16‏/03‏/2012

مشروعية خدمات وفوائد التعاقد بالانترنت.


       الانترنت اسم لنظام منتشر في جميع أنحاء العالم يتألف من أفراد و معلومات و حواسيب و بروتوكولات لتنظيم الاتصال عبر الشبكة و حتى نقترب رويدا رويدا من مفهوم شبكة الانترنت يتبادر إلى أذهاننا شبكة الاتصال العادية عبر الهاتف إلا أن الانترنت تتميز عنها بالسرعة و المرونة و الاتساع، و بالأحرى فإنها تلك الغابة الكثيفة من مراكز تبادل المعلومات التي تخزن و تستقبل و تبث جميع أنواع المعلومات في شتى فروع المعرفة و في كافة جوانب الحياة من قضايا فلسفية إلى أمور العقيدة و الهندسة الوراثية متجها نحو الحرف اليدوية و من البريد الالكتروني إلى البث الإعلامي، و مع مرور الوقت ستجد الآلات مكانا لها في حياتنا لا لأنها تقدم وسيلة مريحة و مفيدة و موفرة للجهد فحسب بل لأنها تدفعنا إلى آفاق إبداعية جديدة ستترك أثرا كبيرا في جميع مناحي الحياة، ولهذا سنتناول الفصل التمهيدي بالدراسة عبر ثلاث مباحث الأول هو نشأة الانترنت و فوائدها و الثاني خدمات الانترنت و الثالث مشروعية التعاقد عبر الانترنت و مبررات ذلك.نشأة الانترنت و فوائدها.      قبل أن تصبح الانترنت على ما هي عليه اليوم مرت بنقاط تغير كثيرة و تطورات كبيرة و تعددت فوائدها تبعا لهذه التغيرات، و سنتناول في هذا المبحث نشأة و تاريخ الانترنت و نعرج على ذكر بعض الفوائد.     ظهرت النواة الأولى لشبكة الانترنت كمشروع أمريكي رعته و مولته وكالة مشاريع البحوث المتقدمة في وزارة الدفاع الأمريكية التي اهتمت آنذاك ببناء شبكة متماسكة يمكن أن تصمد في ظروف صعبة خاصة في نقل المعلومات الحكومية و العسكرية خلال حدوث كارثة نووية و هو مشروع "ARPA" في عام 1960(1)، و الذي كان يستهدف تحقيق  هدف استراتيجي و هو إرسال تعليمات التصويب من خلال مركز التحكم إلى قواعد الصواريخ حتى و لو بعد تدمير جزء من شبكات الاتصال نتيجة لتعرضها للهجوم، و قد اتسع نطاق هذه الشبكة سريعا لتدخلها و تتقاسمها جميع مصادر المعلوماتية في الولايات الأمريكية إذ ربطت 50 جامعة ببعضها البعض عن طريق نظام "ARPANET"، و قد أدى ظهور هذه الشبكة إلى ربط كبرى المواقع المعلوماتية ببعضها البعض و هو ما سمح لها جميعا باستعمال المعلومات المتداولة عليها من خلال بناء مرن و مستقل عن الحاسبات المستعملة فيها2     و في نهاية السبعينات بدأت شبكة تسمى "UNEX" في الظهور، و في بداية الثمانينات ظهرت شبكة تسمى "BITNET" و التي كانت شركات الانترنت تنافسها بشدة و بعد ذلك ظهرت شبكة "Computer Science Network"، ثم تحققت لهذه الشبكة انطلاقة أقوى عندما تبنتها المؤسسة العلمية القومية "NSF" و ذلك بمناسبة إنشاء خمسة مراكز كبرى للحاسبات الفائقة و ذلك بهدف السماح بدخول المجتمع العلمي كله إلى المعلومات المخزونة، و هكذا أصبحت كل المراكز الجامعية الكبرى متصلة بالشبكة التي أخرجتها إلى حيز الوجود المؤسسة العلمية القومية و التي لعبت فيها دور العمود الفقري أو المعبر لحركة مرور المعلومات الخاصة بكل الشبكات الداخلة فيها، و منذ ذلك الحين أصبح من الممكن الدخول إلى أي نقطة على الشبكة من خلال أي موقع جامعي متصل بها.      و قد أبرمت في عام 1987 عقدا مع بعض الشركات الخاصة من أجل إدارة شبكة المؤسسة العلمية الوطنية و زيادة كفاءتها.
     و منذ 1992 توقفت المؤسسة العلمية الوطنية عن الاستثمار في الشبكة تاركة المجال مفتوحا لأنواع أخرى من التمويل و من ثمة لأنواع أخرى من الاستعمال لغير الأغراض العلمية، و هكذا أصبحت الانترنت بمثابة اتحاد للشبكات، فإنها لم تتوقف عن التطور و أصبح الدخول إليها في الوقت الحالي متاحا للكافة، و لم يعد استخدامها قاصرا على باحثي الجامعات و موظفي المؤسسات العامة فقد وجد الأفراد و المشروعات الخاصة فائدة كبيرة في الإبحار عبر الشبكة.     و يهمنا هنا أن نؤكد على أن شبكة الانترنت لم تعد مجرد وسيلة لتبادل المعلومات و الحصول عليها من شتى أنحاء العالم بل أنها قد أصبحت أيضا وسيلة يتم من خلالها إبرام العقود بمختلف أنواعها و هو ما يسمى بالتجارة الإلكترونية(1)، حيث تشير الدراسات الأمريكية أن رقم الأعمال لمبيعات المنتجات و الخدمات على الانترنت بلغ حوالي 225 مليار دولار أمريكي في عام 1996 بزيادة قدرها 500% عن عام 1995 و قد حققت المشروعات الفرنسية رقم أعمال يقرب من 50 مليار فرنك سنويا.فوائد الانترنت.         في هذا العصر عصر المعلومات باتت مهمة الباحثين أقرب إلى السهولة و اليسر لما أتاحته التكنولوجيا من سبل عدة ترشد الباحث إلى ضالته، و مع استمرارية التقدم التكنولوجي ظهر ما يعرف بشبكة الانترنت تلك الشبكة و بكل ما تحتويه من علوم و فن و ثقافة و تاريخ و قانون و اقتصاد ها هي تنادينا لنجوب في أرجائها ملتمسين العلم و المعرفة لتنير دروب العلم للباحثين و تروي ظمأ المسافرين الباحثين عن المعلومة، و الباحث عبر هذه الشبكة لا بد و أن يجني من ثمارها ما يسد رمقه و يعينه على تمام سيرة العلم و العليا(1)، و من أهم الفوائد:
     1 - توفير الوقت: يخفض استخدام الانترنت الكثير من الوقت الضائع في الاتصال بين عناصر  الشركة كما يؤمن وسيلة ضمان  لدقة سير الاتصالات و عدم تكرارها و على سبيل المثال: قد ترسل العديد من الطلبات عن طريق البريد الإلكتروني دون أن تحصل الاستجابة إما لأن الطرف الثاني لم يتصفح الرسالة أو لأنه لم يفهمها من أول مرة، أما الانترنت فإن تنظيم تبادل المعلومات و الخدمات الإدارية يتم عن طريق نماذج معيارية متفق عليها و لا يتم إرسالها عن طريق النظام البريدي الداخلي قبل استيفاء المعلومات المطلوبة بكاملها و من ثمة يتم حفظها آليا في الجهاز الخادم أو الجهاز خادم البريد الإلكتروني و تظهر لدى الطرف الثاني بعد وقت قصير جدا و بذلك تؤمن الانترنت الدقة و توفير الوقت.(2)      2 -البحث عن كافة المعلومات: للباحثين عن المعلومة في شتى الميادين و لمن يدفعه الفضول لمجرد المعرفة ها هي الانترنت تحمل في طياتها العديد من دروب المعرفة و كل ذلك بآلية بحث لا تأخذ الكثير من الجهد و الوقت للوصول إلى المطلوب.فالشبكة وفرت آلية بحث ميسرة للراغبين الضغط على مفتاح البحث حتى تبدأ عملية البحث الأتوماتيكية داخل الشبكة لإيصال الباحث للمطلوب عن طريق عرض سائر ما يتعلق بالمعلومة و للباحث الاختيار في ما يناسبه ليقوم بعملية فتح للملف الموجود به المعلومة و هكذا..، و قد قامت العديد من الجامعات في العالم باستغلال هذه الطريقة بواسطة إنزال صفحة لها على الانترنت تتضمن سائر ما يتعلق بهذه الجامعات من ميزات و كيفية إجراءات التسجيل لديها و شروط ذلك، و على الراغبين في مراسلة هذه الجامعات كتابة اسم الجامعة والضغط على مفتاح البحث ليجدوا أنفسهم أمام صفحة تلك الجامعة و سائر ما أنزلته بصفحتها على الانترنت حتى إذا ما أراد مراسلتها أتم ذلك بواسطة عنوانها البريدي الموجود ضمن ما تعرضه صفحتها, و هذه الطريقة في إنزال صفة على الانترنت راجت كثيرا مناه ما يتعلق بالدول و مؤسساتها الحكومية و منها ما يتعلق بالمعلومات التجارية.(1)3- الاستقلالية و المرونة: تربط الانترنت بين أجهزة كمبيوتر من أنواع مختلفة مثل APPLE و الكمبيوتر الشخصي PC حالها في ذلك حال كل الشبكات الحديثة أما الجديد الذي تنفرد به الانترنت فهو إمكانية النفاذ لموارد المعلومات عن طريق تطبيق واحد و هو المستعرض و من منصات عمل مختلفة تمكن هذه الصفحة المستخدمين من الولوج إلى محتويات الجهاز الخادم بغض النظر عن منصة العمل التي يعملون عليها إضافة إلى أن نشر المعلومات عن طريق الموقع الداخلي يتم في الزمن الحقيقي و لا يحتاج إلى عمليات إعداد مسبقة.(2)خدمات الانترنت :       من البديهي أننا لن نتناول في هذه الدراسة القانونية الكثير من التفاصيل الفنية الخاصة بشبكة الانترنت و لكننا سنضطر حتما إلى استخدام بعض المصطلحات المتداولة بشأن هذه الشبكة إلا أننا لن نستطيع بدء الدراسة إلا بعد التعرف على ثلاث خدمات أساسية من الخدمات التي تقدم على شبكة الانترنت والتي تستخدم بصفة اساسية في التعاقد عبر الانترنتوهي خدمة المواقع او شبكة المواقع,خدمة البريد الالكترونيوخدمة المحادثات الشخصية.
1. خدمة المواقع.      خدمة WORLD WIDE WEB المسماة شبكة WEB اختصارا و هذه الكلمة الأخيرة تعني بالعربية شبكة العنكبوت و الكلمة معبرة إلى درجة توضح مدى تشابك و توسع الانترنت في شتى مناطق العالم، و هاته الخدمة يعبر عنها البعض بالعربية بشبكة المعلومات العالمية فهي الخدمة التي يمكن من خلالها زيارة مختلف المواقع على شبكة الانترنت و تصفح ما بها من صفحات من أجل الوصول إلى معلومات معينة أو من أجل إبرام عقد مع أحد التجار الذي يعرض منتجاته على الشبكة مثلا.(1)       و يستطيع كل شخص طبيعي أو معنوي أن يضع له موقعا دائما و ثابتا على شبكة الانترنت من خلاله يستطيع عرض أو الإعلان عن أي شيء يود تقديمه كمعلومة أو كعرض لإيجاب معين، و استخدام موقع على الشبكة يعني استمرارية هذا الموقع على مدار الساعة و الأيام2      و أهم المصطلحات التي تقابلنا في هذا الشأن هومصطلح موقع WEBSITE و يقصد به كل مكان يمكن زيارته على شبكة المعلومات العالمية، و هناك الملايين من مواقع الوب على الشبكة لكل منها عنوانه الخاص الذي يشار إليه بأحرف الاختصار و الذي يقوم مقام العنوان العادي أو رقم الهاتف و لكي تتمكن من زيارة موقع ما فلن يكون عليك سوى تحرير هذا العنوان، و هنا سوف تدخل على هذا الموقع و أول ما يطالعك فيه هو الصفحة الأم HOME PAGE و هي الصفحة الرئيسية للموقع و التي يمكن من خلال ما بها من روابط و إشارات الوصول إلى الصفحات الأخرى التي يتضمنها الموقع و التي يرغب الزائر في الحصول على معلومات منها أو التعاقد على منتج معين على سبيل المثال و تسمى هذه الصفحات في العمل صفحات الوب-WEB PAGE-.32.  خدمة البريد الإلكتروني E-MAIL.
هي ببساطة استخدام شبكة الانترنت كمكتب للبريد حيث يستطيع مستخدم الانترنت بواسطتها إرسال الرسائل إلى أي شخص له عنوان بريد إلكتروني، كما يمكنه أيضا تلقي الرسائل من أي مستخدم آخر للانترنت من خلال نظام تكبير الرسالة إلى حزم تمر من خادم إلى آخر حتى الوصول إلى المقصد و بمجرد وصول الحزم يعاد اتحادها إلى صورتها الأصلية و تتم هذه الخدمة مجانا و لا يستغرق إرسال الرسالة و استقبالها سوى بضع ثوان بغض النظر عن المسافة بين المرسل و المرسل إليه، و كل شخص حتى يضع له عنوانا إلكترونيا لا بد له مناستخدام اسم أو رقم رمزي و نطاق فرعي و نطاق ذروته عالية، و لإرسال رسالة ما عبر البريد الإلكتروني نحتاج إلى كتابة موضوع الرسالة على الحاسب و إعطاء الحاسب العنوان المرسل إليه حيث يكفي النقر على أمر الإرسال و بذلك تكون الرسالة قد أدرجت تحت عنوان المرسل إليه على الشبكة، و لكي يتمكن المرسل إليه من مطالعتها ما عليه سوى أن يستعمل برنامج بريده الإلكتروني و يصدر أمرا بتحميل الرسائل على صندوق بريده الإلكتروني الوارد و هنا سوف يجد جميع الرسائل التي وردت إليه في هذا الصندوق، و يسمح البرنامج المستخدم عادة بإيجاد قائمة بالرسائل تتضمن بيانا بالمرسلين ومع التمييز بين الرسائل التي سبق مطالعتها و تلك التي لم يطلع عليها المرسل إليه بعد، ولقراءة أي رسالة لا بد من الضغط على موضعها في القائمة المذكورة فتظهر أمام المرسل إليه على شاشة جهاز الكمبيوتر[1]و هذه الخدمة محفوفة بالمخاطر و من أهمها عدم الخصوصية و ضعف الأمان حيث يقوم المشتركون باستقبال و إرسال بريدهم من داخل هذه المواقع التي توفر هذه الخدمة.3. خدمة المحادثات الشخصيةعندما نذكر كلمة حديث على الانترنت فإنه يتبادر إلى أذهاننا فورا الحديث عبر الهاتف العادي، من لأن شبكة الانترنت تتحول هنا إلى هاتف كما أن الحديث عبر الشبكة يعني عدة أنواع من الاتصالات حيث يمكن تبادل الرسائل و المحادثات بين عدة أشخاص بشكل فوري و الحديث يمكن أن يتضمن تبادلا للأصوات و الصور و هذه الوسائل المتعددة هي:1. تبادل مباشر للعبارات بين شخصين يستخدمان برنامجا يقسم الشاشة إلى قسمين يظهر في كل طرف قسمين الأول للمرسل و الثاني للمرسل إليه فأي شيء يكتب لدى أحد الطرفين يظهر على شاشة الطرف الآخر و هكذا دواليك.و هناك  حالات يمكن التحدث فيها مع أكثر من شخص في آن واحد حيث تقسم الشاشة إلى عدة أجزاء متساوية الحجم و مساوية لعدد الأشخاص المشتركين بهذا الحديث, فيمكن من خلال هذه الخدمة  للأصدقاء و رجال الأعمال تبادل الحديث كتابة بطريقة أوفر ماديا و سرعة هائلة في جلب الردود. [2]هناك برامج تتيح للشخص تبادل الحديث صوتيا كما في الهاتف التقليدي مع أشخاص آخرين و تمكن المستخدم من إجراء مكالمات هاتفية سواء دولية أو محلية و ذلك دونما زيادة على سعر الاستخدام.2. غرفة الفيديو: و هذا البرنامج سمي أراك و تراني و يمكن من خلاله إرسال صور فيديو للتعبير عن الحركة و هي خدمة فعالة تقدمها الشبكة و يمكن استغلالها بالشكل اللائق لخدمة البشرية، و بالفعل تم استغلال هذه الخدمة جيدا من قبل مستشفى أبو الريش في القاهرة إذ تم الربط بينه و بين مستشفى طوكيو لطب الأطفال و ذلك للكشف عن المرضى و في مراقبة العمليات الجراحية. [3]ثالثاً : مشروعية التعاقد بالانترنتبما أن التعاقد عبر شبكة الانترنت ما زال في بدايته و خاصة في وطننا العربي فإن التشريعات القانونية العربية لم تدخل في نصوصها و تشريعاتها النصوص المتعلقة بهذا النوع من التعاقد، و في ظل هذا الغياب فإن النظرية العامة للعقد قد يمكنها أن نسد هذا الفرع و ذلك لحين صدور تشريعات خاصة بالانترنت.1. مدى مشروعية التعاقد بالانترنتأ.  إن مفهوم الاتصال عبر الشبكة يقترب جدا من مفهوم الهاتف التقليدي بل و يمكن أن تحول الشبكة إلى هاتف عادي عبر المحادثة الشفهية، و هذه الشبكة تعتمد على وجود جهاز و مرسل و مرسل إليه فهي لا تعدو أن تكون أكثر من وسيلة اتصال حديثة و يمكن التأكيد على هذا بما ذكره الدكتور أنور سلطان بقوله:"إن التعاقد بالتلفون أو أية وسيلة مماثلة لا يثير صعوبة إلا فيما يتعلق بتعيين مكان انعقاد العقد و هو يأخذ من هذه الناحية حكم التعاقد بين الغائبين الذين تفرقهم شقة المكان أما فيما يتعلق بزمان انعقاد العقد فالتعاقد بالتلفون أو بأي وسيلة مماثلة لا يفترق عن التعاقد بين الحاضرين فيعتبر التعاقد بالتلفون تم في الوقت الذي يعلن فيه من وجه إليه الإيجاب قبوله".
بالإضافة إلى أن التعاقد كما يتم بين حاضرين يجمعهما مجلس عقد واحد كذلك من الممكن أن يتم بين غائبين لا يجمعهما مجلس عقد واحد فيتم العقد في هذه الحالة بين شخصين عن طريق رسول يبلغ تعبير كل منهما إلى الآخر أو بالمكاتبة بالبريد أو البرق أو الفاكس أو غيرها من وسائل الاتصال حيث تمر فترة زمنية بين صدور كل من التعبير وبين وصوله للطرف الآخر، فبعد المسافة بين المتعاقدين لا يمنع انعقاد العقد فالقانون لا يشترط الوجود الثنائي الفعلي في مكان واحد لأطراف العقد لحظة تبادل الإيجاب و القبول حيث يمكن أن يتم تبادلهما عن طريق وسائل الاتصال المختلفة كالرسائل و الوسائل الحديثة من تلكس، تلغرام، انترنت.(1)و قد نص المشرع الجزائري على كيفية تحديد زمان و مكان انعقاد العقد بين غائبين(م 67 ق م) الذي تعتبر العقود التي تتم عبر الانترنت من بينها.ثانيا:إن م 60 ق م ج تنص على أن:"التعبير عن الإرادة يكون باللفظ و بالكتابة أو بالإشارة المتداولة عرفا كما يكون باتخاذ موقف لا يدع أي شك في دلالته على مقصود صاحبه".
فالعبارة الأخيرة من نص المادة تتيح المجال قانونيا لأسلوب التعاقد عبر الانترنت حيث أن قيام أي فرد بعرض موقع ثابت و دائم له على شبكة الانترنت يعني أن يقصد اتخاذ مسلك و طريق يشير و يعلن فيه للناس نيته في التعاقد عبر موقعه و يؤكد هذا التوجه الدكتور توفيق فرج بقوله أن:" التعبير عن الإرادة يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على حقيقة مقصوده"، فوقوف سيارات الأجرة ذات الأسعار المحددة في الأماكن المعدة لها يعد عرضا صريحا للجمهور و كذلك الشأن لوضع آلات ميكانيكية لبيع الحلوى و زجاجات المشروبات أو وضع جهاز تلفون آلي.
و شبكة الانترنت تعرض على مدار الساعة الإعلانات و وسائل البيع و الشراء و المزادات العلنية و التقديم للوظائف و الخدمات و ذلك في إشارة صريحة باتخاذ مسلك مباشر لا لبس فيه على التراضي.ب.  الأصل في التعاقد حرية التراضي التي تقضي تيسير المعاملات و العقود و رفع الحرج و عدم التعقيد إلا استثناءا، و حرية التراضي أصبح مبدأ راسخا في الفقه القانوني بعد أن مر بتطورات تاريخية طويلة و يرتبط ارتباطا قويا مع مبدأ سلطان الإرادة حيث أن إرادة المتعاقدين قادرة على إنشاء العقود و كافية لتحديد آثارها و أساس هذا المبدأ أن الأفراد أحرار بحسب حالاتهم الطبيعية فالحرية هي الأصل، حتى صار هذا المبدأ دعامة تبنى عليه النظريات القانونية و هوبعد أن تمشي فيه المنطق أصبح يشتمل على أصلين هما الالتزامات و آثارها فالإرادة الحرة هي التي تهيمن على جميع مصادر الالتزام، و بما أن هذا المبدأ أصبح راسخا قانونيا فلا مانع من امتداده ليشمل التعاقد بالانترنت(1), فالمادة 59 ق م ج تنص على أنه:"يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتهما المتطابقتين دون الإخلال بالنصوص القانونية".
إذن من كل ما سبق تتحدد لنا مشروعية التعاقد عبر الانترنت، فالأصل أن العقود الإلكترونية مشروعة، لكن قد تطرأ على هذا العقد الإلكتروني أمور تجعل منه عقدا غير مشروع كأن يكون موضوعه سلعة غير مشروعة.و العقود الإلكترونية التي يكون موضوعها سلعة غير مشروعة تتمثل في عمليات بيع المخدرات و تأجير العاهرات و بيع الأفلام الإباحية و بيع الأسلحة و ما إلى ذلك من عمليات البيع التي يكون المبيع فيها سلعة غير قانونية.و تعد تجارة المخدرات هي أهم و أخطر أنواع التجارة المحرمة على مستوى العالم و يأتي بعدها تجارة الرقيق الابيض ثم تجارة السلاح، و لم تفلح كافة الجهود المبذولة على مستوى العالم للقضاء على تجارة المخدرات إلا في محاولة الحد منها قليلا دون منعها نهائيا. و قد كان تجار المخدرات على المستوى العالمي يلاقون صعوبات شديدة في الاتفاق على عمليات بيعها و تهريبها إلا أنه و بعد التطور التكنولوجي الكبير الذي نعيشه حاليا فقد استغل صانعوا و مهربوا المخدرات شبكة الانترنت في الاتفاق على تهريب منتجاتهم المحرمة دوليا.و في تقرير نشرته شبكة CNN الإخبارية ذكرت فيه قيام السلطات الفيدرالية و المحلية في بعض الولايات بحملة واسعة و ألقت القبض على العشرات من مروجي المخدرات, و من الناحية القانونية و لما كانت القاعدة العامة هي عدم جواز الاتفاق على ما يخالف القانون فإن العقد الإلكتروني متى كان موضوعه بيع سلعة أو تقديم خدمة مخالفة للقانون و معاقب عليها فإن هذا العقد يعتبر معدوما و ليس له أثار قانونية و يعد كأن لم يكن.(1)رابعا : مبررات مشروعية التعاقد بالانترنتنحاول في هذا الجانب التأكيد على المبررات التي تدعم ما ذكرناه بالنسبة لمشروعية التعاقد بالانترنت فيما يلي:أ.  إن الفقه القانوني العربي قبل عشرات السنين أشار بشكل واسع إلى التعاقد عن طريق الهاتف و هو أسلوب يقترب كثيرا من الاتصال عبر الانترنت، و القياس مشروع أصلا فقد أكد الدكتور توفيق فرج بأن التعاقد الذي يتم عن طريق المخاطبة التلفونية أو بأي طريق مشابه بمثابة التعاقد الذي تم بين حاضرين من حيث الزمان و بين غائبين من حيث المكان و قد أشار إلى التعاقد بالتلفون أو بأي طريق مماثل،كما راى الدكتور انور سلطان ان مجلس العقد هو الاجتماع الواقع فيه العقدسواء طال او قصر ومجلس العقديكون حقيقيا او حكميا كما في التعاقد في التليفون او باي طريق مماثل, و الأصل أن جميع العقود يمكن إبرامها بين غائبين إذا فصلت فترة من الزمن بين صدور القبول و علم الموجب به.
و قد تجاوزت الدراسات القانونية الحديثة ما درج عليه الفقه حيث أصبح يشير و بصراحة تامة إلى التعاقد بالانترنت حيث أن الكمبيوتر قد دخل حيز التنفيذ في إبرام العقود لا سيما في مجال التعاقد مع البنوك و الخطوط الجوية، و أحكام التعاقد بالكمبيوتر لا يتم إلا إذا كان هناك وسيلة اتصال بين هذه الأجهزة الإلكترونية أي وجود شبكة كمبيوتر يستطيع المشترك في تلك الشبكة الاتصال مباشرة مع أي مشترك آخر يمتلك نفس الجهاز وفقا لرقم أو إشارة أو كلمة معينة.(2)ب.  أصبحت منتجات الكمبيوتر من أوراق كتابية و تواقيع رقمية تجد لها مكانا و حجة في الإثبات حتى أن المادة 14/3 من اتفاقية هامبورج لسنة 1978 اعتبرت أن التوقيع المقبول قانونا هو التوقيع بخط اليد أو بالصورة المطبوعة أو المطابقة للتوقيع الأصلي أو بالتثقيب أو بالختم أو بالرموز أو بأي طريقة ميكانيكية أو إلكترونية، و كذلك أوضحت ذات المادة إجازتها للبيانات الصادرة عن الحاسب الآلي باعتباره حجة للإثبات مثله مثل سند الشحن التقليدي، و بما أن منتجات الكمبيوتر قد أخذت لها مكانا في الإثبات فالأولى أن تجد لها موقعا في انعقاد العقد.
ج.  لا يوجد مانع من الحذو حذو الدول المتقدمة في هذا المجال حيث صدر قانون النقل المصرفي بالطرق الإلكترونية الأمريكي سنة 1978، و في فرنسا صدر القانون المتعلق بالتصرفات القانونية التي تتم عن طريق وسائل الاتصال الفوري ذات المعالجة الآلية سنة 1980، و قانون حماية المعلومات الأمريكي سنة 1984، و في الأعوام السابقة توالى صدور قوانين التجارة الإلكترونية في العديد من دول العالم كما أقرت الأمم المتحدة بشأن عقد البيع الدولي للبضائع اتفاقية فينا في 11/04/1980 فأجازت أن يقع الإيجاب و القبول بالهاتف أو التلكس أو غير ذلك من وسائل الاتصال الفوري، بالإضافة للقانون النموذجي المصحوب بدليل للتشريع و المعد من قبل لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الاونسترال   في جويلية 1996 و تم الإقرار فيه بإنشاء العقود و صحتها و وقت و مكان إرسال و استلام رسائل البيانات، و فضلا عن ذلك فإن لجنة الاتحاد الأوروبي قد أعدت عام 1994 الاتفاق النموذجي الأوروبي المتعلق بالتبادل الإلكتروني.
د.  إن التعاقد عبر الانترنت لن ينشىء عقودا جديدة أو يستحدث نظريات جديدة بل هو وسيلة تكنولوجية حديثة لإنشاء العقود، فالنظرية العامة للعقود هي التي ستغطي هذا النوع من العقود مع بعض الخصوصية لهذا النوع من التعاقد.(1)

(1) أ. أحمد خالد العلجوني، التعاقد عن طريق الانترنت دراسة مقارنة، دار الثقافة و الدار العلمية الدولية للنشر و التوزيع، ص 14.2- 1) د. أسامة أبو الحسن مجاهد، التعاقد عبر الانترنت، دار الكتب القانونية، مصر 2002، ص: 03(1) د. أسامة أبو الحسن مجاهد، المرجع نفسه، ص: 3-4-9(1) أ. محمد ابراهيم أبو الهيجاء، التعاقد بالبيع بواسطة الانترنت، دار الثقافة و الدار العلمية الدولية للنشر و التوزيع الأردن، ص: 45-46.(2) أ. منير محمد الجنبيهي و ممدوح محمد الجنبيهي، الطبعة القانونية للعقد الإلكتروني، دار الفكر الجامعي الإسكندرية، ص: 20.(1) أ. محمد ابراهيم أبو الهيجاء، المرجع السابق، ص: 47.(2 أ. منير و ممدوح محمد الجنبيهي، المرجع السابق، ص: 20.1- د. أسامة أبو الحسن مجاهد، المرجع السابق، ص7.2-  أ /.أحمد خالد العجلوني، المرجع السابق،ص16.
3-  د/ أسامة أبو الحسن مجاهد، المرجع نفسه، ص7.[1] - د/ أسامة أبو الحسن مجاهد، المرجع السابق،ص8.[2] - أ – أحمد خالد العجلوني،المرجع السابق ، ص 17.
[3] - ا – محمد إبراهيم أبو الهيجاء ، المرجع السابق ، ص 48-49.
(1) أ. أحمد خالد العجلوني، المرجع السابق، ص:20-21.(1) أ, أحمد خالد العجلوني، المرجع نفسه، ص:26-27.(1) أ. منير محمد الجنبيهي و ممدوح محمد الجنبيهي، المرجع السابق، ص:185.(2) أ. أحمد خالد العجلوني، المرجع السابق، ص:23.(1) أ. أحمد خالد العجلوني، المرجع السابق، ص: 25-27.