2-1-
تعريف السياسة الاقتصادية
يقصد
بالسياسة الإقتصادية عامة كل ما يتعلق باتخاذ القرارات الخاصة بالاختيار بين
الوسائل المختلفة التي يملكها المجتمع لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية معينة
والبحث عن أفضل الطرق الموصلة إلى تحقيق هذه الأهداف[1].
كما يعرفها البعض بأنّها مجموعة الإجراءات الحكومية التي
تحدد معالم البيئة الاقتصادية التي تعمل في ظلها الوحدات الاقتصادية الأخرى[2]، والسياسة الاقتصادية عبارة
عن مجموعة الأدوات والأهداف الاقتصادية والعلاقات المتبادلة بينهما[3]، والدولة هي المسؤولة عن
إعداد وتنفيذ هذه السياسة.
يتضح من
التعاريف السابقة أنّ السياسة الاقتصادية تتمثل في قيام الدولة بخطوات وإجراءات
ترمي إلى تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية محددة ولهذا يجب على السياسة الاقتصادية
التي تنتهجها الدولة أن تكون قادرة على الوصول إلى أقصى كفاءة عند استخدام الموارد
المتاحة لتحقيق أقصى الغايات أو بمعنى آخر استخدام أقل حجما من الموارد لتحقيق
أكبر عدد من الأهداف[4].
كلما كانت السياسة الاقتصادية تتصف بالكفاءة والفعالية
أمكن تحقيق معدلات نمو عالية، غير أنّ هذا الهدف يعتمد على أمرين:
أولا تحقيق التوازن المالي للدولة حيث يتم التنسيق بين
الإيراد العام والإنفاق العام، أما الأمر الثاني يتمثل في زيادة حجم المدخرات
المحلية لزيادة حجم الاستثمارات.
كما تسعى السياسة الإقتصاية إلى التوسع في الإنتاج بهدف
تحقيق فائض يستخدم للتصدير وهنا يجب على السياسة الاقتصادية السعي إلى تكييف
الهياكل الاقتصادية مع متطلبات التوسع وذلك لتوجيه الاستثمارات نحو قطاعات معينة،
قصد تحقيق الاكتفاء الذاتي ومنه نحو الصناعات التصديرية، وفي هذا المجال يفضل
استعمال أدوات السياسة المالية لتحقيق هذا الهدف، إما عن طريق سياسة الإعفاءات
والتمييز الضريبي بحيث يتم تشجيع مجالا عن مجال آخر مثل زيادة الإنفاق العام
والإعانات والدعم الإنتاجي[5].
من أهداف السياسة الإقتصادية[6]: دعم مرحلة اقتصادية معينة
من المراحل التي يمر بها الاقتصاد القومي، ومن الأساليب التي تستخدمها السياسة
الاقتصادية لتحقيق هذا الهدف اعتمادها على أدوات السياسة المالية وذلك حسب طبيعة
وظروف كل مرحلة، كذلك هناك هدف آخر للسياسة الاقتصادية وهو التقليل من البطالة ومنه
الاستفادة من الطاقات المعطلة وأخيرا زيادة الإنتاج ورفع معدل النمو، كما أنّ
السياسة الاقتصادية تسعى لتحقيق نوع من لاستقرار في مستوى الأسعار وهو مطلب ضروري،
لأنّ ارتفاع الأسعار له آثار سيئة على توزيع الدخول والتجارة الخارجية والعمالة[7].
يتضح مما
سبق أنّه تسعى الدول ومن خلال سياستها الاقتصادية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف
الاقتصادية، تتمثل في إشباع حاجات أفراد المجتمع من مختلف السلع والخدمات، وخاصة
تلك السلع التي يطلق عليها اسم السلع العامة وتحقيق النمو الاقتصادي وزيادة فرص
التوظيف في المجتمع حتى يمكن معالجة مشكلة البطالة هذا بالإضافة إلى تحقيق استقرار
نسبي في المستوى العام للأسعار بهدف المحافظة على مستوى معيشة المجتمع، وإلى جانب
ما سبق تسعى الحكومات إلى تحسين وضع ميزان مدفوعاتها والعمل على تقليل حجم
الواردات.
3- أسلوب إعداد السياسة الاقتصادية
لكي يستطيع راسم السياسة الاقتصادية إنجاز عمله
في إعداد السياسة بكفاءة لابد من إتباع أسلوب معين يسترشد به لتحقيق غايته، وهذا
الأسلوب يتكون من عدة خطوات وهي[8]:
- تحديد الهدف: قبل تحديد هدف أي سياسة لابد من التعرف
على المشكلة المراد رسم السياسة لحلها، حتى تحدد المشكلة بدقة لابد من التعرف على
الظروف المحيطة بها، فلمواجهة مشكلة التضخم يجب تحديد نوع التضخم ثم دراسته
وتحليله لغرض معرفة الأسباب وعندئذ تكون قد حددت المشكلة وبعد ذلك يمكن تحديد
الهدف من وراء محاربة هذا التضخم؛
- تحديد البدائل: بهدف تحقيق الهدف المنشود، من الأفضل
تحديد أكثر من سياسة وعند الاستخدام تستخدم واحدة أو أكثر في حالة التضخم، المثال
السابق، فإنّ راسم االسياسة لديه عدة أساليب لمحاربة ظاهرة التضخم فقد يستخدم
أدوات السياسة المالية مثل:
- فرض ضريبة معينة لامتصاص قسم من النقد الفائض،
- خفض الإنفاق الحكومي،
كما قد يعتمد على أدوات السياسة النقدية كأن يخفض العروض
النقدي.
- تحليل البدائل: عندئذ يجب تحليل جميع السياسات
المقترحة تحليلا دقيقا مع تحديد ما سوف يترتب على كل واحدة من آثار، بمعنى في
ظاهرة التضخم دائما ما هي الآثار المترتبة على خفض الإنفاق العام، وما هي الآثار
المترتبة على تخفيض المعروض النقدي، وهنا يكون راسم السياسة أمامه عدة حلول وما
عليه إلاّ أن يختار الحل المناسب,
كما يمكن له أن يدرس الخلفية التاريخية للحل المختار أي
معرفة الآثار الإيجابية والسلبية الناتجة من خلال تطبيق هذا الحل في الماضي وهنا
يمكن أن يأخذ بهذه لسياسة المختارة أو يبحث عن سياسة أفضل وفي حالة التأكد من
ملائمة السياسة المختارة للظروف الاقتصادية الحالية وعندئذ يكون في الخطوة الأخيرة
والمتمثلة في اتخاذ قرار يتبنى السياسة المختارة الملائمة.
4- أدوات السياسة الاقتصادية
يمكن تقسيم
الأدوات المتاحة للتحكم في النظام الاقتصادي إلى المجموعات التالية[9]:
- أدوات
السياسة النقدية:
- أدوات
السياسة المالية؛
- نشاط الأعمال العام،
- التدخل المباشر من خلال الامتيازات والقيود
والأوامر والتراخيص.
للإشارة فإنّ
المعنى الواسع للسياسة الاقتصادية يمكن أن يجمع كل القواعد التي تحكم السلطات
العامة و هي بصدد التدخل في الحياة الاقتصادية، في حين أن المعنى الضيق للسياسة
الاقتصادية يجعلها تنحصر في جانب واحد من الجوانب الثلاثة للتدخل، بحيث تحتل
الجانبين الآخرين الساسة المالية و السياسة النقدية، فهي بذلك تقوم بالرقابة المباشرة
للمتغيرات الأساسية للاقتصاد القومي مثل الإنتاج والاستثمار و الاستهلاك و الادخار
و الصادرات و الواردات و الصرف الأجنبي و الاجور[10].
مما سبق يتضح
أن السياسة الاقتصادية بالمعنى و الواسع يمكن أن تضم السياسة المالية و السياسة
النقدية بالإضافة إلى السياسة التجارية التي هي جزء منها وتختص ب
.أمور الصادرات
و الواردات و الإعانات و الصرف الاجنبي[11].
4-1- السياسة المالية والسياسة النقدية: من حيث تأثير كل من السياسة النقدية و المالية على
الاقتصاد نجد أكثر من وجهة نظر حول هذا الموضوع، فالنقديون يرون أن السياسة
النقدية هي أكثر فعالية في توجيه الاقتصاد عن السياسة المالية سواء في المدى
القصير أو الطويل ولهذا تراهم يهمشون السياسة المالية وحسب اعتقادهم أنّ نمو
المعروض النقدي بنسب محسوبة شرط ضروري وكافي من أجل نمو الدخل في حين أنّ الكنزيون
يعظمون دور السياسة المالية في التأثير على النشاط الاقتصادي وأنها لا تقل على
السياسة النقدية في ذلك، ومهما يكن من اختلاف في وجهة نظر الاقتصاديين فإنّ
التنسيق بين السياسة المالية والنقدية يعتبر أمرا ضروريا وذلك لأنّ لكل منهما
تأثيرات مشتركة على النشاط الاقتصادي وتهدفان إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي
للناتج والأسعار والعمالة وميزان المدفوعات، ولكن يجب التنويه على أنّ المقصود
بالتنسيق هنا ليس بالضرورة أن يكون كل من السياسة المالية والنقدية متلازمتين
توسعا وانكماشا، فقد تتضمن السياسة العامة سياسة مالية توسعية مثلا وسياسة نقدية
انكماشية أو العكس*.
4-2- السياسة التجارية
تتمثل السياسة
التجارية في مجموعة الإجراءات التي تطبقها السلطات ذات السيادة في مجال تجارتها
الخارجية قصد تحقيق أهداف معينة محددة سابقا.
مما سبق يتضح
أنّ السياسة التجارية كأيّ سياسة عموما لها بعدان:
الأول يتمثل في الأهداف التي تعمل الساسة على تحقيقها،
في حين الثاني يتجسد في الأدوات التي تستخدمها هذه السياسة لتحقيق تلك الأهداف.
هناك أهداف
كثيرة للسياسة التجارية أهمها تحقيق موارد مالية لخزينة الدولة، تحقيق توازن ميزان
المدفوعات، بالإضافة إلى إعادة توزيع الدخل القومي وحماية الإنتاج المحلي من
المنافسة الأجنبية وأخيرا الحدّ من التقلبات الخارجية على الاقتصاد الوطني.
وحتى تستطيع
السياسة التجارية تحقيق هذه الأهداف تعتمد على حزمة من الأدوات والتي تتمثل في كل
الوسائل المباشرة وغير المباشرة مثل[12]: الرقابة على الصرف،
اتفاقيات التجارة والدفع، الإعانات، نظام الحصص، ترخيص الاستيراد، الرسوم
الجمركية.
[1] -
أحمد زكي بدوي، معجم المصطلحات الإقتصادية، دار الكتاب المصري،
1985، ص83.
[2] - نعمت الله نجيب وآخرون، مقدمة في الإقتصاد،
الدار الجامعية، بيروت، 1990، ص 441.
[3] - رضا العدل، التحليل الاقتصادي الكلي والجزئي،
مكتبة عين شمس، 1996، ص325.
[4] - نعمت الله نجيب وآخرون، مرجع سابق، ص441.
[5] - محمد عفر، أحمد فريد، مرجع سابق، ص337.
[6] - نفس المرجع، ص338.
[7] -
رضا العدل، مرجع سابق، ص338.
[8] -
حودة عبد الخالق، الاقتصاد الدولي، دار النهضة، القاهرة، 1983،
ص157.
[9] - رضا العدل، مرجع
سابق، ص341.
[10] - أحمد جامع، التحليل الاقتصادي الكلي، دار
الثقافة الجامعية، القاهرة 1990،ص241
[11] - جودة عبد الخالق، مرجع سابق، ص149.
* - نرجع للسياستين بنوع من التفصيل في المباحث القادمة من
هذا البحث.
[12] - جودة عبد الخالق، مرجع سابق، ص157.