هـ،ب)، نظام التداول الإلكتروني في سوق طوكيو المالية والسوق المالية السعودية: دراسة مقارنة، بحث مقدم لندوة السوق المالية السعودية: نظرة مستقبلية، جامعة الملك خالد، 3-4 ذي القعدة 1428هـ (13 – 14 نوفمبر 2007).
تركي الماضي (1427). التدوير في الأسهم: وقود قابل للانفجار في شركات المضاربة، جريدة الاقتصادية، 26/5/1427هـ
مجلة السوق المالية السعودية (تداول)، (2007)، تحقيق عن نظام تداول الجديد، العدد 22، الربع الثالث، 2007م.
هيئة السوق المالية (2007)، التقرير الأول للهيئة (1/7/2004 - 31/12/2006).
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1414هـ)، الموسوعة الفقهية، الكويت، الطبعة الأولى.

ثانياً: المراجع الأجنبية
Aggarwal, R., K. and Wu, G. )2006(. Stock Market Manipulations, The Journal of  Business 79, 1915-1953.
Allen, F. and Gale, D. )1992(. Stock Price Manipulation, The Review of Financial Studies 5, 503-529.
Allen, F., and G. Gorton )1992(, Stock Price Manipulation, Market Microstructure and Asymmetric Information, European Economic Review, Vol. 36: 624-630.
Avgouleas, E. (2005) The Mechanics and Regulation of Market Abuse, A Legal and Economic Analysis, Oxford University Press.
Bagnoli, M., and B.L. Lipman )1996(, Stock Price Manipulation through Takeover Bids, RAND Journal of Economics, Vol. 27: 124-147.
Benabou, R., and G. Laroque )1992(, Using Privileged Information to Manipulate Markets: Insiders, Gurus and Credibility, Quarterly Journal of Economics, Vol. 105: 921-958.
Chakraborty, A. and B. Yilmaz )2004b(, Manipulation in Market Order Models, Journal of Financial Markets7, 187-206.
Chakraborty, A., and B. Yilmaz )2004a(, Informed Manipulation, Journal of Economic Theory 114, 132-152.
Cherian, J. A., and R. A. Jarrow )1995(, Market Manipulation, Chapter 20 in North-Holland Handbooks of Operations Research and Management Science: Finance (Volume 9) edited by R. A. Jarrow, V. Maksimovic and W. T. Ziemba, New York: Elsevier, 611-630.
Felixson, Karl, and Anders Pelli )1999(. Day end returns–stock price manipulation. Journal of Multinational Financial Management 9:95–127.
Fernandez, F. (2003). New Research Models for Securities Research, SIA Research Reports, IV :12.
Galbraith, A. J. )1972(, The Great Crash, 1929, Boston: Houghton Mifflin Company.
Goldstein, I., and A. Guembel )2007(, Manipulation, the Allocational Role of Prices and Production Externalities, working paper, Duke University.
Harris, L. )2003(, Trading & Exchange: Market Microstructure for Practitioners, Oxford University Press, New York,.
Jarrow, R. A. (1992), Market Manipulation, Bubbles, Corners, and Short Squeezes, Journal of Financial and Quantitative Analysts, Vol. 27: 311-336.
Jarrow, R. A. (1994), Derivative Security Markets, Market Manipulation, and Option Pricing Theory, Journal of Financial and Quantitative Analysts, Vol. 29: 241-261.
Jiang, G., P. Mahoney, and J. Mei (2004), Market Manipulation: A Comprehensive Study of Stock Pools, Journal of Financial Economics, forthcoming.
Khwaja, Asim Ijaz, and Atif Mian (2003). Price manipulation and phantom markets—an indepth exploration of a stock market. Unpublished manuscript, University of Chicago.
Khwaja, Asim Ijaz, and Atif Mian (2005) Unchecked Intermediaries: Price Manipulation in an Emerging Stock Market. Journal of Financial Economics, 2005, 78(1), pp. 203-41.
Leinweber and Madhavan (2001), Three Hundred Years of Stock Market Manipulations, The Journal of Investing 10, 7-16.
Mahoney, P. (1999), The Stock Pools and the Securities Exchange Act, Journal of Financial Economics, Vol. 51: 343-369.
Mei, Jianping, Guojun Wu, and Chunsheng Zhou (2004). Behaviour based manipulation—theory and prosecution evidence. Unpublished manuscript, New York University.
Nelemans, M (2007), Redefining Trade-Based Market Manipulation, forthcoming in Valparaiso University Law Review
Rydge J and C. Comerton-Forde (2004),The Importance of Market Integrity: An Analysis of ASX Self-Regulation, SIRCA working paper.
Van Bommel, J. (2003), Rumors, Journal of Finance, Vol. 58: 1499 – 1520.

Jarrow, R. (1992). Market Manipulation, Bubbles, Corners, and Short Squeezes, Journal of Financial and Quantitative Analysis 27, 311-336.
Vila, J.L. (1987), The Role of Information in the Manipulation of Futures Markets,  Working Paper 87-26, CARESS, University of Pennsylvania.
Vila, J.L. (1989), Simple Games of Market Manipulation, Economics Letters, 29, 21-26.
Walter, Carl E. and Fraser J.T. Howie (2003), Privatizing China: The Stock Markets and their Role in Corporate Reform, John Wiley and Sons, New York
Zhou, C. and J. Mei. (2003). Behaviour Based Manipulation, Working Paper.




[1] أسست السوق في عام 1602م، وفيها تم التداول المستمر لأول مرة بأسهم وسندات شركة شرق الهند الهولندية. وحول بعض صور التلاعب في هذه السوق، انظر (Leinweber and Madhavan, 2001).
[2] اقترح Nelemans (2007) تعريفاً للتلاعب يتضمن ما سماه ضغط السعر (price pressure)  والذي يعبر عن إسهام المتداول في تغيير السعر ويساوي:  عدد الأسهم التي تداولها المتهم (بيعاً أو شراء) مقسوماً على إجمالي عدد الأسهم المتداولة، مع ضرب الناتج بالتغير في السعر خلال فترة التداول محل التحقيق. فإذا كان ضغط السعر كبيراً، ينظر في وجود معلومات تبرره من عدمه. ويعد تلاعباً، بناء على التعريف، كل تداول يولد ضغط كبير على السعر غير مدعوم بمعلومات تبرره.

[3] السحيباني (1428هـ، أ)    
[4] المثال مقتبس بتصرف من (Harris, 2000)
[5] خلال فترة الدراسة كان نظام مراقبة التلاعب المطبق في السوق هو (SOMA). وقد استبدل هذا بنظام (SMARTS) في نهاية عام 2004م. وهو النظام الذي تبنته السوق المالية السعودية مؤخراً لمراقبة السوق.