3- مراحل السياسة
المالية المتدخلة
إنَّ التغيرات العملية و الإيديولوجية
التي طرأت على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي كان لازماً على السياسة المالية أن
تتخلى عن مفهوم الحياد و تتبنى مفهوم التداخل ، و يمكن رد تدخل السياسة المالية
إلى مرحلتين[1]
:
3-1-
السياسة المالية المحضرة
و
يشيع تناولها بين الكتاب تحت عنوان "نظرية سقي المضخة"[2]. و مقتضاها أن الدولة عن
طريق سلطاتها المركزية أو المحلية يمكنها تنفيذ برامج تقتضي إنفاق مبالغ كثيرة و
على نطاق واسع و تمويل عن طريق الاقتراض ، يكون من شأنها إعطاء الدفعة الأولى
للاقتصاد الوطني حتى يتمكن من النهوض و السير بمفرده اعتماداً على قوته الذاتية
فيما بعد.
و
الفكرة الأساسية التي تقترحها نظرية سقي المضخة يتمثل في أن برنامجاً[3] للإنفاق العام يمكن أن يبعد
الاقتصاد عن مركز الكساد و يشجع عن الانتعاش و النهوض ، و يتمثل المطلب الرئيسي
لهذه السياسة في أن الأموال المستخدمة تستمد من مصادر غير نشيطة ، و لا تمثل خصماً
من القوة الشرائية النشيطة ، و في معظم الأحوال فإن النفقات التي تمول بالاقتراض
تلبي هذا المطلب بدرجة أكبر و هي أكثر توسعاً في الاتجاه من النفقات التي تمول
بأية وسيلة أخرى.
إنَّ نظرية سقي المضخة تفترض أن الشفاء
سوف يكون معجلاً و أن الإنتاج يزداد لأن الموارد غير المستخدمة سوف تستخدم بواسطة
النفقات الحكومية المتزايدة ، كما تفترض أيضاً أن الازدهار سوف يستمر بعد توقف
النفقات الأساسية ، و سوف يستمر الإنفاق
الخاص في الارتفاع أو يظل عالياً بقوته الذاتية[4].
و منه إن اصطلاح سقي المضخة يحمل معه
استنتاجاً أن حجما معينا من الإنفاق العام المتغير في ظروف معينة سيكون له أثر وضع
الاقتصاد على الطريق نحو الاستعمال الكامل للموارد بقوته الذاتية و بدون مساعدة
إضافية من الإنفاق الحكومي ، غير أن مفهوم سقي المضخة لا يحمل معه استنتاج قيمة
الإنفاق اللازم لكن فقط استنتاج أنه مهما
كان المبلغ المطلوب عاجلاً أو آجلاً فإن الاقتصاد سيكمل بقوته المحركة الذاتية.
و ممّا سبق يمكن القول أن سياسة السقي
بالمضخة تقتصر مهمتها على إعطاء الجرعة الأولى للاقتصاد في حالة الانكماش و من ثم
بإمكانه السير ذاتياً، أي أنها تكون بغرض علاج خلل مؤقت أو طارئ، كما يقتصر توقيت
عملها في مرحلة الانكماش فقط.
3-2-
السياسة المالية التعويضية
تعتبر السياسة التعويضية نتيجة طبيعية
للتحليل الكينزي، و يتمثل مبدأ العمل المالي التعويضي في أنه عند إعداد الإنفاق
الحكومي و السياسات الضريبية يتعين الاهتمام أساساً بالموقف الاقتصادي و الاتجاهات
الموجودة، و لهذا يستخدم تياري الإيرادات و النفقات العامة للتأثير على النشاط
الاقتصادي بقصد تحقيق مستوى مرتفع من الدخل و العمالة، فليس الهدف الأول للأدوات
المالية تغطية النفقات العامة، و لكن التأثير على مجموع تيارات الإنفاق بقصد
التوصل إلى توازن اقتصادي كلي[5] و لتحقيق هذا الهدف تستطيع
الدولة أن تغير من طلبها للسلع و الخدمات أو أن تؤثر على طلب الأفراد و المشروعات
(بتخفيف أو زيادة أعبائهم الضريبية) أو على حجم الاستثمارات أو مقدار السيولة.
فتطبيق هذه القاعدة قد يؤدي إلى وجود عجز أو فائض أي التخلي عن مبدأ توازن
الميزانية، و أهمية الالتجاء إلى مبدأ عدم توازن الميزانية كأداة لتحقيق التوازن
على المستوى الوطني و استقرار الأسعار.
و تؤكد النظرية المالية التعويضية على
أن الاعتبار الموجه في كل الأوقات يجب أن يكون هو حالة الاقتصاد[6] ، فإذا كان الإنفاق الخاص
بالنسبة للفرد و المشروعات في حالة انهيار فإن الإنفاق العام يجب أن يزداد أو تخفض
الضرائب بهدف تشجيع الإنفاق الخاص.
و في بعض المواقف يمكن استخدام كل من
وجهتي السياسة التعويضية: زيادة النفقات و خفض الضرائب في نفس الوقت، و يكون العكس
بطبيعة الحال هو ضرورة خفض الإنفاق العام أو زيادة الضرائب أو كلاهما كلما زاد حجم
الإنفاق الخاص و تستند السياسة التعويضية في تحقيق أهدافها على دعامتين أساسيتين[7] هما التأثير على الاستهلاك
و التأثير على الاستثمار.
3-2-1-
التأثير على حجم الاستهلاك
هناك وسيلتان ماليتان
هما تخفيض الضرائب و زيادة بعض أنواع الإنفاق العام، فتخفيض الضرائب خلال فترة
الركود يؤدي إلى زيادة الإنفاق و ما ينتج عنه من ارتفاع القوة الشرائية المتاحة
للأفراد و المشروعات، و تكون الضرائب غير المباشرة المفروضة على السلع الاستهلاكية
أكثر فعالية في هذه الحالة. من تخفيض الضرائب على الدخل لأنه من الصعب قياس آثار
تخفيض ضرائب الدخل لتوقفها على كيفية توزيع الدخل الوطني بين الفئات الاجتماعية
المختلفة و ميولها الاستهلاكية.
أمّا الوسيلة الثانية لزيادة الاستهلاك
هي زيادة بعض أنواع النفقات العامة و خاصة النفقات الاجتماعية و التحويلية، حيث أن
هذه الزيادة تؤدي إلى تجنب المنافسة بين القطاعين الخاص و العام التي توجد في حالة
قيام هذا الأخير بمشروعات معينة ، و إلى جانب هذه الوسائل التي تتخذ في مجال
الموازنة للتأثير على مستوى الاستهلاك توجد وسيلة أخرى تستطيع الدولة أن تلجأ
إليها لتثبيت الأوضاع الاقتصادية هي سياسة الأجور.
3-2-2-
التأثير على الاستثمار
تستطيع
الدولة أن تقوم باستثمارات عامة مباشرة كما تستطيع أن تؤثر على حجم الاستثمارات في
القطاع العام و الخاص و ذلك عن طريق وسائل التمويل التي تضعها تحت المشروعات من
إعانات و قروض و عن طريق المعاملة الضريبية و تحديد مستوى سعر الفائدة.
و
للتأثير على الاستثمارات الخاصة نجد أن الدولة لا تستطيع التدخل إلا عن طريق وسائل
غير مباشرة بالتخفيضات الضريبية و الإعانات أي مجموعة الإجراءات التي تؤدي إلى
زيادة الموارد المالية للمشروعات و تحسين مستوى ربحيتها.
ممّا
سبق يتضح أن السياسة المالية التعويضية هي سياسة دورية أي أنها تتطلب عملاً مالياً
مستمراً ، كما أن توقيت عملها يمتد ليغطي مرحلتي الانكماش و التضخم.
[1] - عطية عبد الواحد، مرجع سابق،
ص68.
[2] - نفس المرجع، ص69.
[3] - عطية عبد الواحد، دور السياسة
المالية في تحقيق التنمية، مرجع سابق، ص ص 70- 71.
[4] - عطية عبد الواحد، مرجع سابق، ص71.
[5] - باهر محمد غتلم، سامي السيد، اقتصاديات المالية العامة، دار الثقافة العربية، 1998، القاهرة، ص614.
[6] - السيّد عطية عبد الواحد، مرجع سابق، ص75.
[7] - باهر محمد غتلم، سامي السيد، مرجع سابق، ص ص 615- 616.