حالة الجزائر: 1990- 2004
أطروحة مقدمة لنيل درجة دكتوراه دولة إعداد الطالب: دراوسي مسعود
دراوسي مسعود نوقشت
يوم: 08/05/2005
2005/2006
المدخل
ظلت قضية التنمية الاقتصادية تمثل إحدى الاهتمامات
الكبرى للدول المتقدمة والنامية على حدّ سواء ولازلت تحتل هذه القضية في البلدان
النامية أهمية أكبر باعتبارها الخيار الرئيسي والوحيد للتحرر من أسر التخلف
الاقتصادي.
ومن هذا
المنطلق وضعت الدول النامية" التنمية" قضيتها الأولى ومعركتها الرئيسية،
وفي سبيل ذلك جندت مواردها المتاحة- المادية والبشرية- لتحقيق ذلك الهدف الكبير
ووجهت أسلحتها لخوض تلك المعركة ولم تضع الحرب الاقتصادية أوزارها بعد وهي تتقدم حينا وتتأخر حينا آخر.
وقد تباينت
تلك الدول في الإستراتيجية التي تبنتها لخوض تلك المعركة بحيث مارست هذه الدول
تجارب مختلفة ومناهج متعددة أملا في الوصول إلى الاستراتيجية المثلى الكفيلة
بتحقيق طموحاتها الاقتصادية واللحاق بالدول ذات الاقتصاد المتقدم.
ولما كانت
عملية التنمية عملية واعية وتزداد أهمية
هذا الوعي بالنسبة للمجتمعات النامية التي تعاني من التحديات الهائلة والمعقدة في
الوقت الذي لا تتمتع إلاّ بمقدرات وموارد محدودة، فإنّه لابد من أن يكون الإختيار
الوحيد هو التشبث بالمنهجية العلمية من قبل صانعي السياسات الاقتصادية الكلية.
إن السياسة
الاقتصادية تشمل مجموعة من السياسات التي تعمل كل منها على كمية أو أكثر من
الكميات الهامة، كالسياسة المالية والسياسة النقدية والائتمانية وسياسة سعر الصرف
والسياسة التجارية.
تحتل
السياسة المالية مكانة هامة بين السياسات الأخرى لأنها تستطيع أن تقوم بالدور
الأعظم في تحقيق الأهداف المتعددة التي ينشدها الاقتصاد الوطني، وذلك بفضل أدواتها
المتعددة التي تعد من أهم أدوات الإدارة الاقتصادية في تحقيق التنمية الاقتصادية
والقضاء على المشاكل التي تعوق الاستقرار الاقتصادي، فبالإضافة إلى الآثار
التوزيعية والتخصصية لأدوات السياسة المالية توجد أثار استقرارية تتمثل في دور
الإنفاق الحكومي والضرائب في التأثير على الطلب الكلي ومن ثم على المتغيرات
الاقتصادية الكلية.
والمكانة
التي تحتلها السياسة المالية اليوم في الفكر الحديث لم تحدث طفرة واحدة فقد كان
دورها باهتا في العصور القديمة، أما في الفكر التقليدي كان مطلوبا منها أن تكون
محايدة تماما اتساقا مع طبيعة الفكر السائد أنذاك.
وبقي حال
السياسة المالية على هذا الوضع إلى أن ظهر في الأفق الأزمات الاقتصادية، وبصفة
خاصة الأزمة العالمية التي اجتاحت العالم سنة 1929، إلا يمكن انه يمكن القول بأن
التطور الأعظم الذي لحق بالسياسة المالية قد نبع من الإسهام الكبير للاقتصادي
الكبير جون ماينرد كينز في مؤلفه "النظرية العامة في العمالة
والفائدة والنقود"، مع تأكيده على فشل آليات السوق وحدها في علاج المشاكل
الاقتصادية وخاصة مشكلة الكساد العظيم، وما ترتب عليه في الواقع العملي من ضرورة
تبني أراء كينز الخاصة بتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والانتقال من نطاق الدولة
الحارسة إلى نطاق الدولة المتدخلة بسياسات مالية مناسبة.
ومنذ ذلك
الحين اكتسبت السياسة المالية دورا أكثر أهمية وأصبحت أداة رئيسية من أدوات
السياسة الاقتصادية في توجيه مسار الكيان الاقتصادي، ومعالجة ما يتعرض له من هزات
وأزمات فضلا عن ما لها من اثر في التنمية لاقتصادية وخاصة في الدول الأخذة في
النمو، وبفضل ذلك التطور الذي لحق بالسياسة المالية في النظم المعاصرة أصبح من
واجب الدولة ولزاما عليها أن تتدخل في توجيه الاقتصاد الوطني في كافة
نواحيه،وأصبحت السياسة المالية تلعب دورا جوهريا في تحقيق الأهداف التي ينشدها
الاقتصاد الوطني.
وفي الحقيقة
والواقع نجا من الأزمات الحادة والاختناقات الشديدة كل اقتصاد تم تدخل الدولة فيه
ضمن مراعاة معايير عدة، فمعيار خصوصية الاقتصاد المعني يظهر للدولة مرونة واستجابة
هذا الاقتصاد إلى المتغيرات المرتبطة بتدخلها، وأما معيار الحالة الاقتصادية
الراهنة للبلاد فتظهر مؤشراته ما يفترض في الدولة القيام به إزاء حالة ركود أو
ازدهار أو غيرهما، والمعيار الحقوقي يقيد سلوك الدولة بما أقرته من قوانين وخاصة
قانون الموازنة في السنة المعنية، في حين يفترض المعيار المالي تحقيق الانسجام بين
الغايات المالية ووسائلها، أما المعيار الاجتماعي فيهدف إلى تطوير بيئة المجتمع
وخفيف حدة الفوارق بين طبقاته، وأما المعيار الاقتصادي فيفترض أن يكون الاقتطاع
والإنفاق العامان مؤديين إلى تعظيم المنافع في المجتمع، وهذا يعني خضوع أعمال
الدولة جميعها إلى معايير الربحية المالية والجدوى الاقتصادية، ودراسة ذلك على
زيادة الدخل الوطني، ومما لا شك فيه أن المعايير كلها تصب في ضرورة تحقيق التوازن
الاقتصادي العام وإنمائه.
لقد توسع
إطار التوازن ولم يبق توازنا للنفقات والإيرادات في موازنة الدولة يقتصر على إقامة
معادلة متعادلة بين النفقات الإدارية لتسيير مصالح الدولة من جهة وبين الإيرادات
الضريبية من جهة أخرى، وإنما يشمل عناصر أهم واكبر كما انه ليس توازنا رقميا بل هو
كيفي ينظر إلى النوع بالإضافة إلى الكم.
إن شرط
التوازن بالنسبة للاقتصاد الوطني يتمثل في تحقيق التعادل بين الطلب الكلي والعرض
الكلي في ضوء الضغوطات الاقتصادية المتاحة، كما أن التوازن الكلي هذا يعتبر محصلة
لتوازنات جزئية تتفاعل فيما بينها والمتمثلة في الأسواق السلعية والنقدية
والعمالية والتي يتم الربط والتنسيق بينها في إطار السياسة الاقتصادية الكلية.
لذا أصبح
على السياسة المالية أن توازن مالية الدولة بما يتفق ويتلاءم مع توازن الاقتصاد
الوطني وبهذا المعنى يصبح التوازن متعدد الوجوه وتزداد أنواعه بالاتجاه من الكم
إلى النوع وكذلك كلما اندمجت الموازنة ضمن الإطار الاقتصادي والاجتماعي للبلاد
وهذا هو الوجه الصحيح لتوازن الموازنة العامة باعتبارها برنامجا ماليا يعمل على
تنفيذ خطة الدولة الاقتصادية الاجتماعية لخدمة السياسة العاملة ومصالح الاقتصاد
الوطني.
إذا كانت
قضايا السياسة المالية تطرح نفسها وبشدة منذ بداية الثلاثينات من القرن الماضي في
الدول المتقدمة فهي في الدول النامية تعتبر أكثر تعقيدا، فالموارد محدودة والضغوط
الانفاقية متزايدة لتقديم الخدمات الأساسية، والجزائر إحدى الدول النامية الذي
يأخذ فيها تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية مأخذه العميق من التعقد، وينعكس ذلك
في سياستها اقتطاعا وإنفاقا، فمن الملاحظ إن تزايد حجم النفقات العامة الجزائرية
هو ظاهرة مستمرة بسبب ازدياد الدولة بالوظائف العامة، هذا بالإضافة إلى انخفاض
قيمة الدينار الجزائري وزيادة عدد السكان.
والجزائر مثل بقية الدول النامية قامت بالتوسع في استخدام أدوات السياسة المالية في إطار ما تسمح به التشريعات المختلفة لوزارة المالية بسياساتها الانفاقية والايرادية بهدف تحقيق أهداف السياسة الاقتصادية للبلاد، ومن هنا تظهر أهمية دراسة السياسة المالية المطبقة في الجزائر ومدى مساهمتها في تحقيق التوازن الاقتصادي خلال الفترة محل الدراسة 1990-2004 وذلك للمساهمة في بناء سيناريوهات السياسة المالية الناجحة في المستقل.